أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 986

جلسة 16 من مايو سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومصطفى كامل، ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمود مجاهد المستشارين.

(295)
القضية رقم 313 سنة 25 القضائية

(أ) حكم. تسبيبه. التناقض الذى يعيب الحكم. ما هيته.
(ب) جريمة مقترنة. هى ظرف مشدد للجريمة التى أقترنت بها. النص عليها فى منطوق الحكم. متى يلزم؟
1 - التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة.
2 - لا محل للنص فى منطوق الحكم على الجريمة المقترنة إذ العبرة بالجريمة الأصلية التى اقترنت بها، ذلك بأن الجريمة الأولى هى ظرف مشدد للجريمة الثانية، وإن كانت تسترد استقلالها متى انعدمت هذه الأخيرة لعدم ثبوتها أو لسبب آخر وفى هذه الحالة وحدها يتعين الحكم فى موضوعها استقلالا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: المتهم الأول قتل سلمى أبو ستة عبد الله عمدا بأن أطلق عليه عيارا ناريا من بندقية كان يحملها قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الاصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، وأقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هى أنه فى نفس الزمان والمكان السالف الذكر شرع فى قتل محمد أبو سنه عبد الله بأن أطلق عليه أربعة أعيرة نارية من بندقية كان يحملها قاصدا من ذلك قتله وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادته فيه وهو عدم إحكام الرماية: والمتهم الثانى - شرع فى قتل اسماعيل منصور على بأن أطلق عليه عيارا ناريا من بندقية كان يحملها قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الاصابات المبينة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادته فيه وهو إسعاف المجنى عليه بالعلاج والمتهم الثالث: شرع فى قتل زغلول محمد مرعى بأن أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الاصابه المبينة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادته فيه وهو اسعاف المجنى عليه بالعلاج وطلبت من قاضى الاحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 45 و46 و234/ 1 عقوبات فقرر بذلك وادعى اسماعيل منصور على بحق مدنى قدره 100 جنيه قبل المتهم الثانى. ومحكمة جنايات سوهاج قضت بمعاقبة السيد محمد على المنسوف (الطاعن الأول) بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبمعاقبة كل من السيد محمد موسى غنيم وشمندى أفكار على (الطاعنين الثانى والثالث) بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وإلزام السيد محمد موسى غنيم بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ 100 جنيه والمصروفات المدنية و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه شابه القصور إذ دانه بجريمة القتل استنادا إلى أقوال شهود الاثبات دون أن يعرض لما قاله كل شاهد فى التحقيقات وما قاله بالجلسة وذلك لإزالة ما بين القولين من تناقض أو غموض ولو فعل لوجد فيها من التناقض ما يتغير به وجه الرأى فى الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله: "حيث إن الوقائع كما تبينت للمحكمة من الاطلاع على التحقيقات وسماع الدعوى بالجلسة تخلص فى أنه بينما كان المجنى عليه سلمى أبو سنه عبد الله وأخوه محمد أبو سنه عبد الله الشهير بأبى الريش يرويان زراعتهما بناحية عرب العطيات التابعة لمركز البلينا قبل ظهر يوم الأحد 16/ 4/ 1950 طلب منهما المتهمان الأول والثانى سيد محمد على المنسوف والسيد محمد موسى غنيم أن يسدا المياه حتى يتمكنا من رى أرضهما فرفض المجنى عليهما فتركاهما ثم عادا بعد قليل وفى أثرهما المتهم الثالث شمندى أفكار على وقد حمل كل منهم بندقية وأطلق المتهم الأول مقذوفا ناريا على سلمى أبو سنه عبد الله فقتله وأطلق المتهم الثانى مقذوفا ناريا على اسماعيل منصور على الذى كان يبذر قطنا بجوارهما فأصابه و أطلق المتهم الثالث مقذوفا ناريا على زغلول محمد مرعى الذى كان يروى الزراعة المجاورة فأصابه. وحيث إن هذه الوقائع قد ثبتت للمحكمة من شهادة محمد أبو سنه عبد الله ومحمد أحمد مرعى وعبيد عبد الله مرعى واسماعيل منصور على وزغلول محمد مرعى ونائب العمدة عبد العال عبد العزيز عوض ومن المعاينة والتقارير الطبية". ثم عرض الحكم لأقوال الشهود فى التحقيقات وأمام المحكمة واستخلص منها ما يؤيد ثبوت التهمة فى حق الطاعن - لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها من عناصر الاثبات المطروحة أمامها، وكان لها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما عداها وكان ما أورده الحكم فى حق الطاعن من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى رتبها عليه فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى أن الحكم شاب أسبابه التناقض إذ استند إلى أقوال الشاهدين محمد احمد مرعى وعبيد عبد الله مرعى اللذين قررا أنهما سألا القتيل قبل وفاته فأخبرهما أن الطاعن أطلق النار عليه وقال الحكم إن شهادتهما تأيدت بالتقرير الطبى فى حين أن التقارير الطبية لا تؤيد هذا القول إذ جاء بها "أنه يرجح أن يكون المجنى عليه بقى على قيد الحياة مدة كافية لحدوث النزيف الدموى الكافى لاحداث الوفاة من الأوعية الممزقة بتجويف البطن" مما يدل على أنه أسلم الروح قبل أن يدركه الشاهدان وقد كانا على مسافة كيلو مترين من مكان الحادث وقت وقوعه.
وحيث أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد أدلة الثبوت فى حق الطاعن خلص إلى القول بثبوت التهمة فقال: "وحيث إن تهمة قتل سلمى أبو سنه عبد الله ثابتة قبل المتهم الأول مما شهد به محمد أبو سنه عبد الله واسماعيل منصور على من أنهما شاهداه وهو يطلق المقذوف النارى على المجنى عليه فيصيبه وما شهد به زغلول محمد ونائب العمدة من أنهما رأي المتهم المذكور وقت الحادث حاملا بندقية وما شهد به محمد أحمد مرعى وعبيد عبد الله مرعى من أنهم سألا القتيل قبل وفاته فأخبرهما بأن المتهم أطلق النار عليه وقد تأيدت شهادتهم بالتقرير الطبى الذى أثبت وجود إصابة نارية بالقتيل تتفق فى كيفية حدوثها مع التصوير الذى قرره الشاهد الأول الذى كان على مقربة منه وأنها هى التى سببت وفاته". لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم ليس إلا استخلاصا سائغا لا عيب فيه وكان التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر و لا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة وكان التقرير الطبى لم يجزم بحصول الوفاة فور وقوع الحادث، وكان الطاعن لم يتمسك بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك فإن الطعن على هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من أوجه الطعن أن الحكم شابه البطلان إذ لم يقض بالبراءة أو الادانة فى جريمة الشروع فى القتل التى اقترنت بها جريمة القتل بل أغفل النص عليها فى منطوقه مع أنها عرضت على المحكمة للفصل فيها لا كظرف مشدد لجريمة القتل بل على اعتبارها جريمة قائمة بذاتها.
وحيث إنه فضلا عن أنه لا جدوى للطاعن مما يثيره فى هذا الوجه فإن الحكم المطعون فيه قد عرض فى أسبابه لواقعة الشروع فى القتل ونفى وقوعها من الطاعن على أنه لا محل للنص فى منطوق الحكم على الجريمة المقترنة إذ العبرة بجريمة القتل أما الجريمة الأخرى فهى ظرف مشدد لها وإن كانت تسترد استقلاها متى انعدمت جريمة القتل لعدم ثبوتها أو لسبب آخر وفى هذه الحالة وحدها يتعين الحكم فى موضوعها استقلالا وهى بوصفها ظرفا مشددا قد اطرحها الحكم ومن ثم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن الثانى على الحكم المطعون فيه أنه شابه القصور والتناقض إذ أخذت المحكمة بجزء من أقوال الشاهد محمد أبو سنة عبد الله وأطرحت قولا آخر له كما أخذت بأقواله فى التحقيقات ولم تأخذ بأقواله أمام المحكمة برغم ما بينهما من تعارض. كذلك بالنسبة للمجنى عليه اسماعيل منصور فقد اتهم أولا الطاعن باطلاق النار عليه ثم عاد وأشرك معه آخر وأصر على اتهامهما ولم يؤيده التقرير الطبى بل أثبت أنه أصيب من عيار واحد فجاء رد الحكم بأن اتهام المجنى عليه للشخص الآخر إنما كان من قبيل التزيد مع أنه يدفع شهادته بالكذب وما كان يسوغ الاستناد إلى أقواله بعد أن تبين كذبه إذ لا يكون الشاهد صادقا وكاذبا فى وقت واحد.
وحيث إن ما جاء فى أسباب هذا الطعن لا يعدو أن يكون ترديدا لما جاء فى طعن الطاعن الأول وما قيل فى الرد عليه يكفى للرد على أسباب هذا الطعن ويتعين لذلك رفضه.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه هو قصوره فى التسبيب على النحو الوارد فى طعن الطاعن الأول وهو مردود بما سلف بيانه كما ينعى على الحكم أنه لو عنى بتتبع أقوال الشهود ولما قرره أحدهم زغلول محمد مرعى من أن الأعيرة كانت تطلق جزافا من مسافة كبيرة، لو عنى الحكم بذلك لبان له عدم توفر نية القتل لدى هذا الطاعن وهذا النعى مردود بما سبق بيانه وبما جاء بالحكم من أن "نية القتل ثابتة قبل المتهمين جميعا من أنهم استعملوا فى ارتكاب حادثهم آلات من شأنها إحداث الموت هى بنادق تطلق الرصاص صوبوها إلى المجنى عليهما الأولين فى مقتل منهما وإلى المجنى عليه الثالث نحو موضع قاتل من جسمه لو أحكمت الرماية عليه لأصاب منه مقتلا بدلا من أن يصيب يده وذلك بقصد إزهاق روحهم على أثر ما دب بين الفريقين من خلاف على الرى أثار حنق المتهمين عليهم وبعث كامن الشر فى نفوسهم".
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.