أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 9 - صـ 770

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1958

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: إبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(101)
الطعن رقم 278 لسنة 24 ق

( أ ) حكم "تسبيب معيب". مثال لحكم مشوب بالقصور.
(ب) خبير. رأي الخبير. حق محكمة الموضوع في الأخذ بتقرير الخبير ما أوردته من أسباب سائغة تفنيداً لمطاعن الطاعن.
1 - إذا كانت محكمة الموضوع بعد أن كيفت العلاقة بين طرفي النزاع بأنها علاقة عقدية قائمة على البيع - عادت فوصفت هذا البيع بأنه من نوع خاص - وأسست ذلك على ما ذكرته من أنه قد اشترط فيه تحديد الربح بنسبة معينة ورتبت عليه أنه لم يلحق بالطاعن ضرر من جراء دفعه زيادة في الثمن إذ لم تتأثر بذلك نسبة الربح المحددة - دون أن تبين كيف تحصلت لها من الواقع تلك المقدمة التي رتبت عليها تلك النتيجة، فإن حكمها المطعون فيه يكون مشوباً بالقصور.
2 - إذا استندت محكمة الموضوع في قضائها إلى تقرير الخبير وإلى ما أوردته من أسباب سائغة تفنيداً لمطاعن الطاعن - فإن ما يثيره في وجه الطعن من أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أسانيد غير صحيحة وغير ثابتة بدليل في الأوراق يكون غير قائم على أساس ولا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا محل لإثارته أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1248 سنة 1948 كلي مصر على المطعون عليهما واستقرت طلباته فيها أخيراً على طلب الحكم له عليهما بمبلغ 688 ج و543 م والفوائد والمصاريف والأتعاب من ذلك مبلغ 258 ج و543 م قال الطاعن بياناً لأساس المطالبة به إن وزارة التموين كانت قد كلفته (ضمن باقي أصحاب المطاحن) في سنتي 1944 و1945 بنقل الدقيق الذي بقي بمطحنه إلى صوامع بنك التسليف وأنه يستحق قبل الوزارة أجر هذا النقل من داخل المطحن إلى خارجه بواقع ثلاثة مليمات عن كل جوال زنة خمسين أقة طبقاً للفئة المقدرة بالأمر العسكري الصادر بتاريخ 13 من أبريل سنة 1942 فيكون المستحق له لقاء هذا العمل 29 ج و308 م ثم إنه نقل هذه الأجولة من خارج المطحن إلى صوامع بنك التسليف فيستحق لقاء هذا النقل مبلغ 229 ج و235 م ويدخل في عملية النقل المشال والوزن والتستيف في داخل الصوامع. أما باقي المبلغ الذي يطالب به الطاعن فهو 430 ج قال الطاعن في بيان وجه المطالبة به إنه كان قد اشترى من وزارة التموين بتاريخ 17 من مايو سنة 1944 430 أردباً من القمح الهندي بسعر الأردب ثلاثة جنيهات وسدد الثمن على أساس هذا السعر - ثم لما أراد في 22/ 5/ 1944 استلام القمح المبيع من شون بنك التسليف رفض البنك تسليمه إياه إلا بعد اقتضاء جنيه آخر عن كل أردب وذلك طبقاً لتعليمات وزارة التموين وبدعوى أن القمح الذي اشتراه الطاعن كان مسعراً بسعر ثلاثة جنيهات للأردب وبما أنه صدرت تسعيرة جديدة للقمح في 18/ 5/ 1944 رفع السعر بمقتضاها إلى أربعة جنيهات للأردب فاضطر الطاعن إلى دفع فرق مقداره 430 ج ثم أقام هذه الدعوى مطالباً به. وبتاريخ 31 مايو سنة 1952 أصدرت محكمة القاهرة الابتدائية حكماً قضت فيه بندب خبير محاسب للاطلاع على الأوراق ودفاتر الطاعن وفرع بنك التسليف بالشرابية وتحقيق دفاع الطرفين وتصفية الحساب بينهما وبعد أن قدم الخبير تقريره أصدرت المحكمة الابتدائية بتاريخ 27 من أبريل سنة 1953 حكماً قضت فيه - أولاً - بإخراج المطعون عليه الثاني من الدعوى بلا مصاريف. - وثانياً - بإلزام المطعون عليها الأولى (وزارة التموين) بأن تدفع للمدعى مبلغ 61 ج و298 م والمصروفات المناسبة ومبلغ 300 قرش أتعاباً للمحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. ويبين من هذا الحكم أن المبلغ المحكوم به للطاعن هو قيمة أجور نقل الدقيق من مطحنه إلى صوامع بنك التسليف وقد رفضت المحكمة ما طلبه من مصاريف النقل زيادة على هذا المبلغ. كما رفضت الحكم له باسترداد مبلغ الـ 430 ج التي دفعها فرقاً لثمن القمح. واستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف المقيد بمحكمة استئناف القاهرة برقم 889 لسنة 70 ق طالباً الحكم له بطلباته التي تقدم بها إلى محكمة أول درجة وبتاريخ 23/ 5/ 1954 حكمت محكمة استئناف القاهرة بتعديل الحكم المستأنف وإلزام وزارة التموين بأن تدفع للمستأنف الطاعن مبلغ 90 ج و606 م والمصاريف المناسبة لذلك عن الدرجتين وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة ويبين من هذا الحكم أن التعديل اقتصر على إضافة مبلغ 29 ج و308 م إلى مصاريف النقل المحكوم بها ابتدائياً. وبقي الحكم الابتدائي على حاله فيما قضى به من رفض طلب استرداد مبلغ الـ430 ج. فطعن الطاعن في هذا الحكم بالنقض بتقرير في 4 من أغسطس سنة 1954 وبعد استيفاء الطعن إجراءاته أودعت النيابة العامة مذكرة برأيها برفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 10 من يونيه سنة 1958 وفيها طلبت النيابة العامة إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية والتجارية وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لجلسة 30 من أكتوبر سنة 1958 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه أنه قد أقام قضاءه في خصوص مصاريف النقل من خارج مطحنه إلى صوامع بنك التسليف على أسانيد غير صحيحة وغير ثابتة بدليل في الأوراق فأخذ في تقديره لتلك المصاريف بفئة كان أحد متعهدي النقل قد فرضها على نفسه في سنة تالية لسني النزاع عن عملية نقل الدقيق من مطاحن روض الفرج إلى محطة الشرابية ولم تنفذ هذه العملية وما كان يصح اتخاذ هذه الفئة أساساً للتقدير لاختلاف عملية الطاعن (التي تتضمن فوق النقل الوزن والتستيف) عن عملية ذلك المتعهد التي اقتصرت على مجرد النقل ولاختلاف المسافة في كل من العمليتين اختلافاً يدعو إلى مراعاته في التقدير إذ أن عملية الطاعن كانت النقل من مطاحنه في شبرا وفي امبابه إلى شون بنك التسليف في الشرابية بينما أن عملية ذلك المتعهد كانت منحصرة بين مطاحن روض الفرج ومحطة الشرابية.
وحيث إن النعي بهذا السبب مردود بأن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص قد أورد في أسبابه في هذا الصدد "أنه فيما يتعلق بتقدير مصاريف النقل تضمن تقرير الخبير أنه لم تكن ثمة قواعد معينة بشأن أجور النقل في سنتي النزاع 1944 و1945 وإنما تحددت الأجور سنة 1946 لقاء 100 مليم للطن الواحد من مطحن المدعى إلى بنك التسليف وفقاً لكتاب وزارة التموين المؤرخ في 28/ 4/ 1946 وقد رأى الخبير تطبيق هذا الأجر على عمليات النقل في السنتين السابقتين..." ولم يعول الخبير على الفاتورة المقدمة من المدعى والمتضمنة أنه دفع 229 ج و235 م أجور نقل 7096 جوالاً من الدقيق لأنه لم يطمئن إليها خاصة وأن المدعى لا توجد لديه دفاتر تجارية أو مستندات يمكن مطابقة الفاتورة عليها وإذا صح في الجدل أن الفاتورة صحيحة فليس ثمة مقتض لتحمل الوزارة قيمة ما تضمنته" ثم ذكرت المحكمة أنها تأخذ بالنتيجة التي انتهى إليها الخبير في تقريره للأسباب التي بني عليها ولا تعول على ما أورده المدعى من اعتراضات لأن الخبير تكفل بدحضها كما ورد بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص... "أما بالنسبة لأجور النقل من الباب إلى بنك التسليف فقد أصاب الحكم المستأنف في تحديدها بما قدرته لها الوزارة في سنة 1946 التالية مباشرة لسنتي النزاع وذلك للأسباب التي أوردها الخبير وأخذ بها ذلك الحكم ولأنه لم يقم دليل على اعتراض أصحاب المطاحن على ذلك التقدير في السنة المذكورة ولا عبرة بما أدعاه المستأنف (الطاعن) من أن أجور النقل في تلك السنة قد انخفضت عن السنتين السابقتين بسبب انتهاء الحرب إذ أن ذلك الانخفاض لم يعقب انتهاء الحرب مباشرة وإنما حدث تدريجياً فلم يكن محسوساً في سنة 1946 بالدرجة التي تؤثر على التقدير المحكوم به فترى المحكمة الأخذ به أيضاً للأسباب المذكورة". ولما كان يبين من ذلك أن محكمة الموضوع قد استندت في قضائها إلى تقرير الخبير وإلى ما أوردته في حكمها المطعون فيه من أسباب سائغة تفنيداً لمطاعن الطاعن فإن ما يثيره في وجه الطعن لا يقوم على أساس ولا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا محل لإثارته ويتعين لذلك رفضه.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه فضلاً عن مخالفة القانون القصور في التسبيب وذلك حيث قضى برفض ما طلبه الطاعن من استرداد فرق سعر القمح الذي دفعه لم يسبب قضاءه في هذا الخصوص تسبيباً كافياً مقنعاً بل وقف في هذا الخصوص عند حد القول بأن عقد بيع القمح موضوع الدعوى هو عقد بيع من نوع خاص. وأنه ما دامت الحكومة قد رفعت سعر الدقيق بعد تسليم القمح للطاعن فليس له أن يتضرر من دفع فرق سعر القمح إذ لم ينله من جراء ذلك ضرر.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أنه يبين مما جاء بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص أنه أقام قضاءه على ما ورد فيه من أنه "من جهة طلب استرداد فرق سعر القمح فمردود بأن هذا البيع هو من نوع خاص ملحوظ فيه رعاية الصالح العام باشتراط الربح فيه بنسبة معينة ولا ينعقد إلا مع أشخاص معينين وهم أصحاب المطاحن بموجب أذونات على بنك التسليف ومتى كان الأمر كذلك فإذا ما رفعت الحكومة سعر القمح المبيع وسعر الدقيق في آن واحد وبنسبة متوازية فلا يحق للمستأنف أن يتضرر من ذلك طالما وأنه لم ينله أي ضرر من رفع سعر القمح المبيع له وبالتالي فلا حق له في المطالبة بفرق الثمن". ويبين من ذلك أن محكمة الموضوع بعد إذ كيفت العلاقة بين طرفي النزاع بأنها علاقة عقدية قائمة على البيع عادت فوصفت هذا البيع بأنه من نوع خاص وأسست ذلك على ما ذكرته من أنه قد اشترط فيه تحديد الربح بنسبة معينة ورتبت عليه أنه لم يلحق بالطاعن ضرر من جراء دفع زيادة في ثمن القمح إذ لم تتأثر بذلك نسبة الربح المحددة دون أن تبين في حكمها المطعون فيه كيف تحصلت لها من الواقع تلك المقدمة التي قررت فيها أن البيع مشترط فيه تحديد الربح بنسبة معينة. والتي رتبت عليها تلك النتيجة التي قررت فيها أنه لم يلحق بالطاعن ضرر ومن ثم لا يحق له استرداد ما دفع من الزيادة. فجاء حكمها مشوباً بالقصور مما يتعين معه نقضه في هذا الخصوص.