أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1265

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح، وعضوية السادة المستشارين: محمود العمراوي, وسعد الدين عطية، وإبراهيم الديواني، وحسن المغربي.

(284)
الطعن رقم 1108 لسنة 42 القضائية

( أ ) حكم. "إصداره". "بياناته. بيانات الديباجة". "ما لا يعيبه". دستور. قانون. "تفسيره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها " بطلان.
صدور الحكم باسم الأمة بدلاً من اسم الشعب. لا ينال من مقومات وجوده قانوناً.
(ب) إجراءات المحاكمة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة. إثبات. "شهود". محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها". نقض. "أسباب الطعن. ما لا بقبل منها".
سكوت الدفاع عن التمسك بإعادة مناقشة الشهود في حضرته، ومواصلته المرافعة دون الإصرار على طلب سماعهم , يفيد تنازله الضمني عن سماعهم.
(ج) اختلاس أموال أميرية. جريمة. "أركان الجريمة". موظفون عموميون. قصد جنائي. دفاع. "الإخلال يحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 عقوبات. تحققها متى كان المال مسلماً إلى الموظف العام أو من في حكمه طبقاً للمادتين 111 و119 من هذا القانون بسبب وظيفته وبأن يضيفه إلى ملكه وتتجه نيته إلى اعتباره مملوكاً له. مثال لتسبيب سائغ.
(د) عقوبة. "العقوبة المبررة". ارتباط. تقض. "المصلحة في الطعن". "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". اختلاس أموال أميرية. تزوير.
لا جدوى مما يثيره الطاعن من عدم توافر أركان جريمة التزوير التي دين بها. ما دام الحكم قد دانه بجناية الاختلاس وجرائم التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها وأوقع عليه العقوبة المقررة لأشدها - وهي الاختلاس - نفاذاً لحكم المادة 32 عقوبات.
1 - من المقرر أن صدور الحكم باسم لأمة، لا باسم الشعب , لا ينال من مقومات وجوده قانوناً - ذلك أن الأمة أشمل مضموناً من الشعب وأن الهدف الأسمى من النص على صدور الأحكام باسم الأمة أو باسم الشعب يكمن في حرص الشارع الدستوري على الإفصاح عن صدورها باسم الجماعة صاحبة السيادة ومصدر السيادة في البلاد ومن ثم فان عبارتي "باسم الأمة" و "باسم الشعب" تلتقيان عند معنى واحد في المقصود في هذا المناط وتدلان عليه وهو السلطة العليا صاحبة السيادة في البلاد ومصدر كل السلطات فيها.
2 - من المقرر أن سكوت الدفاع عن التمسك بإعادة مناقشة الشهود في حضرته ومواصلة المرافعة دون إصرار على طلب سماعهم إنما يفيد أنه قد تنازل عنه ضمناً. ولما كان الثابت أن المدافع الموكل عن الطاعن تخلف عن حضور إحدى الجلسات وحضر عنه محام آخر طلب تأجيل نظر الدعوى حتى يحضر المحامي الأصيل إلا أن المحكمة قررت سماع شهود الإثبات الحاضرين واشترك الطاعن والمحامي الحاضر معه في مناقشتهم وأجلت نظر الدعوى إلى اليوم التالي حيث حضر المحامي الموكل وأبدى صراحة اكتفاءه بتلاوة أقوال باقي شهود الإثبات الذين لم تسمعهم المحكمة ولم يتمسك بإعادة مناقشة شهود الإثبات الذين سبق أن سمعتهم المحكمة في غيبته، بل ترافع في موضوع الدعوى وانتهي إلى طلب البراءة - فإن ما يثيره الطاعن من تعيب لإجراءات المحاكمة لا يكون سديداً.
3 - تحقق جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 عقوبات متى كان المال المختلس مسلماً إلى الموظف العمومي أو من في حكمه طبقاً للمادتين 111 و119 من ذلك القانون بسبب وظيفته، وبأن يضيف الجاني مال الغير إلى ملكه وتتجه نيته إلى اعتباره مملوكاً له بأي فعل يكشف عن نيته في تملك هذا المال. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت بياناً لواقعة الدعوى ما محصله أن الطاعن بصفته. موظفاً عمومياً (مأذون) قام بعقد العديد من الزيجات دون أن يثبت عقودها بدفاتر شهادات الزواج الرسمية بغية اختلاس رسومها وأنه لم يقم برد هذه الرسوم إلا في خلال التحقيق وبعد أن تتابعت الشكاوي المقدمة في حقه، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن أدله مستمدة من أقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق وتؤدي إلى ما رتب عليها، ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن الذي أسسه على انتفاء نية الاختلاس لديه نظراً لضآلة الرسوم وطول أمد تحصيلها وأطرحه في قوله "وحيث أن تعمد المتهم عدم إثبات عقود الزواج التي اتهم باختلاس رسومها في دفاتر المأذونية وسكوته على ذلك مدة طويلة وعدم تحركه لرد الرسوم إلا في 30 أبريل سنة 1965 بعد أن قطع التحقيق ضده بشأنها شوطاً بعيداً رغم أن بعض هذه العقود قد عقد في عام 1975، وإصراره في كافة مراحل تحقيق الدعوى على أنه لم يعقد هذه العقود، كل ذلك يدل دلالة واضحة على أنه انتوي اختلاس هذه الرسوم وتملكها والاحتفاظ بها لنفسه بعد تحصيلها. ولا يؤثر في مسئوليته عن جناية الاختلاس قيامه برد المبلغ المختلس بتاريخ 30 أبريل سنة 1965 لأن هذا الرد ليس من شأنه أن يؤثر في مسئولية المتهم الجنائية عن جريمة الاختلاس التي ارتكبها وتوافرت عناصرها القانونية في حقه". فإن دعوي الاحتلال بحق الدفاع والقصور في الرد على انتفاء نية الاختلاس لا يكون لها محل.
4 - متى كان الحكم قد دان الطاعن بجناية الاختلاس والتزوير في المحررات الرسمية واستعمالها وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون للاختلاس باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره في صدد جريمة التزوير من عدم توافر أركانها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في الفترة ما بين عام 1975 وعام 1963 بدائرة كفر الدوار محافظة البحيرة: (أولاًًَ) بصفته موظفاً عمومياً "مأذون" اختلس مبلغ ثلاثة عشر جنيهاً وأربعين قرشاً قيمة رسوم إشهادات زواج... و... و.... و.... و المسلمة إليه بسبب وظيفته بأن لم يقم بإثبات بيانات عقود الزواج سالفة الذكر بدفاتر أشهادات الزواج الرسمية وتمكن بذلك من الاستيلاء على رسومها حالة كونه من المنوط بهم تحصيل تلك الرسوم. (ثانياً) بصفته سالفة الذكر أرتكب تزويراً في محرر رسمي هو وثيقة زواج............... بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة أن الزواج تم في 21/ 9/ 1963 حالة كونه قد أبرم قبل ذلك بتاريخ 4/ 1/ 1963. (ثالثاً) استعمل المحرر سالف الذكر بأن قدمه إلى مكتب سجل مدني كفر الدوار مع علمه بتزويره. وطلبت معاقبته بالمواد 111 و112/ 1 - 2 و118 و119 و211 و214 من قانون العقوبات. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً بتاريخ 13 من إبريل سنة 1972 عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وعزله من وظيفته وتغريمه خمسمائة جنيه عن التهم الثلاث المسندة إليه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم اختلاس وتزوير واستعمال محررات رسمية مزورة - قد شابه البطلان وبني على إجراءات باطلة كما انطوي على قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه لم يصدر باسم الشعب كما تنص المادة 72 من دستور جمهورية مصر العربية. كما أن المحكمة سمعت أقوال بعض شهود الإثبات بجلسة 12 من أبريل سنة 1972 التي تخلف المحامي الأصيل للطاعن عن حضورها. ثم إن الدفاع عن الطاعن أسس دفاعه على انتفاء القصد الجنائي لديه وعلي أنه لم يتراخ عن إثبات عقود الزواج إلا بسبب تكاسله في تقديمها لمكتب السجل المدني وتوريد رسمها نظراً لبعد المسافة بين البلدة التي يقيم بها وبين هذا المكتب دون أن تتجه نيته إلى اختلاس تلك الرسوم، غير أن الحكم رد على هذا الدفاع بما لا يصلح رداً. وأخيراً فإن محامي الطاعن أثار عدم توافر الركن المادي لجريمة التزوير التي دين موكله بها لأن التاريخ الذي أثبته في عقد الزواج المقول بتزويره هو التاريخ الحقيقي لتوثيقه وأنه لا عبره بتاريخ إبرام الزواج في هذا المقام، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعن بتمحيص هذا الدفاع مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه صدر في 13 من إبريل سنة 1972 باسم الأمة وكان من المقرر أن المادة السابعة من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 10 من فبراير سنة 1952 ومن بعدها المادة 63 من الدستور المؤقت الصادر في 5 من مارس سنة 1958، ثم 155 من الدستور الصادر في 25 من مارس سنة 1964 قد نصت جميعاً في صياغة متطابقة على أن "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الأمة" كما رددت المادة 25 من قانوني السلطة القضائية الصادرين بالقانونين رقمي 56 لسنة 1959 و43 لسنة 1965 هذه العبارة، ثم جاءت المادة 72 من دستور جمهورية مصر العربية المعمول به اعتباراً من 11 من سبتمبر سنة 1971 والذي صدر في ظله الحكم المطعون فيه ونصت على أن "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب" وكان كل من دستوري عامي 1964 و1971 قد نص في مادته الأولي على أن "الشعب المصري جزء من الأمة العربية "، كما نص أولهما في مادته الثانية على أن "السيادة للشعب" وأطلق في الوقت ذاته على المجلس التشريعي اسم "مجلس الأمة "، كما نص الدستور الراهن في مادته الثالثة على أن "السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات"، وكانت المادة الثالثة من دستور اتحاد الجمهوريات العربية قد نصت على أن "الشعب في اتحاد الجمهوريات العربية جزء من الأمة العربية", وأطلق في الوقت نفسه على المجلس التشريعي اصطلاح "مجلس الأمة الاتحادي" وكان يبين من استقراء هذه النصوص جميعاً أن الأمة أشمل مضموناً من الشعب ويكون الهدف الأسمى من النص على صدور الأحكام باسم الأمة أو باسم الشعب يكمن في حرص الشارع الدستوري على الإفصاح عن صدورها باسم الجماعة صاحبة السيادة ومصدر السلطات في البلاد, لما كان ذلك فإن عبارتي "باسم الأمة" " وباسم الشعب" تلتقيان عند معنى واحد في المقصود في هذا المناط, وتدلان عليه وهو السلطة العليا صاحبة السيادة في البلاد ومصدر كل السلطات فيها - ومن ثم فإن صدور الحكم المطعون فيه باسم الأمة لا باسم الشعب - لا ينال من مقومات وجوده قانوناً ويكون النعي عليه لهذا السبب في غير محله. لما كان ما تقدم, وكان يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع الموكل عن الطاعن تخلف عن حضور جلسة 12 من إبريل سنة 1972 وحضر عنه محام آخر طلب تأجيل نظر الدعوى حتى يحضر المحامي الأصيل, إلا أن المحكمة قررت سماع شهود الإثبات الحاضرين واشترك الطاعن والمحامي معه في مناقشتهم وأجلت نظر الدعوى بعد ذلك إلى اليوم التالي حيث حضر المحامي الموكل وأبدى صراحة اكتفاءه بتلاوة أقوال باقي شهود الإثبات الواردة بالتحقيقات والذين لم تسمعهم المحكمة فتليت هذه الأقوال ولم يتمسك الدفاع بإعادة مناقشة شهود الإثبات الذين سبق أن سمعتهم المحكمة في غيبته بل ترافع في موضوع الدعوى وانتهي إلى طلب البراءة. لما كان ذلك, وكان ومن المقرر أن سكوت الدفاع عن التمسك بإعادة مناقشة الشهود في حضرته ومواصلة المرافعة دون إصرار على طلب سماعهم إنما يفيد أنه قد تنازل عنه ضمناً, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من النعي من تعيب لإجراءات المحاكمة لا يكون سديداً. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت بياناً الواقعة الدعوى ما محصله أن الطاعن بصفته موظفاً عمومياً (مأذون ناحية كوم دنشوه) قام بعقد العديد من الزيجات دون أن يثبت عقودها بدفاتر وشهادات الزواج الرسمية بغية اختلاس رسومها التي بلغت نيف وثلاثة عشر جنيهاً وأنه لم يقم برد هذه الرسوم إلا في خلال التحقيق وبعد أن تتابعت الشكاوى المقدمة في حقه، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق وتؤدي إلى ما رتب عليها، ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن الذي أسسه على انتفاء نية الاختلاس لديه نظراً لضآلة الرسوم وطول أمد تحصيلها وأطرحه في قوله: " وحيث إن تعمد المتهم عدم إثبات عقود الزواج التي اتهم باختلاس رسومها في دفاتر المأذونية وسكوته على ذلك مدة طويلة وعدم تحركه لرد الرسوم إلا في 30/ 4/ 1965 بعد أن قطع التحقيق ضده بشأنها شوطاً بعيداً رغم أن بعض هذه العقود قد عقد في عام 1975، وإصراره في كافة مراحل تحقيق الدعوى على أنه لم يعقد هذه العقود، كل ذلك يدل دلالة واضحة على أنه انتوى اختلاس هذه الرسوم وتملكها والاحتفاظ بها لنفسه بعد تحصيلها, ولا يؤثر في مسئوليته عن جناية الاختلاس قيامه برد المبلغ المختلس بتاريخ 30/ 4/ 1965 لأن هذا الرد ليس من شأنه أن يؤثر في مسئولية المتهم الجنائية عن جريمة الاختلاس التي ارتكبها وتوافرت عناصرها القانونية في حقه". لما كان ذلك, وكانت جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات تتحقق متى كانت المال المختلس مسلماً إلى الموظف العمومي أو من في حكمه طبقاً للمادتين 111 و119 من ذلك القانون بسبب وظيفته، وبأن يضيف الجاني مال الغير إلى ملكه وتتجه نيته إلى اعتباره مملوكاً له بأي فعل يكشف عن نيته في تملك هذا المال, وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن, ومن ثم فإن دعوى الإخلال بحق الدفاع والقصور في الرد على انتفاء نية الاختلاس لا يكون لها محل. لما كان ذلك, وكان الحكم قد دان الطاعن بجناية الاختلاس وجرائم التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون للاختلاس باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره في صدد جريمة التزوير من عدم توافر أركانها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.