أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 3 - صـ 621

جلسة 6 مارس سنة 1952
(107)
القضية رقم 74 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك وأحمد العمروسي بك المستشارين.
( أ ) موظف. إحالته إلى المعاش. للحكومة الحق في فصل الموظفين لاعتبارات أساسها المصلحة العامة ولأسباب جدية تكون قائمة بنفس الموظف. عبء إثبات عدم مشروعية قرار العزل يقع على عاتق الموظف. عجزه عن الإثبات موجب لرفض دعواه.
(ب) موظف. إعادته للخدمة في وظيفة أخرى تناسب مؤهلاته العلمية. استخلاص المحكمة لأسباب مسوغة أن هذه الإعادة لا يستفاد منها أن فصله كان لأسباب لا تتصل بالمصلحة العامة. لا خطأ.
(ج) نقض. بناؤه على سبب غير منتج. عدم قبوله. مثال.
1 - للحكومة الحق في فصل الموظفين لاعتبارات أساسها المصلحة العامة ولأسباب جدية تكون قائمة بنفس الموظف الذي عليه يقع عبء إثبات عدم مشروعية قرار عزله وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن قد أقام قضاءه على أساسين. الأول منهما أن عزله عن وظيفته وإحالته إلى المعاش لا مخالفة فيه للقانون والثاني أن الطاعن لم يقدم دليلاً على أن إحالته إلى المعاش كانت لاعتبارات لا تتصل بالمصلحة العامة فإن النعي على الأساس الأول يكون غير منتج وعلى غير أساس الثاني في غير محله.
2 - متى كانت المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية قد استخلصت من ملف الطاعن أن إعادته إلى الخدمة في وظيفة تتناسب مع مؤهلاته العلمية والفن الذي تخصص فيه لا يستفاد منه بطريق اللزوم أن فصله كان لأسباب لا تتصل بالمصلحة العامة وهذا من حقها فإن النعي عليها بالخطأ في الإسناد يكون على غير أساس.
3 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد بني على دعامتين. الأولى أن للحكومة الحق المطلق في فصل القناصل بأمر ملكي بناء على طلب وزير الخارجية وفقاً للقانون الصادر في 15 من أغسطس سنة 1925 دون أن يكون للمحاكم رقابة عليها في ذلك والثانية أن الطاعن عجز عن إثبات أن فصله كان لسبب لا يتصل بالمصلحة العامة فإن النعي على الحكم في دعامته الأولى يكون على غير منتج متى صح قيامه على الدعامة الثانية وحدها.


الوقائع

في يوم 18 من مارس سنة 1950 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 22 من يناير سنة 1950 في الاستئناف رقم 229 سنة 65 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بطلباته الآتية:
أولاً - باعتبار المعاش الشهري الذي يستحقه 85 جنيهاً شهرياً.
ثانياً - بإلزام المطعون عليهن بأن يدفعن إليه مبلغ 14133 جنيهاً و962 مليماً وما يستجد من فرق بواقع 33 جنيهاً و317 مليماً شهرياً من أول يناير سنة 1950 إلى يوم تنفيذ على التفصيل الوارد بمذكرته أمام محكمة الاستئناف والمذكرة الشارحة لهذا الطعن. واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهن في كلتا الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 22 من مارس سنة 1950 أعلنت المطعون عليهن بتقرير الطعن. وفي 6 من إبريل سنة 1950 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليهن بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 27 منه أودعت المطعون عليهن مذكرة بدفاعهن طلبن فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 11 من مايو سنة 1950 أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 29 من نوفمبر سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات. وفي 28 من فبراير سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محاميا الطرفين والنيابة العامة على ما جاء بمذكراتهم والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

... من حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى في 26 من أكتوبر سنة 1940 أمام محكمة مصر الابتدائية وقال بياناً لها إنه عندما كان قنصلاً للملكة المصرية بمدينة جنوا بإيطاليا في سنة 1926 فوجئ بإحالته على المعاش بغير سبب وقبل بلوغه السن القانونية وأنه كان يتقاضى مرتباً قدره ثمانون جنيهاً خلاف بدل التمثيل وقدره 24 جنيهاً وذلك على آخر مربوط الدرجة الثالثة وظل المعاش إلى آخر يوليه سنة 1929 إذ قرر مجلس الوزراء إعادته إلى الخدمة بوظيفة بمصلحة التجارة والصناعة بالدرجة الرابعة بمرتب قدره 45 جنيهاً علاوة على المعاش المستحق له وأنه قبل عودته إلى الخدمة أثبت في خطاب أرسله إلى وزارة التجارة في 30 من نوفمبر سنة 1929 تحفظاً في شأن عودته وأنه طالب وزارة المالية بتعديل مرتبه وجعله 1140 جنيهاً سنوياً وفقاً لنظام الترقيات والعلاوات المعمول به لعدم مشروعية قرار إحالته على المعاش والضرر الكبير الذي لحقه من جرائها وقد كانت لأسباب لا تتصل بالمصلحة العامة وقد ربط معاشه بعد بلوغه السن القانونية في مارس سنة 1939 بمبلغ 40 جنيه و924 مليماً وأصبح بعد ما استنزل منه من خصوم مبلغ 27 جنيهاً و680 مليماً وأن هذا الربط غير صحيح لأنه كان يجب أن يكون مبلغ 84 جنيهاً وكسور على أساس الترقيات التي كان يجب أن يحصل عليها لو أن خدمته ظلت متصلة وأن التعويض الذي يستحقه هو مبلغ 5314 جنيهاً و848 مليم وانتهى إلى طلب اعتبار معاشه مبلغ 84 جنيهاً و989 مليماً من تاريخ إحالته على المعاش في أول مارس سنة 1939 يخصم منه قيمة ما استبدله - وطلب إلزام المطعون عليهن متضامنات بأن يدفعن إليه مبلغ 14133 جنيهاً و962 مليماً على سبيل التعويض وما يستجد من فرق المعاش بواقع 33 جنيهاً و317 مليماً شهرياً - وفي 15 من مايو سنة 1946 قضت محكمة أول درجة برفض دعواه - فاستأنف فأيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي لأسبابه ولما أضافته إليها من أسباب فطعن الطاعن فيه بالنقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب يتحصل الأول منها في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون: ووجه الخطأ هو أن المحكمة قضت برفض دعوى الطاعن تأسيساً على أن إحالته إلى المعاش في المرة الأولى كانت بناء على القانون الصادر في 15 من أغسطس سنة 1925 الذي نص في مادته الثانية على أن تعيين وعزل القناصل يصدر بأمر ملكي بناء على طلب وزير الخارجية وأن الوظائف القنصلية لها مركز خاص تتميز به عن باقي وظائف الدولة لما يحف بموظفي القنصليات من الاعتبارات الخاصة والملابسات التي قد ترى الحكومة معها من المصلحة عدم الجهر بها عن طريق المؤاخذة التأديبية - مع أن حق الفصل الوارد في مرسوم 15 من أغسطس سنة 1925 يوجد شبيهه في جميع الأوامر الصادرة في شأن تعيين الموظفين وعزلهم وترتيب معاشهم ومنها الأمر الكريم المؤرخ في 28 من أغسطس سنة 1878 والأمر العالي الصادر في 10 من إبريل سنة 1883 والأمر الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1888 والأمر الصادر في 11 من يناير سنة 1897 وكلها تفيد أن إطلاق حق الحكومة في فصل الموظفين ليس معناه إباحة الفصل ولو لسبب غير مشروع بل يجب أن لا يكون استعماله إلا لاعتبارات أساسها المصلحة العامة ولأسباب جدية تكون قائمة بذات الموظف.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه قال في هذا الخصوص "ومن حيث إن القضاء الوطني مستقر على أن الوظائف القنصلية لها مركز خاص تتميز به عن سائر الوظائف لما يحف بموظفي القنصليات من الاعتبارات الخاصة والملابسات التي قد ترى الحكومة معها من المصلحة عدم الجهر بها عن طريق المؤاخذة التأديبية - فالأمر الملكي القاضي بعزل المدعي (الطاعن) لا يترتب عليه أي تعويض لصدوره ممن يملكه في حدود القانون" وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك "إن المستأنف (الطاعن) لم يقدم أي دليل على إحالته إلى المعاش في المرة الأولى أي في سنة 1926 كانت لأسباب سياسية حتى يمكن تطبيق أحكام القانون رقم 37 سنة 1939 والذي نص في المادة 38 منه على احتساب مدة الفصل في المعاش للموظفين والمستخدمين الذين يثبت أن إحالتهم إلى المعاش كان لأسباب سياسية وذلك بدون دفع الاحتياطي القانوني عنها - ومن جهة أخرى فإن إعادة المستأنف إلى الخدمة في سنة 1929 لا يفهم منها أن إحالته إلى المعاش في سنة 1926 كانت لأسباب لا تمت إلى الصالح العام فحسب بل تشير إلى أن المستأنف لم ينجح في أعماله السياسية كقنصل لمصر في الخارج ولم يؤد وظيفته هذه على الوجه الأكمل إذ أن قرار إعادته قد ألحقه بالخدمة في وظيفة تتعلق بمؤهلاته العلمية وبالفن الذي تخصص فيه وهو ما ينحصر في صناعة السجاد وما يتفرع عنها" ويبين من هذا الذي قرره الحكم أن المحكمة أقامت قضاءها برفض الدعوى الطاعن على أساسين - الأول منهما أن عزله عن وظيفته بالقنصلية المصرية في انفرس وإحالته إلى المعاش لا مخالفة فيه للقانون والثاني أن الطاعن لم يقدم دليلاً على أن إحالته إلى المعاش كانت لاعتبارات لا تتصل بالمصلحة العامة، ولما كان الأساس الثاني كافياً لحمل ما قضى به الحكم من رفض دعوى الطاعن ذلك أن للحكومة الحق في فصل الموظفين لاعتبارات أساسها المصلحة العامة ولأسباب جدية تكون قائمة بنفس الموظف الذي عليه يقع عبء إثبات عدم مشروعية قرار عزله وكانت المحكمة قررن عجز الطاعن عن هذا الإثبات - لما كان ذلك - كان النعي على الأساس الأول غير منتج وعلى الأساس الثاني في غير محله.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم أخطأ في الإسناد إذ قرر أن الطاعن لم ينجح في أعماله السياسية كقنصل لمصر في الخارج مع أن هذه الواقعة لا سند لها في أوراق الدعوى ولم تقل بها المطعون عليهن.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية استخلصت من ملف الطاعن أن إعادته إلى الخدمة في سنة 1929 في وظيفة تناسب مع مؤهلاته العلمية والفن الذي تخصص فيه وهو صناعة السجاد وما يتفرع عنها - استخلصت من ذلك قرينة على أن هذه الإعادة لا يستفاد منها بطريق اللزوم أن فصله كان لأسباب لا تتصل بالمصلحة العامة وهذا من حقها.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم إذ قضى برفض دعوى الطاعن بالنسبة إلى مبلغ 320 جنيهاً وهو عبارة عن مصاريف انتقال وبدل سفر تأسيساً على أنه كان خارج القطر لعمل خاص به وهو علاج ابنه في حين أن الثابت الذي قرره هو أن المبلغ تجمع من (1) عدم احتساب بدل التمثيل له بواقع 1 جنيه عن كل يوم (2) بدل السفر عن مدة 25 يوماً وهي المدة التي قضاها في المأمورية الرسمية وفي حين أن الحكومة احتسبت له أجور الركايب التي صرفها في خلال هذه المدة (3) فرق مقابل بدل السفر والركايب على قاعدة الذهب (4) مصاريف العودة.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما أثبته الحكم استناداً إلى ملف خدمة الطاعن من أنه لم يكن في مأمورية رسمية في الوقت الذي يطالب ببدل السفر وأجور الركايب عنه ولم يقدم الطاعن ما يثبت أن ما قرره الحكم في هذا الخصوص مخالف للثابت بأوراق الدعوى.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.