أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 191

جلسة 18 من يناير سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعبد اللطيف ابو النيل وعمار ابراهيم ومحمد حسين مصطفى.

(29)
الطعن رقم 14625 لسنة 59 القضائية

(1) رشوة. جريمة "اركانها". قانون "تفسيره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تتحقق جريمة الرشوة فى حق الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته. شرطه: ان يعتقد الموظف أو يزعم كذبا أنه من أعمال وظيفته بصرف النظر عن اعتقاد المجنى عليه.
مجرد ابداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذى لا يدخل فى نطاق اختصاصه. يفيد ضمنا الزعم بالاختصاص.
(2) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة نص اعتراف المتهم وظاهره. لها أن تجزئة وان تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها.
مثال.
(3) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع الموضوعى. لا يستلزم ردا صريحا. كفاية القضاء بالأدانة لأدلة الثبوت ردا عليه.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعى.
إدانة الطاعن استنادا لأقوال شاهد. مفاده إطراح كافة الاعتبارات التى ساقها الدفاع لعدم الأخذ بها.
الجدل الموضوعى. غير جائز أمام النقض.
(5) حكم "بيانات التسبيب" ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
البيان المعول عليه فى الحكم هو الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الاجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.
تزيد الحكم فيما لا يؤثر فى منطقه أو النتيجة التى خلص اليها. لا يعيبه.
1 - لما كان من المقرر إن جريمة الرشوة تتحقق فى جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من اعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذبا، وبصرف النظر عن اعتقاد المجنى عليه فيما اعتقد الموظف أو زعم إذ هو حينئذ يجمع بين اثمين هما الاحتيال والارتشاء، ويتوافر الزعم بالاختصاص ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به، إذ يكفى مجرد ابداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذى لا يدخل فى نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمنا زعمه بذلك الاختصاص، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلا سائغا على صدور الزعم بالاختصاص من جانب الطاعن بما اثبته فى حقه من انه ادعى للشاهد المبلغ أن بوسعه تخفيض الرسوم المستجدة المقررة على عقار والده لقاء مبلغ الرشوة وتناهى إلى مؤاخذته بجريمة الرشوة على أساس الزعم بالاختصاص، فان ما يثيره الطاعن فى شأن قصور الحكم فى التدليل على السياق الذى أورده فى أسباب طعنه يكون غير مقترن بالصواب.
2 - لما كان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة فى أخذها باقرار المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل أن لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها، وكان الحكم المطعون فيه قد اخذ من اقرار الطاعن بضبط المبلغ الذى سلمه له المجنى عليه معه دون باقى قوله من انه استلم المبلغ بحسبانه من الرسوم المستحقة على العقار - بفرض حصوله - فانه يكون سليما فيما انتهى اليه ومبنيا على فهم صحيح للواقع, ومن ثم فإن النعى عليه فى هذا الوجه لا يكون له محل.
3 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن، ذهب دفاعه إلى عدم صدق عضو الرقابة الإدارية، فيما زعمه من ان تحرياته قد استغرقت اثنتين وسبعين ساعة، بدلالة أن الفترة بين محضر التحريات وتاريخ ضبط الواقعة لم يمض بينهما سوى ثمان واربعين ساعة، فان ما يثيره الطاعن - على السياق المتقدم - يتمخض دفاعا موضوعيا لا يستوجب فى الأصل ردا صريحا، ما دام الرد مستفادا ضمنا من القضاء بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التى أوردها الحكم.
4 - ان وزن اقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم - مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات - مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة عليها من محكمة النقض, وكان مؤدى قضاء المحكمة بادانة الطاعن استنادا إلى أقوال عضو الرقابة الإدارية، هو اطراح ضمنى لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فان ما يثيره الطاعن من تشكيك فى أقوال هذا الشاهد، إنما ينحل إلى جدل موضوعى لا تقبل اثارته أمام محكمة النقض، ويضحى منحى الطاعن فى هذا الشأن غير سديد.
5 - ان البيان المعول عليه فى الحكم، هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، وان تزيد الحكم فيما استطرد اليه لا يعيبه ما دام أنه غير مؤثر فى منطقة أو فى النتيجة التى تناهى اليها، ومادام انه لم يورده الا بعد أن كان قد فرغ فى منطق سائغ وتدليل مقبول يكفى لحمل قضائه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفا عموميا "محصل إيرادات بمراقبة التحصيل بحى شرق الاسكندرية". طلب وأخذ لنفسه رشوة للإمتناع عن أداء عمل زعم أنه عن أعمال وظيفته بأن طلب من.... مبلغ ستين جنيها أخذ منه ثلاثين جنيها على سبيل الرشوة مقابل امتناعه عن تغذية الحاسب الآلى بالمعلومات الصحيحة مما يترتب عليه إعفاءه من سداد الرسوم المستجدة المقرر على عقار مملوك لوالده والتى زعم باختصاصه بها. وأحالته إلى محكمة جنايات الاسكندرية لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادتين 103، 103 مكررا من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه الف جنيه.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الرشوة قد شابه القصور فى التسبيب والخطأ فى الاسناد والفساد فى الاستدلال، ذلك بأن مدوناته قد خلت من أية اشارة إلى اختصاص الطاعن بالعمل الذى طلب إليه أداؤه وكان الحصول على الرشوة مقابلا له - مزعوما كان أم يدخل فى اختصاصه - رغم إن عضوى الرقابة الإدارية والشاهد..... قد قررا بأن اختصاص الطاعن الوظيفى منبت الصلة بالعمل محل الاتهام، كما أحال فى بيان أقوال عضوى الرقابة الإدارية ما شهد به الشاهد المبلغ مع انه لم يرد بشهادتهما الطريقة التى ستمكن الطاعن من تخفيض الرسوم على نحو ما شهد به المبلغ من أن الطاعن سوف يعمد إلى تغذية الحاسب الآلى بمعلومات غير صحيحة، كما حرفت المحكمة أقوال الطاعن من أن المجنى عليه دفع له مبلغ ثلاثين جنيها المضبوطة معه بحسبانه من الرسوم المستحقة على العقار إلى القول بأنه أقر بتحقيقات النيابة بتسلمه المبلغ من الشاهد الأول، وردت على دفاعه فيما زعم عضو الرقابة الأدارية من أنه تحرى عن الطاعن لمدة اثنين وسبعين ساعة مع أن الفترة بين البلاغ ومحضر ضبط الواقعة لا تتجاوز ثمان وأربعين ساعة بما يكشف عن ان المحكمة لم تتفطن إلى دلالة دفاعه هذا، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله إنه بعد إذ قرر المجنى عليه للطاعن بحاجته إلى شهادة مشتملات على العقار المملوك لوالده، فقد اخبره الطاعن بضرورة سداد الرسوم المستجدة حتى يتسنى له استخراج تلك الشهادة، وانه فى مكنته تخفيضها وذلك بتغذية الحاسب الآلى معلومات غير صحيحة لقاء تقاضية منه مبلغ ثلاثين جنيها فتظاهر المجنى عليه بالموافقة ثم أبلغ الأمر إلى عضو الرقابة الادارية - شاهد الإثبات الثانى - الذى أجرى تحرياته عن الواقعة حيث أسفرت عن صحتها فحرر محضرا بها وأعد المبلغ المطلوب وأثبت أرقامه ثم استصدر اذنا من النيابة بالضبط والتفتيش، وقام هو وزميله الشاهد الثالث بضبط الطاعن اثر استلامه مبلغ الرشوة من المجنى عليه، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من شهادة كل من المجنى عليه وعضوى الرقابة الإدارية وما أقر به المتهم فى التحقيق من تسلمه المبلغ المضبوط معه من المجنى عليه، وهى أدلة من شأنها أن تؤدى الى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن جريمة الرشوة تتحقق فى جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من اعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذبا، وبصرف النظر عن اعتقاد المجنى عليه فيما اعتقد الموظف أو زعم إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء، ويتوافر الزعم بالاختصاص ولو لم يفصح عن الموظف أو يصرح به، إذ يكفى مجرد ابداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذى لا يدخل فى نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمنا زعمه بذلك الاختصاص، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلا سائغا على صدور الزعم بالاختصاص من جانب الطاعن بما اثبته فى حقه من أنه ادعى للشاهد المبلغ أن بوسعه تخفيض الرسوم المستجدة المقررة على عقار والده لقاء مبلغ الرشوة وتناهى إلى مؤاخذته بجريمة الرشوة على أساس الزعم بالاختصاص، فان ما يثيره الطاعن فى شأن قصور الحكم فى التدليل على السياق الذى أورده فى أسباب طعنه يكون غير مقترن بالصواب. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه إنه حصل أقوال كل من الشاهد الأول المبلغ والشاهد الثانى عضو الرقابة الإدارية - كل على استقلال - ثم أحال فى بيان اقوال الشاهد الثالث عضو الرقابة الإدارية إلى ما حصله من أقوال الشاهد الثانى فان النعى على الحكم بأنه أحال فى بيان أقوال عضوى الرقابة الإدارية إلى ما شهد به الشاهد الأول يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة فى أخذها باقرار المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل أن لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ من اقرار الطاعن بضبط المبلغ الذى سلمه له المجنى عليه معه دون باقى قوله من أنه استلم المبلغ بحسبانه من الرسوم المستحقة على العقار - بفرض حصوله - فانه يكون سليما فيما انتهى إليه ومبنيا على فهم صحيح للواقع, ومن ثم فإن النعى عليه فى هذا الوجه لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن، ذهب دفاعه إلى عدم صدق عضو الرقابة الإدارية فيما زعمه من أن تحرياته قد استغرقت اثنتين وسبعين ساعة، بدلالة إن الفترة بين محضر التحريات وتاريخ ضبط الواقعة لم يمض بينهما سوى ثمان وأربعين ساعة، فان ما يثيره الطاعن - على السياق المتقدم - يتمخض دفاعا موضوعيا لا يستوجب فى الأصل ردا صريحا، مادام الرد مستفادا ضمنا من القضاء بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التى أوردها الحكم، فضلا عن إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم - مهما وجه اليها من مطاعن وحام حولها من شبهات - مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة عليها من محكمة النقض, وكان مؤدى قضاء المحكمة بادانة الطاعن استنادا إلى أقوال عضو الرقابة الإدارية، هو اطراح ضمنى لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فإن ما يثيره الطاعن من تشكيك فى أقوال هذا الشاهد، إنما ينحل إلى جدل موضوعى لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى منعى الطاعن فى هذا الشأن غير سديد. ولا يقدح فى ذلك عدم تفطن المحكمة الى أن دفاع الطاعن قصد به تكذيب الشاهد، وليس التشكيك فى جدية التحريات لعدم استغراقها زمنا معينا من الشاهد، كما ذهب الحكم فى معرض رده على دفاعه ذاك، لما هو مقرر، من أن البيان المعول عليه فى الحكم، هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، وان تزيد الحكم فيما استطرد اليه لا يعيبه ما دام أنه غير مؤثر فى منطقة أو فى النتيجة التى تناهى اليها، وما دام إنه لم يورده الا بعد أن كان قد فرغ فى منطق سائغ وتدليل مقبول يكفى لحمل قضائه بادانة الطاعن وهو الحال فى الدعوى الماثلة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.