أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 9 - صـ 140

جلسة 13 من فبراير سنة 1958

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: محمد متولي عتلم، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(15)
طعن رقم 18 سنة 24 ق

قوة الأمر المقضي. تنفيذ عقاري. توزيع. مواريث "حكم تصرف الوارث بالنسبة لدائني التركة". صدور حكم نهائي بأولوية دائن الورثة على دائن المورث في استيفاء دينه من ثمن العقارات المرهونة إليه من الورثة تأسيساً على أن التركة لم تكن معسرة وقت تصرف الورثة بالرهن. عدم جواز إهدار حجية هذا الحكم في نزاع لاحق بين هذين الدائنين عند توزيع باقي ثمن تلك العقارات.
- إذا كان المورث قد رهن بعض عقاراته إلى دائنه كما رهن ورثته بعد وفاته إلى دائن آخر عقارات أخرى من نصيبهم في التركة غير العقارات السابق رهنها من مورثهم ثم نزعت ملكية هذه العقارات المرهونة منهم وقام في خصوص توزيع ثمن بعض هذه العقارات منازعة بين الدائنين قضي فيها نهائياً بأولوية دائن الورثة في استيفاء دينه من ثمن تلك العقارات تأسيساً على أن التركة لم تكن معسرة وقت تصرف الورثة بالرهن المشار إليه فإن الحكم الذي يصدر بعد ذلك بأفضلية دائن المورث على دائن الورثة عند توزيع باقي ثمن العقارات المذكورة استناداً إلى أن قاعدة "لا تركة إلا بعد وفاء الديون مطلقة لا تحتمل استثناء - هذا الحكم يكون قد أهدر قوة الأمر المقضي به ذلك لأن القضاء السابق لم يكتف بتقرير المبدأ في خصوص التركة محل النزاع وانتهي في قضائه إلى صحة التصرف الصادر من الورثة إلي دائنهم بالرهن ونفاذ هذا التصرف بالنسبة لدائن الوارث تأسيسا على أن التركة لم تكن معسرة وقت حصول التصرف.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - في أن المرحوم عقل محمد بك مورث المطعون عليهم من الثاني إلى الرابعة رهن بعض عقاراته في سنة 1928 إلى شركة الرهن العقاري - المورجيد - التي حل محلها المطعون عليه الأول ثم توفى الراهن وفي سنة 1929 قسم ورثته التركة بينهم واتفقوا على وفاء دين الرهن المشار إليه كل بنسبة ما خصص به من التركة. وفي سنة 1933 رهن المطعون عليهم الثاني والثالثة والرابعة إلى الطاعن من أنصبتهم في التركة عقارات أخرى غير العقارات السابق رهنها من مورثهم إلى شركة الرهن العقاري ثم نزعت ملكية هؤلاء من العقارات المرهونة منهم ورسا مزادها مقسمة إلى أربعة أقسام أودع ثمنها جميعاً خزانة المحكمة المختلطة. وقامت في خصوص توزيع ثمن قسمين من هذه الأقسام منازعة بين الطاعن والمطعون عليه الأول وكانت قد صدرت بشأن الثمن قائمتا توزيع مؤقتتان رأي قاضي التوزيع في القائمة الأولى منهما تفضيل الطاعن فناقض المطعون عليه الأول فيها ورأى قاضي التوزيع في القائمة الأخرى تفضيل المطعون عليه الأول فناقض الطاعن فيها وكان أساس مناقضة المطعون عليه الأول أنه باعتباره حالاً محل شركة الرهن العقاري الدائنة للمورث تكون له الأولوية في استيفاء دينه بالنسبة للتركة جميعها وذلك استناداً إلى قاعدة "لا تركة إلا بعد سداد الدين" - وكان الطاعن يتمسك بالأولوية استناداً إلى عقد الرهن المسجل في 8 من أغسطس سنة 1931 الصادر له من الورثة برهن الأعيان المنزوعة ملكيتها والجاري توزيع ثمنها وبأن المطعون عليه الأول لا يجوز له التمسك بالقاعدة المشار إليها إلا إذا ثبت أن التركة كانت معسرة في تاريخ صدور التصرف إلى الطاعن - وبعد أن قررت محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة ضم المناقضتين أصدرت فيهما حكماً واحداً بتاريخ 27 من فبراير سنة 1945 قضى برفض المناقضة الأولى وبقبول المناقضة الثانية وإلغاء القائمة المؤقتة الصادرة فيها، استأنف المطعون عليه الأول. وفي 27 من مايو سنة 1947 قضت محكمة الاستئناف المختلطة بتأييد الحكم المستأنف، وقبل الفصل نهائياً في هذا النزاع كان قد فتح توزيع ثالث عن قسم آخر من الأقسام الأربعة صدرت فيه قائمة مؤقتة تضمنت تخصيص الطاعن بالثمن استناداً إلى الحكم الذي صدر في النزاع السابق - ناقض المطعون عليه الأول في القائمة أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة واستمر نظر المناقضة أمامها إلى أن أحيلت إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية الوطنية وقيدت في جدولها برقم 1323 سنة 1949 كلي. وفي 22 من أكتوبر سنة 1952 قضى برفضها. فاستأنف المطعون عليه الأول وقيد استئنافه في جدول محكمة استئناف الإسكندرية برقم 340 سنة 8 ق وفي 29 من يونيه سنة 1953 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبإلغاء القائمة المؤقتة وبتخصيص المستأنف - المطعون عليه الأول بالوديعة موضوع التوزيع في حدود الباقي من دينه - قرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأبدت النيابة العامة رأيها بقبول السبب الأول، ثم عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 13 من نوفمبر سنة 1957 إحالته إلى هذه الدائرة. وبالجلسة المحددة أخيراً لنظره صمم كل من الطاعن والمطعون عليه الأول على طلباته كما صممت النيابة العامة على رأيها.
ومن حيث إن السبب الأول من أسباب الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتفضيل المطعون عليه الأول على الطاعن جاء قضاؤه مناقضاً لحكم محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة الصادر بتاريخ 27 من فبراير سنة 1954 والمؤيد استئنافياً من محكمة الاستئناف المختلطة بحكمها الصادر في 27 من مايو سنة 1947 والذي قضى بإسناد المرتبة الأولى في الأفضلية إلى الطاعن وفصل بذلك نهائياً في مسألة تزاحم الطرفين في استيفاء ديونهما من أعيان التركة التي ارتهنها الطاعن من بعض الورثة ولم تكن مرهونة من المورث إلى من حل محله المطعون عليه الأول، ويقول الطاعن إنه وإن كان الحكم من القضاء المختلط قد صدر في شأن توزيعين سابقين عن ثمن قسمين آخرين إلا أن قضاءه قد فصل في مسألة كلية شاملة وهي المفاضلة بين الطرفين وتقرير أسبقية أحدهما في استيفاء دينه وهي المسألة التي عرضت في النزاع الحالي بكافة عناصرها التي تضمنها النزاع السابق. وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف نص المادة 405 من القانون المدني ويجوز الطعن فيه بطريق النقض سواء دفع أمام محكمة الموضوع بقوة الشيء المقضي فيه أم لم يدفع عملاً بنص المادة 426 من قانون المرافعات.
ومن حيث إنه يبين من الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة في 27 من فبراير 1945 وحكم محكمة الاستئناف المختلطة المؤيد له والصادر في 27 من مايو سنة 1947 أن النزاع بين الطرفين بشأن توزيع ثمن القسمين الأولين موضوع المناقضتين السابقتين كان أساسه تمسك المطعون عليه الأول بأولويته في استيفاء دينه من ثمن الأعيان المخلفة من المورث استناداً إلى أنه باعتباره دائناً للمورث قد تعلق حقه بالتركة جميعها ما كان منها مرهوناً إليه وما كان غير مرهون. وتمسك الطاعن من ناحيته بأن المطعون عليه الأول لا يجوز له الاحتجاج بهذا الضمان طالما كان من المسلم به أنه ابتداء من تاريخ وفاة المورث كانت تركته موسرة وكان دين شركة "مورجيدج" التي حل محلها المطعون عليه الأول مغطى بالرهن الصادر لمصلحتها. وجاء بأسباب الحكم الابتدائي الصادر في 27 من فبراير سنة 1945 ما يلي: "وحيث إن ما جرى عليه قضاء محكمة الاستئناف المختلطة في هذا الصدد هو أن مبدأ فصل الذمة المقرر في الشريعة الإسلامية لا يصح إعماله إذا كانت التركة موسرة عند افتتاحها أو حتى على الأقل عند تصرف الورثة في أعيانها، وبالإضافة إلى هذا فقد قضت بأنه لا يجوز الاحتجاج على الدائن بأي امتياز خاص إذ أن التركة تعتبر موسرة إذا كان ضمان هذا الدائن كافياً لوفاء دينه في الزمنين المذكورين - وحيث إن الثابت في هذه الدعوى أنه في لحظة افتتاح تركة المرحوم عقل محمد - بعد إقرار الرهن الضامن للدين محل النزاع ببضعة شهور - وكذلك أيضاً في لحظة تصرف الورثة في أعيان التركة بطريق قسمتها بينهم في أكتوبر سنة 1929 - حيث إن الثابت أنه في هذين الزمنين كان الرهن كافياً لضمان الدين ... وحيث إنه مع توافر هذه الظروف فإن شركة المورتجيدج لم تستطع أن تحفظ امتيازها كدائنة للتركة لها ضمان عام على جميع أعيانها" - وجاء بأسباب حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 27 من مايو سنة 1947 ما يلي: "ومن ثم فإن المستأنف - المطعون عليه الأول - قد أضحى في مركز خاص هو مركز دائن المورث المزود برهن خاص في مواجهته تعتبر التركة موسرة - غير مستغرقة - وهو ما يمنعه في الأصل من أن يتحدى بحقه في مواجهة الدائنين الآخرين على أساس أن له مرتبة مفضلة عليهم إلا إذا أثبت أنه في تاريخ التصرف كانت قرينة اليسار مخالفة للحقيقة ومن المؤكد في الواقع بادئ ذي بدء أن عبء الإثبات يقع على عاتق الدائن صاحب الضمان الخاص الذي تقوم ضده القرينة السابق الإشارة إليها، وأنه من ناحية ثانية يجب للبحث فيما إذا كانت التركة موسرة أو غير موسرة أن يعتد في ذلك بتاريخ التصرف إن جاز عدم الوقوف عند تاريخ الوفاة. والذي لا شك فيه أنه لا يجوز الوقوف بحال عند تاريخ التنفيذ بالرهن ويلاحظ أن المستأنف - المطعون عليه الأول - لم يقدم الدليل الذي يقع على عاتقه ومن ثم فإن دفاعه يظل عقيما" - ويبين من هذا الذي ورد بالحكمين أنه قد قضى في النزاع السابق بأولوية الطاعن في استيفاء دينه من ثمن الأعيان المرهونة إليه ضماناً لهذا الدين من المطعون عليهم الثاني والثالثة والرابعة بالعقد المسجل في 8 من أغسطس سنة 1931 وذلك تأسيساً على أن التركة لم تكن معسرة وقت التصرف بالرهن المشار إليه.
ومن حيث إنه يبين من وقائع الدعوى التي أوردها الحكم المطعون فيه هو والحكم المستأنف أن الطاعن طلب تخصيصه بثمن القسم الثالث من الأعيان التي كانت مرهونة إليه ونزعت ملكيتها وذلك تأسيساً على الحكمين الصادرين ابتدائياً استئنافياً في النزاع السابق مما يفيد تمسكه بقوة الأمر المقضي فيه بهذين الحكمين وأن القائمة المؤقتة قد صدرت لمصلحة الطاعن استناداً إليهما وقد ورد بالحكم المطعون فيه بياناً للنزاع الحالي ما يلي: :"ومن حيث إنه لا نزاع بين طرفي الخصومة في أن الأعيان التي حصل التنفيذ عليها وتحصلت الوديعة من ثمنها إنما هي من ضمن ما تخلف عن المورق عقل محمد، كما أنه لا نزاع كذلك في أن البنك المستأنف المطعون عليه الأول، إنما هو دائن للمورث المذكور ولذلك طلب تخصيصه بما تحصل من ثمن الأعيان المبيعة وفاء لدينه - كما أن البنك التجاري، المستأنف ضده الأول، إنما هو دائن شخصي لأحد الورثة بدين مؤمن برهن على بعض أعيان التركة التي اختص منها هذا الوارث بموجب حكم قسمة وإنما الخلاف بينهما في تطبيق القاعدة الشرعية وهي لا تركة إلا بعد وفاء الديون وهل تخضع لقيد الملاءة والإعسار عند تصرف الوارث بالرهن". ويبين من ذلك أن النزاع الحالي لم يكن إلا ترديداً للنزاع السابق إبداؤه عند نظر المناقضتين السابق الفصل فيهما من القضاء المختلط.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بتخصيص المطعون عليه الأول بالوديعة موضوع التوزيع على ما ورد به من "أن تقييد هذه القاعدة - قاعدة لا تركة إلا بعد وفاء الديون - هو بمثابة افتيات عليها .... وأن المستأنف المطعون عليه الأول - ما دام لم يستوفي دينه الذي له قبل المورث تكون له الأولوية على دائن الوارث حتى يستوفي الأول كامل دينه ... وأن الحكم المستأنف إذ ذهب إلى أن دين المستأنف عليه الأول يعتبر مفضلاً على دين المستأنف بحجة أن التركة عندما ارتهن المستأنف عليه الأول من أحد الورثة لم تكن في حالة إعسار يكون قد أخطأ إذ أدخل قيداً على القاعدة الشرعية بينما هي مطلقة لا تحتمل استثناء". وفي هذا الذي قضى به الحكم المطعون فيه إهدار لقوة الأمر المقضي به - وذلك لأن قضاء محكمة الاستئناف المختلطة المشار إليه لم يكتف بتقرير المبدأ القانوني الذي خالفه فيه الحكم المطعون فيه بل تعدى ذلك إلى تطبيق المبدأ في خصوص تركة المرحوم عقل محمد وانتهى في قضائه إلى صحة التصرف الصادر من الورثة إلى الطاعن بالرهن ونفاذ هذا التصرف بالنسبة للمطعون عليه الأول تأسيساً على أن التركة لم تكن معسرة وقت حصول التصرف كما سبق بيانه.
ومن حيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن موضوع الاستئناف صالح للفصل فيه.
ومن حيث إنه للأسباب السابق بيانها ولما ورد بأسباب الحكم المستأنف يتعين رفض الاستئناف.