أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة السادسة - صـ 664

جلسة 21 من مارس سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود إسماعيل، وإسحاق عبد السيد، ومحمود محمد مجاهد المستشارين.

(216)
القضية رقم 1207 سنة 24 القضائية

موظف. تعويض. المكافأة الاستثنائية التي تمنحها الحكومة لأحد موظفيها عن إصابته التي أقعدته عن العمل. لا تمنع من حصوله على تعويض كامل جابر للضرر الذي لحقه. الجمع بين التعويضين كاملين. غير جائز.
إن المكافأة الاستثنائية التي تمنحها الحكومة لأحد موظفيها طبقاً لقانون المعاشات رقم 5 لسنة 1929 كتعويض عن الإصابة التي لحقته وأقعدته عن مواصلة العمل في خدمتها لا تحول دون المطالبة بحقه في التعويض الكامل الجابر للضرر الذي لحقه، إذ أن هذا الحق يظل مع ذلك قائماً وفقاً لأحكام القانون المدني إذا كانت الإصابة قد نشأت عن خطأ تسأل عنه الحكومة، إلا أنه لا يصح للمضرور أن يجمع بين التعويضين لأن هذين الالتزامين متحدان في الغاية وهى جبر الضرر جبراً متكافئاً له ولا يجوز أن يزيد عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة جمعه رمضان عامر بأنه: تسبب من غير قصد ولا تعمد في إصابة القائمقام أنور عامر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه حين قاد سيارته بسرعة ودون أن يتنبه إلى خلو الطريق فاصطدمت سيارته بسيارة أخرى وحدثت بالمجني عليه الإصابات الموصوفة بالكشف الطبي. وطلبت عقابه بالمادة 244 من قانون العقوبات. وقد ادعى المجني عليه (القائمقام أنور عامر)بحق مدني قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة محرم بك الجزئية طلب الحاضر عن المدعى بالحق المدني (زيدان محمد علام) إدخال وزارتي الحربية والداخلية ومحافظة الإسكندرية في الدعوى بصفتهم مسئولين عن الحقوق المدنية. وادعى مدنياً بمبلغ 1000 جنيه قبل المتهم والمسئولين المذكورين. والمحكمة المذكورة نظرت هذه الدعوى وقضت بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1950 عملاً بمادة الاتهام غيابياً للمتهم وحضورياً للمسئولين عن الحقوق المدنية (أولاً) بتغريم المتهم خمسة جنيهات بلا مصروفات جنائية. (وثانياً) بإلزام المتهم بأن يدفع لأنور عامر مبلغ عشرة مليمات على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. (وثالثاًً) بإلزام المتهم ووزارة الحربية والبحرية بأن يدفعا متضامنين إلى زيدان محمد علام الشهير بالزناتى مبلغ ثمانمائة جنيه مصري والمصاريف المدنية المناسبة وخمسة جنيهات أتعاب محاماة. (ورابعاً) عدم اختصاص المحكمة بالفصل في الدعوى المدنية الموجهة من زيدان محمد علام الشهير بالزناتى إلى وزارة الداخلية. فعارض المتهم في الحكم الغيابي الصادر ضده وقضى في معارضته بتاريخ 23 من فبراير سنة 1953 بقبولها شكلاً وفى الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه بلا مصاريف. فاستأنف المتهم ووزارة الحربية والبحرية (المسئولة عن الحقوق المدنية) هذا الحكم، ومحكمة إسكندرية الابتدائية بعد أن أتمت سماعه قضت حضورياً بتاريخ 9 من فبراير سنة 1954 (أولاً) بعدم جواز استئناف المتهم عن الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الخاصة" بالسيد" أنور عامر بلا مصروفات. (وثانياً) بقبول استئنافي المتهم ووزارة الحربية والبحرية عن الدعوى المدنية الخاصة بزيدان محمد علام شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة لها إلى إلزام المتهم ووزارة الحربية والبحرية متضامنين بأن يدفعا للمدعى بالحق المدني فيها مبلغ 300 جنيه (ثلثمائة جنيه) والمصروفات المدنية المناسبة عن الدرجتين ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة بلا مصروفات جنائية. فطعن الأستاذ حسن محمد النسر المحامى بإدارة قضايا الحكومة عن وزارة الحربية والبحرية في هذا الحكم الأخير بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، إذ لم يعول على ما دفعت به الطاعنة في مذكرتها المقدمة بجلسة 22 من ديسمبر سنة 1953 من أن وزارة الداخلية صرفت إلى المجني عليه زيدان محمد علام مبلغ مائة جنيه تعويضاً له عن الحادث باعتباره تابعاً لها وأصيب أثناء الخدمة كما صرفت له مائة جنيه أخرى مكافأة استثنائية فضلاً عن أنها رخصت له بإجازة مرضية لمدة 147 يوماً بأجر كامل وكان يتعين رفض دعوى المطعون ضده، إذ لا يجوز الجمع بين التعويض المؤسس على المكافأة الاستثنائية والتعويض المؤسس على القواعد العامة في أحوال المسئولية المقررة بالقانون المدني، ولكن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا الدفاع ولم يرد عليه مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر الجريمة التي دان الطاعن بها، وتحدث عن خطأ المتهم أثناء قيادته السيارة الحكومية ونشأ عنه من إصابة المجني عليهما وتخلف عاهة مستديمة بأحدهما وهو المطعون ضده الثاني "المدعى بالحق المدني". كما تحدث عن الدعوى المدنية ومسئولية وزارة الدفاع عن الضرر الذي أحدثه المتهم أثناء تأدية وظيفته وبسببها باعتباره تابعاً لها ولها عليه سلطة الإشراف والتوجيه وقضى عليهما متضامنين بالتعويض ـ فلما استؤنف الحكم من المتهم والمسئولة عن الحقوق المدنية ودفع الحاضر عن هذه الأخيرة بأن المدعى بالحق المدني حصل على مكافأة استثنائية عن الإصابة، لم ترد المحكمة الاستئنافية على هذا الدفاع ولم تتناوله في حكمها بل خفضت مبلغ التعويض المقضي به لأسباب أخرى ضمنتها حكمها تتعلق بظروف الحادث وعدم جسامة الخطأ الذي وقع من المتهم.
وحيث أنه وإن كانت المكافأة الاستثنائية التي منحتها الوزارة للمطعون عليه طبقاً لقانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 كتعويض عن الإصابة التي لحقته وأقعدته عن مواصلة العمل في خدمة الحكومة لا تحول دون المطالبة بحقه في التعويض الكامل الجابر للضرر الذي لحقه، وأن هذا الحق يظل مع ذلك قائماً وفقاً لأحكام القانوني المدني إذا كانت الإصابة قد نشأت عن خطأ تسأل عنه الطاعنة ـ إلا أنه لا يصح للمضرور أن يجمع بين التعويضين لأن هذين الالتزامين متحدان في الغاية وهى جبر الضرر جبراً مكافئاً له ولا يجوز أن يزيد عليه ـ لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يبين إن كان التعويض الذي قدره تخصم منه المكافأة الاستثنائية التي حصل عليها المطعون ضده أم لا تخصم فإنه يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على أساس سليم ويتعين قبوله ونقض الحكم.