أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الثانى - السنة 29 - صـ 1915

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين/ محمد الباجورى، إبراهيم فراج، صبحى رزق داود ومحمد أحمد حمدى.

(370)
الطعن رقم 846 لسنة 44 القضائية

(1، 2) عقد "تفسير العقد" "عيوب الإرادة". بطلان.
(1) تفسير عبارات العقد. رهن بعدم وضوحها فى الكشف عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين.
(2) الغلط فى القانون. للمتعاقد طلب إبطال التصرف لهذا السبب. مادتان 120، 122 مدنى شرط ذلك.
(3) إيجار الأماكن. عقد.
الاتفاق على أجرة تقل عن الأجرة القانونية للمكان المؤجر. جائز. ثبوت أن الاتفاق كان وليد غلط فى القانون. جواز التمسك بإبطاله.
1- مفاد المادة 150 من القانون المدنى أنه متى كانت عبارة العقد واضحه فى إفادة المعنى المقصود فيها فلا يجوز إخضاعها لقواعد التفسير للحصول على معنى آخر باعتباره هو مقصود العاقدين، والمقصود بالوضوح فى هذا المقام هو الارادة الحقيقية، الأمر الذى يقتضى إبطال العقد كلما وقعت الإرادة فى غلط.
2- المقرر فى قضاء هذه المحكمة وفقاً للمادتين 120، 122 من التقنين المدنى أن المتعاقد الذى وقع فى غلط فى القانون أن يطلب ابطال التصرف الذى شابه هذا الغلط متى كان جوهرياً ووقع فيه المتعاقد الآخر أو اتصل علمه به أو كان من السهل عليه أن يتبينه.
3- لئن كان يجوز الاتفاق على أجرة تقل عن الأجرة القانونية ولا يعد ذلك مخالفة للنظام العام، إلا أنه يعد من قبيل العيب الذى يشوب إرادة العاقدين أن يثبت أن هذا الاتفاق كان وليد غلط فى تبين القانون الواجب التطبيق تحققت فيه الشرائط، وهو ما يجوز معه للمتعاقد طلب إبطاله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 5237 لسنة 1971 مدنى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليها بطلب الحكم (أولاً) بعدم انطباق القانون رقم 7 لسنة 1965 على الفيلا الموضحة بصحيفة الدعوى واعتبار قيمتها الإيجارية مبلغ 19 جنيهاً و898 مليم شهرياً شاملة الضرائب التى تتحملها المطعون عليها (ثانياً) إلزامها أن تدفع له مبلغ ستين جنيها نقدا وفروق الأجرة حتى آخر يناير سنة 1969 وقال شرحاً لدعواه، بأنه استبان بعد شرائه العقار رقم 12 شارع ضريح سعد بقسم السيدة بالقاهرة أن عين النزاع كانت مؤجرة لآخر بأجرة شهرية قدرها 30 جنيه وبخضوعها لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 قدرت لجنة تقدير الايجارات الأجرة بمبلغ 19 جنيه و898 مليم شاملة الضرائب العقارية، وقد طبق سلفاه القانون رقم 7 لسنة 1965 وخفضا بالأجرة بنسبة 20% فصارت 15.885 رغم عدم انطباقه على العين المؤجرة، وإذ استأجرت المطعون عليها هذه العين بعقد مؤرخ 1/ 8/ 1967 من المالك السابق بالأجرة المخفضة وكان هذا التخفيض وليد غلط فى القانون مبطل للإرادة فقد أقام دعواه. أجابت المطعون عليها بأنها اتفقت مع المالك السابق على تخفيض الأجرة عن الحد الذى قدرته لجنة تقدير الإيجارات وهو اتفاق لا مخالفة فيه للقانون وأن الطاعن يحاج بهذا الاتفاق. وبتاريخ 30/ 4/ 1972 حكمت المحكمة - ( أولاً) - باعتبار الأجرة الشهرية مبلغ 19 جنيهاً و898 مليم شاملة الضرائب العقارية (ثانياً) بإلزام المطعون عليها أن تؤدى للطاعن مبلغ 3 جنيهات و998 مليماً اعتباراً من 1/ 11/ 1967 حتى تاريخ الحكم فى الدعوى. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 2595 لسنة 89 ق القاهرة بطلب إلغائه ورفض الدعوى. وبتاريخ 30/ 5/ 1974 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها نقض الحكم. عرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فرأت أنه جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم اقام قضاءه برفض الدعوى على سند من أن إرادة الطرفين الصريحة عبرت عن تقدير الأجرة طبقاً للمثبت فى عقد الإيجار، وأن لا محل للتحدى بوقوع غلط مفسد للرضا أو لاستجلاء حقيقة قصد المؤجر المتعاقد، تأسيساً على أن المالك كان يعلم بصدور قرار لجنة تقدير الإيجارات، ومع ذلك فقد ارتضى التعاقد على أجرة أقل مما قدرته اللجنة، وأنه لم ينص بالعقد على أية تحفظات فى شأن تحديد الأجرة بالمقارنة بعقد آخر عن عين أخرى بذات العقار، وأنه لا يعتد بالإقرار الصادر من المالك السابق المتعاقد بوقوعه فى الغلط لأنه إنما جاء خدمة للدعوى، فى حين أنه لا يكفى أن تكون عبارة العقد صريحة واضحة كى تعتبر شريعة ملزمة لعاقديه، بل يتعين أيضاً خلو إرادتهما من العيوب المفسدة للرضا، كما أن الإقرار المقدم من المالك السابق كان بناء على طلب المحكمة الابتدائية وليس نتيجة تواطؤ حسبما ذهب الحكم، خاصة وأن تحديد الأجرة بأقل من قرار لجنة التقدير والتخفيض بمعدل العشرين فى المائة قاطع فى أنه جاء نتيجة اعتقاد خاطئ بانطباق القانون رقم 7 لسنة 1965 بالإضافة إلى أنه لا يقبل عقلاً أن يقوم مالك بإرادة سليمة بتخفيض الأجرة بما يناهز نصف القيمة الأصلية المتعاقد عليها إذ أن عين النزاع كانت مؤجرة أصلاً بمبلغ 30 جنيه حددتها لجنة التقدير بمبلغ 19 جنيهاً و898 مليم بينما الأجرة الواردة بالعقد المتنازع بشأنها أصبحت 15 جنيهاً و900 مليم علاوة على أنه صدر حكمان فى نزاع مع مستأجرين آخرين لوحدتين متماثلتين فى ذات العقار انتهيا إلى وقوع المالك السابق فى الغلط وهو ما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال.
وحيث إن النعى فى محله، ذلك أنه وإن كان مفاد المادة 150 من القانون المدنى أنه متى كانت عبارة العقد واضحة فى إفادة المعنى المقصود فيها فلا يجوز إخضاعها لقواعد التفسير للحصول على معنى آخر باعتباره هو مقصود العاقدين، إلا أن المقصود بالوضوح فى هذا المقام هو الإرادة الحقيقية، الأمر الذى يقتضى إبطال العقد كلما وقعت الإرادة فى غلط، وكان المقرر فى قضاء هذه المحكمة وفقاً للمادتين 120 و122 من التقنين المدنى أن المتعاقد الذى وقع فى غلط فى القانون أن يطلب إبطال التصرف الذى شابه هذا الغلط متى كان جوهرياً ووقع فيه المتعاقد الآخر أو اتصل علمه به أو كان من السهل عليه أن يتبينه. ولئن كان يجوز الاتفاق على أجرة تقل عن الأجرة القانونية ولا يعد مخالفة للنظام العام إلا أنه يعد من قبيل العيب الذى يشوب ارادة العاقدين أن يثبت أن هذا الاتفاق كان وليد غلط فى تبين القانون الواجب التطبيق تحققت فيه الشرائط سالفة البيان وهو ما يجوز معه للمتعاقد طلب إبطاله ولما كان الواقع فى الدعوى أخذاً بتقريرات الحكم المطعون فيه أنه لا خلاف بين الطرفين المتداعيين فى عدم انطباق القانون رقم 7 لسنة 1965 على العين محل النزاع، وأن قراراً نهائياً صدر بتاريخ 31/ 12/ 1963 من لجنة تقدير القيمة الإيجارية بتحديد أجرتها بمبلغ 19 جنيهاً، 898 مليماً وهذا القانون رقم 46 لسنة 1962 شاملة الضرائب العقارية، وأن المالك السابق للعقار أجرها للمطعون عليها فى 1/ 8/ 1967 بأجرة قدرها 15 جنيهاً، 900 مليماً، وكان الثابت أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأن إرادة المؤجر السابق شابها غلط مفسد للرضا حين اعتقد خطأ انطباق القانون رقم 7 لسنة 1965 على عين النزاع فخفض الأجرة بمعدل العشرين فى المائة وفق المادة الأولى منه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه جعل عمدته فى قضائه على أن الطرفين أفرغا إرادتهما الصريحة الواضحة فى عقد الإيجار، وأنه لا محل من بعد للاجتهاد وفى سبيل تقصى حقيقة ما قصداه، إذ التذرع بوقوعهما فى الغلط، فإن الاستدلال على صحة الإرادة بمجرد وضوح العبارة ورغم التحدى بحصول العيب المبطل يعد من قبيل المصادرة على المطلوب، ويكون الحكم بذلك لم يحسم القول فى شأن دفاع الطاعن ولم يواجه ما يدعيه من تردى المؤجر السابق فى غلط بصدد تحديد الأجرة نزولاً على حكم قانون لاحق للقرار النهائى للجنة تقدير القيمة الإيجارية المسلم بعدم انطباقه على عين النزاع. لما كان ما تقدم وكان البين من مطابقة الحكم المطعون فيه إن الإقرار المقدم من المالك السابق المتعاقد مع المطعون عليها - والمتضمن أن قرار لجنة التقدير صادف محله قبل اشترائه العقار ولم يكن به عليماً - كان بناء على طلب محكمة أول درجة التى رأت إدخاله خصماً فى الدعوى، مما تنتفى معه مظنة استغلاله لخدمتها، وكان اشتراط الحكم أن يشفع المتعاقد أن التحقيق بالتحفظ والإشارة الموجبة من القانون حتى يبدأ الغلط الكامن فى الارادة فيبطلها، لا يمكن الاستدلال منه على أن المؤجر لم يكن ضحية لغلط وقع فيه، إذ التحفظ لا شأن له بتحديد الأجرة ولا هى شرط له ويكفى أعمال حكم القانون. وإذ أعرض الحكم عن تقصى حقيقة إرادة العاقدين متزرعا بالعبارة الظاهرة للعقد، وبنى قضاءه على ما ساقه من قرائن وأدلة غير سائغة ولا مؤدية إلى صحة ما خلص إليه على ما سبق تفصيله مغفلا تمحيص دفاع الطاعن رغم جوهريته فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه الفساد فى الاستدلال بما يتعين معه نقضه دون حاجة لبحث باقى الاسباب.