مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والأربعون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1997 إلى آخر سبتمبر1997) - صـ 1251

(130)
جلسة 15 من يونيه سنة 1997

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: رائد جعفر النفراوي ومحمد عبد الرحمن سلامة وإدوارد غالب سيفين وسامي أحمد محمد الصباغ - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعنان رقما 1150 لسنة 34 - 4209 لسنة 35 قضائية عليا

أموال الدولة العامة - الترخيص بالانتفاع بالمال العام - أحواله - سلطه جهة الإدارة فى إلغاء الترخيص.
الترخيص بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف فى مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادى - يكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص المال العام من أجله - يكون الانتفاع غير عادى إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص له المال العام ففي الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبنية على مجرد التسامح وتتمتع الإدارة بالنسبة لهذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة - مؤدى ذلك - يكون لها إلغاء الترخيص فى أى وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الاثنين الموافق 14/ 3/ 19988 أودع الأستاذ/ ....... المحامى بالنقض بصفته وكيلا عن السيد/ ........ تقرير طعن بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 1150 لسنة 34 ق.ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى "دائرة منازعات" والهيئات فى الدعوى رقم 1912 لسنة 41 ق بجلسة 18/ 2/ 1988 والقاضي منطوقه "حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعى المصروفات".
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار تتمثل فى وقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وفى يوم السبت الموافق 5/ 8 /1989 أودع الأستاذ ......... المحامى بصفته وكيلاً عن ........ تقرير طعن بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 4209 لسنة 35 ق. ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" فى الدعوى رقم 2316 لسنة 40 ق بجلسة 8/ 6/ 1989 والقاضي منطوقه:
"حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعى المصروفات".
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو الموضح بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وتم نظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون إلى أن قررت إحالتهما إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى/ موضوع حيث تدوول نظرهما أمامها على نحو ما هو ثابت بمحاضرها، وبجلسة 12/ 5/ 1996 قررت المحكمة ضم الطعن رقم 4209 لسنة 35 ق.ع إلى الطعن الماثل 1150 لسنة 34 ق.ع ليصدر فيهما حكم واحد وبجلسة 19/ 1/ 1997 مثل نجل الطاعن وأقر بوفاته وطلب أجلاً لتصحيح شكل الطعن، وبجلسة 30/ 3/ 1997 أودع الورثة أصل الأعلام الشرعي المثبت لوفاة المرحوم ........... وأصل إعلان تصحيح شكل الطعن - وبذات الجلسة قررت المحكمة حجز الطعن ليصدر فيه الحكم بجلسة 8/ 6/ 1997، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا الأوضاع القانونية المقررة.
ومن حيث إن عناصر النزاع الماثل تتحصل فى أن مورث الطاعن أودع عريضة أشكال قلم كتاب محكمة البرلس الجزئية قيدت برقم 114 فى 2/ 7/ 1986 طالباً وقف تنفيذ قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية رقم 93/ 1986 وذلك لحين الفصل فى موضوع الدعوى رقم 3216 لسنة 40 ق المقامة أمام محكمة القضاء الإدارى بطلب إلغاء ذلك القرار.
وقال شرحاً لذلك بأنه صدر القرار المذكور بإزالة المنزل المملوك له بناحية كفر قدرة - برج البرلس والذي أقامه على أرض رخص له بالانتفاع بها بموجب عقد تم تحريره فى 11/ 3/ 1973.
ونعى المدعى على القرار خالفته لشروط الانتفاع لذلك فإنه يطلب وقف تنفيذه.
وبتاريخ 18/ 11/ 1986 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى للاختصاص، وقد قيدت بجدول هذه المحكمة تحت رقم 1912 لسنة 41 ق حيث قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 18/ 2/ 1988 بعدم قبول الدعوى لعدم اقتران طلب وقف تنفيذ القرار بطلب إلغائه.
ونظراً لأن هذا القضاء لم يصادف قبولاً لدى الطاعن فقد أقام الطعن رقم 1150 لسنة 34 ق عليا استناداً إلى الدعوى المرفوعة ابتداء أمام محكمة البرلس هي فى حقيقتها أشكال فى وقف تنفيذ القرار حتى يفصل موضوعاً بالإلغاء فى ذات القرار المطعون عليه أمام محكمة القضاء الإدارى بالدعوى رقم 3216 لسنة 40 ق كما أنه عندما أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى وبدأ نظرها أمام هذه المحكمة تم استبعادها من الرول لعدم استكمال الرسم، وقد تم سداد الرسم عن طلبي الوقف والإلغاء مما يعنى الإفصاح عن الاقتران الذي يتطلبه القانون، وأعيدت الدعوى مرة ثانية إلى جلسات المرافعة حتى صدر الحكم الطعين بما شابه من خطأ فى فهم الواقع وتحصيله.
وبتاريخ 14/ 4/ 1986 أقام مورث الطاعن الدعوى رقم 3216 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية رقم 93 المؤرخ فى 19/ 3/ 1986 وفى الموضوع بإلغاء ذلك القرار.
وقال شرحاً لدعواه بأنه يستأجر قطعة الأرض موضوع النزاع من المدعى عليه الأول بموجب الترخيص بالانتفاع رقم 147 المؤرخ فى 11/ 3/ 1973 وما زال هذا الترخيص سارياً وأنه يقوم بسداد الإيجار حتى تاريخ إقامة الدعوى وأنه أقام مبنى على الأرض لإيوائه وأسرته، إلا أن المدعى عليه الأخير أراد أن ينتقم منه ومن أسرته بسبب تحريره محضراً ضده لاستعمال القوة فسعى لدى المسئولين لاستصدار القرار المطعون فيه.
وأختتم دعواه بطلب الحكم له بطلباته السابقة.
وبجلسة 12/ 2/ 1987 قضت محكمة القضاء الإدارى برفض طلب وقف تنفيذ القرار وألزمت المدعى بمصروفاته.
كما قضت بجلسة 8/ 6/ 1989 عند نظر الشق الموضوعي برفض الدعوى وألزمت المدعى المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها المذكور على أساس أن المدعى لم يقدم أية أوراق أو مستندات تؤيد مزاعمه وأن حقيقة الأمر أنه بتاريخ 11/ 3/ 1973 رخص رئيس مكتب مصايد بلطيم بناحية البرلس بصفته نائباً عن وزارة التموين للمدعى باستغلال قطعة أرض فضاء من أملاك الدولة مساحتها مائتي متر مربع على ساحل بحيرة البرلس وذلك لمدة سنة بمقابل إنتفاع قدره أربعة جنيهات تدفع فى بداية كل سنة وذلك بقصد إقامة مبان بمعرفة المرخص له لاستعمالها كسكن ونص فى هذا الترخيص على أن يلتزم المرخص له بأن يرد الأرض عند نهاية الترخيص بالحالة التي استلمها عليها وإزالة ما يكون قد أقامه عليها من أكشاك وغيرها وأن يتجدد الترخيص عند نهاية مدته لذات المدة الأصلية وبنفس الشروط ما لم ترغب المصلحة المرخصة فى إنهائه وأن تجديد الترخيص لا يخل بحق المصلحة المرخصة فى طلب إخلاء الأرض فى أى وقت قبل نهاية مدة الترخيص بشرط أن تخطر المرخص له بذلك بموجب إخطار بالبريد قبل طلب الإخلاء بمدة ثلاثة أشهر، ولا يكون للمرخص له أدنى حق فى المعارضة وعلى أثر الشكاوى التي تقدم بها الصيادين من أن الترخيص لبعض المواطنين من الأهالي بالمنطقة يضر بمصالحهم فى الصيد وإرساء مراكبهم، تم تشكيل لجنة من مندوبين عن محافظة كفر الشيخ وإدارة التموين وقرية برج البرلس وانتهت هذه اللجنة إلى الاحتفاظ بساحل بحيرة البرلس من ناحية بلطيم بدون تعديات لاستعماله كمرسى للمراكب، وقد وافق على ذلك محافظ كفر الشيخ بتاريخ 21/ 3/ 1976، ومنذ هذا التاريخ تقرر إلغاء كافة التراخيص التي سبق أن أصدرتها وزارة التموين فى هذا الشأن ومنها الترخيص الممنوح للمدعى والاحتفاظ بساحل البحيرة للاستخدام العام للصيادين.
ومن حيث إنه مما تقدم يتبين أن قطعة الأرض موضوع النزاع من أملاك الدولة ولم يصدر للمدعى عقد إيجار عنها وإنما كان قد صدر له ترخيص بالانتفاع بها، فضلاً عما نص عليه هذا الترخيص من حق الجهة الإدارية التي منحته للمدعى فى فسخه وإلغائه فى أى وقت، فقد اقتضت المصلحة من واقع البحث الذي قامت به اللجنة السالف بيانها إلغاء مثل هذا الترخيص كي يحتفظ بساحل بحيرة البرلس خالياً من أية مبان أو إنشاءات لاستخدامه فى رسو مراكب الصيد، وبناء على ذلك فقد تم إلغاء الترخيص الممنوح للمدعى وغيره من التراخيص الممنوحة لبعض مواطني المنطقة تحقيقاً لهذا الهدف العام الأمر الذي يتجرد معه المدعى من أى سند فى وضع يده عليه ويكون ذلك من جانبه تعدياً استدعى تدخل الجهة الإدارية بقرارها المطعون فيه.
وخلصت المحكمة من ذلك إلى قضائها برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات.
ومن حيث إن الطاعن أقام الطعن رقم 4209 لسنة 35 ق. ع ناعياً على هذا الحكم بالخطأ فى فهم الواقع وتحصيله ذلك لأن حكم محكمة أول درجة أغفل عدم وقوع خطأ من جانب المرخص له يستوجب إلغاء الترخيص واستند فى قضائه على أمور خارجية مما يجعل قرار السحب مخالف للواقع ولشروط الترخيص فضلاً عن خطأ الحكم فى تطبيق القانون بصدور قرار السحب خالياً من الأسباب التي يقوم عليها مبررات سحب هذا الترخيص.
ومن حيث إن المحكمة قررت بجلسة 12/ 5/ 1996 ضم الطعن رقم 4209 لسنة 35 ق.ع إلى الطعن 1150 لسنة 34 ق. ع ليصدر فى الطعنين حكم واحد وكان هذا الطعن ينصب على الحكم الصادر فى طلب وقف تنفيذ القرار بينما يقوم الطعن المضموم على ما صدر من حكم فى موضوع الدعوى وإذ جرى قضاء هذه المحكمة على أن الحكم الصادر فى طلب وقف تنفيذ القرار يسقط بصدور الحكم فى موضوع الدعوى إذ من هذا التاريخ تترتب آثار الحكم الأخير باعتباره حكماً فاصلاً فى موضوع المنازعة واجب النفاذ من تاريخ صدوره حتى ولو طعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا وبالتالى يعتبر الاستمرار فى نظر الطعن فى الحكم الصادر فى طلب وقف التنفيذ على غير ذي موضوع، مما يتعين اعتبار الخصومة منتهية فيه.
وبالنسبة للطلب الموضوعي فإنه من المستقر عليه أن الترخيص بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف فى مداه فيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادى، ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص المال العام من أجله ويكون الانتفاع غير عادى إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص له المال العام، ففي الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبنية على مجرد التسامح، وتتمتع الإدارة بالنسبة لهذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة، فيكون لها إلغاء الترخيص فى أى وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة باعتبار أن المال لم يخصص فى الأصل عارض وموقوت بطبيعته ومن ثم قابلاً للإلغاء أو التعديل فى أى وقت ولدواعي المصلحة العامة، فضلاً عما يكون للجهة الإدارية من حقوق فى اتخاذ الإجراءات التي تكفل صيانة الأمن والنظام العام ولو تعارض ذلك مع مصلحة المنتفعين.
وإذا كانت الإدارة انطلاقا من مبدأ المشروعية تلتزم عند إصدارها للقرار الإدارى بقواعد قانونية لا مناص من احترامها ومراعاتها، إلا أن ذلك لا ينفى أن القانون قد سمح لها أيضاً بقدر من الحرية تستقل من خلاله بوزن مناسبات إصدار القرار وتقدير ملاءمة أو عدم ملاءمة إصداره.
ومن حيث إنه وقد نص الترخيص على أن يلتزم المرخص له بأن يرد الأرض عند نهاية الترخيص بالحالة التي استلمها عليها وإزالة ما قد يكون قد أقامه عليها من أكشاك وغيرها وأن يتجدد الترخيص عند نهاية مدته لذات المدة الأصلية وبنفس الشروط ما لم ترغب المصلحة المرخصة فى إنهائه وطلب إخلاء الأرض فى أى وقت باعتبار أن ذلك الانتفاع ليس من قبيل الانتفاع العادي لهذا المال كمرسى للمراكب.
ولما كانت مقتضيات المصلحة العامة من واقع البحث الذي قامت به اللجنة المشكلة لهذا الغرض تطلبت إلغاء مثل التراخيص كي يحتفظ بالساحل خالياً، وبناء على ذلك تم إلغاء الترخيص الممنوح للطاعن وغيره تحقيقاً لهذا الهدف مما يجعل استمرار وضع يده على الأرض دون سند وهو ما حدي بالجهة الإدارية إلى إصدار قرار الإزالة الطعين بالطريق الإدارى، وهو أمر صحيح يتفق مع أحكام القانون.
وإذ أنتهج الحكم المطعون فيه هذا المنهج فإنه يكون أصاب وجه الحق فيما قضى به من رفض الدعوى
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: باعتبار الخصومة منتهية فى الطعن رقم 1150 لسنة 34 ق.ع.
ثانياًً: بقبول الطاعن رقم 4209 لسنة 35 ق. ع شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت ورثة الطاعن المصروفات.