مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلى أخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 1278

(120)
جلسة 21 من يونيه سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت حسنين ومحمد مختار العزبي وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 2524 لسنة 6 القضائية

أ - موظف - تقدير درجة كفاية - نص المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - سلطة لجنة شئون الموظفين في التقدير - هي سلطة غير مطلقة - يتعين أن تستند إلى عناصر ثابتة ومستخلصة من ملف خدمة الموظف ومتعلقة بعمله خلال السنة، وأن تزن كفايته بموازين العناصر التي تتألف منها عند التعقيب على تقديرات الرؤساء.
ب - موظف - تقدير درجة كفايته - استناد اللجنة في تقدير كفاية الموظف بدرجة ضعيف إلى سبق توقيع جزاء عليه في ذات السنة التي قدم عنها التقرير - لا تثريب عليها في ذلك - القول بأن في ذلك ازدواجاً في الجزاء عن فعل واحد - غير صحيح.
1) ولئن صح أن يكون صدر المادة 31 من القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد جرى نصه وفق التعديل الأخير بأن يقدم التقرير السنوي عن الموظف من رئيسه المباشر، ثم يعرض على المدير المحلى للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية التي تراها، مما قد يوهم بإطلاق يد لجنة شئون الموظفين في التقدير وجواز استمداده من أي مصدر شاءت إلا أنه لا جدال في أن تقدير اللجنة المذكورة وإن لم يتقيد برأي الرؤساء المباشرين للموظف إلا أنه يتعين أن يبني على عناصر ثابتة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً ملف خدمته ومتعلقة بعمل الموظف خلال السنة التي يقدم عنها التقرير، ولا بأس أن يلم بنتائج ما عسى أن يكون قد أسند إليه من مآخذ ما دامت هذه النتائج قد حصلت تحصيلاً دقيقاً من أحكام أو قرارات قضائية، وإذ أوجب على هؤلاء الرؤساء أن يقيموا تقديراتهم على حقيقة كفايته مقرونة بعناصرها المفرقة على عدة صفات من إنتاج ومواظبة وطباع واستعداد ذهني وقدرة على تحمل المسئولية مع توخي حسن التنظيم، فإن لجنة شئون الموظفين ينبغي عند التعقيب أن تقيس الكفاية بهذه المعايير ذاتها وأن تزنها بموازين العناصر التي تتألف منها.
2) أن الجزاء الموقع على الموظف قد كشف عن حالة المطعون ضده الوظيفية خلال سنة 1957 وعن مدى كفايته في هذه السنة، ومن ثم لا تثريب على لجنة شئون الموظفين إذا ما أدخلت هذه المخالفات في اعتبارها عندما قامت بتقدير كفاية المدعي في تلك السنة وخفضت تقديره إلى ضعيف وتكون بتصرفها المذكور قد التزمت جانب الحق ومارست سلطتها في تقدير كفاية المدعي في حدود ما تقضي به المصلحة العامة إذ جاء تقديرها مستخلصاً استخلاصاً سليماً مما هو ثابت بملف الخدمة فضلاً عن أنه لم يقم دليل من الأوراق على أن لجنة شئون الموظفين قد أساءت استعمال سلطتها....
ولا حجة فيما ذهب الحكم المطعون فيه من أن تقدير درجة كفاية الموظف بدرجة ضعيف لسبق توقيع جزاء أو جزاءات عليه خلال ذات السنة التي وضع عنها التقرير إنما تعد عقوبة جديدة وتعدد للجزاء عن فعل واحد سبق أن استوفت جهة الإدارة في معاقبة المطعون ضده عنه - لا حجة في ذلك لأن تقدير كفاية الموظف إنما هو تسجيل وتبيان لحالته خلال السنة موضوع التقرير وقد رتب القانون على ذلك نتائج فعالة من ناحية العلاوة أو الترقية أو الفصل لحكمة تغياها المشرع استنهاضاً لهمم الموظفين وبغية انتظام سير المرافق مرضاة للصالح العام.


إجراءات الطعن

بتاريخ 25 من أغسطس سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير التموين عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التموين بتاريخ 27 من يونيو سنة 1960 في الدعوى رقم 1 لسنة 6 القضائية المرفوعة من إبراهيم أحمد عبد الواحد ضد وزارة التموين والذي يقضي برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة وباختصاصها وبقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بتاريخ أول يونيه سنة 1958 فيما تضمنه من تقدير كفاية المدعي عن عام 1957 بدرجة ضعيف وما يترتب على ذلك، وألزمت الوزارة المصروفات وأتعاب المحاماة - وقد طلبت الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، فأحيلت هذه الدعوى إلى دائرة فحص الطعون التي قررت إحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا حيث نظرت بالجلسات وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات المنازعة حسبما يبين من أوراقهما تتحصل في أن المدعي دعوى أمام المحكمة الإدارية في 2 من أكتوبر سنة 1952 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين فيما تضمنه من تقدير كفايته بدرجة ضعيف واعتباره كان لم يكن وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الوزارة بالمصروفات وأتعاب المحاماة، وقال شرحاً لدعواه أنه التحق بوزارة التموين سنة 1942 بالدرجة الثامنة ثم رقى إلى الدرجة السابعة في عام 1948 وكان طوال مدة خدمته يقوم بعمله خير قيام وفي يونيو سنة 1958 فوجئ بتقدير كفايته بدرجة ضعيف رغم أن تقدير رؤسائه المباشرين والمديرين كان بدرجة ممتاز ورغم مدة خدمته الطويلة التي لم تحو إلا الدقة الممتازة في العمل فتظلم إلى رؤسائه ولكن الوزارة أصرت على رأيها وأخطرته بهذا الرفض في 16 من أغسطس سنة 1958 وقال أن التقدير صدر مخالفاً للقانون للأسباب الآتية: -
(1) أنه أمضى في خدمة الوزارة زهاء 16 عاماً كان فيها مثالاً طيباً للكفاءة والنزاهة والحرص على العمل وأن ذلك ثابت بملف خدمته.
(2) جاء في التقرير السري عن عام 1957 وهو ذات العام موضوع هذه الدعوى أن الرئيس المباشر وكذلك المدير المحلي ورئيس المصلحة قدروا له درجة ممتاز، فإذا قدر من لهم هذا الاتصال المباشر في العمل والمعاملة أنه ممتاز في عمله ثم جاءت لجنة شئون الموظفين وهي بعيدة كل البعد عنه وقدرت له درجة ضعيف فإن تقديرها يكون على غير أساس سليم من القانون - فردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي حصل على ثانوية الأزهر عام 1942 وشهادة العالمية النظامية سنة 1953، 1954 - ودرجته السابعة من عشرين من يونيو سنة 1948 ويشغل وظيفة وكيل مكتب تموين أجا ندباً منذ 6 من سبتمبر سنة 1958 وقد أنذر لإهماله في تحرير محضر ضد تجار بالقرار 293 لسنة 1954، وخصم منه يومان في شأن مواعيد الحضور والانصراف بالقرار 172 لسنة 1956 وخصم منه خمسة أيام لخروجه على مقتضى الواجب بالقرار 545 لسنة 1957، ثم دفعت بعدم جواز نظر الدعوى لأنه لا رقابه للقضاء الإداري على تقديرات التقارير السرية إذ أن هذه التقارير من صميم أعمال الإدارة فلا معقب عليها ثم دفعت بعدم اختصاص المحكمة لأن المادة الثامنة وما بعدها من القانون رقم 165 لسنة 1955 وقد حددت اختصاص محكمة القضاء الإداري على سبيل الحصر وليس من بينها الطعن بإلغاء التقارير السرية، وقالت الجهة الإدارية في الموضوع أن المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على أن يقدم التقرير السري عن الموظف من رئيسه المباشر ثم يعرض الأمر على المدير المحلى للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية التي تراها وأنه يبين من ذلك أن تقدير لجنة شئون الموظفين لدرجة الكفاية نهائي أما تقديرات الرئيس المباشر والمدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة فإنها آراء استشارية وللجنة شئون الموظفين أن تأخذ بها أو تخفضها أو تمنح الموظف درجة أعلى بدليل أن المادة 31 من القانون 210 لسنة 1951 تنص على أنهم يبدون ملاحظاتهم لكي تكون أمام اللجنة للاستئناس بها عند تقدير درجة الكفاية أما قول المدعي عن مدة خدمته الطويلة وما يتمتع به من سمعة فهذا لا يخرج قرار اللجنة لتقدير كفايته عن سنة 1957 إذ أنها حين تقرر درجة كفاية الموظف إنما تراعي في ذلك الاعتبارات التي يدخل ضمنها سلوك الموظف في وظيفته وكفايته في العمل وهذا ما يعوز المدعي إذا ما نظر إلى الجزاءات الموقعة عليه والأسباب التي كانت سبباً في توقيعها وختمت الوزارة مذكرتها بأن الدعوى خالية من أي سند قانوني مما يتعين معه رفضها شكلاً وموضوعاً - وقد قدم المدعي مذكرة رد فيها على دفاع الوزارة بأنه جاز عدم رقابة محكمة القضاء الإداري على التقارير السرية فإن هذا مشروط بقيد عدم انحراف الإدارة وعدم إساءتها استعمال سلطتها وأن عيب الانحراف في دعواه ملحوظ بأن اللجنة لم تبد أسباباً لخفض درجة كفايته من ممتاز إلى ضعيف وكان لزاماً عليها أن تضع تلك الأسباب، واستطرد المدعي قائلاً بالنسبة للدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري أن قرار لجنة شئون الموظفين الصادر بتقدير كفاية الموظف بدرجة ضعيف يؤثر على حاضر الموظف أو مستقبله فهو يحرمه من أول علاوة دورية مع تخطيه في الترقية في السنة التي قدم عنها التقرير وختم مذكرته مطالباً برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وكذلك الدفع بعدم اختصاص المحكمة، وأضاف المدعي إلى أقواله سالفة الذكر في مذكرة ختامية بأن العبارة التي جاءت بالقرار المطعون فيه وهي، بعد الاطلاع على ملف خدمته وصحيفة أحواله والجزاءات الموقعة عليه قررت لجنة شئون الموظفين.... "قد جاءت بعد صدور القرار وبعد إخطاره بصورة منه، وبعد أن وضع دفاعه فيما قرره من عدم تسبيب القرار ومن أن المحكمة العليا قد أبانت في حكم لها من ضرورة هذا التسبيب أن رأت لجنة شئون الموظفين العدول عن تقرير الرئيس المباشر والمدير المحلي ورئيس المصلحة وقال أن استناد اللجنة إلى الجزاءات الموقعة عليه في الأعوام السابقة عن عام 1957 استناد في غير محله وليس اللجنة أن تضع في اعتبارها ما وقع عليه من جزاءات في أعوام سابقة لأن هذا يخرج عن نطاق اختصاصها وهو وضع تقرير عن عمل الموظف خلال سنة 1957، كما أن هذه الجزاءات كانت موضع اعتبار في الأعوام السابقة، وقال أن الجزاء الموقع عليه عام 1957 لا يندرج تحت أحد العناصر الموضوعة للتقرير وقال أن الوزارة قد أقامت على أثر صدور قرار اللجنة بترقيته من وظيفة كاتب إلى وظيفة وكيل مكتب تموين أجا - فقضت المحكمة الإدارية برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها وبقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بتاريخ أول يونيو سنة 1958 فيما تضمنه من تقدير كفاية المدعي عن عام 1957 بدرجة ضعيف وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الوزارة بالمصروفات وأتعاب المحاماة - وبنت قضاءها بالنسبة للدفع بعدم الاختصاص بأن التقدير السنوي لكفاية الموظف هو قرار إداري يرتب مركزاً قانونيا خاصاً للموظف ويصبح نهائياً بعد عرضه على لجنة شئون الموظفين كان يتضمن قرارات تدخل في اختصاص القضاء الإداري، وبالنسبة لقبول الدعوى شكلاً فإن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ أول يونيو سنة 1958 وبتاريخ 3 من يوليو سنة 1958 تقدم المدعي بتظلم رفع إلى مراقب تموين البحيرة في 7 من يونيو سنة 1958 وقد وصلها في 9 من يونيو سنة 1958 وبتاريخ 13 من يوليو سنة 1958 قررت لجنة شئون الموظفين رفض التظلم، وقد اعتمد الوزير قرار اللجنة في 16 من يوليو سنة 1958 ولم يثبت للمحكمة أن الجهة الإدارية قد ردت على التظلم خلال الستين يوماً التالية لتاريخ قيد التظلم في سجل التظلمات ثم أقام هذه الدعوى في 2 من أكتوبر سنة 1958 لذلك تكون الدعوى رفعت في الميعاد مقبولة شكلاً.
ثم استطردت المحكمة بالنسبة للموضوع بأنه ولئن كانت صورة التقرير المرسلة إلى المدعي "المطعون ضده" قد خلت من أي سبب مما يمكن معه القول بأن الأسباب التي أوردتها الوزارة في الصورة المقدمة منها للمحكمة قد أضيفت بعد صدور قرار اللجنة وبذلك يكون القرار قد صدر غير مسبب وخاصة وأن الأسباب التي أوردتها الوزارة في الصورة المقدمة منها للمحكمة لم يوقع عليها من اللجنة، ومع ذلك فإنه على فرض وجود هذه الأسباب عند صدور القرار المطعون فيه فإنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي (المطعون ضده) أنه خلا مما يشوبه فإنه حوي ما يفيد كفايته، فقد حصل في التقارير السرية السنوية عن السنوات 1953 و1954 و1955: على 69 درجة، 87، درجة، 91 درجة على التوالي أما صحيفة أحواله فقد حوت عدة جزاءات عن أعمال ارتكبت جميعها ما عدا واقعة واحدة منها في الأعوام السابقة على العام الموضوع عنه التقرير المطعون فيه - والتقرير السري كما يقضي القانون يعد سنوياً في موعد معين ليكون ترجماناً عن حالة الموظف في سنة معينة بذاتها فلا يضار الموظف بما نسب إليه في الأعوام السابقة وإلا انهارت سنوية التقرير إذ يكفي توقيع جزاء على الموظف في أي عام من الأعوام لوصفه بالضعف طوال الأعوام اللاحقة فضلاً عن ذلك فان ما أجرته اللجنة من تنزيل تقدير المدعي (المطعون ضده) من ممتاز إلى ضعيف بسبب الجزاءات الموقعة عليه هو في حقيقته مجازاة له مرة أخرى عن ذنب إداري واحد سبق أن استوفت جهة الإدارة حقها في مجازاته عنه بالخصم من راتبه والقاعدة أنه لا يجوز مجازاة الموظف عن فعل مرتين - وطعنت إدارة - قضايا الحكومة على هذا الحكم وبنت طعنها على أن لجنة شئون الموظفين بمقتضى المادة (31) من القانون 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أصبحت هي وحدها المختصة بتقدير كفاية الموظف التي تراها وأصبح هذا التقدير هو المعول فيما رتبه القانون من آثار - وأن رقابة محكمة القضاء الإداري لا تمتد إلى تقدير درجة الكفاية - إذ أن ذلك مرده إلى اللجنة المذكورة وتترخص فيه بنص القانون على الوجه الذي تراه، وإنما رقابة هذا القضاء رقابة مشروعية مناطها التحقق من أن التقرير السري وضع على النحو الذي رسمه القانون، ومن ثم فلا تثريب على اللجنة إن هي وضعت تقديرات أدنى من تقدير الرئيس المباشر أو المدير المحلي أو رئيس المصلحة ولا سبيل إلى أن تناقشها المحكمة لتعلقها بصميم اختصاصها الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها فيه، ولا يعتبر تقدير الكفاية بدرجة ضعيف عقوبة أخرى لأفعال سابقة جوزي عنها الموظف ذلك أن الجزاءات السابقة ليست إلا عنصراً من عناصر التقدير تكشف عن مدى قيام الموظف بواجبات وظيفته - كما قدمت الطاعنة مذكرة بوجهة نظرها نوهت فيها إلى أن تقدير لجنة شئون الموظفين فيما يتعلق بالكفاية من الملاءمات التقديرية للإدارة طالما أنه استخلص استخلاصاً سائغاً من مصادرة ثابتة، ولا تثريب عليها إذ قدرت درجة كفاية المطعون ضده دون المرتبة التي قدرها له رؤساؤه المباشرون طالما أنها استندت في ذلك إلى ما ثبت من صحيفة أحوال المطعون ضده وهي جزء من ملف خدمته وقد وقع عليه سبع جزاءات بالخصم من المرتب والإنذار آخرها في 25/ 5/ 1957، ومن ثم يظل أثره هذا الجزاء ملاحقاً له حتى سنة التقرير - كما وأن لجنة شئون الموظفين غير ملزمة بتسبيب قرارها فإذا ما ذكرت عبارة بعد الاطلاع على ملف خدمة الموظف وصحيفة أحواله والجزاءات الموقعة عليه فإن ذلك لا يعتبر تسبيباً منها لقرارها إنما هو بيان للإجراءات التي اتبعتها اللجنة وذكر المصادر التي استمدت منها رأيها في تقديرها لكفاية المطعون ضده - كما قدم المطعون ضده مذكرة ردد فيها دفاعه السالف وأضاف أن درجة الكفاية مسألة تقديرية بحتة تباشرها لجنة شئون الموظفين في حدود سلطتها بلا معقب عليها متى خلت من إساءة استعمال السلطة، ومن ثم فإنه ينعى على قرار لجنة شئون الموظفين الانحراف في التقدير كأن تكون قد قصدت منه الانتقام أو إفادة شخص معين وأن في هذه الحالة يجب أن يقيم المدعي الدليل، واستطرد المدعي قائلاً أن الدليل على انحراف اللجنة:
أولاً: أن دوره في الترقية للسادسة كان الأول في سنة 1958 فأبعد ليستفيد من ذلك موظفو الديوان الذين يعملون في مكاتب وكيل الوزارة ومن بينهم أحمد الحسيني الجيوشي وعواد إبراهيم وقد رقوا فعلاً للدرجة السادسة بالقرار 586 لسنة 1958 بعد إبعاد المدعي وآخرين.
ثانيا: أن تسبيب الخفض بالجزاء لم تأخذ به إلا وزارة التموين.
ثالثاً: أنها أرادت الانتقام منه لكثرة شكاويه لنقله للكادر الإداري - ثم استطرد قائلاً أن السبب الذي استندت إليه الوزارة في خفض درجته غير جدي، إذ أنها لم تعتبر الجزاءات من المخالفات الجسيمة في هذه السنة أو في غيرها، وأن هناك موظفين وقع عليهم ضعف هذا الجزاء ومنهم محمد الفطاطري ومع ذلك لم تهبط لجنة شئون الموظفين بتقديرهم إلى ضعيف، كما وأن الوزارة ناقضت نفسها في هذا التقرير إذ أنه كيف يكون ضعيفاً ثم يسند إليه وظيفة وكيل مكتب تموين في ذات السنة التي وضع عنه تقرير ضعيف، وأضاف المدعي أنه طعن على التقرير ببطلانه إذ أنه يجب أن يتم التقدير على مواد التقرير وطبقاً لعناصره وبالدرجات الحسابية.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على القرار المطعون فيه بتقدير درجة كفاية المطعون ضده عن عام 1957 بدرجة ضعيف أن الرئيس المباشر قدر له في الإنتاج 56 من 60 درجة، وفي المواظبة 10 درجات وفي الصفات الشخصية 20 من 20 درجة وفي القدرات 9 درجات من 10 فجاء تقدير كفايته بواقع 95 درجة من 100 درجة ومرتبة كفايته ممتاز ولما عرض الأمر على المدير المحلي قدر كفايته بدرجة ممتاز، ولما عرض الأمر على رئيس المصلحة وافق على تقدير كفايته بدرجة ممتاز، على أنه لما عرض الأمر على لجنة شئون الموظفين بجلسة أول يونيو سنة 1959 هبطت بالتقدير إلى درجة ضعيف مسجلة أنها أجرت ذلك بعد الاطلاع على ملف خدمته وصحيفة أحواله والجزاءات الموقعة عليه، والثابت أن هذه العبارة الأخيرة واردة في التقرير الذي أخطرت المحكمة بأصله، ولم يقم دليل من الأوراق على أن هذه العبارة أضيفت إلى هذا التقرير بعد صدور قرار لجنة شئون الموظفين في أول يونيو سنة 1957.
ومن حيث إن المادة 30 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن نظام موظفي الدولة (معدلاً بالقانون رقم 73 لسنة 1957) تنص على أن يخضع لنظام التقارير السنوية السرية جميع الموظفين لغاية الدرجة الثالثة وتعد هذه التقارير في شهر فبراير من كل عام أو في أي شهر آخر يصدر بتحديده قرار من الوزير المختص بعد أخذ رأي ديوان الموظفين ويكون ذلك على أساس تقدير كفاية الموظف بمرتبة ممتاز أو جيد أو مرضي أو ضعيف وتكتب هذه التقارير على النموذج وبحسب الأوضاع التي يقررها وزير المالية والاقتصاد بقرار يصدر منه بعد أخذ رأي ديوان الموظفين.
ومن حيث إنه ولئن صح أن يكون صدر المادة 31 من القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد جرى نصه وفق التعديل الأخير بأن يقدم التقرير السنوي عن الموظف من رئيسه المباشر، ثم يعرض على المدير المحلى للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية التي تراها، مما قد يوهم بإطلاق يد لجنة شئون الموظفين قي التقدير وجواز استمداده من أي مصدر شاءت إلا أنه لا جدال في أن تقدير اللجنة المذكورة وأن لم يتقيد برأي الرؤساء المباشرين للموظف إلا أنه يتعين أن يبني على عناصر ثابتة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً ملف خدمته ومتعلقة بعمل الموظف خلال السنة التي يقدم عنها التقرير، ولا بأس أن يلم بنتائج ما عسى أن يكون قد أسند إليه من مآخذ ما دامت هذه النتائج قد حصلت تحصيلاً دقيقاً من أحكام أو قرارات قضائية، وإذ أوجب على هؤلاء الرؤساء أن يقيموا تقديراتهم على حقيقة كفايته مقرونة بعناصرها المفرقة على عدة صفات من إنتاج ومواظبة وطباع واستعداد ذهني وقدرة على تحمل المسئولية مع توخي حسن التنظيم، فإن لجنة شئون الموظفين ينبغي عند التعقيب أن تقيس الكفاية بهذه المعايير ذاتها وأن تزنها بموازين العناصر التي تتألف منها.
ومن حيث إن لجنة شئون الموظفين قدرت كفاية المطعون ضده خلال السنة التي وضع عنها التقرير وهي سنة 1957 وخلصت إلى تقدير كفايته بضعيف منوهة في الملاحظات بأنها استقت هذا التقدير من ملف خدمته وما حواه من جزاءات موقعة عليه.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على ملف خدمة المطعون ضده خلال السنة التي وضع عنها التقرير وهي سنة 1957 أنه خرج على مقتضى الواجب وأهمل في أعمال وظيفته فنسب إليه بأنه كان قد حضر متأخراً عن مواعيد العمل الرسمية صبيحة يوم 20 من فبراير سنة 1957 وأنه لم يقم بالتفتيش على مخبز من المخابز ولم يوقع على دفتر حركة الدقيق الخاص بهذا المخبز طبقاً للأصول المقررة بمنشور وزارة التموين رقم 12 لسنة 1954 كما ظهر أن توقيعاته بدفتر الزيارات المتعلق بهذا المخبز غير جدية لتناقضها وعدم تناسقها وتداخل التواريخ بعضها في بعض مما كشف من أن هذه التوقيعات لم تكن تتم وقت المرور بالمخبز بل في مكان آخر ودفعة واحدة وقد حقق معه في شأن هذه المخالفات وثبتت إدانته عنها وأوقع به الجزاء رقم 545 لسنة 1957 بخصم خمسة أيام من مرتبه.
ومن حيث إن الجزاء الموقع على الموظف قد كشف عن حالة المطعون ضده الوظيفية خلال سنة 1957 وعن مدى كفايته في هذه السنة، ومن ثم لا تثريب على لجنة شئون الموظفين إذا ما أدخلت هذه المخالفات في اعتبارها عندما قامت بتقدير كفاية المدعي في تلك السنة وخفضت تقديره إلى ضعيف وتكون بتصرفها المذكور قد التزمت جانب الحق ومارست سلطتها في تقدير كفاية المدعي في حدود ما تقضي به المصلحة العامة إذ جاء تقديرها مستخلصاً استخلاصاً سليماً مما هو ثابت بملف الخدمة فضلاً عن أنه لم يقم دليل من الأوراق على أن لجنة شئون الموظفين قد أساءت استعمال سلطتها.
ولا حجة فيما ذهب الحكم المطعون فيه من أن تقدير درجة كفاية الموظف بدرجة ضعيف لسبق توقيع جزاء أو جزاءات عليه خلال ذات السنة التي وضع عنها التقرير إنما تعد عقوبة جديدة وتعدد للجزاء عن فعل واحد سبق أن استوفت جهة الإدارة في معاقبة المطعون ضده عنه - لا حجة في ذلك لأن تقدير كفاية الموظف إنما هو تسجيل وتبيان لحالته خلال السنة موضوع التقرير وقد رتب القانون على ذلك نتائج فعالة من ناحية العلاوة أو الترقية أو الفصل لحكمة تغياها المشرع استنهاضاً لهمم الموظفين وبغية انتظام سير المرافق مرضاة للصالح العام.
ومن حيث إنه إذ ذهب الحكم المطعون فيه على خلاف هذا المذهب يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتفسيره مما يتعين معه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.