مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 641

(74)
جلسة 31 من مارس سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة وحسن جلال وعلي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 52 لسنة 2 القضائية

قرعة عسكرية - المراحل التي تمر عليها عملية التجنيد طبقاً لقانون سنة 1902 - القيام بدفع البدل النقدي والحصول على شهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية في ظل القانون سالف الذكر - صدور القانون رقم 140 لسنة 1947 الذي حرم الإعفاء من الخدمة مقابل البدل - ثبوت أن البدل المدفوع 20 ج والحال أنه يجب أن يكون 40 ج - اكتساب مركز قانوني في المعاملة على أساس الإعفاء مقابل البدل، وانحصار الجدل في مقدار البدل الواجب دفعه.
يتضح من مراجعة قانون القرعة الصادر في سنة 1902 أن عملية التجنيد كانت تتم على ثلاث مراحل وهي: مرحلة الاقتراع، ثم مرحلة الفرز، ثم مرحلة التجنيد. وعملية الاقتراع تتحصل في حصر أسماء أنفار القرعة وإدراجها في كشوف يقوم مجلس القرعة بفحصها وتصفيتها تصفية نهائية بعد سماع شكاوي أصحاب الشأن عنها. أما عملية الفرز فتتحصل في توقيع الكشف الطبي على الأنفار الذين وردت أسماؤهم في الكشوف النهائية، فيعفى غير اللائقين منهم، أما اللائقون فيؤخذ منهم العدد المطلوب للجيش، ويعاد الباقون إلى بلادهم ليطلبوا عند الحاجة إليهم. وأما عملية التجنيد فتتحصل في طلب العدد الذي يحتاج إليه الجيش من بين اللائقين بحسب نمر اقتراعهم ليرسلوا إلى ديوان الحربية، وتبدأ خدمتهم العسكرية من اليوم الذي يصادق فيه الديوان على تجنيدهم. وقد حددت المواد 11 و12 و12 مكررة من قانون القرعة العسكرية الصادر في سنة 1902 قيمة البدل النقدي الواجب دفعه في حالة من يرغب في الإعفاء من الخدمة العسكرية، فنصت المادة 11 على أنه: "يحق لكل شخص أن يعفي من ملزوميته بالخدمة العسكرية إذا دفع عشرين جنيهاً مصرياً في أي وقت كان قبل اقتراعه"، ونصت المادة 12 على أن: "كل شخص لم يحضر أمام مجلس الاقتراع في الجلسة التي ينظر فيها في كشوف الاقتراع المدرج فيها اسمه له الحق في الحصول على الإعفاء في أي وقت كان بعد درج اسمه في كشوف الاقتراع وقبل طلبه للفرز الطبي بدفعه بدلاً نقدياً قدره أربعون جنيهاً مصرياً"، وأخيراً نصت المادة 12 مكررة على أن: "كل شخص مدرج بكشوف الاقتراع له الحق في الحصول على الإعفاء في أي وقت بعد الكشف عليه طبياً وقبل تجنيده بدفعه بدلاً نقدياً قدره مائة جنيه مصري". ويبين من تطبيق هذه الأحكام على وقائع الدعوى أن المدعي حين طلب للاقتراع في سنة 1945 بادر إلى دفع البدل النقدي المقرر للإعفاء في هذه الحالة وقدره عشرون جنيهاً، وترتب على ذلك أنه حصل على شهادة رسمية من الجهة المختصة قانوناً بإعفائه من الخدمة العسكرية، وبذلك يكون قد تقرر حقه في المعاملة على أساس الإعفاء مقابل البدل، ويكون قد اكتسب مركزاً قانونياً لا يجوز المساس به مستقبلاً بالتطبيق لأحكام المواد 11 و12 و12 مكررة (التي سبقت الإشارة إليها) بحيث إذا نشأت أية منازعة في المستقبل حول هذا المركز القانوني فإنها لن تدور إلا حول قيمة البدل النقدي المستحق للحصول على مزية الإعفاء من الخدمة العسكرية وهي المزية التي تقرر حقه فيها منذ أن استعمل الرخصة التي خولها له القانون، فاختار طريق الإعفاء لقاء دفع البدل. ومن ثم يكون من الخطأ إهدار معاملة المدعي على السواقط؛ إذ أنه قبل وضعه الجديد كأحد السواقط بدون أية معارضة، وبادر إلى دفع البدل النقدي المطلوب، ولم يبق بعد ذلك لمجلس التجنيد من سلطان عليه إلا في مطالبته، بتكملة البدل الذي يرى أنه استحق عليه بحكم تخلفه عن الحضور في معاملته السابقة التي تمت على المواليد. وما دام هذا المجلس قرر قبول عذره في التخلف عن حضور جلسة الفرز في سنة 1944، فتكون قيمة البدل المستحق في هذه الحالة أربعين جنيهاً مصرياً بالتطبيق لأحكام المادة 12 من قانون القرعة الصادر في سنة 1902 - متى ثبت ذلك، فإنه لا تقبل المحاجة بأن البدل النقدي لا ينتج أثره إلا إذا دفع كاملاً أو أنه لا يجوز إحياء هذا الأثر بإجراء لاحق؛ وذلك لأن الحق الذي اكتسبه المدعي في الإعفاء من الخدمة العسكرية (في ظل سريان قانون سنة 1902) يفسح أمامه الطريق لتكملة البدل الذي قبل منه فعلاً، فإذا ما قام بتسديد باقي القيمة التي يتضح أنها تستحق عليه ترتب على ذلك حتماً إعفاؤه نهائياً من الخدمة العسكرية وأصبح بمنجاة من تطبيق أحكام قانون القرعة الجديد رقم 140 لسنة 1947 عليه إعمالاً لنص المادة 55 منه التي تقرر أنه: "لا تسري أحكام هذا القانون على كل من سبق إعفاؤه نهائياً من الخدمة العسكرية".


إجراءات الطعن

في 5 من يناير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1955 من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) في الدعوى رقم 1597 لسنة 8 ق المرفوعة من السيد/ ياقوت محمد حجر ضد وزارة الحربية والبحرية، القاضي: "بإلغاء القرار الصادر في 17 من مايو سنة 1953 بتجنيد المدعي وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين الحكم: "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصاريف". وقد أعلن هذا الحكم إلى وزارة الحربية والبحرية في 12 من يناير سنة 1956 وإلى ياقوت محمد حجر في 19 من يناير سنة 1956. وعين لنظر الطعن جلسة 10 من مارس سنة 1956، وبها سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، ثم حجزت الدعوى لإصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1597 سنة 8 ق ضد وزارة الحربية والبحرية بصحيفة معلنة في 22 من ديسمبر سنة 1953 طلب فيها الحكم: أولاً - وبصفة مستعجلة - بوقف تنفيذ أمر تجنيده، حتى يفصل في موضوع الدعوى. وثانياً - في الموضوع - بإلغاء هذا الأمر واعتباره كأن لم يكن.
وقال في شرح دعواه: "إنه من مواليد قسم اللبان (إسكندرية) في 8 من ديسمبر سنة 1923، وأنه نظراً لحالة الحرب في سنة 1940 هاجر من الإسكندرية وأقام في بلدة القضابة (كفر الزيات)، ولما عاد بعد ذلك إلى الإسكندرية أقام في حي راغب باشا (كرموز)، وفي سنة 1945 طلب للتجنيد باعتباره من سواقط كرموز فدفع البدل النقدي الذي طلب منه وقدره عشرون جنيهاً وسلمت إليه شهادة إعفاء من الخدمة العسكرية في 21 من مايو سنة 1945، وأنه في سنة 1950 عاد للإقامة بقسم اللبان فطلب للتجنيد مرة ثانية، غير أنه تقدم بشهادة الإعفاء التي تحت يده فأخلي سبيله، وفي سنة 1953 أعيد طلبه للتجنيد مرة ثالثة وجند فعلاً في هذه المرة على أساس أنه كان قد تم اقتراعه غيابياً في سنة 1942 وأن البدل الذي كان يجب عليه دفعه بعد الاقتراع هو أربعون جنيهاً وليس عشرين جنيهاً. وقال إنه اعتذر بأنه لم يكن يعلم إطلاقاً بأنه سبق اقتراعه غيابياً، وأنه لم يعلن بموعد هذا الاقتراع، ولم يطلب إليه أن يدفع في البدل أربعين جنيهاً فتخلف عن أداء هذه القيمة، ولكنه على الرغم من هذه الأعذار تم تجنيده على خلاف أحكام المادة 11 من قانون القرعة الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902، التي تقضي باستحقاق كل من يدفع عشرين جنيهاً قبل اقتراعه في الإعفاء من الخدمة العسكرية، والمادة 14 من نفس القانون التي ترتب إصدار شهادة الإعفاء على مجرد القيام بدفع البدل المستحق دون توقف على قبول وزارة الحربية أو رفضها كما أن القانون رقم 140 لسنة 1947 - الذي ألغي نظام البدل النقدي - صريح في المادة 55 منه على عدم سريان أحكامه على من سبق إعفاؤه من الخدمة العسكرية في ظل القانون السابق. وانتهى المدعي في صحيفة دعواه إلى أن قرار تجنيده وقع باطلاً، وأنه لذلك يتعين وقف تنفيذه، بصفة مستعجلة، ثم الحكم بعد ذلك بإلغائه."، ودفعت الحكومة الدعوى بأن: المدعي اقترع غيابياً على المواليد في سنة 1942 ثم طلب للفرز الطبي فتخلف وتقرر صحة اقتراعه الغيابي وقبول عذره في التخلف عن طلب سنة 1944، ونظراً لأن معاملته على مواليد اللبان أسبق من معاملته على سواقط كرموز فقد صدر في 23 من مارس سنة 1953 قرار من مجلس تجنيد الإسكندرية بصحة اقتراعه على المواليد، وبإلغاء معاملته على السواقط في سنة 1945، وإلغاء تذكرة البدل ورد مبلغ العشرين جنيهاً إليه، وأنه لا يجدي المدعي تمسكه بعدم العلم بواقعة سبق اقتراعه غيابياً؛ لأنه كان من الواجب عليه أن يتقدم من تلقاء نفسها للاقتراع عند بلوغه السن القانونية، ولذلك يكون قرار تجنيده في سنة 1953 وقد وقع صحيحاً في ظل القانون رقم 140 لسنة 1947 لا سيما وأن المدعي لم يكن قد دفع البدل المقرر بالنسبة لمن يتم اقتراعه غيابياً ومقداره أربعون جنيهاً، وانتهى دفاع الحكومة بطلب الحكم برفض طلب وقف التنفيذ ثم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) في 11 أبريل سنة 1954 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ثم أصدرت حكمها في الموضوع بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1955 بإلغاء ذلك القرار؛ استناداً إلى: "أن المدعي قد كسب الإعفاء نهائياً في ظل القانون القائم وقت اقتراعه في سنة 1944، ومن ثم فلا تسري في حقه أحكام القانون الجديد، وأنه لا يؤثر في هذا النظر أن المدعي دفع بدلاً نقدياً أقل مما كان يجب دفعه؛ لأنه قام أخيراً (في يوم 25 من مارس سنة 1954) بإيداع باقي المبلغ المطلوب منه".
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة المفوضين طعن في هذا الحكم ناعياً عليه أنه خالف القانون، ولذلك طلب الحكم بإلغائه، وبرفض الدعوى، مستنداً في ذلك إلى أن: "دفع البدل لا ينتج أثره (وهو الإعفاء) إلا إذا دفع كاملاً، وفي حالة سداد مبلغ أقل من الواجب دفعه، فإن هذا السداد لا ينتج أثره القانوني، ولا يمكن إحياء هذا الأثر بإجراء لاحق يتم في ظل قانون ألغى نظام الإعفاء بالبدل النقدي، وأن شهادة الإعفاء تعتبر شهادة كاشفة عن الحق ومسجلة له، فإن كان الحق غير موجود لم يكن لهذه الشهادة من أثر، ولا يعتبر إلغاؤه سحباً لقرار إداري من شأنه أن ينشئ حالة جديدة، بل هي تقرير لحقيقة واقعة هي أن الحق الذي قصدت الشهادة أن تسجله ليس له وجود. أما عن عدم إعلان المدعي بطلب التجنيد في سنة 1942، فإن قانون سنة 1902 كان يفيد أن الإعلان عن جلسات الاقتراع يتم بالتعليق في مكان ظاهر بالبلدة قبل انعقاد مجلس القرعة بواحد وعشرين يوماً، واعتبر هذا التعليق إعلاناً لذوي الشأن، وفضلاً عن كل ذلك فإن المدعي نفسه اعترف في محضر استجوابه بقسم اللبان في 27 من أغسطس سنة 1951 بأنه لم يترك جهة ميلاده، فلا اعتداد بعد ذلك بما أراد أن يصوره في الشهادات الإدارية التي قدمها ليدلل بها على أنه ترك الإسكندرية منذ سنة 1940، وأنه لم يكن موجوداً بها وقت طلبه الأول في سنة 1942، وتكون النتيجة أن إعلانه في جهة ميلاده تم صحيحاً، وأنه تخلف عن الفرز الطبي، ولم يدفع البدل المستحق للإعفاء في مثل هذه الظروف وقدره أربعون جنيهاً، ومن ثم فإن دفعه للبدل بواقع عشرين جنيهاً لا ينتج أثره القانوني، كما أنه لا يمكن إحياء هذا الأثر بإجراء لاحق يتم في ظل القانون الجديد الذي ألغي نظام الإعفاء بالبدل كما سلف البيان".
ومن حيث إن هذه المنازعة تدور حول بيان ما إذا كانت معاملة المدعي على السواقط في سنة 1945، وقيامه بدفع البدل النقدي بواقع عشرين جنيهاً مصرياً، وحصوله على شهادة الإعفاء، يكسبه حق الإعفاء - كما يقول هو - أم أن المعاملة السابقة التي تمت على المواليد في سنة 1942 تعتبر هي المعاملة الصحيحة، ويكون تخلف المدعي عن الحضور فيها، وعدم قيامه بعد ذلك بدفع البدل بواقع أربعين جنيهاً مصرياً، قد أهدر حقه في الانتفاع بآثار معاملته على السواقط - كما يقول السيد رئيس هيئة المفوضين - وبذلك يتجرد المدعي من كل ميزة تحصنه من الوقوع تحت طائلة أحكام القانون الجديد رقم 140 لسنة 1947.
ومن حيث إن تفصيلات معاملة المدعي في القرعة العسكرية - مستمدة من واقع الأوراق المودعة في الملف - تتحصل في الآتي:
أنه ولد بدائرة قسم اللبان في 8 من ديسمبر سنة 1923، وبلغ التاسعة عشرة من عمره في 8 من ديسمبر سنة 1942، فأدرج اسمه في كشوف الاقتراع عن هذه السنة ولكنه لم يحضر في جلسة الاقتراع المحددة لأنه لم يعلن بها بسبب غيابه، وفي أكتوبر سنة 1943 طلب الفرز الطبي فتخلف لعدم وجوده، وتأشر "بمداومة البحث" على ظهر ورقة الإعلان، وفي سنة 1945 كان المدعي يقيم في حي راغب باشا التابع لقسم كرموز فاعتبر من سواقط هذا الحي، وأدرج اسمه في كشوف الاقتراع على هذا الأساس، ولما طلب لجلسة الاقتراع تقدم بدفع البدل النقدي المقرر في هذه الحالة وهو عشرون جنيهاً مصرياً، وقبل منه هذا البدل، وفي 21 من مايو سنة 1945 صدرت من وزارة الحربية شهادة بإعفائه من الخدمة العسكرية.
وفي 18 من أغسطس سنة 1951 كان المدعي قد عاد إلى الإقامة في قسم اللبان فتقدمت ضده شكوى من شخص زعم أنه جاره في السكن مؤداها أنه (متهرب من خدمة الجيش). وأسفر محضر سماع الأقوال الشفوية الذي أجراه بوليس قسم اللبان في هذه الشكوى عن أن المدعي لم يكن في دائرة قسم اللبان في سنة 1942، فكلفته الإدارة بتقديم مستندات رسمية تثبت صحة هذه الواقعة، وفي 24 من فبراير سنة 1953 تعهد بتقديم هذه المستندات في بحر عشرة أيام، ونظراً لتأخره في تقديم هذه المستندات، فإن مجلس تجنيد الإسكندرية أصدر في 23 من مارس سنة 1953 قراره: أولاً - بصحة اقتراعه على المواليد وقبول عذره في التخلف عن طلب سنة 1944، ثانياً - بإلغاء معاملته على السواقط في سنة 1945 وما يترتب عليها وإلغاء تذكرة البدل ورد مبلغ العشرين جنيهاً إليه. وفي 17 من مايو سنة 1953 طلب إليه الحضور للتجنيد - كنتيجة لقرار المجلس المشار إليه - فحضر وألحق بسلاح المشاة في 19 من مايو سنة 1953، وعقب ذلك مباشرة كانت قد تجمعت لديه الشهادات الإدارية التالية، فقدمها لمجلس التجنيد:
1 - شهادة إقامة بالقضابة (كفر الزيات) من سنة 1940 - سنة 1945، بتوقيع عمدة القضابة وشيخها في 3 من مارس سنة 1953.
2 - شهادة إقامة براغب باشا (كرموز) من سنة 1936 - سنة 1940، بتوقيع شيخ الحارة وشيخ القسم في 20 من مايو سنة 1953.
3 - شهادة غياب عن النجع الجديد (قسم اللبان) منذ سنة 1936، بتوقيع اثنين من موظفي الحجر الصحي بالإسكندرية في 21 من مايو سنة 1953.
ولكن إدارة التجنيد لم تقبل الاحتجاج بمثل هذه الشهادات، وطلبت تقديم شهادات رسمية مقل بطاقة التموين أو تذكرة الانتخاب، فأخذ المدعي يتظلم من قرار التجنيد الصادر في 17 من مايو سنة 1953، وأخيراً رفع دعواه الحالية في 22 من ديسمبر سنة 1953 وصدر قرار المحكمة بوقف تنفيذه في أبريل سنة 1954 ثم بإلغائه في نوفمبر سنة 1955، على ما سبق بيانه.
ومن حيث إنه يتضح من مراجعة قانون القرعة الصادر في سنة 1902 أن عملية التجنيد كانت تتم على ثلاث مراحل وهي: مرحلة الاقتراع، ثم مرحلة الفرز، ثم مرحلة التجنيد. وعملية الاقتراع تتحصل في حصر أسماء أنفار القرعة وإدراجها في كشوف يقوم مجلس القرعة بفحصها وتصفيتها تصفية نهائية بعد سماع شكاوي أصحاب الشأن عنها. أما عملية الفرز فتتحصل في توقيع الكشف الطبي على الأنفار الذين وردت أسماؤهم في الكشوف النهائية، فيعفى غير اللائقين منهم، أما اللائقون فيؤخذ منهم العدد المطلوب للجيش، ويعاد الباقون إلى بلادهم ليطلبوا عند الحاجة إليهم. وأما عملية التجنيد فتتحصل في طلب العدد الذي يحتاج إليه الجيش من بين اللائقين بحسب نمر اقتراعهم ليرسلوا إلى ديوان الحربية، وتبدأ خدمتهم العسكرية من اليوم الذي يصادق فيه الديوان على تجنيدهم. وقد حددت المواد 11 و12 و12 مكررة من قانون القرعة العسكرية الصادر في سنة 1902 قيمة البدل النقدي الواجب دفعه في حالة من يرغب في الإعفاء من الخدمة العسكرية، فنصت المادة 11 على أنه: "يحق لكل شخص أن يعفى من ملزوميته بالخدمة العسكرية إذا دفع عشرين جنيهاً مصرياً في أي وقت كان قبل اقتراعه"، ونصت المادة 12 على أن: "كل شخص لم يحضر أمام مجلس الاقتراع في الجلسة التي ينظر فيها في كشوف الاقتراع المدرج فيها اسمه له الحق في الحصول على الإعفاء في أي وقت كان بعد درج اسمه في كشوف الاقتراع وقبل طلبه للفرز الطبي بدفعه بدلاً نقدياً قدره أربعون جنيهاً مصرياً"، وأخيراً نصت المادة 12 مكررة على أن: "كل شخص مدرج بكشوف الاقتراع له الحق في الحصول على الإعفاء في أي وقت بعد الكشف عليه طبياً وقبل تجنيده بدفعه بدلاً نقدياً قدره مائة جنيه مصري".
ومن حيث إنه يبين من تطبيق هذه الأحكام على وقائع الدعوى، أن المدعي حين طلب للاقتراع في سنة 1945 - بادر إلى دفع البدل النقدي المقرر للإعفاء في هذه الحالة وقدره عشرون جنيهاً، وترتب على ذلك أنه حصل على شهادة رسمية من الجهة المختصة قانوناً بإعفائه من الخدمة العسكرية، وبذلك يكون قد تقرر حقه في المعاملة على أساس الإعفاء مقابل البدل، ويكون قد اكتسب مركزاً قانونياً لا يجوز المساس به مستقبلاً بالتطبيق لأحكام المواد 11 و12 و12 مكررة (التي سبقت الإشارة إليها) بحيث إذا نشأت أية منازعة في المستقبل حول هذا المركز القانوني فإنها لن تدور إلا حول قيمة البدل النقدي المستحق للحصول على مزية الإعفاء من الخدمة العسكرية، وهي المزية التي تقرر حقه فيها منذ أن استعمل الرخصة التي خولها له القانون، فاختار طريق الإعفاء لقاء دفع البدل. ومما تجب الإشارة إليه في هذا المقام أن المدعي كان حسن النية في تخلفه عن حضور جلسة الاقتراع في سنة 1942 بسبب غيابه عن جهة ميلاده التي عومل عليها أولاً (في قسم اللبان)، كما كان حسن النية في تخلفه عن الفرز في أكتوبر سنة 1943 بسبب غيابه أيضاً، ذلك الغياب الذي ظهر من التحقيق أنه كان له ما يبرره تحت ضغط ظروف قاهرة خارجة عن إرادة المدعي وهي اشتداد الغارات الجوية التي تعرضت لها مدينة الإسكندرية في تلك الفترة. وقد ثبت من الأوراق أن مجلس تجنيد الإسكندرية نفسه قرر "قبول عذره في التخلف عن طلب سنة 1944" بعد أن تبين له أنه كان غير مقيم بجهة ميلاده وقت طلبه وأنه لم يعد له فيها أهل ولا أملاك، بل ولم يوجد بتلك الجهة من يرشد عن مكانه (كما أثبت ذلك شيخ الجهة في شهادته التي تقدم بها في 3 من يناير سنة 1953).
ومن حيث إنه في ضوء هذا البيان يكون من الخطأ إهدار معاملة المدعي على السواقط؛ إذ أنه قبل وضعه الجديد كأحد سواقط راغب باشا بدون أية معارضة، وبادر إلى دفع البدل النقدي المطلوب، ولم يبق بعد ذلك لمجلس التجنيد من سلطان عليه إلا في مطالبته، بتكملة البدل الذي يرى أنه استحق عليه بحكم تخلفه عن الحضور في معاملته السابقة التي تمت على المواليد. وما دام هذا المجلس قرر قبول عذره في التخلف عن حضور جلسة الفرز في سنة 1944، فتكون قيمة البدل المستحق في هذه الحالة أربعين جنيهاً مصرياً بالتطبيق لأحكام المادة 12 من قانون القرعة الصادر في سنة 1902.
ومن حيث إنه متى ثبت ذلك، فإنه لا تقبل المحاجة بأن البدل النقدي لا ينتج أثره إلا إذا دفع كاملاً، أو أنه لا يجوز إحياء هذا الأثر بإجراء لاحق؛ وذلك لأن الحق الذي اكتسبه المدعي في الإعفاء من الخدمة العسكرية (في ظل سريان قانون سنة 1902) يفسح أمامه الطريق لتكملة البدل الذي قبل منه فعلاً، فإذا ما قام بتسديد باقي القيمة التي يتضح أنها تستحق عليه، ترتب على ذلك حتماً إعفاؤه إعفاءً نهائياً من الخدمة العسكرية وأصبح بمنجاة من تطبيق أحكام قانون القرعة الجديد رقم 140 لسنة 1947 عليه إعمالاً لنص المادة 55 منه التي تقرر أنه: "لا تسري أحكام هذا القانون على كل من سبق إعفاؤه نهائياً من الخدمة العسكرية".
ومن حيث إن الطعن المقدم من السيد رئيس هيئة المفوضين - إذا أخذ بغير هذه المبادئ - يكون قد أقيم على غير أساس سليم ويتعين رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.