أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 3 - ص- 560

جلسة 6 من مارس سنة 1952
(96)
القضية رقم 163 سنة 19 قضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك ومحمد نجيب أحمد بك وعبد العزيز سليمان بك المستشارين.
( أ ) نقض. المحامي المقرر بالطعن نيابة عن الطاعن. تقديمه توكيلاً عاماً سابقاً على إنشاء محكمة النقض يجيز له الحضور عن موكله في جميع القضايا ولدى جميع المحاكم على اختلاف درجاتها. استمرار هذا التوكيل إلى ما بعد إنشاء محكمة النقض. هذا التوكيل يبح له تقرير الطعن بالنقض نيابة عن موكله متى كان هو مقبولاً لدى محكمة النقض. الدفع بعدم قبول تقريره على غير أساس. المادة 15 من قانون إنشاء محكمة النقض.
(ب) خبير. رأي الخبير غير مقيد للمحكمة. اطراحها النتيجة التي أجمع عليها ستة من خبراء الدعوى وأخذها لأسباب مسوغة بنتيجة مخالفة. لا خطأ.
(ج-) إثبات. حكم. تسبيبه. مدعي في دعوى ملكية. رفض المحكمة دعواه لعجزه عن إثبات ملكيته كاف لإقامة الحكم. النعي على ما قالته المحكمة خاصاً بسند ملكية المدعى عليه. غير منتج.
(د) نقض. سبب جديد. تقادم خمسي مكسب. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(1) أنه وإن كان يبين من التوكيلات الصادرة من بعض الطاعنين والملحقة بتقرير الطعن أنهم وقعوا عليها في تواريخ سابقة على تاريخ إنشاء محكمة النقض بالمرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1931 إلا أنه لما كان قد ورد في كل منها أنه توكيل عام يسري العمل بمقتضاه حتى يعدل عنه وذلك في جميع القضايا المرفوعة أو التي ترفع من الموكل أو عليه أمام جميع المحاكم، وكان كل ما اقتضته المادة 15 من قانون إنشاء محكمة النقض هو أن يوقع تقرير الطعن محام من المحامين المقبولين أمامها بوصفه وكيلاً عن الطاعن وكانت العبارة الواردة في التوكيلات المشار إليها هي عبارة عامة مطلقة تخول المحامي الوكيل حق التقرير بالطعن بطريق النقض المدني نيابة عن موكليه وكان لا يمنع ذلك صدورها منهم في تواريخ سابقة على تاريخ إنشاء محكمة النقض متى كان قد نص فيها على استمرار العمل بمقتضاها في كافة القضايا أمام جميع المحاكم وكان ثابتاً بالأوراق المقدمة بالطعن أنها لا تزال قائمة ومعمولاً بها الأمر الذي يجيز صرف عبارة (جميع المحاكم وجميع القضايا) الواردة فيها إلى الحال والاستقبال على السواء بحيث تشمل محكمة النقض بعد إنشائها والطعن بطريق النقض المدني بعد استحداثه ولو أنه لم يكن مقرراً وقت صدورها، لما كان ذلك كذلك يكون التقرير بالطعن بالنسبة إلى هؤلاء الطاعنين قد قدم من ذي صفة ويكون الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً في غير محله.
(2) إن رأي الخبراء غير مقيد للمحكمة ذلك أنها لا تقضي في الدعوى إلا على أساس ما تطمئن إليه من ثم لا يعيب قضاءها إذ هي أطرحت النتيجة التي أجمع عليها ستة من الخبراء من أن أرض النزاع تدخل في مستندات الطاعنين وذهبت بما لها من سلطة التقدير الموضوعية إلى نتيجة مخالفة متى كانت قد أوردت الأدلة المسوغة لها.
(3) أنه بحسب المحكمة إذ هي قضت برفض دعوى الطاعنين أن تستند في ذلك إلى عجزهم عن إثبات سبب ملكيتهم دون أن تكون في حاجة إلى بيان أساس ملكية المطعون عليها التي لم تكن إلا مدعى عليها في الدعوى ومن ثم فإن النعي على ما قاله الحكم خاصاً بسند ملكية المدعى عليها غير منتج.
(4) متى كان الطاعنون لم يقدموا ما يثبت أنهم استندوا في دعواهم لدى محكمة الموضوع إلى إنهم كسبوا ملكية الأرض بوضع اليد مدة خمس سنوات مع السبب الصحيح فإنه لا يجوز لهم إثارة هذا الوجه لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

في يوم 11 من سبتمبر سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 18 من مايو سنة 1949 في الاستئناف رقم 28 سنة 2 ق - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 17 من سبتمبر سنة 1949 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن، وفي 6 من أكتوبر سنة 1949 أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم. وفي 17 منه أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 27 منه أودع الطاعنون مذكرة بالرد. وفي 7 من أكتوبر سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة لمن عدا الطاعنة الثانية السيدة عائشة هانم فهمي وبالنسبة لها بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 21 من فبراير سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محاميا الطرفين والنيابة العامة على ما جاء بمذكراتهم. والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة دفعت في المذكرة المقدمة منها بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة إلى الطاعنين الأول والثالث والرابعة تأسيساً على أن التوكيلات الصادرة منهم إلى الأستاذ عبد الفتاح بك رجائي المحامي الذي ناب عنه الأستاذ يوسف خليل المحامي في التقرير بالطعن بمقتضاها قد حررت في تواريخ سابقة على تاريخ إنشاء محكمة النقض، مما يدل على أن موكليه لم يخولوه فيها حق الطعن بطريق النقض المدني نيابة عنهم، إذ لم يكن هذا الطعن جائزاً في ذلك الحين، الأمر الذي ينبني عليه أن يكون الطعن مرفوعاً من غير ذي صفة.
وحيث إنه وإن كان يبين من التوكيلات الصادرة من الطاعنين الأول والثالث والرابعة والملحقة بتقرير الطعن أنهم وقعوا عليها في تواريخ سابقة على تاريخ إنشاء محكمة النقض بالمرسوم بقانون رقم 68 سنة 1931 إلا أنه لما كان قد ورد في كل منها أنه توكيل عام يسري العمل بمقتضاه حتى يعدل عنه وذلك في جميع القضايا المرفوعة أو التي ترفع من الموكل أو عليه أمام جميع المحاكم - وكان كل ما اقتضته المادة 15 من قانون إنشاء محكمة النقض هو أن يوقع تقرير الطعن محام من المحامين المقبولين أمامها بوصفه وكيلاً عن الطاعن - وكانت العبارة الواردة في التوكيلات المشار إليها هي عبارة عامة مطلقة تخول المحامي الوكيل حق التقرير بالطعن بالطريق النقض المدني نيابة عن موكليه - وكان لا يمنع من ذلك صدورها منهم في تواريخ سابقة على تاريخ إنشاء محكمة النقض، متى كان قد نص فيها على استمرار العمل بمقتضاها في كافة القضايا أمام جميع المحاكم وكان ثابتاً بالأوراق المقدمة في الطعن أنها لا تزال قائمة ومعمولاً بها، الأمر الذي يجيز صرف عبارة "جميع المحاكم وجميع القضايا" الواردة فيها إلى الحال والاستقبال على السواء بحيث تشمل محكمة النقض بعد إنشائها والطعن بطريق النقض المدني بعد استحداثه ولو أنه لم يكن مقرراً وقت صدورها - لما كان ذلك يكون التقرير بالطعن بالنسبة إلى الطاعنين الأول والثالث والرابعة قدم من ذي صفة ويكون الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً في غير محله.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه تتحصل، حسبما يستفاد منه ومن سائر الأوراق المقدمة في الطعن في أن الطاعنين أقاموا في 3 من سبتمبر سنة 1934 الدعوى رقم 634 كلي الإسكندرية سنة 1934 بطلب الحكم بتثبيت ملكيتهم إلى قطعة أرض مساحتها 4100 متر مربع مبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى ومنع منازعة المطعون عليها لهم فيه استناداً إلى أن مورثهم اشترى من حسن علي سيف وأخواته بموجب عقد رسمي محرر في 10 من مارس سنة 1904 ومسجل في اليوم التالي 23 فداناً و13 قيراطاً و22 سهماً، مكونة من أربع قطع منها القطعة الرابعة ومساحتها 4 أفدنة و21 قيراطاً و12 سهماً، تقع فيها الأرض موضوع الدعوى وأن هذه القطعة آلت إلى البائعين (إلى مورثهم) بطريق الشراء من محمد السيد بيصار وآخرين بموجب عقد محرر في 30 من نوفمبر سنة 1903 ومسجل في 11 منه، وأنه قضي للطاعنين بتثبيت ملكيتهم إليها بموجب الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة في 20 من يونيه سنة 1920 في الدعوى رقم 2109 سنة 43 قضائية والمؤيد بالحكم الصادر من محكمة الاستئناف المختلطة في 22 من يناير سنة 1924 في الاستئناف رقم 28 سنة 56 قضائية وذلك في مواجهة ليون نصير وبنك الخصم والتوفير اللذين نازعا مورثهم فيها. وأن هذين الحكمين نفذا بمحضر تسليم محرر في 15 من سبتمبر سنة 1928 وأن مورثهم وضع يده على القطعة الرابعة بما فيها الأرض موضوع الدعوى من تاريخ شرائه وكانت قبل ذلك في وضع يد البائعين إليه ثم وضع الطاعنون يدهم عليها من بعده يؤيد ذلك أنهم أجروها بموجب العقد المحرر 15 من أغسطس سنة 1929 إلى وزارة الحربية التي أخلتها في سنة 1934 وعندئذ تعرضت المطعون عليها لهم في الأرض موضوع الدعوى، ورغم ثبوت ملكيتهم إليها ووضع يدهم عليها. ودفعت المطعون عليها الدعوى بأن الأرض المذكورة لا تدخل ضمن مستندات الطاعنين الأنف ذكرها وإنما هي مملوكة لها وثابتة بأوراقها ومنها خرائط المساحة القديمة والحديثة ودفتر الباقي الذي تقيد فيه أملاك الحكومة الخاصة بما فيها الأراضي التي لا مالك لها وبأن الطاعنين ومورثهم من قبلهم لم يضعوا اليد عليها. فقضت المحكمة بندب أحد الخبراء لتطبيق مستندات الطرفين على الطبيعة لمعرفة من المالك للأرض موضوع النزاع، فقدم هذا الخبير تقريره وذهب فيه إلى أنها تدخل ضمن القطعة الرابعة الأنف ذكرها ولا تنطبق عليها مستندات المطعون عليها. ثم قضت المحكمة بندب ثلاثة خبراء لأداء نفس المأمورية وقد انتهوا في تقريرهم إلى أن الأرض المذكورة تدخل ضمن مستندات الطاعنين وأن ملكية المطعون عليها لها ترجع إلى ورودها في دفتر الباقي الذي لا يعول عليه للأسباب التي بينوها. فقضت المحكمة بندب ثلاثة خبراء آخرين أحدهم على فائق صلاح أفندي المفتش بمصلحة المساحة بالإسكندرية وقد اختلف هذا الخبير مع زميليه في الرأي وقدم تقريراً منفرداً قال فيه بدخول أرض النزاع ضمن مستندات تمليك المطعون عليها بينما ذهب الخبيران الآخران إلى العكس. وفي 10 من فبراير سنة 1943 قضت المحكمة الإسكندرية الابتدائية برفض الدعوى. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم وقيد استئنافهم برقم 28 سنة 2 قضائية محكمة استئناف الإسكندرية. وفي 18 من مايو سنة 1949 قضت المحكمة بتأييده لما أوردته من الأسباب وما أخذت به من أسباب الحكم المستأنف فقرر الطاعنون الطعن في الحكم المذكور بطريق النقض.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه قد شابه العيب في الإسناد والاستدلال - ذلك أن الطاعنين تمسكوا ببطلان تقرير الخبير علي فائق صلاح للأسباب التي بينوها، ومع ذلك أخذت به محكمة الدرجة الأولى ثم أيدت محكمة الاستئناف حكمها بحجة أن تقرير الخبير المذكور لم يكن هو الحاسم في الدعوى وأن محكمة الدرجة الأولى لم تتخذه عماداً لقضائها وإنما أشارت إليه في آخر أسبابها كدليل من الأدلة المتعددة على تأييد النتيجة التي انتهت إليها أو التي اعتمدت فيها على المستندات المقدمة من الطاعنين والمعاينات التي أجراها الخبراء الآخرون، وأنه لذلك يصح الحكم الابتدائي بغير الاستناد إلى ذلك التقرير - مع أنه فضلاً عن أن هذه الحجة لا تخلو من التناقض فإنه يبين من الحكم الابتدائي أنه ورد فيه "وحيث إن ما جاء في تقرير الخبير علي أفندي فائق صلاح قد تأيد جميعه بالمستندات المقدمة من طرفي الخصوم وقد قام بفحص وتطبيق هذه المستندات على الطبيعة فحصاً دقيقاً فنياً وأظهر الأخطاء التي وقع فيها الخبراء الآخرون فلذا ترى المحكمة الأخذ بالنتيجة الصحيحة التي وصل إليها وهي أن أرض النزاع مملوكة للحكومة وذلك للأسباب المذكورة فيه" وأن هذا الذي أورده الحكم يدل على أن محكمة أول درجة اعتمدت تقرير هذا الخبير بنتيجته وأسبابه وهو ما يخالف ما قررته محكمة الاستئناف، ولما كان هذا التقرير باطلاً فإن الحكم الذي بني عليه يكون باطلاً كذلك.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما جاء في الحكم المطعون فيه من: "أنه إن صح هذا الذي يقوله المستأنفون (للطاعنون) من أن علي أفندي فائق صلاح كان يمد محامي الحكومة بالمعلومات والمستندات قبل ندبه في هذا النزاع فإن تقريره لم يكن هو الحاسم في هذه الدعوى ولم تتخذه المحكمة عمادها في حكمها كما يقول المستأنفون إذ أن المحكمة عمدت إلى المستندات المقدمة من المدعين وهم المستأنفون الآن وإلى المعاينات التي قام بها الخبراء السابقون والذين لا مطعن للمستأنفين عليها من حيث تحديد نقطة النزاع واستخلصت منها أن العين موضوع النزاع لا تدخل في مستند تمليك المدعيين ولا مستند البائع إلى مورثهم ولا في حكم المحكمة المختلطة السابق ولا في محضر التسليم الحاصل بمقتضى هذا الحكم ولا في عقد الإيجار الصادر إلى وزارة الحربية، وإذا كانت المحكمة قد أشارت إلى تقرير هذا الخبير فقد أشارت إليه إشارة مختصرة في آخر أسبابها كدليل من الأدلة المتعددة على تأييد ما ذهبت إليه أي أن الحكم يصح بدون الاستناد إلى هذا التقرير". وهذا الذي جاء في الحكم يقطع في أن محكمة الاستئناف استبعدت من الأدلة المقدمة في الدعوى تقرير الخبير المشار إليه اكتفاء بالأدلة الأخرى التي أوردها الحكم الابتدائي والتي رأت المحكمة أنها كافية لتبرير قضائه، وليس في هذا أي تناقض أو عيب في الإسناد أو الاستدلال، إذ لمحكمة الاستئناف أن تؤيد الحكم الابتدائي لما تراه صالحاً من أسبابه مع اطراح ما لا ترى الأخذ به منها.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور من ثلاثة أوجه (أولها) إذ أسسته المحكمة على أن محكمة الدرجة الأولى استخلصت من المستندات المقدمة من الطاعنين ومعاينات الخبراء غير المطعون عليها منهم أن أرض النزاع لا تدخل في مستند تمليكهم ولا في مستند البائعين إلى مورثهم ولا في حكم المحكمة المختلطة أو محضر التسليم الحاصل تنفيذاً له أو عقد الإيجار الصادر منهم إلى وزارة الحربية - مع أن هذه المستندات تثبت ملكيتهم إليها وأن ستة من الخبراء الذين ندبتهم محكمة الدرجة الأولى بأحكامها التمهيدية الثلاثة أجمعوا على انطباق المستندات المذكورة عليها، وبذلك تكون المحكمة قد استخلصت واقعة تناقض ما هو ثابت بالأوراق المقدمة في الدعوى تقديماً صحيحاً و(الوجه الثاني) إذا لم تبين المحكمة أساس الملكية التي أدعتها المطعون عليها لأرض النزاع ولا كيفية وضع يدها عليها (والوجه الثالث) إذ لم ترد المحكمة على ما استند إليه الطاعنون لديها من أن الخبير علي فائق صلاح نفسه أثبت في تقريره أن خريطة المهندس أحمد فريد تدخل أرض النزاع في ملكيتهم ومن أنه غير صحيح ما زعمه الخبير المذكور من أنها عملت بقصد اغتصاب أملاك الحكومة ذلك أنها وضعت واعتمدت من جميع الجيران في سنة 1902 أي في وقت لم يكن متوقعاً فيه أن يشترى مورث الطاعنين في سنة 1904 ثم يرفعوا هم الدعوى بملكيتهم إليها بعد اثنتين وثلاثين سنة عندما تعرضت لهم فيها المطعون عليها في سنة 1934.
ومن حيث إن هذا السبب بجميع أوجهه مردود أولاً - بأن قول الطاعنين بأن المستندات المقدمة منهم تثبت ملكيتهم لأرض النزاع هو قول مسوق في تقرير الطعن دون أي إيضاح لكيفية هذا الثبوت ودليله حتى يتبين وجه المخالفة فيما استخلصته المحكمة في هذا الخصوص، مما يكون معه هذا القول غير مقبول أمام محكمة النقض، ومردود ثانياً: - بأن رأي الخبراء هو وفقاً للمادة 243 من قانون المرافعات (القديم) غير مقيد للمحكمة، ذلك أنها لا تقضي في الدعوى إلا على أساس ما تطمئن إليه، ومن ثم لا يعيب قضاءها، إذ هي أطرحت النتيجة التي أجمع عليها ستة من الخبراء من أن أرض النزاع تدخل في مستندات الطاعنين، وذهبت بما لها من سلطة التقدير الموضوعية إلى نتيجة مخالفة، متى كانت قد أوردت الأدلة المؤيدة لها، كما هو الحال في الدعوى، ومردود ثالثاً بأنه بحسب المحكمة إذ هي قضت برفض دعوى الطاعنين أن تستند في ذلك إلى عجزهم عن إثبات سبب ملكيتهم دون أن تكون في حاجة إلى بيان أساس ملكية المطعون عليها التي لم تكن إلا مدعى عليها في الدعوى، ومردود أخيراً بما يبين من أسباب الحكم الابتدائي التي أخذ بها الحكم المطعون فيه من أن المحكمة أقالت عن خريطة المهندس أحمد فريد التي استند إليها الطاعنون في دفاعهم أنها وإن كانت أدخلت أرض النزاع ضمن القطعة الرابعة التي اشتراها مورثهم بموجب العقد المسجل في 11 من مارس سنة 1904 إلا أنها عملت بناء على طلب آخرين ولذا لا تكون حجة على المطعون عليها كما أنها في ذاتها لا تعتبر سنداً على الملكية، وهذا القول من شأنه أن يبرر ما قررته المحكمة من عدم التعويل على هذه الخريطة ويسقط كل حجة اعتمد عليها الطاعنون في هذا الخصوص.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه أخذ بأسباب الحكم الابتدائي ومن بينها ما قررته المحكمة من أنه على فرض أن أرض النزاع تدخل ضمن القطعة الرابعة التي اشتراها مورث الطاعنين في سنة 1904 فإنه يكون قد اشترى أرضاً غير مملوكة للبائعين إليه ونظراً لأنه لم يضع يده عليها لا هو ولا الطاعنون من بعده المدة القانونية فتكون ملكيتها باقية للمطعون عليها - مع أنه ثابت بالمستندات المقدمة في الدعوى أن هذه الأرض كانت في وضع يد المالكين السابقين ثم مورث الطاعنين من تاريخ شرائه في سنة 1904 ثم في وضع يد الطاعنون من بعده حتى سنة 1928 إذ أجروها إلى وزارة الدفاع وقد أخلتها في سنة 1934 التي حصل فيها التعرض من المطعون عليها، وأنه خلال هذه المدة كان ليون قصير قد نازع مورث الطاعنين في القطعة الرابعة المشار إليها وحكم في هذا النزاع من القضاء المختلط ابتدائياً سنة 1920 وانتهائياً في سنة 1924 بتثبيت ملكيتهم إليها، الأمر الذي يدل على أن وضع يدهم عليها قد استمر على الأقل من سنة 1920 حتى سنة 1934، وبذلك يكونون قد كسبوا ملكيتها بوضع اليد مدة خمس سنوات مع السبب الصحيح، هذا فضلاً عن أن مدة وضع يدهم عليها هي ومورثهم من قبلهم ترجع إلى سنة 1904 كما يحق لهم أن يضموا إليها مدة وضع يد المالكين السابقين، أما ما دفعت به المطعون عليها من أن مورثهم لم يضع يده عليها إلا فترة قصيرة بدلالة دعوى منع التعرض التي أقامها عليه ليون قصير وقضي له فيها - فلا قيمة له لأن النزاع في تلك الدعوى كان متردداً بين ليون قصير ومورثهم وحدهما فلا يصح أن تفيد منه المطعون عليها ولاسيما أنه قضي للطاعنين بعد ذلك بتثبيت الملكية في مواجهة ليون قصير كما سلف ذكره وفضلاً عن ذلك كله فإنه لم يقم في الدعوى أي دليل على أن المطعون عليها وضعت يدها على الأرض موضوع النزاع أية مدة.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم أخطأ في الاستدلال، إذ قال: "أما بالنسبة لوضع اليد الذي أشاروا إليه في استئنافهم والذي تناولته محكمة أول درجة في حكمها فإنه في الواقع كان متعلقاً بقطعة الأرض التي مساحتها نحو خمسة أفدنه أما قطعة الأرض ذاتها المثلثة الشكل المبينة في رسوم الخبراء والتي يدعي المدعون أنها عبارة عن الجزء الشرقي من خمسة الأفدنة المذكورة فإنه لم يثبت إطلاقاً وضع يد المدعين عليها أي مدة بعد أن ثبت عدم دخولها في مستنداتهم" وهذا القول لا يتفق مع طبيعة الأشياء والمعقول، ذلك أن الرسم المقدم من المطعون عليها والمرسوم فيه المثلث المشار إليه هو الذي جعل المحكمة تتصور أنه موجود بذاته على الطبيعة مستقلاً عن القطعة الرابعة التي اشتراها المورث في سنة 1904 والتي تبلغ مساحتها خمسة أفدنة تقريباً، مع أنه في الواقع جزء غير منفصل منها لأنها عبارة عن أرض رمال فضاء لا أثر للتقسيم فيها كما أنها بدورها جزء من سبعين فداناً تكون قطعة واحدة مملوكة للطاعنين بمقتضى عقودهم وجميعها في وضع يدهم بغير استثناء لهذا الجزء المثلث، أما ما تمسكت به المطعون عليها من قيد هذا الجزء في دفتر الباقي فلا حجية له لاحتمال حصول الخطأ فيه كما أنه لا يمنع من كسب ملكيته بوضع اليد المدة القصيرة أو الطويلة ما دام أنه ليس من الأملاك العامة، وأنه لما كانت المطعون عليها تقول أن الدفتر المذكور عمل في سنة 1900 وأنها لم تكتشف قيد الأرض فيه إلا في سنة 1934 وكان ثابتاً أن مورث الطاعنين وهم من بعده والمالكين السابقين من قبله وضعوا اليد عليها حتى سنة 1934 على ما سلف بيانه في السبب الثالث فيكونون قد تملكوها بوضع اليد ضمن ما حصل بيعه بمقتضى العقود المحررة بينهم، ومن جهة أخرى فإنه ثابت بإقرار المطعون عليها والخبير علي فائق صلاح أن هذه الأرض مرسومة بخريطة المهندس أحمد فريد على اعتباراً أنه تدخل في ملكية البائعين إلى المورث، وهذا الإقرار وحده يكفي لتأييد دعوى الطاعنين بتمليكهم لها بوضع اليد وذلك حتى لو كان صحيحاً ما قرره الخبير المذكور من أن هذه الخريطة لم تعمل إلا بقصد اغتصاب أملاك الحكومة.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان أولاً - بأن الطاعنين لم يقدموا إلى هذه المحكمة ما يثبت أنهم استندوا في دعواهم لدى محكمة الموضوع إلى أنهم كسبوا ملكية الأرض بوضع اليد مدة خمس سنوات مع السبب الصحيح، ومن ثم فلا تجوز لهم إثارة هذا الوجه لأول مرة أمام محكمة النقض وثانياً - بما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق المقدمة في الطعن، من أن دعواهم قامت في جميع مراحلها على أساس أن الأراضي تدخل ضمن القطعة الرابعة التي اشتراها مورثهم بموجب العقد المسجل في 11 من مارس سنة 1904 وأنهم كسبوا ملكيتها بوضع يد مورثهم عليها ضمن هذه القطعة من هذا التاريخ وهم من بعده حتى سنة 1934 والبائعين إليه من قبله، ومن أن المحكمة قررت على خلاف ما ذهب إليه الخبراء الذين ندبوا في الدعوى عدا الخبير علي فائق صلاح أن أرض النزاع لا تدخل ضمن القطعة الرابعة المشار إليها وذلك بناء على الأسباب الواردة في الحكم، ومن أنه وإن كانت محكمة الدرجة الأولى قامت إن مورث الطاعنين لم يضع يده على القطعة الرابعة إلا فترة قصيرة من تاريخ شرائه حتى 30 من مارس سنة 1907 تاريخ الحكم لليون قصير برد حيازتها إليه وأن الطاعنين لم يضعوا يدهم عليها بعد ذلك رغم تسلمهم لها في 19 من سبتمبر سنة 1928 لتعرض المطعون عليها لهم فيها كما ذكروا في صحيفة الدعوى، واستنتجت من ذلك أن مدة وضع يدهم غير كافية لكسب الملكية، كما قالت إنه على فرض أن أرض النزاع تدخل ضمن القطعة الرابعة فيكون المورث قد اشترى أرضاً غير مملوكة للبائعين إليه ولأنه لم يضع يده عليها لا هو ولا الطاعنون من بعده المدة القانونية المكسبة للملكية فتكون ملكيتها ما زالت للحكومة - إنه وإن كانت محكمة الدرجة الأولى قالت ذلك إلا أن محكمة الاستئناف ذهبت في هذا الشأن مذهباً آخر إذ قررت أن وضع اليد الذي استند إليه الطاعنون كان متعلقاً بالقطعة التي مساحتها خمسة أفدنة تقريباً (أي القطعة الرابعة السالف ذكرها) أما الأرض موضوع النزاع المثلثة الشكل والتي يدعي الطاعنون أنها عبارة عن الجزء الشرقي من هذه القطعة فإنه لم يثبت إطلاقاً وضع يدهم عليها أية مدة كما لم يثبت دخولها في مستنداتهم، وهذا الذي قررته المحكمة في خصوص وضع اليد على أرض النزاع لا خطأ فيه، وهو بعد تحصيل للواقع تستقل بتقديره محكمة الموضوع، أما ما ينعاه عليه الطاعنون من أنه يتجافي مع المعقول وطبيعة الأشياء فلا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته لدى محكمة النقض، وأما ما ورد في الحكم الابتدائي من تقرير عدم كسب الطاعنين ملكية الأرض على فرض دخولها في القطعة الرابعة وهو الذي أسس عليه الطاعنون السبب الثالث، فنظرا لما سلف ذكره من أن محكمة الاستئناف لم تأخذ به بعد أن قطعت في عدم ثبوت وضع يد الطاعنين على أرض النزاع، فإن هذا السبب يكون وارداً على غير مطعن.
ومن حيث إنه لجميع ما تقدم يكون الطعن على غير أساس، ومن ثم يتعين رفضه.