أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 132

جلسة 3 من فبراير سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن علي المغربي، وعثمان مهران الزيني، وعادل برهان نور، وقصدي إسكندر عزت.

(29)
الطعن رقم 1874 لسنة 44 القضائية

(1 و2 و3) بلاغ كاذب. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. حكم. "حجيته". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". تبديد.
(1) تبرئة المتهم من تهمة التبديد. التشكك في الدليل. عدم تقييده المحكمة عند نظر تهمة البلاغ الكاذب.
(2) القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب. تقدير توافره. موضوعي.
(3) كذب البلاغ أو صحته. تفصل فيه محكمة الموضوع.
1- إن القضاء بالبراءة في تهمة التبديد لتشكك المحكمة في أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم المطعون فيه أنه لم يتقيد بالحكم الذي قضى ببراءه الطاعن من تهمة التبديد طالما أنه لم يقطع بكذب بلاغ المطعون ضدها.
2- من المقرر أن تقدير توافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب من شأن محكمة الموضوع.
3- من المقرر أن البحث في كذب البلاغ أو صحته أمر موكول إلى محكمة الموضوع تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أما محكمة حلوان الجزئية ضد المطعون ضدها متهما إياها بأنها بدائرة قسم المعادي محافظة القاهرة: أبلغت ضده كذبا بسوء قصد وبنية الاضرار به بأنه بدد ثلاجتها، وطلبت عقابه بالمادتين 303 و305 من قانون العقوبات مع إلزامها أن تدفع له مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت، والمحكمة المذكورة قضت في الدعوى غيابيا عملا بمادتي الاتهام. (أولاً) ببراءة المتهمة مما أسند إليها. (ثانيا) برفض الدعوى المدنية وإلزام المدعى بمصروفاتها. فاستأنف المدعى بالحقوق المدنية الحكم، ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت في الدعوى غيابيا للتهمة وحضورياً للمدعى بالحقوق المدنية بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييده الحكم المستأنف. فطعن الوكيل عن المدعى بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى برفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضدها تأسيسا على براءتها من تهمة البلاغ الكاذب قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه استند في قضائه إلى أن الحكم الصادر في القضية رقم 4421 لسنة 1968 جنح المعادي المؤيد استئنافيا بالحكم الرقيم 1330لسنة 1970 القاهرة الذي فصل في تهمة التبديد التي نسبتها المطعون ضدها إلى الطاعن لم يقطع بكيدية الاتهام وإنما قضى بالبراءه على أساس انتفاء الدليل مع أن ذلك يتعارض مع أورده هذا الحكم في مدوناته إذ قال بأن المطعون ضدها قالت في شكواها وفي عريضة دعوى النفقة التي أقامتها بأن المتهم ترك مسكنها منذ أول فبراير سنة 1968 في حين أنها نسبت إليه استلام ثلاجتها بتاريخ 2 مايو سنة 1968، وأن ذلك يشيع الصدع في مبنى اتهامها من أساسه، ولم يناقش الحكم المطعون فيه هذا التناقض في أقوال المطعون ضدها وأنها لم تتقدم ببلاغها إلا في 7 من سبتمبر سنة 1968 واستند في قضائه إلى عدم وجود دليل على الإدانة وأسقط كل الأدلة والقرائن الأخرى مما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد عرض للحكم الجنائي النهائي الصادر ببراءة الطاعن من تهمة التبديد وقال: "وحيث إن الثابت من مطالعة الحكم الاستئنافي الذي يحتج به المدعى بالحق المدني أن المحكمة الاستئنافية أسست تأييدها للحكم الصادر في المعارضة والقاضي ببراءته على أن المتهمة تعارضت مع نفسها، ذلك أنها سبق لها أن قررت في الشكوى رقم 2884 سنة 1968 إداري المعادي أن زوجها المدعى المدني هجرها من أول فبراير سنة 1968 ومع ذلك فقد اتهمته بتبديد ثلاجتها في يوم 2 مايو سنة 1968 بعد تاريخ هجرة لها وتركه مسكن الزوجية الأمر الذي جعل الاتهام على غير دليل في رأى تلك المحكمة وانتهت إلى القضاء بالبراءة على ذلك الأساس وأن الثابت مما تقدم أن المحكمة الاستئنافية لم تقطع بعدم صحة البلاغ وإنما قطعت بعدم قيام دليل عليه ومن ثم فإن هذا القضاء لا يقيد المحكمة وهى بصدد النزاع المطروح" - لما كان ذلك، وكان القضاء بالبراءة في تهمة التبديد لتشكك المحكمة في أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم المطعون فيه أنه لم يتقيد بالحكم الذي قضى ببراءة الطاعن من تهمة التبديد طالما أنه لم يقطع بكذب بلاغ المطعون ضدها. ولما كان تقدير توافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب من شأن محكمة الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر بتدليل سائغ عدم توافر القصد الجنائي في حق المطعون ضدها بقوله: "وترى المحكمة أن ثمة دلائل تشير إلى أن التهمة عند اتهامها المدعي بالحق المدني بالتبديد وإبلاغ السلطات العامة بذلك لم تقصد مجرد الكيد له ومن هذه الدلائل (أولاً) أن الثلاجة موضوع الاتهام ثابتة بقائمة منقولاتها المؤرخة 2 مايو سنة 1968 والتي لم يجحدها المدعى بالحق المدني ولم يقدم دليلاً كتابيا على التخالص عنها وردها لصاحبتها ولا يوجد بعد هذا الدليل ما يحول بينها وبين مطالبة المدعى بالحق المدني برد هذه الثلاجة واتهامه بتبديدها إن لم يردها (ثانيا) إن أقوال المتهمة بالشكوى رقم 2884 سنة 1968 إداري المعادي صدرت منها على ما قال به الحكم الاستئنافي في مجال دفع اتهام وجهه المدعى المدني بدوره إليها وهو الاستيلاء على منقولاته وكتبه العلمية وإجازاته الدراسية وهو دفاع صدر منها لدرء اتهام موجه إليها ولم يثبت على وجه القطع صحته متى ثبت بالتالي كذب بلاغها وسوء قصدها" وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ ويؤدي إلى ما رتبه عليه. لما كان ذلك، وكان البحث في كذب البلاغ أو صحته أمرا موكولا إلى محكمة الموضوع تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها، فإن باقي ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التي تمت فيها لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجزر إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا مع مصادرة الكفالة والزام الطاعن المصاريف المدنية.