مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والأربعون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1997 إلى آخر سبتمبر1997) - صـ 967

(105)
جلسة 4 من مايو سنة 1997

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: محمد عبد الرحمن سلامة، وعلى عوض محمد صالح، وسامي أحمد محمد الصباغ، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3351 لسنة 37 قضائية عليا

(أ) جنسية - جنسية مصرية - صور المنازعة في الجنسية.
المنازعة في الجنسية إما أن تثار في صورة مسألة أولية إثناء نظر دعوى أصلية يتوقف الفصل فيها على البت في مسألة الجنسية وإما أن تتخذ صورة دعوى أصلية مجردة بالجنسية حيث يكون الطلب الاصلى فيها هو الاعتراف بتمتع فرد بالجنسية وإما أن تطرح في صورة طعن بالإلغاء في قرار إداري نهائي صادر بشأن الجنسية سواء كان من القرارات السلبية أو من القرارات الفرعية الصادرة عن الجهة الإدارية بالتطبيق لأحكام قانون الجنسية.
(ب) التجنس بالجنسية المصرية - سلطة الجهة الإدارية في منح الجنسية المصرية - سلطة تقديرية.
المادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية.
منح الجنسية عن طريق التجنس هو أمر جوازي لوزير الداخلية على نحو يخوله سلطة تقديرية في منحها إذا توافرت الشروط المقررة أو في منعها رغم توافر هذه الشروط وفقاً لما يراه محققاً للمصلحة العامة - أساس ذلك - رغبة المشرع في الحفاظ على تشكيل المواطنين في الدولة بتحديد المنضمين إليها حسب سياستها المرسومة دون إلزام عليها في ذلك ولو توافرت الشروط المقررة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 11/ 7/ 1991 أودع الأستاذ/........... المحامى المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا وكيلاً عن الطاعن تقرير طعن بقلم كتاب هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة 14/ 5/ 1991 في الدعوى رقم 6093/ 42 ق فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع برفضها وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الموضحة بتقرير الطعن بقبول الطعن شكلاً وتحديد جلسة لنظره أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى فيه بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجدداً بثبوت جنسية الطاعن المصرية واعتباره مصرياً مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده بصفته المصروفات عن الدرجتين.
وجرى إعلان تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 20/ 5/ 1996 وتداولت نظره بالجلسات التالية على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 20/ 1/ 1997 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى/ موضوع لنظره بجلسة 9/ 3/ 1997، وبهذه الجلسة قررت المحكمة حجز الطعن ليصدر فيه الحكم بجلسة اليوم الأحد الموافق 4/ 5/ 1997 حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذا الموضوع حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 21/ 8/ 1988 أقام الطاعن الدعوى رقم 6093 لسنة 42 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة طلب في ختامها الحكم بثبوت الجنسية المصرية، واعتباره مصرياً مع ما يترتب على ذلك من آثار المدعى عليه المصروفات.
وقال الطاعن شارحاً لدعواه بأنه كان يعمل مديراً لمكتب أخبار اليوم بدمشق بجانب عمله كرئيس لمجلة الجندي التي يصدرها الجيش السوري وكذلك مديراً للمكتب الصحفي لرئاسة الجمهورية. وكان منذ بدء الانقلاب على الوحدة بين مصر وسوريا يزود مؤسسة أخبار اليوم بأهم أخبار الانفصاليين مما أدى إلى وضعه على رأس قوائم المطلوب اعتقالهم بعد استيلاء حزب البعث على السلطة الأمر الذي دفعه إلى مغادرة سوريا في يونيه 1963، والإقامة بالقاهرة حيث تولى إذاعة تعليق سياسي يومي من صوت العرب عن الأوضاع في سوريا بناء على طلب وزير الإعلام المصري، فألغت السلطات السورية جواز سفره، وقبلته مصر كلاجئ سياسي بها وأصبح يحمل جواز سفر مؤقت تحول إلى جواز سفر عادى.
وفى أغسطس 1969 تزوج من فتاه مصرية وأنجب منها ابنته ............. وان ابنتيه من زوجته الأولى المتوفاة وهما سوريتان الجنسية تزوجتا من مصريين. واستطرد المدعى قائلاً أنه صد عفو عن السوريين اللاجئين إلى مصر وسمح له بالحصول على جواز سفر سوري وقد استقر به المقام في مصر وسمح له بالحصول على جواز سفر سوري وقد استقر به المقام في مصر منذ 7 يونيه 1963 ومضى على إقامته ما يقرب من خمسة وعشرين سنة متصلة ونظراً لأن المادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية تنص على منحها لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر مدة عشر سنوات متتالية على الأقل سابقة على تقديم طلب التجنس متى كان بالغاً سن الرشد وتوافرت فيه الشروط الواردة في البند رابعاً فإن حالته مما ينطبق عليها ما جاء في المادة المذكورة ومن ثم يكون له الحق في الحصول على الجنسية المصرية.
وقد دفعت الجهة الإدارية الدعوى بإيداع حافظة مستندات طويت على ملف الجنسية الخاص بالمدعى وبها مذكرة مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية رداً على الدعوى جاء فيها أن توافر الشروط الواردة في المادة الرابعة من قانون الجنسية رقم 26/ 1975 الخاص بمدة الإقامة ليس معناه إلزام الجهة الإدارية بإجابته إلى طلبه لأن مرد ذلك للسلطة التقديرية وفقاً لما تمليه المصلحة العامة عليها. وانتهت الجهة الإدارية إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
وبتاريخ 14/ 5/ 1991 أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة حكمها بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع برفضها وألزمت المدعى المصروفات.
وقد أقامت تلك المحكمة قضاءها تأسيساً على أن توافر الشروط المبينة في المادة الرابعة من قانون الجنسية لا يعنى أن يكون لطالب التجنس حقاً حتمياً في التمتع بالجنسية المصرية، إذ أن المشرع استهل عبارة النص بكلمة "يجوز" وهو أمر واضح الدلالة على أن منح الجنسية المصرية يظل جوازياً للجهة الإدارية بما لها من سلطة تقديرية في هذا الشأن بحسبان أن مسائل الجنسية وعلى ما جرى عيه القضاء الإدارى من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وتنبثق من سيادتها وهى إذ تقرر منح الجنسية أو عدم منحها تتواجد ثمة اعتبارات كثيرة يجب مراعاتها تتعلق بالمصلحة العليا للوطن وفقاً لظروفه كما أن الجهة الإدارية تترخص في تعيين الوقت الملائم لإصدار قرارها.
وانتهت الجهة الإدارية من ذلك إلى قرارها السابق.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه إذ أنه أخل بحق الدفاع فلقد تقدم الطاعن بمذكرة أشار فيها إلى منح السيدين/ .....، ...... وهما سوريان الجنسية وقدما إلى البلاد بعده ومع ذلك منحا الجنسية المصرية ولم يتناول الحكم الرد بأي أشارة إلى هذه الحالة في حيثياته رغم أهميتها كأحد الأسانيد في دعواه وهو أمر يكشف عن عدم إحاطة محكمة أول درجة للدعوى عن بصر وبصيرة فضلاً عن أن عدم ضم ملف جنسية المذكورين لأوراق الدعوى كطلبه للمقارنة بينها وبين حالته حال دون حقه في إثبات العيب الذي اعتور قرار الجهة الإدارية برفض طلبه وعدم تمكنه أيضاً من إثبات إساءة استعمال السلطة عند إصدار القرار.
يضاف إلى ذلك ما شاب الحكم المطعون فيه من قصور في التسبيب حيث إنه لم يتناول رداً على الحالة التي استند إليها الطاعن ولم يبرر السبب في منح الجنسية للمذكورين ورفضها بالنسبة له فضلاً عن الخطأ الذي وقع فيه بتكييفه للدعوى بأنها طعن على قرار سلبي بالامتناع عن منح الجنسية المصرية بينما أن حقيقة الأمر وواقعه أن طلبه يقوم على أساس طلب أصلى هو ثبوت جنسيته المصرية مما أوقع الحكم في خطأ تطبيق القانون.
وخلص الطاعن في أسباب طعنه إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون عليه وثبوت جنسيته باعتباره مصرياً وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المنازعة المتعلقة بالجنسية إما أن تثار في صورة مسألة أولية أثناء نظر دعوى أصلية يتوقف الفصل فيها على البت في مسألة الجنسية وإما أن تتخذ صورة دعوى أصلية مجرد بالجنسية حيث يكون الطلب الأصلي فيها هو اعتراف بتمتع فرد بالجنسية مثل طلب ثبوت الجنسية المصرية على سند من إحدى المواد الأولى والثانية والثالثة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية وهى مواد حددت المصريين بحكم القانون.
وإما أن تطرح في صورة طعن بالإلغاء في قرار إداري نهائي صادر بشأن الجنسية سواء كان من القرارات السلبية أو من القرارات الصريحة الصادرة عن الجهة الإدارية بالتطبيق لإحكام قانون الجنسية مثل القرار الصادر من وزير الداخلية برفض طلب الاجنبى التجنس طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية حيث نصت هذه المادة على أنه يجوز بقرار من وزير الداخلية منح الجنسية المصرية أولاً ........ ثانياً....... ثالثاً........
رابعاً: لكل أجنبي ولد في مصر............. وتوافرت فيه الشروط الآتية: 1 - أن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع. 2 - أن يكون حسن السير والسلوك محمود السمعة ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره. 3 - أن يكون ملماً باللغة العربية. 4 - أن يكون له وسيلة مشروعة للكسب.
خامساً: لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر مدة عشر سنوات متتالية على الأقل سابقة على تقديم طلب التجنس متى كان بالغاً سن الرشد وتوافرت فيه الشروط المبينة في البند (رابعاً) ويؤخذ من تلك المادة أنها لم تسبغ الجنسية المصرية بحكم القانون على من توافرت فيه الشروط التي تطلبتها للتجنس كسبب للجنسية المكتسبة، فلا يستمد الاجنبى حقه في الجنسية من القانون مباشرة لمجرد اجتماع شروط التجنس لديه وبالتالى لا تعتبر منازعته هذه الدعوى أصلية بالجنسية تتحرر من الإجراءات والمواعيد الخاصة بدعوى الإلغاء إذ تكتسب الجنسية المصرية عن طريق التجنس طبقاً لأحد بنوك تلك المادة بالقرار الصادر من وزير الداخلية بمنحها، وبذا يكون القرار الصادر منه برفض منحها قراراً إدارياً بالمعنى القانوني على نحو يجعل المنازعة بشأنه من دعاوى الإلغاء ولا ريب في أن المحكمة تستقل على هدى ذلك بتكييف الدعوى على أساس صادق معانيها وحقيق مراميها دون الوقوف عند ظاهر العبارات التي أفرغت فيها أو التقيد بالأوصاف التي خلعت عليها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد أيضاً على أن الواضح من نص المادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية - أن منح هذه الجنسية عن طريق التجنس هو أمر جوازي لوزير الداخلية على نحو يخوله سلطة تقديرية في منحها إذا توافرت الشروط المقررة أو في منعها رغم توافر هذه الشروط وفقاً لما يراه محققاً للمصلحة العامة وهذه الرخصة تعد امتداداً لما درج عليه المشرع المصري من إفساح كامل التقدير لجهة الإدارة في مجال التجنس رغبة منه في الحفاظ على تشكيل المواطنين في الدولة بتحييز المنضمين إليها حسب سياستها المرسومة دون إلزام عليها في ذلك ولو توافرت الشروط المقررة - وهو ما يصدق أيضاً على جواز منح الجنسية المصرية عن طريق التجنس بقرار من رئيس الجمهورية طبقاً للمادة الخامسة من ذات القانون.
وإذا كانت السلطة التقديرية تجد حدها في عدم التعسف فيها أو الانحراف بها عن غايتها في تحقيق المصلحة العامة، فإن القرار الصادر بناء عليها برفض منح الطاعن الجنسية المصرية عن طريق التجنس طبقاً للمادة الرابعة من ذلك القانون هو قرار لم يثبت فيه تعسف أو انحراف فلا يكفى لوصمه بذلك العيب القصدى ما يكون الطاعن قد بذل من أعمال في المجال القومي أو حمله من ولاء لمصر لأنها أمور إن نفعت في إسباغ الجنسية فإنها لا تلزم بمنحها تجنساً كما لا يفيد في هذا الصدد سبق صرف جواز سفر مصري للطاعن عن بينة تامة بوضعه كأجنبي وأيا كانت الاعتبارات العامة أو الخاصة التي حدت إلى صرفه، وكذلك زواجه من مصرية أو الإقامة الدائمة المدة المطلوبة فهي اعتبارات مهما علت لا ترقى إلى مرتبة استنفاد السلطة التقديرية الثابتة للإدارة منحاً أو منعاً في مجال التجنس ولو توافرت الاجنبى الشروط المقررة قانوناً.
وكذلك لا يقدح في ذات الشأن مجرد صدور قرارات بمنح الجنسية المصرية سواء من رئيس الجمهورية أو من وزير الداخلية لأجانب من العرب أو من غيرهم ولو وجد تماثل فإن القرار المطعون فيه يكون قراراً مشروعاً وتكون الدعوى بطلب إلغائه جديرة بالرفض، ويكون الحكم المطعون فيه سليماً فيما قضى به من رفضها ومن ثم يتعين الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها إعمالاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.