أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 3 - صـ 1115

جلسة 22 من مايو سنة 1952
(171)
القضية رقم 182 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك ومصطفى فاضل بك وعبد العزيز سليمان بك المستشارين.
( أ ) خبير. تزوير. محكمة الموضوع. استدعاء الخبراء لمناقشتهم في تقاريرهم. جوازي للمحكمة لها عدم استدعائهم إذا لم تر حاجة إلى هذه المناقشة. المادة 243 مرافعات.
(ب) تزوير. تحقيق. محكمة الموضوع. عدم ملزوميتها بإجراء تحقيق متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لإقناعها بصحة الورقة المطعون فيها.
(ج) خبير. رأي الخبير المنتدب في الدعوى. المحكمة غير مقيدة به. لها أن تأخذ بتقرير الخبير الاستشاري متى وجدت من أوراق الدعوى ما يقنعها بصحته.
1 - إن المادة 243 من قانون المرافعات لا توجب على المحكمة استدعاء الخبراء لمناقشتهم في تقريرهم وإنما تجيز لها ذلك إذا تراءى لها لزومه. وإذن فمتى كانت المحكمة لم تجد بما لها من سلطة في تقدير الأدلة حاجة إلى هذه المناقشة اعتماداً على تقرير الخبير الاستشاري والمضاهاة التي أجرتها هي بنفسها والقرائن التي أشارات إليها في حكمها فإن النعي عليها مخالفة للقانون يكون على غير أساس.
(2) للمحكمة وفقاً للمادة 284 من قانون المرافعات أن لا تجري تحقيقاً إذا كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لاقتناعها بصحة الورقة المطعون فيها بالتزوير.
(3) المحكمة غير ملزمة بإتباع رأي الخبراء الذين ندبوا في الدعوى ولها السلطان المطلق في تقدير الأدلة وفي الأخذ بتقرير الخبير الاستشاري متى وجدت في أوراق الدعوى وفي المضاهاة التي أجرتها بنفسها ما يقنعها بصحة العقد وكانت الأسباب التي بنت عليها اقتناعها بذلك من شأنها أن تؤدي إلى ما قضت به.


الوقائع

في يوم 14 من يونيه سنة 1950 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف المنصورة الصادر في 6 من إبريل سنة 1950 في الاستئناف رقم 311 سنة واحد ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء برد وبطلان العقد المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة استئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 8 من يونيه سنة 1950 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن. وفي 28 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليهما بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 19 من يوليه سنة 1950 أودع المطعون عليه الأول مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ولم يقدم المطعون عليه الثاني دفاعاً.
وفي 29 من مارس سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وفي 8 من مايو سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

من حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 595 سنة 1942 كلي مصر على والده المطعون عليه الأول وطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع إليه مبلغ 574 جنيهاً و845 مليماً بخلاف ما يستجد من قيمة الريع نصيبه في قطعة أرض وتثبيت الحجز التحفظي الاستحقاقي الموقع على الزراعة الناتجة منها فقدم المطعون عليه الأول صورة شمسية لعقد إيجار حرر في أول نوفمبر سنة 1937 موقع عليه بإمضاء منسوبة إلى الطاعن يتضمن تأجيره قطعة الأرض المذكورة إلى المطعون عليه الثاني وأدخله في الدعوى طالباً منه تقديم عقد الإيجار وبجلسة 19 من أكتوبر سنة 1943 حضر المطعون عليه الثاني وقدم عقد الإيجار فطعن الطاعن في العقد بالتزوير. وفي 15 من إبريل سنة 1944 قضت المحكمة بندب خبير لمضاهاة خط الإمضاء المنسوبة للطاعن بعقد الإيجار المذكور على ما يكون له من توقيعات رسمية أو عرفية معترف بها وعلى ما يستكتبه أمام المحكمة فقدم قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي تقريره بأن الإمضاء مزورة. وحكمت المحكمة في 12 من مارس سنة 1945 برد وبطلان عقد الإيجار استناداً إلى تقرير خبير مصلحة الطب الشرعي وإلى عملية المضاهاة التي أجرتها المحكمة بنفسها وإلى ما تبين لها من قضية التظلم رقم 513 سنة 1942 المرفوعة من المطعون عليه الأول عن الحجز التحفظي الذي أوقعه الطاعن على الزراعة القائمة على الأرض موضوع النزاع من أن المطعون عليه لم يذكر شيئاً عن عقد الإيجار ولم يقدمه أثناء نظر دعوى الريع إلا بعد نظر القضية في عدة جلسات. فاستأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 361 سنة 1 قضائية مصر كما استأنفه المطعون عليه الثاني والمحكمة قررت ضم الاستئنافين أحدهما إلى الآخر وحكمت في 28 من مايو سنة 1947 بندب ثلاثة خبراء خطوط لإعادة الاستكتاب والمضاهاة فقدم هؤلاء الخبراء تقريرهم بأن الإمضاء مزورة بطريق التقليد النظري فقدم المطعون عليه الأول تقريراً استشارياً من الخبير يوسف أفندي المرزوقي بأن الإمضاء صحيحة وأن الطاعن اعتاد التوقيع في أوضاع مختلفة وأن الخبراء اللذين ندبوا في القضية لم يحيطوا علماً بهذه الملاحظة وأخذ عليهم الخبير الاستشاري في تقريره أنهم قالوا في وصف التوقيع المطعون فيه "ورجع القلم بحلقه قوية" مع أن هذا الوصف ينافي تقريرهم. بحصول التزوير بطريق التقليد الذي تسير فيه اليد متأنية بطيئة. وفي 11 من يونيه سنة 1949 حكمت المحكمة بإعادة القضية إلى الخبراء الثلاثة لما لاحظته من أن المضاهاة التي أجراها الخبير الاستشاري كانت أوسع مجالاً من تلك التي أجراها الخبراء لكثرة الأوراق التي أجرى عليها الخبير الاستشاري المضاهاة والتي لم يوجه إليها الطاعن طعناً في مذكرته الختامية وطلبت منهم إجراء المضاهاة على التوقيعات التي ذكرها الخبير الاستشاري في تقريره وبيان ما إذا كان في جميع التوقيعات المعروضة عليهم ما يشبه الإمضاء المطعون فيها. بحيث يمكن القول بأنها كانت محل التقليد النظري الذي قالوا عنه وكلفتهم بمناقشة الحجج المسوقة من الخبير الاستشاري والتي خلص منها القول بصحة التوقيع المدعي بتزويره فقدم الخبراء تقريرهم بأنه بفحص الإمضاءات المستجدة وجدت جميعاً صادرة من يد الطاعن وبتطبيقها فنياً على الإمضاء المطعون فيها ظهر أنها مختلفة عنها اختلافاً كلياً في جميع حركات القلم وسير الحروف واتجاهاتها مما يدل على أن إمضاء العقد لم تصدر من يد الطاعن - وفي 6 من إبريل سنة 1950 حكمت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وإلغاء الحكم المستأنف وصحة عقد الإيجار وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وغرامة التزوير مؤسسة حكمها على أن الخبراء الثلاثة لم يقوموا بتنفيذ الحكم الصادر بندبهم على الوجه الذي كان يقتضيهم مناقشة ما جاء بالتقرير الاستشاري من ملاحظات فنية يستسيغها العقل - ويوافقه عليها النظر المجرد بالنسبة للإمضاءات التي اعتاد الطاعن التوقيع بها وبعضها يشبه إلى حد كبير الإمضاء المطعون فيها وعلى أن الدفاع في قضية التظلم ما كان يستدعي تقديم عقد الإيجار إذ كان يدور البحث جميعه حول ما إذا كان القانون يجيز توقيع الحجز أو لا يجيزه وعلى أنه تبين للمحكمة من القضية المذكورة أن المطعون عليه الأول قرر للمحضر وقت توقيع الحجز في 5 من ديسمبر سنة 1942 في محلج بنك مصر أن الأطيان غير مملوكة له وأنها مؤجرة للمطعون عليه الثاني. وعلى أن الأدلة التي قدمها الطاعن على التزوير لا تقطع في حصوله بل قام بالعكس من القرائن ما يدل على صحة العقد فطعن الطاعن فيه هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب حاصلها أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وخالف الثابت في الأوراق وشابه التناقض والقصور من ثلاثة وجوه. الأول - إذا اعتمدت المحكمة في حكمها بصحة العقد على تقرير الخبير الاستشاري ولم تأخذ بتقرير الخبراء الثلاثة وقالت تبريراً لذلك أنهم لم يقوموا بتنفيذ الحكم الصادر بندبهم على الوجه الذي كان يقتضيهم مناقشة ما جاء بالتقرير الاستشاري من ملاحظات فنية مع أن ذلك كان يقتضيها مناقشة هؤلاء الخبراء الثلاثة وفقاً للقانون الخبراء أو ندب خبير آخر كما طلب ذلك المطعون عليهما ومع أن التقرير الاستشاري هو من عمل الخصم وليس له حجية فضلاً عن بطلانه لحصوله في غير مواجهة الخصوم ومخالفته الثابت في الأوراق من قرائن وأدلة قاطعة في حصول التزوير والوجه الثاني - إذا استندت المحكمة إلى أن الأدلة التي قدمها الطاعن على تزوير العقد لا تقطع في تزويره بل قام بالعكس من القرائن ما يدل على صحته مع أنها لم تجب الطاعن إلى ما طلبه من إحالة الدعوى على التحقيق لإثباتها بالبينة ولم تبين أية قرينة على صحة العقد حتى يمكن مناقشتها وأغفلت دلالة القرائن التي أشار إليها الحكم الابتدائي وهي عدم تقديم عقد الإيجار في دعوى التظلم وعدم تقديمه في دعوى الريع إلا بعد نظرها في عدة جلسات وكلها قرائن لمصلحة الطاعن. والوجه الثالث إذ بنت المحكمة حكمها على ما لاحظته ولاحظه الخبير الاستشاري من أن الطاعن ما كان يلتزم قاعدة معينة كتابة توقيعاته فكان يكتبها تارة بالزيادة وتارة بالنقص وعلى أشكال مختلفة وأن العين المجردة تلاحظ هذه الظاهرة في توقيعاته مع أن الزيادة والنقص ليسا دليلاً على صحة التوقيع وإنما تتحقق صحة التوقيع أو تزويره بواسطة أهل الخبرة وهو ما اتبعته المحكمة ثم تجاهلته.
ومن حيث إن هذه الأسباب مردودة بجميع وجوهها أولاً بأن المادة 243 من قانون المرافعات لا توجب على المحكمة استدعاء الخبراء لمناقشتهم في تقريرهم وإنما تجيز لها ذلك إذا تراءى لها لزومه ولم تجد المحكمة بما لها من سلطة في تقدير الأدلة حاجة إلى هذه المناقشة اعتماداً على التقرير الاستشاري والمضاهاة التي أجرتها هي بنفسها والقرائن التي أشارت إليها في حكمها وليس على المحكمة حرج في التعويل على التقرير الاستشاري باعتباره من أن أوراق الدعوى متى كانت قد اطمأنت إليه وقد اطلع عليه الطاعن وأفسح له مجال الرد عليه ومناقشته ومردود ثانياً - بأن للمحكمة وفقاً للمادة 284 من قانون المرافعات أن لا تجري تحقيقاً إذا كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لإقناعها بصحة الورقة كما هو الحال في الدعوى إذ يبين مما قرره الحكم أن المحكمة بعد أن أطرحت تقارير الخبراء وأخذت بتقرير الخبير الاستشاري سردت الأدلة التي قدمها الطاعن على التزوير وردت عليها وخلصت بما لها من سلطة التقدير إلى القول بأن هذه الأدلة لا تقطع في تزوير العقد بل قام بالعكس من القرائن ما يدل على صحته فليس إذن صحيحاً ما ينعاه الطاعن من أن المحكمة لم تبين القرائن على صحة العقد لأن هذه القرائن واردة في الحكم ومنها تمسك المطعون عليه الأول بعقد الإيجار عند توقيع الحجز على القطن بالمحلج في 5 سبتمبر سنة 1942 واقتصاره على تأجيره حصته إلى مدرسة الزراعة المتوسطة دون حصة الطاعن ومردود ثالثاً - بأن المحكمة غير ملزمة بإتباع رأي الخبراء الذين ندبوا في الدعوى ولها السلطان المطلق في تقدير الأدلة وفي الأخذ بتقرير الخبير الاستشاري متى وجدت في أوراق الدعوى وفي المضاهاة التي أجرتها بنفسها ما يقنعها بصحة العقد وكانت الأسباب التي بنت عليها اقتناعها بذلك من شأنها أن تؤدي إلى ما قضت به كما هو الحال في الدعوى .