أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 22 - صـ 615

جلسة 8 من نوفمبر سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوى، وعضوية السادة المستشارين/ محمود عطيفة، وإبراهيم الديوانى، ومصطفى الاسيوطى، وعبد الحميد الشربينى.

(148)
الطعن رقم 520 لسنة 41 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) بلاغ كاذب. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". قصد جنائى. جريمة. "أركان الجريمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". سرقة.
( أ ) القضاء بالبراءة لتشكك المحكمة فى أدلة الثبوت. لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من بحث هذه التهمة بلا قيد.
صحة استناد الحكم الصادر فى تهمة البلاغ الكاذب إلى ما ثبت فى قضية السرقة المقضى فيها بالبراءة، ما دام حكم البراءة فيها قائما على الشك فى أدلة الثبوت. مثال.
(ب) تقدير صحة التبليغ من كذبه. من شأن محكمة الموضوع التى تنظر دعوى البلاغ الكاذب. شرط ذلك؟
(ج) القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب. تعريفه؟
(د) تقدير توافر القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب. موضوعى.
(هـ) جريمة البلاغ الكاذب تحققها ولو لم يحصل التبليغ من الجانى مباشرة. شرط ذلك؟
(و، ز، ح) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير عناصر الدعوى". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". بلاغ كاذب. سرقة.
(و) العبرة فى المحاكمات الجنائية. باقتناع القاضى بناء على الأدلة المطروحة عليه. حقه فى استمداد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه. ما دام له مأخذه الصحيح فى الأوراق.
(ز) النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
(ح) الخطأ فى الإسناد الذى يعيب الحكم. هو الذى يؤثر فى منطقة أو فى النتيجة التى ينتهى إليها. مثال لخطأ مما لا يعيب الحكم.
1 - إن القضاء بالبراءة فى تهمة السرقة لتشكك المحكمة فى أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد، ومن ثم فلا محل للنعى على الحكم المطعون فيه استناده إلى ما ثبت من قضية السرقة التى كان حكم البراءة فيها قائما على الشك فى أدلة الثبوت وليس عدم وجود سند للاتهام أو عدم توافر قصد الإساءة.
من المقرر أن تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع التى تنظر دعوى البلاغ الكاذب متى كانت قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها وأن تذكر فى حكمها الأمر المبلغ عنه ليعلم إن كان من الأمور التى يرتب القانون عقوبة على التبليغ عنها كذبا أم لا.
3 - إن القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب كما هو معرف به فى القانون، هو أن يكون المبلغ عالما بكذب الوقائع التى أبلغ عنها وأن يكون منتويا الكيد والإضرار بالمبلغ ضده.
4 - من المقرر أن تقدير توافر القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب من شأن محكمة الموضوع التى لها مطلق الحرية فى استظهاره من الوقائع المعروضة عليها.
5 - تتحقق جريمة البلاغ الكاذب ولو لم يحصل التبليغ من الجانى مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التى تدل على وقوعه بقصد إيصال خبرها إلى السلطة المختصة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل.
6 - العبرة قى المحاكمات الجنائية هى باقتناع القاضى بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته وله أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح فى الأوراق.
7 - من المقرر أنه لا يقبل النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.
8 - متى كان الخطأ فى الإسناد الذى يعيب الحكم هو الذى يكون له أثر فى منطقة أو فى النتيجة التى انتهى إليها، فإن الحكم المطعون فيه تنحسر عنه قالة الخطأ فى الإسناد إذا ما أشار إلى الطاعنة أشهدت شهودا على أن الخاتم المضبوط مع المطعون ضدهما مملوك لها مع أنها لم تشهد سوى شاهدين اثنين فقط.


الوقائع

أقامت المدعية بالحق المدنى دعواها بالطريق المباشر أمام محكمة مصر الجديدة الجزئية ضد الطاعنين بوصف أنهما فى يوم 24 أكتوبر سنة 1967 بدائرة قسم مصر الجديدة محافظة القاهرة: أبلغا ضدها السلطات كذبا بسوء قصد وبنية الإضرار بها بأنها سرقت المصوغات المملوكة للمتهمة الأولى. وطلبت عقابهما بالمادتين 303 و305 من قانون العقوبات وإلزامهما أن يدفعا لها مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. ومحكمة مصر الجديدة الجزئية قضت حضوريا عملا بمادتى الاتهام بتغريم كل من المتهمين عشرين جنيها وإلزامهما أن يؤديا إلى المدعية بالحق المدنى مبلغ 51 ج (واحد وخمسين جنيها) على سبيل التعويض المدنى المؤقت والمصاريف ومبلغ 100 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف الطاعنان هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهمين المصروفات المدنية الاستئنافية بلا مصروفات جنائية. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض فى ... إلخ.


المحكمةة

حيث إن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة البلاغ الكاذب قد شابه الخطأ فى الإسناد والقصور فى التسبيب والخطأ فى القانون، ذلك بأنه استند فى إدانة الطاعنين إلى أنه ثبت من قضية السرقة أن الاتهام فيها بغير سند وأن القصد منه كان الإساءة للمطعون ضدهما مع أن الحكم بالبراءة فى تلك القضية بنى على الشك فى الاتهام، كما أن الحكم أورد أن الطاعنة الأولى أشهدت شهودا على أن الخاتم الذى ضبط مع المطعون ضدها مملوك لها مع أنها لم تشهد سوى شاهدين اثنين فقط بما يكشف عن أن المحكمة لم تحط بظروف الدعوى وأدلتها إحاطة كاملة، وأيضا فإن الحكم اعتمد فى الإدانة على ما ورد وحكم به فى قضية السرقة التى تختلف عن هذه القضية موضوعا وسببا وأشخاصا وكان يتعين على المحكمة أن لا تتقيد بما اشتملت عليه أوراق تلك القضية أو حكم به فيها وأن تقوم بتحقيق وتمحيص الدليل فى الدعوى الحالية، هذا فضلا عن أن الحكم لم يستظهر توافر أركان جريمة البلاغ الكاذب التى دان الطاعنين بها.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن المدعية بالحقوق المدنية (المطعون ضدها) أقامت الدعوى بالطريق المباشر ضد المتهمين (الطاعنين) وأوردت فى صحيفتها أن المتهمة الأولى (الطاعنة الأولى) أبلغت ضدها كذبا وبسوء قصد أنها اتفقت وحرضت وساعدت خادمها على سرقة مصوغاتها وحليها التى لا زالت تحتفظ لديها ببعضها، وأن المتهم الثانى (الطاعن الثانى) أرشدها إلى ما تتحلى به المدعية من تلك المسروقات، وأن الخادم المذكور أقر فى محضر القضية رقم 3139 سنة 1967 جنح مصر الجديدة أن المتهم الثانى هو الذى حرضه على اتهام المدعية بالحقوق المدنية وذلك بقصد التشهير بها والإساءة إلى سمعتها فى عملها - كموظفة بميناء القاهرة الدولى - الذى يتطلب الأمانة وحسن السمعة، وأن ذلك جاء لاحقا على تطليق المتهم الثانى ابن المتهمة الأولى للمدعية بالحقوق المدنية وإقامتها دعوى نفقة صدر فيها الحكم غيابيا لصالحها، وأنه مما يقطع بتوافر نية الإضرار بها أن المتهمين أصرا على موقفهما من اتهامها على الرغم مما قالته فى شأن الخاتم الذى كانت تضعه فى يدها وما أسفر عنه تفتيش شخصها ومكتبها ومسكنها من عدم العثور على شيء. ثم أورد الحكم إطلاعه على الصورة الرسمية من محضر الجنحة رقم 3139 سنة 1967 مصر الجديدة والذى يبين منه الطاعنة الأولى أبلغت فى 24/ 10/ 1967 قسم شرطة مصر الجديدة بسرقة بعض حليها من مسكنها وأنها اتهمت خادمها وأنه تحرر عن ذلك محضر أقر فيه الخادم بارتكابه السرقة بتحريض من المطعون ضدها التى تعمل بميناء القاهرة الدولى، وأنها - أى الطاعنة الأولى - جاءت فى ذلك اليوم للابلاغ بأن الطاعن الثانى أخبرها بأن المطعون ضدها تتحلى فى يدها بخاتم من بين الحلى المسروقة، فانتقل المحقق إلى المطعون ضدها بمقر عملها وسألها عن ذلك الخاتم فأفادت بأنه غير مصنوع من الذهب، وتأكد المحقق من ذلك وأن شقيقتها التى تعمل بالكويت سبق أن أهدتها إياه وأن اتهامها يرجع إلى الخلافات العائلية وإلى أنها لو تستجب لطلب الطاعنين بالتنازل عن دعوى النفقة، ولما ووجه الطاعنان بما ثبت من أن الخاتم ليس من الذهب أصرا على اتهامهما للمطعون ضدها، وبتفتيش شخصها ومكتبها ومسكنها لم يعثر على شيء، وبإعادة سؤال خادم الطاعنين نفى واقعة السرقة وعدل عما سبق أن قرره فى المحضر السابق من اتهام للمطعون ضدها بتحريضه على السرقة واقتسامهما المسروقات وعلل ما أدلى به من قبل إلى أنه كان استجابة لما طلبه منه الطاعن الثانى بسبب ما بين الأخير والمطعون ضدها من نزاع، كما تضمن التحقيق المشار إليه أن الطاعنة الأولى تقدمت بعد ذلك بشهود - أحدهم من صديقاتها - لتأييد أن الخاتم المضبوط مملوك لها وأيضا قدمت المطعون ضدها شهود أيدوها فى أن الخاتم مهدى إليها من أختها التى تعمل بالكويت وغير خاص بالطاعنة الأولى. وبعد أن استعرض الحكم ما تضمنته كل من المذكرة المقدمة من المطعون ضدها والطاعنين، خلص إلى القول "وحيث إن المحكمة ترى من سرد الوقائع على هذا النحو أنه ثبت لديها أن الاتهام الذى وجهه المتهمان للمدعية بالحقوق المدنية وأصرا عليه وحاولا إثباته بكل طريق مدبر منهما ومن خادمهما... الذى اعترف بذلك تفصيلا فى التحقيقات وقال إن المتهم الثانى حرضه على اتهام المدعية بالسرقة للخلافات القائمة بينهما وقد أبلغت المتهمة الأولى بأن الخاتم الذى تتحلى به المدعية من بين المسروقات بعد أن أنكر خادمها... ما ذكره عن المدعية وحاول بشهادة الشهود أصدقاؤها إثبات أن الخاتم مملوك لها وأنه من ضمن المسروقات لإلحاق الاتهام بالمدعية، وقد ثبت للمحكمة من الجنحة المرفقة صورتها أن هذا الاتهام لا يقوم على سند وإنه كان بقصد الكيد للمدعية بسبب الخلافات بينها وبين المتهمين بسبب دعاوى نفقة، ومن كل ذلك ومما استشفته المحكمة من مطالعة أوراق الجنحة المذكورة أن الزج باسم المدعية كان القصد منه هو الكيد والإساءة إليها فى عملها وبين أهلها ومن ثم تكون جريمة البلاغ الكاذب متوافرة الأركان وثابتة قبل المتهمين الأمر الذى ترى المحكمة معاقبتهما عنها بحكم المادتين 303، و305 عقوبات". لما كان ذلك، وكان القضاء بالبراءة فى تهمة السرقة لتشكك المحكمة فى أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد، ومن ثم فلا محل للنعى على الحكم المطعون فيه استناده إلى ما ثبت من قضية السرقة التى كان حكم البراءة فيها قائما على الشك فى أدلة الثبوت وليس عدم وجود سند للاتهام أو عدم توافر قصد الإساءة. لما كان ذلك، وكانت العبرة فى المحاكمات الجنائية هى باقتناع القاضى بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته وأن له أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه طالما أن له مأخذه الصحيح فى الأوراق، وكان لا يقبل النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها وكان الطاعنان لا ينازعان فيما نقله الحكم عن تحقيقات قضية السرقة المقيدة برقم 3139 سنة 1967 جنح مصر الجديدة التى استند إليها فى قضائه بالإدانة، فإن النعى على الحكم فى هذا الصدد يكون على غير أساس. ولما كان الخطأ فى الإسناد الذى يعيب الحكم هو الذى يكون له أثر فى منطقة أو فى النتيجة التى انتهى إليها، فإن الحكم المطعون فيه تنحسر عنه قالة الخطأ فى الإسناد إذا ما أشار إلى أن الطاعنة أشهدت شهودا على أن الخاتم المضبوط مع المطعون ضدهما مملوك لها مع أنها لم تشهد سوى شاهدين اثنين فقط. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع التى تنظر دعوى البلاغ الكاذب متى كانت قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها وأن تذكر فى حكمها الأمر المبلغ عنه ليعلم إن كان من الأمور التى يرتب القانون عقوبة التبليغ عنها كذبا أم لا، وكان القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب كما هو معرف به فى القانون هو أن يكون المبلغ عالما بكذب الوقائع التى أبلغ عنها وأن يكون منتويا الكيد والإضرار بالمبلغ ضده وكان تقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التى لها مطلق الحرية فى استظهاره من الوقائع المعروضة عليها، وكانت جريمة البلاغ الكاذب تتحقق ولو لم يحصل التبليغ من الجانى مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التى تدل على وقوعه بقصد إيصال خبرها إلى السلطة المختصة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف إيراده - قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب التى دان الطاعنين بارتكابها وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان ما يقوم عليه الطعن لا يعدو وأن يكون مجرد جدل موضوعى فى تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.