أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1184

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين: حسن الشربيني، ومحمود عطيفة، ومحمد عبد المجيد سلامة , وطه دنانة.

(268)
الطعن رقم 954 لسنة 42 القضائية

( أ ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". اختلاس. تزوير. "أوراق رسمية". دفوع.
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة. شرطه: أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها.
الدفع بتزوير صور الأوراق التي تم الجرد على أساسها. دفاع جوهري. من شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى. عدم تحقيق الحكم له أو الرد عليه يعيبه بالقصور والإخلال بحق الدفاع.
(ب) اختلاس. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
إقرار الحكم للمقاصة التي أجراها مكتب الخبراء بين الزيادة والعجز في عهدة الطاعن وانتهاؤه إلى إدانته باختلاس الفرق بين العجز والزيادة دون أن يبين بوضوح وتفصيل مفردات الأدوات والمهمات المقول باختلاسها والمنتجة لمجموع ما اختلس منها وكذلك الزائد فيها ومبررات إجراء المقاصة. قصور. مجرد وجود العجز في حساب الموظف العمومي لا يمكن أن يكون دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر.
وجوب بناء الأحكام على الجزم واليقين. المادة 310 إجراءات. التسبيب المعتبر: تحرير الأسانيد والحجج المبني الحكم عليها والمنتجة له من حيث الواقع والقانون في بيان مفصل بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضي به.
1 - الأصل أن المحكمة وإن كانت لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة إلا أنه يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها, وإذ كان ما أثاره الدفاع من تزوير في صور الأوراق التي حصلت عليها لجنة الجرد من المخزن الرئيسي والتي تم الفحص على أساسها هو دفاع جوهري كان يتعين على المحكمة تحقيقه تحقيقاً يبين منه مدي اتصال ذلك التزوير بالجرائم المسندة إلى الطاعن سواء بالنسبة إلى الاختلاس أو بالنسبة إلى التعديلات التي جرت في الاستمارة والدفتر ما وقع عليها من الطاعن وما لم يوقع، وكذلك مدى اتصالها بالتزوير الحاصل في الاستمارات، وإذ كان من شأن هذا الدفاع – إن صح – أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه لم يعن بتحقيقه أو الرد عليه فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقر إجراء المقاصة التي أجراها مكتب الخبراء بين العجز والزيادة في عهدة الطاعن وانتهي إلى إدانته باختلاس الفرق بين العجز والزيادة، وكان من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي لا يمكن أن يكون دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر، وكانت الأحكام يجب أن تبني على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال, ولما كان الشارع في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية يوجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً، والمراد بالتسبيب المعتبر تحرير الأسانيد والحجج المبني هو عليها والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون، ولكي يحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به, ولما كان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح وتفصيل مفردات الأدوات والمهمات المقول باختلاسها والمنتجة لمجموع ما اختلس منها, كما لم يبين مفردات الزائد من المهمات والأدوات في عهدة الطاعن ومبررات إجراء المقاصة بين العجز والزيادة حتى يمكن لمحكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة فإنه يكون كذلك معيباً بالقصور في هذا الصدد، ومن ثم يتعين نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - ......... (الطاعن) 2 - ...... بأنهما في الفترة من شهر يوليو سنة 1954 حتى 14 نوفمبر بدائرة مركز ومحافظة الفيوم. المتهم (الأول): أولاً بصفته موظفاً عمومياً "أميناً لمخزن المهمات بمحطة مياه الشرب بالعزب" اختلس الأدوات والمهمات المبينة الوصف بالمحضر والبالغ قيمتها 1329 ج و974 م والمسلمة إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع. (ثانياً) بصفته سالفة الذكر غير بقصد التزوير موضوع الاستمارات 112 ع. ح أرقام 148191 - 148192 - 148193 - 894431 - 894432 - 894433 - 894435 - 894436 - 894437 - 459370 حال تحريرها المختص بوظيفته وكان ذلك يجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة ورود كميات من الأدوات والمهمات إلى مخزنه تقل عن الكميات الواردة إليه فعلاً. (ثالثاً): بصفته سالفة الذكر أرتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في محررين رسميين هم الاستمارة 112 ع.ح رقم 374255 والصحيفتين رقم 328 - 331 من الدفتر 115 ع. ح وكان ذلك بتغيير المحرر بأن عدل بها بيان مقادير الأدوات والمهمات الواردة إلى مخزنه وجعلها على خلاف الحقيقة تقل عن الوارد إليه فعلاً. (رابعاً) اشترك مع آخر مجهول بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هي الاستمارات 111 ع.ح – أرقام 432 و427 424 و400 و40 و42 و63 و1223 وكان ذلك باصطناع المحرر ووضع إمضاءات مزوره بأن اتفق معه على اصطناع هذه الاستمارات على غرار تلك الصحيحة وإثبات ورود كميات من الأدوات والمهمات إلى مخزنه ثقل عما ورد إليه فعلاً , ووضع إمضاءات مزورة بها نسبها على خلاف الحقيقة إلى..... و...... و..... وساعده على ذلك بأن قدم له نماذج بيضاء من هذه الاستمارات فاصطنعها ذلك المجهول ووضع بها الإمضاءات المزورة وتمت الجريمة بناء على هذه المساعدة وذلك الاتفاق والتحريض. المتهم الثاني: (أولاً): بصفته موظفاً عمومياً "أميناً للمخزن الميكانيكي بمحطة مياه الشرب بالعزب" اختلس الأدوات والمهمات المبينة الوصف بالمحضر والبالغ قيمتها 475 ج و736 م والمسلمة إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع (ثانياً): بصفته سالفة الذكر غير بقصد التزوير موضوع الاستمارتين 112 ع. ح رقمي 374419 و893892 حالة تحريرهما المختص بوظيفته وكان ذلك يجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع عمله بتزويرها بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة ورود كميات من الأدوات والمهمات إلى مخزنه ثقل عما ورد إليه فعلاً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلي محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وقرر ذلك بتاريخ 15 نوفمبر 1966. ومحكمة جنايات الفيوم قضت حضورياً بتاريخ 20 من إبريل سنة 1972 عملاً بالمواد 40/ 1 و2 و41 و111 و112 و118 و119 و211 و212 و213 مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول والمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الثاني أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ أربعة آلاف وأربعمائة وتسعة وأربعين جنيهاً وستمائة وواحد وخمسين مليماً وإلزامه برد مبلغ 4449 ج و651 م وعزله من وظيفته ثانياً: ببراءة.......، مما أسند إليه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان بجرائم الاختلاس والتزوير قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وإخلال حق الدفاع، ذلك أنه تمسك لدي محكمة الموضوع بأن لجنة الجرد عولت على صور للمستندات جرى العبث بها في المخزن الرئيسي وأن إجراءات الصرف من ذلك المخزن كانت معيبة فلم يتسلم بنفسه المهمات، كما أنه نازع في صحة ما انتهي إليه تقرير مكتب الخبراء ونفى وقوع اختلاس خاصة وقد تبين وجود زيادة كبيرة في عهدته. كما أنه تمسك في دفاعه بأن ما أجراه من تعديل في الدفتر رقم 115 والاستمارات 112 ع. ح لم يكن تغييراً للحقيقة وإنما تم بقصد تصحيح البيانات حتى تطابق حقيقة ما تكشف له من مراجعة ما ورد بالفعل إلى مخزنه, كما دفع تهمة الاشتراك في تزوير الاستمارات 111 ع.ح بأن تقرير قسم أبحاث التزييف نفي حصول التزوير بخطه وأن القائمين على المخزن الرئيسي قد عبثوا بالأوراق الموجودة لديهم ـ غير أن المحكمة التفتت عن هذا الدفاع وردت على بعضه رداً غير سائغ. هذا إلى أن الحكم عول في إدانة الطاعن بجريمة الاختلاس على مجرد وجود عجز في مخزنه حال أن الحكم لم يستظهر أن الطاعن استول على أدوات ومهمات بالذات والتعيين واقر مقاصة أجراها مكتب الخبراء بين الزائد في عهدته وبين العجز مع أن العجز لا يمكن أن يكون دليلاً بذاته على حصول الاختلاس، كما يتصور أن تحل أشياء زائدة توجد لدى صاحب العهدة المختلس مع الأشياء التي يكون قد اختلسها, ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه. وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى في جرائم الاختلاس والتزوير وأورد على ثبوتها في حق الطاعن أدلة من أقوال الشهود وتقرير لجان الفحص ومكتب الخبراء وقسم أبحاث التزييف عرض لدفاع الطاعن بقوله: "وحيث إن المتهم أنكر ما أسند إليه وطلب الدفاع عنه سواء في مذكرته أو في مرافعته الشفوية الحكم ببراءته مما أسند إليه استناداً إلى أن العجز الذي ظهر في عهدة المتهم يجرى فيه المقاصة هو نتيجة إهمال لا يرقى إلى المسئولية الجنائية لوجود إهمال في الجرد وعدم الانتظام في القيد بدفاتر العهدة ولأن لجنة الجرد عولت على صور الأوراق التي حصلت عليها مخازن العباسية وهي صور مخالفة للأصل وبها تزوير حدث بمخازن العباسية بمعرفة المختصين بها، ولأن طريقة صرف المهمات من مخازن العباسية معيبة فلم تسلم للمتهم نفسه بل تسلم للسائقين ويتم إخلاء عهدة السائقين بمعرفة أمين المخزن وإرسال صورة السائقين بمعرفة أمين المخزن وإرسال صورة الاستمارة 112 ع.ح إلى مخازن العباسية وأن ما أجراه المتهم من تعديل في الدفتر 112 ع. ح بشأن عدادات المياه إنما هو لتصحيح بيان كان قد كتبه بطريق الغلط ووقع على هذا التعديل. وأن مكتب الخبراء أجري المقاصة بين العجز والزيادة وظهر أن مقدار العجز هو مبلغ 4449 ج ولا تتم المقاصة إلا إذا كان العجز كان غير جنائي وأنه من نفس وطبيعة الزيادة وأنه بمراجعة عناصر العجز يبين أن هناك أشياء أثمانها زهيدة فلا يتصور أن يكون المتهم قد اختلسها". وقد رد الحكم على هذا الدفاع بقوله: "وحيث إن المحكمة لا تعول على دفاع المتهم وتطرحه جانباً إزاء ما ثبت لها من أقوال شهود الإثبات التي أطمأنت إليها ووثقت بها وعولت عليها على التفصيل المتقدم وهى قاطعة الدلالة على أن المتهم اختلس بنية التملك لنفسه مبلغ 4449 ج و651 م حالة كونه من الأمناء على الودائع وزور الاستمارات المنوه عنها أنفاً... كما بان من أعمال لجنتي الجرد وتقرير مكتب الخبراء الذي ندبته المحكمة، وقد اطمأنت المحكمة إلى ما أنتهي إليه هذا التقرير لما أبدي فيه من أسباب مقبولة تقرها عليه هذه المحكمة وتأخذ بها، ولا ينال من ذلك كون المتهم لم يتسلم ما يرد إليه من مخازن العباسية كما لا تنتفي عنه المسئولية بحصول المقاصة بين العجز والزيادة بمعرفة مكتب الخبراء حسبما ذهب الدفاع عنه". لما كان ذلك, وكان الأصل أن المحكمة وإن كانت لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة، إلا أنه يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها، وكان ما أثاره الدفاع من تزوير في صور الأوراق التي حصلت عليها لجنة الجرد من المخزن الرئيسي بالعباسية التي تم الفحص على أساسها هو دفاع جوهري كان يتعين على المحكمة تحقيقه تحقيقاً بين منه مدي اتصال ذلك التزوير بالجرائم المسندة إلى الطاعن سواء بالنسبة إلى الاختلاس أو بالنسبة إلى التعديلات التي جرت في الاستمارة رقم 112 ع. ح والدفتر 115 ما وقع عليها من الطاعن وما لم يقع وكذلك مدي اتصالها بالتزوير الحاصل في الاستمارات 111 ع. ح وإذ كان من شأن هذا الدفاع – إن صح ـ أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه لم يعن بتحقيقه أو الرد عليه فأنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، فوق ذلك لما كان الحكم المطعون فيه ـ على ما يبين مما أورده في الرد على دفاع الطاعن – قد أقر أجراء المقاصة التي أجراها مكتب الخبراء بين العجز والزيادة في عهدة الطاعن وانتهي إلى إدانته باختلاس الفرق بين العجز والزيادة, وكان من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي لا يمكن أن يكون بذاته دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر وكانت الأحكام يجب أن تبني على الجزم واليقين ولا على الظن والاحتمال، ولما كان الشارع في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية يوجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً, والمراد بالتسبيب المعتبر تحرير الأسانيد والحجج المبني هو عليها، والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون, ولكي يحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضي به, ولما كان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح وتفصيل مفردات الأدوات والمهمات المقول باختلاسها والمنتجة لمجموع ما اختلس منها, كما لم يبين مفردات الزائد من المهمات والأدوات في عهدة الطاعن ومبررات إجراء المقاصة بين العجز والزيادة حتى يمكن لمحكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة فإنه يكون كذلك معيباً بالقصور في هذا الصدد, ومن ثم يتعين نقضه والإحالة، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي وجوه الطعن.