أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 43 - صـ 879

جلسة 25 من يونيه سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد خيري الجندي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد بكر غالي، عبد العال السمان، محمد محمد محمود نواب رئيس المحكمة ومصطفى نور الدين فريد.

(182)
الطعن رقم 1775 لسنة 57 القضائية

مسئولية "المسئولية التقصيرية" "المسئولية عن البلاغ الكاذب". حق "إساءة استعمال الحق الإبلاغ عن الجرائم". تعويض. حكم "تسبيب الحكم".
إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من جرائم. حق لكل شخص. مساءلة المبلغ. مناطها. ثبوت كذب البلاغ وتوافر سوء القصد أو صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. الحكم بالتعويض عن البلاغ الكاذب. وجوب أن يعني ببيان الدليل على العلم اليقيني بكذب البلاغ وأن يستظهر قصد الكيد والإضرار بمن أبلغ عنه.
النص في المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "لكل من علم بوقوع جريمة، يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب، أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم والتي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أو طلب يعتبر حقاً مقرراًَ لكل شخص وذلك حماية للمجتمع من عبث الخارجين على القانون، ومن ثم فإن استعمال هذا الحق لا تترتب عليه أدنى مسئولية قبل المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ عنها وأن التبليغ قد صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ عنه، أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط، أما إذا تبين أن المبلغ كان يعتقد بصحة الأمر الذي أبلغ عنه أو قامت لديه شبهات تبرر التبليغ فإنه لا وجه لمساءلته عنه مما يتعين معه أن يعني الحكم القاضي بالمساءلة عن واقعة البلاغ الكاذب ببيان العلم اليقيني بكذب الواقعة وتوافر قصد الكيد والإضرار بمن أبلغ عنه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 3498 سنة 1985 مدني محكمة الإسكندرية الابتدائية على الطاعن والمطعون ضده الثاني طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا إليه مبلغ عشرة آلاف جنيه، وقال شرحاً لها إن الطاعن استأجر منه شقة بالعقار المبين بالصحيفة بموجب عقد إيجار مؤرخ 18 من مايو سنة 1983 لقاء أجرة شهرية مقدارها 30.60 جنيهاً لكنه تقدم ضده بشكويين اتهمه فيهما بتقاضي مبلغ 6000 جنيه "خارج نطاق عقد الإيجار" واستشهد بزميله المطعون ضده الثاني وقيد البلاغ برقم 213 سنة 1982 جنح أمن دولة سيدي جابر وصدر فيه حكم بإدانته ولما استأنف هذا الحكم بالاستئناف رقم 4333 لسنة 1985 جنح مستأنف شرق الإسكندرية قضى ببراءته مما أسند إليه، وإذ أصابته أضرار مادية وأدبية بسبب اتهامه وإجراءات محاكمته جنائياً يستحق التعويض عنها بالمبلغ المطالب به فقدم أقام الدعوى. بتاريخ 26 من مارس سنة 1989 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 757 سنة 42 قضائية طالباً إلغاءه والقضاء له بطلباته، بتاريخ 11 من مارس سنة 1987 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده الأول مبلغ 500 جنيه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت لنظره جلسة وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه خلص إلى أن الطاعن لم يكن يبتغ من وراء إبلاغه ضد المطعون ضده الأول بتقاضيه مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار سوى الكيد له والنكاية به وذلك مما ذهب إليه الحكم الجنائي الاستئنافي الصادر في الدعوى الجنائية التي حركتها النيابة بناء على إبلاغ الطاعن من عدم صحة الواقعة لتراخي الطاعن في الإبلاغ، في حين أنه لا يوجد تلازم بين الأمرين، وإذ دلل الحكم المطعون فيه على توافر قصد الإضرار والكيد لدى الطاعن بعناصر لا تنتجه فإنه يكون معيباً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن النص في المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "لكل من علم بوقوع جريمة، يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب، أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم والتي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أو طلب يعتبر حقاً مقرراًَ لكل شخص وذلك حماية للمجتمع من عبث الخارجين على القانون، ومن ثم فإن استعمال هذا الحق لا تترتب عليه أدنى مسئولية قبل المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ عنها وأن التبليغ قد صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ عنه، أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط، أما إذا تبين أن المبلغ كان يعتقد بصحة الأمر الذي أبلغ عنه أو قامت لديه شبهات تبرر التبليغ فإنه لا وجه لمساءلته عنه مما يتعين معه أن ينعي الحكم القاضي بالمساءلة عن واقعة البلاغ الكاذب ببيان العلم اليقيني بكذب الواقعة وتوافر قصد الكيد والإضرار بمن أبلغ عنه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعن لم يكن يقصد من وراء إبلاغه ضد المطعون ضده الأول بتقاضيه منه مبلغاً خارج نطاق عقد الإيجار سوى الكيد له والنكاية به وذلك مما انتهى إليه الحكم بالجنائي الاستئنافي الصادر في الدعوى الجنائية التي حركتها النيابة عن الواقعة من براءة المطعون ضده لعدم صحة الواقعة، وإذ كان الثابت من الحكم الصادر في القضية رقم 4332 س شرق الإسكندرية - عن واقعة اتهام المطعون ضده الأول بتقاضي خلو رجل من الطاعن أن المحكمة الجنائية قضت ببراءته من هذه التهمة تأسيساً على أن "المحكمة ترى في تأخير المتهم في الإبلاغ دليل عدم صحة ما يدعيه"، فإن انتهاء الحكم المطعون فيه إلى تحقيق مسئولية الطاعن عن التعويض على مجرد ما خلص إليه الحكم الجنائي في هذا الشأن دون أن يستظهر قصد الإضرار بالمطعون ضده الأول بدليل ينتجه عقلاً فإنه يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال مما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.