الصفـحة الرئيـسية باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا
إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
الدائرة الرابعة موضوع
الحكم الصادر بجلسة 17/ 6 / 2017
فى الطعن رقم 27047 لسنة 61 ق . عليا

المقـــام مـن

ضــــــد

النيابة الإدارية
فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنوفية بجلسة 26/ 1/ 2015 فى الدعوى رقم (199) لسنة 13 ق


الإجراءات

فى يوم الاثنين الموافق 9/ 2/ 2015 أودع أنور درويش أبو ناشى المحامى بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعنـين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 27047 لسنة 61 ق 0 عليا ، في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنوفية بجلسة 26/ 1/ 2015 فى الدعوى رقم (199) لسنة 13 ق القاضى "بمجازاة المحالين بالفصل من الخدمة "
وطلب الطاعنـون - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ، والقضاء مجدداً ببراءة الطاعنين مما أسند إليهم ، مع ما يترتب على ذلك من آثار .
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ، ارتأت فيه الحكم ، بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ، والقضاء مجدداً بمجازاة الطاعنين بالجزاء الذى تقدره المحكمة
ونظرت الدائرة الرابعة فحص بالمحكمة الإدارية العليا الطعن ثم قررت إحالته إلى هذه المحكمة لنظره حيث تدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .

المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات ، والمداولة قانوناً .
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً ، ومن ثم يكون مقبول شكلاً .
ومن حيث إن عناصر الطعن تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ في أنه بتاريخ 3/ 7/ 2014 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 199 لسنة 13 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالمنوفية متضمنة ملف تحقيقاتها فى القضية رقم 207 لسنة 2014 نيابة أشمون ، وتقرير باتهام كل من :
1. عبد السلام محمد عبد السلام النحاس كاتب بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثالثة
2. عيد إبراهيم عبد الله الصيفى معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثالثة
3. أحمد السيد أحمد سراج أخصائى تسويق بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
4. شوقية زكريا أحمد حمودة معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الأولى
5. محمد عبد الحميد محمد قنديل مراجع حسابات بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
6. رضا محمد عبد المطلب مدكور معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الأولى
7. خالد زغلول سعد حجران معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
8. نادر محمد فتحى ناصف معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
9. هانى عبد الحليم محمد خليف مراجع مالى بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
10- عبد الله سعيد السيد محمود معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
11- محمد عبد الحليم إبراهيم السيسى معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثالثة
12- أحمد السيد عبد الباقى السيد محاسب بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثالثة
13 - عماد رشدى محمد راشد معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
14- إيهاب عبد المنعم عبد المقصود على كاتب بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
15 - محمد نبوى محمد عطية مراجع حسابات بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
16 - أسامة حامد زاهر سلام مدخل بيانات بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
17 - محمود فتحى سلامة كشك معاون بريد بمكتب بريد أشمون الرئيسى بالدرجة الثانية
وذلك لأنهم خلال الفترة من 23/ 2/ 2014 حتى 27/ 2/ 2014 بوصفهم السابق ومقر عملهم بمكتب البريد الرئيسى بأشمون محافظة المنوفية ، لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة وسلكوا مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة وخرجوا على مقتضياتها وذلك بأن اضربوا عن العمل بمكتب بريد أشمون خلال الفترة من 23/ 2/ 2014 حتى 27/ 2/ 2014 على النحو الموضح تفصيلاً بالأوراق .
وتدوول نظر الدعوى أمام المحكمة المذكورة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها ، وبجلسة 26/ 1/ 2015 أصدرت حكمها المطعون فيه القاضى "بمجازاة المحالين بالفصل من الخدمة "
وشيدت المحكمة قضاءها على سند أن المخالفة المنسوبة إلى المحالين بكونهم اضربوا عن العمل بمكتب بريد أشمون خلال الفترة من 23/ 2/ 2014 حتى 27/ 2/ 2014 فإن تلك المخالفة ثابتة فى حقهم ثبوتاً يقينياً وذلك على النحو الثابت بتحقيقات النيابة الإدارية فى القضية رقم 207 لسنة 2014 نيابة أشمون الإدارية ، إذ قرروا جميعاً بتلك التحقيقات أنهم اشتركوا فى الإضراب عن العمل بمكتب بريد أشمون ، وأن ما ورد بالشكاوى المقدمة للنيابة الإدارية فهو صحيح مما أدى إلى تعطل العمل بالمكتب ، بهدف تحقيق مطالب العاملين بتحسين الدخل بتطبيق الحد الأدنى وهيكلة الأجور ، وهو ما تأيد بشهادة الشاكى/ وليد عبد المرضى محمد سليم وشهادة الشاكية/ صباح سعيد محمود وشهادة أميرة كمال على أبو ضلع والذين أكدوا أنهم قد توجهوا إلى مكتب بريد أشمون أيام 23 ، 24 ، 25 ، 26 ، 27/ 2/ 2014 إلا أنهم وجدوا المكتب مغلق فتقدموا بشكاوى ضد العاملين بهذا المكتب لتضررهم من إضراب العاملين بمكتب البريد مما حال بينهم وبين قضاء مصالحهم ، وهو ما يشكل ذنباً تأيبياً فى حق المحالين قوامه الخروج على مقتضى الواجب الوظيفى مما يتعين معه مجازاتهم تأديبياً .
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ، وذلك لأنه طبقاً لأحكام الدستور الصادر فى عام 2014 فإن الإضراب السلمى حق ينظمه القانون ، وطبقاً للاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16/ 12/ 1966 والتى وقعت عليها مصر بتاريخ 4/ 8/ 1967 فإن الإضراب حق يمارس طبقاً لقوانين القطر المختص ، وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنة 1981 بشأن الموافقة على الاتفاقية المشار إليها ونشر فى الجريدة الرسمية بتاريخ 8/ 4/ 1982 وبعد أن وافق عليها مجلس الشعب وبالتالى أصبحت قانون من قوانين الدولة واجب التطبيق ، ولما كانت هذه الاتفاقية تكفل الحق فى الإضراب ، وإذ لم يستند حكم أول درجة إلى أى نص تشريعى لاحق يجرم الإضراب ، كما أن أى قانون سابق على الاتفاقية قد ألغى بمقتضى هذه الاتفاقية ، وبالتالى فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف صحيح حكم القانون فيما قضى به من إدانة الطاعنين على استخدام حقهم المشروع فى الإضراب السلمى عن العمل للمطالبة بحقوقهم المشروعة ، كما شاب الجزاء الموقع على الطاعنين بالفصل من الخدمة الغلو وعدم التناسب مع المخالفة المنسوبة إليهم لأن الإضراب لم يترتب عليه تعطيل العمل لأن الإضراب كان جزئياً وقد روعى فيه سير العمل ، كما شاب الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع لعدم الرد على ما قدمه الطاعنون من مستندات جوهرية أثناء نظر الدعوى التأديبية ، كما شاب الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال لأن ما استند إليهم الحكم المطعون فيه من تقدم بعض المواطنين بشكاوى ضد الطاعنين مردود عليه بأن هؤلاء الشاكين قد تقدموا بإقرار موثق بالشهر العقارى يفيد بأنهم لم يصيبهم أى ضرر لأن العمل كان يسير بشكل تبادلى بين الموظفين وتم تنفيذ العمل على النحو المطلوب ، كما أنه بمراجعة دفاتر الحضور والانصراف يتبين أن قوة العمل بمكتب البريد كانت تتراوح ما بين 7 ، 8 موظفين فى أيامه العادية وكان العمل يسير على خير وجه كما كان العاملين بالمكتب أثناء الاعتصام ، وتم تقديم شهادة من هيئة البريد تثبت ذلك ، ومتى كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه ، يكون قد صدر مخالفاً لصحيح حكم القانون ويكون جديراً بالإلغاء .
ومن حيث إنه بخصوص التطور التشريعى والقضائى حيال حق الإضراب فإنه بالنسبة للعاملين بالمرافق العامة لم يكن إضراب العاملين فى المرافق العامة معاقباً عليه جنائياً فى مصر حتى عام 1923 اكتفاءً بالعقوبات التأديبية التى يمكن توقيعها على العاملين المضربين بسبب الامتناع عن أداء العمل أياً كان طبيعة هذا الامتناع ، والتى قد تصل إلى حد العزل من الوظيفة لأن مثل هذا الامتناع يشكل مخالفة للقواعد التى تحكم الوظيفة العامة ولما ظهرت مخاطر حركات العمال العنيفة ، وجد المشرع أن الجزاءات التأديبية غير رادعة ، وأنه لا بد من وضع عقوبات جنائية تضمن استمرار المرفق فى أداء خدماته للجمهور ولهذا أدخل تعديلات على قانون العقوبات الصادر سنة 1904 وذلك بمقتضى القانون رقم 37 لسنة 1923 وهذه المواد هى المادة 108 مكرر والخاصة بإضراب الموظفين والمستخدمين العموميين والمادة 327 مكرر والخاصة بإضراب العاملين فى مرافق تدار عن طريق الامتياز وظل هذا القانون سارياً حتى سنة 1946 عندما تدخل المشرع بتشديد العقوبات القديمة بمقتضى المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 1946 ثم بالقانون رقم 24 لسنة 1951 ثم بالقانون رقم 29 لسنة 1982 بحيث أصبح الإضراب محظوراً على كافة العاملين فى جميع المرافق العامة أياً كان أسلوب إدارتها سواء التى تدار بالطريق المباشر أو التى تدار بالطريق غير المباشر عن طريق الامتياز ، وفى ظل وجود النصوص الواردة بقانون العقوبات والمتعلقة بتجريم الإضراب انضمت مصر إلى الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/ 12/ 1966 وقد وقعت مصر على هذه الاتفاقية فى الرابع من أغسطس عام 1967 وقد تحفظت الحكومة المصرية فى وثيقة التصديق تحفظاً عاماً هو الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارض الاتفاقية معها ، وبتاريخ 1/ 10/ 1981 أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 537 لسنة 1981 بشأن الموافقة على تلك الاتفاقية مع الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها ، ثم أصدر وزير الخارجية قراراً بنشر هذه الاتفاقية فى الجريدة الرسمية ، وبتاريخ 8/ 4/ 1982 تم نشرها فى الجريدة الرسمية بالعدد الرابع عشر، على أن يعمل بها اعتباراً من تاريخ 14/ 4/ 1982ومنذ هذا التاريخ وهذه الاتفاقية أصبح لها قوة القانون تطبيقاً لنص المادة 151 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر فى سنة 1971 والتى نصت على أن رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان ، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة ، وقد أكدت الاتفاقية سالفة الذكر فى المادة الثامنة منها على أن تتعهد الدول الأطراف فى الاتفاقية الحالية بأن تكفل الحق فى الإضراب على أن يمارس طبقاً لقوانين الدولة المختصة.
ونخلص مما تقدم أن هذه الاتفاقية قد أباحت الإضراب ولا تستطيع مصر بعد أن صدقت عليها ، أن تحظر الإضراب بشكل مطلق مع مراعاة أن الاتفاقية لم تفرق فى نطاق مشروعية الإضراب بين عمال المرافق العامة وعمال القطاع الخاص وكل ما تستطيعه مصر هو تنظيم هذا الحق بعد أن أصبحت الاتفاقية جزءاً من التشريعات المصرية فإذا تعارضت مع قانون سابق فإنها تلغى هذا القانون السابق إلغاءاً ضمنياً ، ومن هنا فإن أحكام الإضراب الواردة فى قانون العقوبات قد ألغيت ضمناً اعتباراً من نفاذ هذه الاتفاقية ، وبذلك أصبح الإضراب مشروعاً فى مصر ، ( الإطار القانونى لممارسة حق الإضراب فى المرافق العامة دراسة مقارنة د/ أحمد محمد أبو حمزة دار النهضة العربية ص 111 ، ورسالة دكتور/ على عبد الفتاح خليل الموظف العام وممارسة الحرية السياسية القاهرة سنة 2002 ص 512 ) .
وتطبيقاً لهذا النهج قضت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بجلسة 16/ 4/ 1987 فى قضية النيابة العامة رقم 4190 لسنة 86 الأزبكية (121 كلى شمال ) ببراءة كافة المتهمين فى الاتهامات المنسوبة إليهم بشأن تعطيل سير قطارات السكة الحديد عمدا مما أدى إلى خسائر مالية للهيئة واستعمال القوة والعنف والتهديد مع موظفين عموميين لحملهم بغير وجه حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال ووظيفتهم وذلك لتحقيق غرض مشترك وهو الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم المالية وكان من شأن ذلك أن يحدث اضطرابات وأضرار بمصالح عامة ، واستندت المحكمة فى حكمها إلى مشروعية الإضراب طبقا لما سبق وأوضحناه نفاذ للاتفاقية الدولية سالفة البيان والتى تبيح الإضراب ، وأن ما حدث نتيجة الإضراب لا يمكن المعاقبة عليه ، خاصة وأنه لم يثبت ارتكاب المتهمين لأى أفعال سوى الامتناع عن العمل .
ومن خلال تتبع اتجاه محاكم مجلس الدولة فى هذا الخصوص فقد سار قضاء مجلس الدولة المصرى على نفس النهج القضائى السابق لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ مؤكداً على أن نصوص الاتفاقية واجبة التطبيق وإلى شرعية الحق فى الإضراب ، باعتباره أحد مظاهر حرية التعبير عن الرأى للدفاع عن المصالح المهنية حيث أنه فى أحدى الدعاوى قًدم أحد العاملين بمصنع غزل المنيا إلى المحكمة التأديبية بأسيوط لمحاكمته عما نسب إليه من أنه قام بطبع منشورات تضمنت عبارات تؤدى إلى إثارة العاملين بالشركة وتحريضهم على الإضراب بما من شأنه الإضرار بالسلم ، وقضت المحكمة التأديبية بمجازاة العامل بخصم شهر من أجره " وذلك تأسيـسا على أنه بمطالعة المنشور الذى اعترف الطاعن بتوزيعه يوم 12/ 7/ 1987 خـارج البـوابة على الوردية الأولى والثانية فـى أثناء دخـول وخـروج العاملين وكـذلك فى صباح يوم 13/ 7/ 1987، يبـين أنه فضلا عن ما جاء به من تحريض العاملين على الإضراب لتحقيق مطالب ذكرها باعتبارها رأس الأسلحـة التى تساعدهم على تحقيق هذه المطالب فإنه يحـاول بث التفرقة بين فئات الشعب فى ظروف تقتضى تماسك فئات الشعب بجميع طبقاتها لتحقيق أقصى أهداف التنمية الاقتصادية ، وإذ كـان ما نسب إلى المتـهم ثابت فى حـقه باعترافه وبشهادة من سمعت أقوالهم فى التحقيقات ومن مطالعة المنشورات التى قام بتوزيعها مما يشكل فى حـقه ذنبـا إداريا قوامه، الإخـلال بواجـبات وظيفته والخـروج على مقتضياتها والتى تتطلب من العامل ألا يتخـذ من معاناة الطبقة الكادحة ذريعة لحثهم على الإضراب عن العمل وأن لا يحدث الفرق بين صفوف العاملين بالشركة لذلك فإنه أيا كان الرأى بالنسبة لحق الإضراب ومدى مشروعيته حتى بعد انضمام مصر للاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والثقافية التى وقعت عليها جمهورية مصر العربية والتى تعهدت فيها الدول الأعضاء للأطراف فى الاتفاقية على أن تكفل الحق فى الإضراب طبقا لقوانين القطر المختص فـإنه هناك بونا شاسعا بين الإضراب وهو عمل تلقائى جماعى وبين التحريض على الإضراب والحث عليه وكل عامل يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته يعاقب تأديبيا فالذنب التأديبى يختلف عن الجريمة الجنائية لا يخضع لقاعدة لا جـريمة بغير نص. وإنما يجـوز لمن يملك قانونا سلطة التأديب أن يرى فى أى عمل إيجابـى أو سلبى يقع من العامل عند ممارسته أعمال وظيفته ذنبا تأديبيا إذا كان ذلك لا يتفق مع واجبات الوظيفة ومن حيث إن ما نسب إلى المتهم ثبت فى حقه على النحو سالف الذكر وقد بات يشكل ذنبا إداريا على النحو المشار إليه، الأمر الذى يستأهل عنه العقاب التأديبى والذى تقدره المحكمة بخصم شهر من أجره ( حكم المحكمة التأديبية بأسيوط فى الدعوى رقم 285 لسنة 15 قضائية جلسة 26/ 2/ 1989)
ومن حيث إنه قد طعن على الحكم المذكور أمام المحكمة الإدارية العليا التى انتهت إلى رفض الطعن وأسست المحكمة قضاءها على أنه "ولئن كان رئيس الجمهورية قد أصدر بتاريخ 1/ 10/ 1981 قراره رقم 537 بالموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية والثقافية التى أقرتها الجـمعية العامة للأمم المتحدة فى 16/ 12/ 1966 والتى وقعت عليها جـمـهورية مصر العـربيـة بتاريخ 4/ 8/ 1967 كـمـا تم التصـديق عليـها بتاريخ 8/ 12/ 1981 ومن ثم أصدر نائب رئيس الوزراء ووزير الخـارجـية قـراره بنشر هذه الاتفاقية بالجريدة الرسمية على أن يعمل بها اعتبارا من 14/ 4/ 1982 وكان مقتضى ما تقدم أن هذه الاتفاقية التى نصت الفقرة (د) من المادة الثامنة منها على الحق فى الإضراب على أن تمارس طبقا لقوانين القطر المختص سارية فى جمهورية مصر العربية اعتبارا من التاريخ المذكور إلا أن هذه الاتفاقية فضلا عن أنها لا تعطى للعامل فى شركات القطاع العام الحق فى أن يدعو للإضراب ويحرض عليه بما فى ذلك من زعزعة للأمن العام وإخـلال بالسكينة العامة ويؤدى إلى شيوع الفوضى داخل العمل مما ينعكس بالضرورة على سير العمل وانتظامه بالوحدات الاقتصادية ويعد إخلالا جسيما من العامل بواجبات وظيفته تلك التى تحتم عليه ألا يقوم بما من شأنه الإخلال بحسن سير العمل بانتظام واطراد أو ما يؤدى إلى قلقلة الأمن الاقتصادى للوحدة التى يعمل بها 0
وإذا كان الثابت أن الطاعن باعترافه قد قام بتوزيع منشورات على عمال المصنع الذى يعمل به تتضمن بعض المطالب داعيا إلى استخدام سلاح الإضراب لتحقيقها ، فإن المحكمة إذ أدانت سلوكه إنما تكون قد استخلصت النتيجة التى انتهت إليها استخـلاصا سائغا ومقبولا من أصول تنتجـها ماديا وقانونا ، يكون الطعن والحـالة هذه على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضه ، ولا وجـه لقول الطاعن بأنه قام بتوزيع المنشورات خـارج الوحـدة الاقتصادية التى يعمل بها بعد إذ كـان الثـابت أنه يقوم بتوزيع هذه المنشورات على العاملين بالمصنع الذى يعمل به مما ينعكس بالضرورة على حسن سير العمل وانتظامه"
[ حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 1932 لسنة 35 ق جلسة 25/ 1/ 1994 ]
وبعد ثورة 25 يناير سنة 2011 تباينت أحكام المحاكم التأديبية بمجلس الدولة فقد قضت المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم ببراءة 29 من العاملين بمستشفى الدعاة وأكدت على مشروعية الإضراب وخصوصاً بعد ثورة 25 يناير لسنة 2011 وذلك بتقريرها أن "ومن حيث إن مفاد ما تقدم - وبالقدر اللازم للفصل فى الدعوى الماثلة - أن الأصل العام المقرر دستورياً والمتطلب ديمقراطياً هو وجوب كفالة حماية الموظفين العموميين فى أداء واجباتهم من كفالة حرية التعبير عن آرائهم بخصوص المشاكل المتعلقة بشروط وظروف العمل داخل المرافق التى يعملون بها ، وإذا كان التعبير عن الرأى فى هذا المجال يمكن أن يأخذ صوراً متعددة ، فإن الإضراب عن العمل أضحى بعد قيام الخامس والعشرين من يناير 2011 الوسيلة الأكثر شيوعاً للتعبير عن آراء الموظفين العموميين بصدد المشاكل والصعوبات التى تتعلق بأوضاعهم الوظيفية والإضراب عن العمل ما هو إلا توقف كل أو بعض العاملين فى مرفق معين أو أكثر من مرافق الدولة عن مباشرة العمل غير قاصدين التخلى عن وظائفهم نهائياً وذلك بقصد الضغط على الإدارة - جهة عملهم - لتحقيق مطالبهم بشأن تحسين ظروف وشروط العمل وأوضاعهم الوظيفية 0
وتضيف المحكمة أنه " ومتى كان ذلك فإن الاتفاقية المشار إليها وقد نشرت فى الجريدة الرسمية فى الثامن من أبريل 1982 بعد أن وافق عليها مجلس الشعب تعتبر قانوناً من قوانين الدولة وما دامت لاحقة على قانون العقوبات ولائحة المخالفات والجزاءات الصادرة بالكتاب الدورى للجهاز المركزى للتنظيم والإدارة رقم 39 لسنة 1981 سالفة الذكر ، فإنه يتعين اعتبار ما ورد بهما من نصوص تحظر الإضراب وتحرمه على الموظفين العموميين بالدولة ملغاة ضمنياً بمقتضى المادة (8) فقرة (د) من الاتفاقية المشار إليها والتى نسخت المادة 124 من قانون العقوبات وكذا البند 2 سادسا الوارد بلائحة المخالفات والجزاءات المشار إليها عملاً بنص المادة الثانية من القانون المدنى سالفة البيان 0
وإذا كان الإضراب حق مشروع للموظفين العموميين كوسيلة من وسائل التعبير عن الرأى ، ومباح كأصل عام لكل موظف ، فإن ممارسة هذا الحق هو القيد العام المشروع الذى يسرى على جميع الحقوق والحريات بما فى ذلك الحق فى الإضراب ، إذ يتعين إلا يترتب على ممارسة هذا الحق تعطيل مرافق الدولة بما يلحق الضرر بمصلحة جهة العمل الإدارية "
وانتهت المحكمة التأديبية إلى الحكم بالبراءة وذلك لمشروعية الإضراب فتقرر أن : " وحيث إنه عن المخالفة المنسوبة للمحالين من ( 0000) والمتمثلة فى تحريضهم لباقى المعتصمين على المشاركة فى الاعتصام على النحو الموضح تفصيلاً بالأوراق ، فإنها غير ثابتة فى حقهم ثبوتاً كافياً تطمئن إليه المحكمة لما انتهينا إليه من مشروعية الإضراب الذى قام به المحالين المذكورين بحسبانه حق مكفول للموظف العام وتم ممارسته دون تعسف أو إساءة فى استعماله " (المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها الدعوى رقم 220 لسنة 53 قضائية جلسة 30/ 4/ 2012 )
وفى فتوى هامة للجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع حول مدى مشروعية قرار الجمعية العمومية لنقابة الأطباء بالإضراب الجزئى المفتوح للأطباء العاملين بالمنشآت التابعة لوزارة الصحة وبيان الجهة التى يلتزم الطبيب بتنفيذ أوامرها هل جهة العمل أم النقابة وسلطة كل جهة فى إحالة الطبيب إلى التحقيق والمساءلة التأديبية وقد انتهت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع إلى :
• أولاً: الاعتراف بالإضراب كحق كفلته الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووقعت عليها جمهورية مصر العربية، وتم التصديق عليها بتاريخ 9/ 12/ 1981.
• ثانياً : إزاء حالة الفراغ التشريعي في شأن تنظيم ممارسة الحق في الإضراب للموظفين العموميين فإن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع تهيب بالمشرع التدخل لتنظيم ممارسة هذا الحق بالنسبة لهم طبقاً لأحكام الاتفاقية المنوه عنها لاسيما في المرافق العامة التي تقدم خدمات حيوية للمواطنين .
• ثالثاً: وجوب ممارسة الحق في الإضراب طبقا لأحكام هذه الاتفاقية لاسيما بالنسبة للعاملين بالمرافق العامة دون تعسف ، وبمراعاة مقتضيات النظام العام والاحتياجات الأساسية للدولة ولمواطنيها وانتظام سير مرافقها العامة .
• رابعاً : وجوب قيام السلطة المختصة في المرافق العامة وبصفة خاصة المرافق التي تقدم خدمات حيوية للمواطنين بوضع القواعد اللازمة لممارسة الحق في الإضراب للعاملين بتلك المرافق تحت رقابة القضاء نزولاً على ضرورات سير المرافق العامة بانتظام واضطراد .
• خامساً : مجاوزة قرار الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء في الحالة المعروضة للحدود المشروعة لممارسة حق الإضراب ؛ ومخالفته للطبيعة القانونية للنقابات المهنية .
• سادساً : عدم جواز إلزام الأطباء بقرار الجمعية العمومية غير العادية للنقابة في الحالة المعروضة ، مع عدم الإخلال بحق جهة العمل في مساءلتهم تأديبياً في المستقبل في حالة تجاوز الضوابط المقررة لممارسة الحق في الإضراب طبقاً لما كشف عنه هذا الإفتاء .
وذلك كله على النحو المبين بالأسباب .
(فتوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع رقم 895 فى9/ 12/ 2012 ملف رقم86/ 6/ 681 جلسة 3/ 10/ 2012)
وتأييداً للاعتراف بالحق فى الإضراب السلمى فقد نصت المادة 64 من دستور سنة 2012 وكذلك المادة 15 من دستور سنة 2014 على أن الإضراب السلمى حق ينظمه القانون ، ومن هنا كان واجباً أن تتغير نظرة القاضى الإدارى من اعتبار الإضراب عملاً مجرماً معاقب عليه إلى اعتباره حقاً مشروعاً ، وهو ما تم فعلا فى الغالب الأعم من الحالات ، فيما عدا الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 24587 لسنة 61 قضائية 0 عليا والذى انتهت فيه المحكمة إلى عدم مشروعية الإضراب استناداً إلى أحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم تجاهلت إعمال الاتفاقية السابق الإشارة إليها والتى جعلت الإضراب حقاً استناداً إلى ضرورة توافق الاتفاقية مع أحكام الشريعة الإسلامية وهو الأمر المتحقق ، كما تجاهلت دستورى 2012 ، 2014 واللذين نصا على مشروعية الإضراب السلمى ، وفيما عدا هذا الحكم اطردت الأحكام على الاعتراف بالإضراب السلمى إلا أنها لم تتجاهل معاقبة الموظف عن الأفعال التى أقترنت بالأضراب وشكلت فى ذات الوقت مخالفة تأديبية مستقلة عن المخالفة المتعلقة بالإضراب ، فقد قرر الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 19485 لسنة 59 ق 0 عليا بجلسة 26/ 7/ 2015 ومن حيث إن مفاد ما تقدم أنه بموجب دستور 2012 ثم دستور 2014 لم يعد الإضراب السلمى منحه ، بل صار من الحقوق الدستورية المكفوفة لكل فئات العمال بغض النظر عن طبيعة الجهة التي يعملون بها أي سواء بالقطاع الحكومى أو العام أو الخاص ، بمعنى أنه أضحى معترفا به كحق مشروع من حيث المبدأ ، ومنح المشرع واجب تنظيمه ، وسواء نشط المشرع أو لم ينشط لتنظيم هذا الحق علي النحو الذي يستحقه شعب عظيم قام بثورتين – ثورة الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيه – فإن استعمال العمال لهذا الحق جلبا لحقوقهم دون اضرار بالمرافق العامة ، إنما هو استعمال مشروع لحق ثابت دستوريا ولا يستوجب عقابا ، إذ أنه متى قرر الشارع حقا اقتضي ذلك حتما اباحة الوسيلة إلي استعماله ، إذ يصدم المنطق أن يقرر الشارع حقا ثم يعاقب علي الأفعال التي يستعمل بها ، فيكون معنى ذلك تجريد الحق من كل قيمة وعصفا به كلية وتحريما ومصادرة كاملة للحق ذاته .
ومن حيث إن الثابت من الأوراق والتحقيقات التي أجريت بمعرفة الشئون القانونية بمحكمة استئناف الإسماعيلية بتاريخ 8/ 3/ 2012 ، أن المطعون ضدها تعمل موظفة بقسم المطالبة بمحكمة استئناف الإسماعيلية ، وصدر القرار المطعون فيه متضمنا مجازاتها بخصم ثلاثة أيام من أجرها لما نسب إليها وآخرين تعمدوا الخروج من مقر عملهم أيام 28/ 2 ، 29/ 2 ، 1/ 3/ 2012 قاصدين مقر المحكمة دون إذن رسمى أو عذر لفرض إرادتهم وإملاء بعض المطالب علي رئاسة المحكمة ، وبسؤالها قررت أنها لم تشارك في الإضراب مع زملائها في العمل أمام المحكمة يومي 29و 1/ 3/ 2012 ، وأنها يوم 28/ 2/ 2012 وبعد أن أنهيت عملها بالشهر العقارى وجدت بعض زملائها واقفين فوقفت معهم لسؤالهم عن سبب وقفتهم ، فقرروا أن تلك الوقفة هدفها المطالبة ببعض المطالب المشروعة الخاصة بتحسين أحوالهم الوظيفية ، ثم غادرت المكان متجها إلي منزلها ، وقد تمت الموافقة علي بعضها من وزير العدل ووعد بالنظر في المطالب الأخرى لكونها مطالب مشروعة .
وقد ورد بالتحقيقات أن الإضراب الذي شاركت المطعون ضدها فيه بعض الوقت يوم 28/ 2/ 2012 كان بالتنسيق مع النقابة العامة للعاملين بمحاكم ونيابات مصر لمدة محددة ،وقد سبقه إخطار جهة الإدارة ممثلة في وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلي والنائب العام في 1/ 2/ 2012 مصحوبا بمطالبهم ، بهدف مساواتهم بزملائهم من ذات الدرجة والوظيفة العاملين في مواقع أخرى بوزارة العدل ، وتمت الاستجابة لبعض طلباتهم ، ولم يترتب عليه أي ضرر بسير العمل ، وهو ما لم تنكره الجهة الإدارية أو يثبت من التحقيقات ما يناقضه ، ومن ثم يدخل في إطار الإضراب السلمى ولا يعد سببا مشروعا لمجازاة المطعون ضدها تأديبيا ، وهو ما يتعين معه إلغاء القرار المطعون فيه الصادر بمجازاة المطعون ضدها لتخلف ركن السبب ، وكذا ما تضمنه القرار بخصوص احتساب أيام الانقطاع بلا أجر ، حيث ثبت من الأوراق والتحقيقات غياب المطعون ضدها يوم 28/ 2/ 2012 ومن ثم لا تستحق أجر عن هذا اليوم فقط ، أما عن يومي 29/ 2و 1/ 3/ 2012 فقد ثبت مباشرتها للعمل خلالهما ومن ثم تستحق أجر عنهما ، وحيث خلص الحكم المطعون فيه إلي ذات النتيجة بأسباب مغايرة ، ومن ثم يضحى قائما علي سند صحيح من الواقع والقانون ، علي أن تحل أسباب هذا الحكم محل أسباب الحكم المطعون فيه ، ويغدو الطعن عليه غير قائم علي سبب صحيح حريا بالرفض .
كما ذهبت المحكمة الإدارية العيا فى الطعن رقم 21992 لسنة 59 ق 0 عليا بجلسة 9/ 1/ 2016 وحكمها فى الطعن رقم 22314 لسنة 59 ق 0 عليا بجلسة 12/ 3/ 2016 إلى أن المشرع الدستورى قد أقر بالحق فى الإضراب واعتبره أحد الحقوق الدستورية للعامل المصرى ، ولم يقصر هذا الحق على العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل فقط ، بل أصبح الإضراب السلمى حق لجميع العاملين بالدولة سواء بالجهات الإدارية والهيئات العامة أو بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص ، بيد أن المشرع الدستورى لم يعتبر هذا الحق حقاً مطلقاً يمارسه العامل بلا قيود أو شروط ، وإنما أكد على أمرين أولهما أن الإضراب الذى أقره الدستور واعتبره حق للعامل هو الإضراب السلمى الذى يلجأ إليه العامل للتعبير عن حقوقه ومطالبه المشروعة ، وذلك بتوقفه عن العمل ، دون التأثير على سير وانتظام العمل داخل المرفق أو مكان العمل ، ودون اللجوء إلى العنف بأى شكل من الأشكال ، سواء بالقول أو بالفعل ، فلا يجوز للعاملين المشاركين فى الإضراب التعدى بالسب أو القذف على أى شخص أو مسئول أو استخدام ألفاظ خارجة تتنافى مع الأداب العامة ، كما لا يجوز حمل أية أسلحة أو ذخائر أو أدوات تعرض الأفراد أو الممتلكات للضرر أو الخطر ، كما يحظر عليهم الإخلال بالأمن أو النظام العام ، أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو إجبار باقى العاملين ممن لم يشاركوا فى الإضراب على التوقف عن العمل ، أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذائهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات ، أو تعريضها للخطر ، ومن ثم فإن الإضراب غير السلمى لا يعد إضراباً ولا يمكن اعتباره حقاً يحميه الدستور ، لأن الإضراب الذى أجازه المشرع الدستورى واعتبره حقاً هو الإضراب السلمى ، أما الإضراب غير السلمى الذى يلجأ فيه العامل إلى العنف اللفظى أو الفعلى لا يعد إضراباً وإنما يندرج ضمن المخالفات والجرائم التى يتعين أن يحاسب العامل عنها تأديبياً وجنائياً وأما عن الأمر الثانى الذى أكده المشرع الدستورى فى المادة (15) سالفة الذكر ، هو أن القانون ينظم حق الإضراب السلمى ، ومؤدى ذلك أنه يتعين أن يصدر قانون من السلطة التشريعية ينظم الحق فى ممارسة الإضراب السلمى بحيث يتضمن تحديد نطاقه بأن يكون لجوء العامل إليه للمطالبة بحقوق ومطالب مشروعة مرتبط بوظيفته وعمله فلا يجوز أن يستخدم الإضراب كوسيلة للمطالبة بحقوق ومطالب غير مشروعة أو ليست لها صلة بوظيفة العامل أو جهة العمل ، كذلك يتعين أن يحدد التشريع المنظم لحق الإضراب السلمى الشروط والإجراءات التى يتعين أن يسلكها العامل قبل اللجوء إلى الإضراب عن العمل ، بأن يكون قد لجأ إلى الطرق والوسائل القانونية فى عرض طلباته على جهة العمل ورغم ذلك لم تستجيب ، وأن يخطر السلطة المختصة القائمة على إدارة المرفق العام بقيامه بالإضراب السلمى قبل الشروع فيه بوقت كافى ، كما يتعين أن يتضمن هذا التشريع التزامات الجهة الإدارية والقائمين على إدارة المرفق باحترام حق العاملين فى الإضراب وعدم مواجهة هذا الإضراب السلمى بالعنف أو بالتنكيل بالعامل بأى شكل من الأشكال ، وأنه يتعين عليها التدرج فى مناقشة العاملين المضربين فى مطالبهم والتفاوض معهم ، مع تحديد وقت زمنى محدد حسب طبيعة العمل بكل جهة ، للنظر فى طلبات العاملين والرد عليها وعدم التعسف بترك العاملين المضربين دون رد أو اللجوء إلى حرمانهم من أية حقوق أو مزايا وظيفية عقاباً على لجوئهم إلى الإضراب السلمى ، مع ضرورة أن يضمن التشريع المقترح أخطار النقابات والاتحادات العمالية ذات الصلة لتكون طرفاً فى محاولة التقريب فى وجهات النظر بين العاملين وجهة الإدارة أو صاحب العمل ، كل هذا فى إطار الحرص على حماية المصلحة العامة للدولة وحماية المرافق العامة ، وضمان حصول العاملين على حقوقهم المشروعة ، وأنه ولحين صدور هذا التشريع من السلطة التشريعية ، فإن ما سبق ذكره يندرج ضمن القواعد والأصول العامة التى يفرضها المنطق السليم القائم على مراعاة طرفى العلاقة والموازنة بين المصلحة العامة للدولة وحق المجتمع وبين حقوق العامل وواجباته ، ومن ثم فإذا ألتزم العامل بهذه الضوابط والأصول العامة عند ممارسته حقه فى الإضراب السلمى ، للتعبير عن مطالبه المشروعة فقام بإخطار الجهات المختصة على النحو المشار إليه ، ولم يلجأ إلى العنف فى سبيل عرض هذه المطالب ولم يؤثر على سير العمل وانتظامه بالمرفق العام أو بمكان العمل ، فإنه يكون قد مارس هذا الحق فى إطار من الشرعية الدستورية ويكون جديراً بالحماية ، ومن ثم لا يجوز مساءلته تأديبياً عن ممارسته لهذا الحق المشروع .
ومن حيث إنه هدياً بما تقدم ، ولما كان الثابت من الأوراق أن المخالفة المنسوبة للطاعنين والتى صدر الحكم المطعون فيه بمجازاتهم عنها بالفصل من الخدمة ، تتحدد فى أنهم قد أضربوا عن العمل بمكتب بريد أشمون خلال الفترة من 23/ 2/ 2014 حتى 27/ 2/ 2014 ، وكان الثابت أن هذا الإضراب الذى أشترك فيه الطاعنين إضراباً سلمياً ولم يخرج عن الإطار السلمى ولم ينسب للعاملين المشتركين فى هذا الإضراب لجوءهم للعنف بأى شكل من الأشكال ، وكان الهدف من هذا الإضراب السلمى هو عرض مطالبهم المشروعة لتحسين أوضاعهم الوظيفية والمالية وذلك بتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم وإعادة هيكلة أجورهم ، ولم يكن هذا الإضراب قاصر على العاملين بمكتب بريد أشمون الذى يعمل به الطاعنين وإنما كان على كافة مكاتب البريد على مستوى الجمهورية وبعلم الجهات المختصة بالهيئة القومية للبريد والتى استجابت لمطالب العاملين المضربين وذلك بإصدار القرار رقم 425 لسنة 2014 بمنح جميع العاملين بالهيئة حافز إضافى بنسبة 30% كما تم احتساب أيام الإضراب إجازة اعتيادية من رصيد إجازات الطاعنين ، وهو ما يستدل منه على مشروعية مطالب العاملين كما خلت الأوراق والتحقيقات من ثمة ما يفيد أنه قد ترتب على الإضراب الذى أشترك فيه الطاعنين تعطيل سير العمل بالمكتب ، لأن الإضراب كان جزئياً وكان يوجد عدد من الموظفين لتسيير أعمال المكتب خلال أيام الإضراب ، وذلك على النحو الثابت بكشوف الحضور والانصراف عن أيام الإضراب ، وهذا ما أكدته الشهادة الصادرة من نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد المؤرخة 1/ 2/ 2015 والمرفقة بالأوراق والذى أكد فيها على أن "الهيئة القومية للبريد تشهد بأنه لم يقع عليها أى أضرار أو خسائر بشأن إضراب موظفى بريد أشمون منطقة بريد جنوب المنوفية خلال شهر فبراير 2014 لأن الإضراب كان إضراباً جزئياً وقد روعى فيه سير العمل وتحقيق مصلحة الهيئة والعملاء ، كما تشهد الهيئة بأن الإضراب كان إضراباً مهنياً وليس له له أى علاقة بأى تنظيم سياسى00 ولم يتقدم أحد من العملاء بأى شكوى للهيئة تفيد بتعطيل مصلحته" ولا يقدح فى ذلك القول بأن بعض المواطنين قد تقدموا بشكاوى إلى النيابة الإدارية ضد العاملين المضربين بمكتب بريد أشمون لتعطيل مصالحهم ، لأن ذلك مردود عليه بأن الثابت من الأوراق أن ذات الموطنين الذين سبق وتقدموا بتلك الشكاوى ضد الطاعنين إلى النيابة الإدارية قد عدلوا عن شكواهم وتقدموا بتنازل عن تلك الشكاوى إلى النيابة الإدارية بيد أن النيابة الإدارية لم تعيد سماع أقوال هؤلاء المواطنين بعد تنازلهم عن شكواهم ، وقد انتهت تحقيقاتها إلى إدانة الطاعنين ، ومن ثم تكون هذه التحقيقات قد جاءت مشوبة بالقصور والنقص ، وقد ساير الحكم المطعون فيه تحقيقات النيابة الإدارية دون فحص أو تمحيص ومتى كان ذلك ، وكان الطاعنون قد مارسوا حقهم المشروع دستورياً فى الإضراب الجزئى عن العمل لعرض مطالبهم المشروعة لتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم وإعادة هيكلة أجورهم ، وقد كان هذا الإضراب سلمياً ، ولم ينسب إلى العاملين المضربين أى خروج على القانون ، وبالتالى لا يعد الاشتراك فى هذا الإضراب مخالفة أو جرم يستوجب مجازاة الطاعنين عنه تأديبياً ، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف هذا المذهب ، فإنه يكون قد صدر مخالفاً لصحيح حكم القانون ، وهو ما يتعين معه القضاء بإلغائه والقضاء مجدداً ببراءة الطاعنين مما نسب إليهم مع ما ترتب على ذلك من آثار .
ومن حيث إنه فى ضوء ما تقدم ، ومن خلال استعراض التطور التشريعى لحق الإضراب وذلك على النحو المشار إليه ، وإذ حرصت كافة الدساتير المصرية على التأكيد على أن الإضراب السلمى حق ينظمه القانون ، لذا فإن المحكمة تهيب بالمشرع سرعة التدخل لتنظيم حق العاملين فى الدولة فى ممارسة حق الإضراب السلمى عن العمل ، وذلك تنفيذاً لبنود الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتى وقعت عليها مصر وتنفيذاً لنص المادة (15) من دستور سنة 2014 سالفة الذكر ، فعلى الرغم من أن قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 قد تناول تنظيم حق الإضراب السلمى للعاملين الخاضعين لأحكام هذا القانون ، إلا أن قانون الخدمة المدنية الجديد والصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 قد خلا من تنظيم حق الإضراب السلمى للعاملين المدنيين بالدولة ، الأمر الذى تهيب معه المحكمة بالمشرع سرعة إدخال تعديل تشريعى على هذا القانون يتناول تنظيم حق الإضراب السلمى بما يتفق مع حكم المادة (15) من دستور سنة 2014 سالفة الذكر وبمراعاة الضوابط والمعايير التى حرصت المحكمة على تناولها بحيثيات هذا الحكم ، إذ أن تنظيم هذا الحق من شأنه أن ينظم العلاقة بين هؤلاء العاملين والجهات الإدارية وذلك بما يضمن حقوق العامل وبما يضمن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد .

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً ، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة التأديبية بالمنوفية فى الدعوى التأديبية رقم 199 لسنة 13 ق ، فيما قضى به من مجازاة الطاعنين بالفصل من الخدمة ، والقضاء مجدداً ببراءة الطاعنين مما نسب إليهم ، مع ما يترتب على ذلك من آثار ، وذلك على النحو المبين بالأسباب.