أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1128

جلسة 21 من نوفمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمود عزيز الدين سالم، ومحمد أبو الفضل حفني.

(212)
الطعن رقم 1799 لسنة 36 القضائية

رشوة. جريمة.
جريمة الرشوة. تحققها في جانب الموظف أو من في حكمه ولو كان العمل حقا. خروج العمل عن دائرة الوظيفة لا يمنع من قيام الجريمة. شرط ذلك: اعتقاد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو زعمه ذلك كذبا. تسوية الشارع في نطاق تلك الجريمة بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها.
يستفاد من الجمع بين نص المادتين 103، 103 مكررا المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 من قانون العقوبات - في ظاهر لفظهما وواضح عباراتهما أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف أو من في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته ولو كان حقا، كما تتحقق الجريمة أيضا في شأنه ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذبا، مما دلالته أن الشارع سوى في نطاق جريمة الرشوة بما استنه في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقا للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع، وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما زعم الموظف أو اعتقد، إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 15 فبراير سنة 1965 بدائرة قسم الخليفة محافظة القاهرة: بصفته موظفا عموميا "مدير أعمال بمراقبة مباني الأوقاف" طلب لنفسه وأخذ عطية لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته بأن طلب وقبل من تفيدة علي حسن مبلغ عشرين جنيها على سبيل الرشوة بحجة العمل على تحرير عقد إيجار مسكنها وتحديد قيمته الإيجارية مع وزارة الأوقاف. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 103 و103 مكررا من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا بتاريخ 14 مايو سنة 1966 عملا بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن مدة ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث أن مبنى الطعن الخطأ في القانون والفساد في التسبيب، ذلك بأن الحكم المطعون فيه آخذ الطاعن بجريمة الرشوة معملا في حقه المادتين 103 و103 مكررا من قانون العقوبات على اعتبار أنه تقاضى جعلا مقابل عمل من أعمال وظيفته هو إقرار حق المبلغة في الحصول على تعاقد باسمها من وزارة الأوقاف في المبنى الذي تسكن جزءا منه الأمر الذي انقضى بقبوله ولم يعد ثمة محل لوجوده أو الزعم به من قبل الطاعن ولم يدفع مبلغ الرشوة مقابل له، أما تخفيض الأجرة فلم يكن موضوع زعم، وبالتالي فإن الواقعة تعد في تكييف القانون احتيالا لا ارتشاء، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بما يجافي هذا النظر يكون معيبا بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت بيانا لواقعة الدعوى أن والد المبلغة كان مستأجرا لمبنى من وزارة الأوقاف اختص بجزء منه سكنا وأعد الباقي مدرسة, ولما توفى سنة 1964 أرادت المبلغة تغيير عقد إيجار السكن باسمها، على أن يكون عقد إيجار المدرسة باسم الورثة كلهم، ولكن الطاعن - وهو مهندس يقوم بإدارة أعمال مراقبة الأوقاف - طالبها في حضور زوجها أن تدفع له ثلاثين جنيها رشوة نظير ذلك وأفهمها في 13 فبراير سنة 1965 أنه سيحرر خطابا لصالحها بعد تسلمه مبلغ الرشوة المتفق عليه، وكان قد طلب منها في اليوم السابق أن تتصل به في تليفون منزله الذي أعطاها رقمه متى دبرت المبلغ، فأبلغت الرقابة الإدارية بما حصل، وتم ضبط الطاعن في منزل المبلغة ومعه مبلغ الثلاثين جنيها في جيب سرواله العلوي الذي زره على المبلغ الذي سبق تعليمه من النيابة العامة عند إصدار أمرها بضبطه، كما ضبط في جيب سترته الخطاب الذي كان قد أعده لإرساله لتفتيش الأوقاف قسم خامس كي يحرر العقد لصالح المبلغة. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ساقه من وجوه الأدلة التي تنتجها. ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن الذي ردده في وجه الطعن وأقسطه حقه ورد عليه بما يفنده من أن التعاقد مع وزارة الأوقاف لم يكن قد تم بالنظر إلى أن الخلاف على الأجرة كان قائما، والعمل المطلوب من الطاعن لم يكن قد أنجز فيه وعده الذي تقاضى الجعل مقابلا له، وبهذا فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أثبت واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر جريمة الرشوة التي دان الطاعن بها كما هى معرفة في القانون، وأورد على ثبوتها أدلة منتجة. ولما كانت المادة 103 من قانون العقوبات قد نصت على أن "لكل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشيا ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أووعد به" كما نصت المادة 103 مكررا المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الصادر في 19 من يوليه سنة 1962 على أنه "يعتبر مرتشيا، ويعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو للامتناع عنه" ويستفاد من الجمع بين النصين في ظاهر لفظهما وواضح عبارتهما أن جريمة الرشوة تحقق في جانب الموظف أومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته ولو كان حقا، كما تتحقق الجريمة أيضا في شأنه ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذبا، مما دلالته أن الشارع سوى في نطاق جريمة الرشوة بما استنه في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقا للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهوم منه حين يتجر فيها على أساس من الواقع، وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما زعم الموظف أو اعتقد، إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.