أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 852

جلسة 21 من ديسمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: مصطفى محمود الأسيوطي، وأحمد فؤاد جنينه، ويعيش رشدي، ومحمد وهبه.

(187)
الطعن رقم 1313 لسنة 45 القضائية

(1) معارضة. "نظرها والحكم فيها". طعن. "المصلحة في الطعن". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المعارضة والاستئناف. مدخلان يؤذنان. بإعادة نظر الحكم المطعون فيه.
النعي على الحكم في المعارضة بجريان منطوقه. خطأ. بقبول الاستئناف شكلاً وإلغاء الحكم المستأنف القاضي بالبراءة. مجرد مصلحة نظرية. ما دام أن ما انتهى إليه الحكم في واقع أمره ولازمه ينصرف إلى تأييد الحكم المعارض فيه.
(2 و3) دعوى جنائية. "قيود تحريكها". دخان. تبغ. إجراءات التحقيق. استدلالات. نيابة عامة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(2) خطاب الشارع في شأن قيود وتحريك الدعوى الجنائية. موجه إلى سلطة التحقيق دون سلطة جمع الاستدلالات.
عدم تحرك الدعوى الجنائية وانعقادها الخصومة فيها. إلا بتحقيق السلطة المختصة أو من تندبه. أو رفع الدعوى إلى قضاء الحكم.
(3) كفاية صدور طلب رفع الدعوى. ممن يملكه. مثال؟
(4) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
استفادة الرد على دفاع المتهم. الموضوعي. من قضاء الإدانة مستنداً إلى ما أورده من أدلة.
(5) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع. الأخذ بما ترتاح إليه من أدلة. وأن تطرح ما عداه. مجادلتها في ذلك أمام النقض. غير مقبولة.
1– لئن كان صحيحاً ما يقول به الطاعن من أن المحكمة وقد كان المفروض عليها الفصل في المعارضة، قد جرى منطوق حكمها بقبول الاستئناف شكلاً وإلغاء الحكم المستأنف القاضي بالبراءة وهو أمر يشير في ظاهره وبصورة مجردة إلى أنه قضاء معاد، إلا أنه لما كانت المعارضة في الحكم الاستئنافي ليست إلا مدخلاً يؤذن بإعادة النظر في تقدير هذا الحكم لقضاء الحكم المستأنف، وأنه إذا ما رأت محكمة المعارضة سلامة الحكم المعارض فيه خلصت إلى تأييده، ومفاد هذا التأييد هو اعتماد ما جرى به منطوقه، وإذ كان لازم ما انتهى إليه قضاء الحكم المطعون فيه وواقع أمره أنه إنما ينصرف قطعاً في غاية مؤداه إلى تأييد الحكم المعارض فيه، فقد باتت مصلحة الطاعن في تعييبه مجرد مصلحة نظرية لا تلوي على شيء وتعين الالتفات عن هذا الوجه من وجوه النعي.
2 – لما كان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعن من بطلان إجراءات رفع الدعوى ومباشرة إجراءات الضبط فيها بدون إذن من وزير الخزانة أو من ينيبه وأطرحه في قوله "أن النيابة العامة قامت بتحريك الدعوى الجنائية قبل المتهم أثر صدور طلب مدير عام جمارك القاهرة والوجه القبلي المرفق بالأوراق، وهو من الأشخاص الذين أنابهم وزير الخزانة طبقاً للقرار الوزاري رقم 13 لسنة 1965 المعدل بالقرار رقم 83 لسنة 1965، وليس بناءً على الإذن الصادر من مدير عام شئون الإنتاج، وأن إجراءات الضبط التي قام بها هذا الأخير هي من إجراءات الاستدلال ولا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية، بل هي من الإجراءات الأولية التي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب أو الإذن. وهذا الذي أورده الحكم يستقيم به قضاؤه في رفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى الجنائية ويتفق وصحيح القانون، ذلك أن المادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ قد نصت على أنه "لا يجوز رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أي إجراء في الجرائم المنصوص عليها فيه إلا بطلب مكتوب من وزير الخزانة أو ممن ينيبه". وكان الخطاب في هذه المادة وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة موجهاً من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية فيما يتعلق بالدعوى الجنائية باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها عن أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق، ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال ومنها مصلحة الجمارك المكلفة أصلاً من الشارع بتنفيذ قانون تهريب التبغ والمنوط بها من بعد توجيه الطلب إلى النيابة العامة بالبدء في إجراءات الدعوى الجنائية وهي لا تبدأ إلا بما تتخذه من أعمال التحقيق في سبيل تسييرها تعقباً لمرتكبي الجرائم باستجماع الأدلة عليهم وملاحقتهم برفع الدعوى وطلب العقاب، ولا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به سلطات الاستدلال ولو في حالة التلبس بالجريمة إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية، بل هي من الإجراءات الأولية التي لا ير د عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب أو الإذن رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق وتحرياً للمقصود من خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على وجهها الصحيح دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لنشوئها، إذ لا يملك تلك الدعوى غير النيابة العامة وحدها. ولما كانت الإجراءات التي قام بها مفتش إنتاج سوهاج الذي أٍسبغ عليه قانون مكافحة تهريب التبغ صفة مأمور الضبط القضائي قد تمت استناداً إلى الحق المخول أصلاً لرجل الضبط القضائي دون ندب من سلطة التحقيق على ما يبين من المفردات المضمومة مما لا يرد عليه قيد الشارع في توقفها على الطلب، فإن ما يثيره الطاعن في شأن عدم حصول مفتش إنتاج سوهاج على إذن مكتوب من وزير الخزانة أو ممن ينيبه باتخاذ إجراءات الضبط يكون على غير أساس سليم من القانون.
3– متى كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه ومن المفردات المضمومة أن النيابة العامة قامت برفع الدعوى الجنائية قبل المتهم بعد صدور إذن مكتوب من مدير عام جمارك القاهرة والوجه القبلي وهو من الأشخاص الذين أنابهم وزير الخزانة في طلب رفع الدعوى العمومية طبقاً للقرار الوزاري رقم 83 لسنة 1965 فإن ما يثيره الطاعن من جدل في صفة مصدر الإذن وانتفاء ولايته في إصداره يكون غير سديد.
4– إن محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بالرد على أوجه دفاع المتهم الموضوعية إنما يستفاد الرد عليه دلالة من قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ومع ذلك فقد عرض الحكم لكل أوجه الدفاع التي أبداها الطاعن ورد عليها في منطق سليم بما يفندها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى صحة ما جاء بمحضر الضبط بما تضمنه من اعتراف للطاعن لم يجحد صدوره منه، فإنها بذلك تكون قد فصلت في أمر موضوعي لا إشراف لمحكمة النقض عليه ولا يعدو ما يثيره الطاعن بشأن عدم توقيع دلال المساحة على محضر الضبط أن يكون جدلاً متعلقاً بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب عليها.
5– إذا كانت المحكمة قد أطرحت في حدود سلطتها التقديرية الشهادتين الصادرتين من الجمعية التعاونية الزراعية اللتين قدمهما الطاعن للتدليل على أن الأرض كانت منزرعة أذرة وقطن لاطمئنانها إلى الأدلة القائمة في الدعوى، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه دون التزام عليها بتبيان علة مما ارتأته، فإن ما ينعاه الطاعن عليها من عدم أخذها بما تضمنته الشهادتين المذكورتين لا يعدو أن يكون معاودة للجدل في موضوع الدعوى وتقدير أدلتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 24 يوليو سنة 1971 بدائرة مركز صدفا محافظة أسيوط زرع الدخان المبين بالمحضر بدون تصريح من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2/ 1 و3 من القانون رقم 92 لسنة 1964 وادعت مصلحة الجمارك مدنياً بمبلغ 16650 جنيهاً على سبيل التعويض. ومحكمة جنح صدفا الجزئية قضت غيابياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم مائة جنيه والمصادرة وإلزامه بأن يؤدي لمصلحة الجمارك مبلغ ستة عشر ألفاً وستمائة وخمسين جنيهاً عن المساحة المزروعة بلا مصاريف جنائية. فعارض وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهم مما أسند إليه والمصادرة. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم كما استأنفته مصلحة الجمارك (المدعية بالحقوق المدنية). ومحكمة أسيوط الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً اعتبارياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم مائة جنيه وبإلزامه بدفع مبلغ 16650 جنيهاً تعويضاً لمصلحة الجمارك والمصادرة. فعارض المحكوم عليه وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة أسيوط الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. ومحكمة أسيوط الابتدائية - بهيئة استئنافية أخرى - قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهم مائة جنيه والمصادرة وإلزامه بأن يدفع إلى مصلحة الجمارك تعويضاً قدره ستة عشر ألفاً وستمائة وخمسين جنيهاً. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعن (المحكوم عليه) بجريمة زراعة التبغ بدون تصريح قد شابه بطلان في الإجراءات وخطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه وقد كان معروضاً على المحكمة إعادة النظر في معارضة الطاعن الاستئنافية المقضي فيها بتأييد الحكم المعارض فيه فإنها لم تفصل في هذه المعارضة بل جرى منطوق حكمها بالفصل محدداً في موضوع الاستئناف، هذا إلى أن الطاعن دفع ببطلان إجراءات الضبط والاستدلال استناداً إلى عدم صدور إذن بها من وزير الخزانة أو من ينيبه طبقاً لنص المادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 والقرار رقم 83 لسنة 1965 الصادر تنفيذاً له، لأن مدير عام الإنتاج الذي أصدر الأمر بالضبط ليس من بين الأشخاص المفوضين بإصدار الإذن، إلا أن الحكم أطرح هذا الدفع بمقولة أن إجراءات الاستدلال لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية بل هي من الإجراءات الأولية التي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب أو الإذن، وبذلك يكون رد الحكم على الدفع منطوياً على فهم خاطئ لمبناه ومخالفاً للقانون، إذ أن قانون مكافحة تهريب التبغ يتطلب صدور الإذن من أحد المفوضين بإصداره سواء بالنسبة للإجراءات السابقة على تحريك الدعوى الجنائية أو تلك الخاصة بتحريكها، ولا يغني عن ذلك الإذن اللاحق الصادر من مدير عام جمارك القاهرة والوجه القبلي بتحريك الدعوى الجنائية بعد الضبط. كما جاء رد الحكم على أوجه دفاع الطاعن الموضوعية قاصراً وغير سائغ، كما أطرح الحكم الشهادتين الصادرتين من الجمعية التعاونية الزراعية التي تؤيد دفاعه القائم على أنه لم يزرع الدخان. وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه وإن كان صحيحاً ما يقول به الطاعن من أن المحكمة وقد كان المفروض عليها الفصل في المعارضة، قد جرى منطوق حكمها بقبول الاستئناف شكلاً وإلغاء الحكم المستأنف القاضي بالبراءة وهو أمر يشير في ظاهره وبصورة مجردة إلى أنه قضاء معاد، إلا أنه لما كانت المعارضة في الحكم الاستئنافي ليست إلا مدخلاً يؤذن بإعادة النظر في تقدير هذا الحكم لقضاء الحكم المستأنف، وأنه إذا ما رأت محكمة المعارضة سلامة الحكم المعارض فيه خلصت إلى تأييده، ومفاد هذا التأييد هو اعتماد ما جرى به منطوقه، وإذ كان لازم ما انتهى إليه قضاء الحكم المطعون فيه وواقع أمره أنه إنما ينصرف قطعاً في غاية مؤداه إلى تأييد الحكم المعارض فيه، فقد باتت مصلحة الطاعن في تعييبه مجرد مصلحة نظرية لا تلوي على شيء وتعين الالتفات عن هذا الوجه من وجوه النعي. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعن من بطلان إجراءات رفع الدعوى ومباشرة إجراءات الضبط فيها بدون إذن من وزير الخزانة أو من ينيبه وأطرحه في قوله "أن النيابة العامة قامت بتحريك الدعوى الجنائية قبل المتهم إثر صدور طلب مدير عام جمارك القاهرة والوجه القبلي المرفق بالأوراق، وهو من الأشخاص الذين أنابهم وزير الخزانة طبقاً للقرار الوزاري رقم 13 لسنة 1965 المعدل بالقرار رقم 83 لسنة 1965، وليس بناءً على الإذن الصادر من مدير عام شئون الإنتاج لمعاون الإنتاج....... ،....... وإن إجراءات الضبط التي قام بها هذا الأخير هي من إجراءات الاستدلال ولا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية، بل هي من الإجراءات الأولية التي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب أو الإذن" وهذا الذي أورده الحكم يستقيم به قضاؤه في رفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى الجنائية ويتفق وصحيح القانون، ذلك أن المادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ قد نصت على أنه "لا يجوز رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أي إجراء في الجرائم المنصوص عليها فيه إلا بطلب مكتوب من وزير الخزانة أو ممن ينيبه". وكان الخطاب في هذه المادة وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة موجهاً من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية فيما يتعلق بالدعوى الجنائية باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها عن أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق، ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال ومنها مصلحة الجمارك المكلفة أصلاً من الشارع بتنفيذ قانون تهريب التبغ والمنوط بها من بعد توجيه الطلب إلى النيابة العامة بالبدء في إجراءات الدعوى الجنائية وهي لا تبدأ إلا بما تتخذه من أعمال التحقيق في سبيل تسييرها تعقباً لمرتكبي الجرائم باستجماع الأدلة عليهم وملاحقتهم برفع الدعوى وطلب العقاب، ولا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به سلطات الاستدلال ولو في حالة التلبس بالجريمة إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية، بل هي من الإجراءات الأولية التي لا ير د عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب أو الإذن رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق وتحرياً للمقصود من خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على وجهها الصحيح دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لنشوئها، إذ لا يملك تلك الدعوى غير النيابة العامة وحدها. ولما كانت الإجراءات التي قام بها مفتش إنتاج سوهاج الذي أٍسبغ عليه قانون مكافحة تهريب التبغ صفة مأمور الضبط القضائي قد تمت استناداً إلى الحق المخول أصلاً لرجل الضبط القضائي دون ندب من سلطة التحقيق على ما يبين من المفردات المضمومة مما لا يرد عليه قيد الشارع في توقفها على الطلب، فإن ما يثيره الطاعن في شأن عدم حصول مفتش إنتاج سوهاج على إذن مكتوب من وزير الخزانة أو ممن ينيبه باتخاذ إجراءات الضبط يكون على غير أساس سليم من القانون. لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه ومن المفردات المضمومة أن النيابة العامة قامت برفع الدعوى الجنائية قبل المتهم بعد صدور إذن مكتوب من مدير عام جمارك القاهرة والوجه القبلي وهو من الأشخاص الذين أنابهم وزير الخزانة في طلب رفع الدعوى العمومية طبقاً للقرار الوزاري رقم 83 لسنة 1965، فإن ما يثيره الطاعن من جدل في صفة مصدر الإذن وانتفاء ولايته في إصداره يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بالرد على أوجه دفاع المتهم الموضوعية إنما يستفاد الرد عليه دلالة من قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومع ذلك فقد عرض الحكم لكل أوجه الدفاع التي أبداها الطاعن ورد عليها في منطق سليم بما يفندها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى صحة ما جاء بمحضر الضبط بما تضمنه من اعتراف للطاعن لم يجحد صدوره منه، فإنها بذلك تكون قد فصلت في أمر موضوعي لا إشراف لمحكمة النقض عليه ولا يعدو ما يثيره الطاعن بشأن عدم توقيع دلال المساحة على محضر الضبط أن يكون جدلاً متعلقاً بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب عليها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أطرحت في حدود سلطتها التقديرية الشهادتين الصادرتين من الجمعية التعاونية الزراعية اللتين قدمهما الطاعن للتدليل على أن الأرض كانت منزرعة أذرة وقطن لاطمئنانها إلى الأدلة القائمة في الدعوى، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه دون التزام عليها بتبيان علة ما ارتأته، فإن ما ينعاه الطاعن عليها من عدم أخذها بما تضمنته الشهادتين المذكورتين لا يعدو أن يكون معاودة للجدل في موضوع الدعوى وتقدير أدلتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة.