أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 668

جلسة 16 من نوفمبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل.

(132)
الطعن رقم 698 لسنة 34 القضائية

( أ ) تفتيش. "تفتيش الأنثى". دفوع. "الدفع ببطلان التفتيش". مأمور الضبط القضائي.
وجوب أن يكون تفتيش الأنثى بمعرفة أنثى يندبها ذلك مأمور الضبط القضائي. المادة 46 إجراءات. مراد الشارع من اشتراط تفتيش الأنثى بمعرفة أنثى عندما يكون مكان التفتيش من المواضع الجسمانية التي لا يجوز لرجل الضبط القضائي الاطلاع عليها ومشاهدتها: هو الحفاظ على عورات المرأة التي تخدش حياءها إذا مست. مثال.
(ب) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". تفتيش. نقض. "حالات الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مأمور الضبط القضائي.
إباحة المادة 248 عقوبات مقاومة رجل الضبط القضائي إذا ما تجاوز القانون - حتى مع توافر حسن النية - إذا خيف لسبب مقبول أن ينشأ عن فعله جروح بالغة. مثال.
(ج، د) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) تحدث الحكم استقلالاً عن كل ركن من أركان الدفاع الشرعي. غير لازم. يكفي أن يكون مستفاداً من الظروف والملابسات طبقاً للواقعة التي أثبتها الحكم.
(د) تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها ومدى تناسب القوة اللازمة لرد الاعتداء. موضوعي. استقلال محكمة الموضوع بالفصل فيها بلا معقب. طالما كان استدلال الحكم سليماً يؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها.
(هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إجراءات المحاكمة.
المحاكمة الجنائية: يكفي فيها أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
1 - تنص الفقرة الثانية من المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يندبها لذلك مأمور الضبط القضائي". ومراد القانون من اشتراط تفتيش أنثى بمعرفة أنثى عندما يكون مكان التفتيش من المواضع الجسمانية التي لا يجوز لرجل الضبط القضائي الاطلاع عليها ومشاهدتها هو الحفاظ على عورات المرأة التي تخدش حياءها إذا مست. ولما كان ما قام به الضابط من إمساكه باليد اليسرى للمطعون ضدها وجذبها عنوة من صدرها إذا كانت تخفى فيه المخدر ينطوي بلا شك على مساس بصدر المرأة الذي يعتبر من العورات لديها لما يقتضيه ذلك بالضرورة من ملامسة هذا الجزء الحساس من جسمها. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول الدفع ببطلان تفتيش المطعون ضدها للأسباب السائغة التي أوردها يكون قد طبق القانون تطبيقاً سليماً.
2 - أباح القانون في المادة 248 من قانون العقوبات مقاومة رجل الضبط القضائي إذا ما تجاوز القانون - حتى مع توافر حسن النية - إذا خيف لسبب مقبول أن ينشأ عن فعله جروح بالغة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الضابط وقد أجرى تفتيش المطعون ضدها الثانية بالإمساك بيدها اليسرى وجذبها عنوة من صدرها إذ كانت تخفى المخدر محدثاً بجسمها العديد من الإصابات يكون قد جاوز حدود وظيفته مما يجعل المطعون ضدها الثانية في حالة تبيح لها مقاومته استعمالاً لحق الدفاع الشرعي عن النفس وانتهى من ذلك إلى القضاء بتبرئتها من تهمة التعدي على الضابط. فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس متعيناً الرفض.
3 - لا يشترط في القانون أن يتحدث الحكم عن كل ركن من أركان الدفاع الشرعي في عبارة مستقلة بل يكفي أن يكون ذلك مستفاداً من الظروف والملابسات طبقاً للواقعة التي أثبتها الحكم.
4 - من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها ومدى تناسب القوة اللازمة لرد الاعتداء هي من الأمور المتعلقة بموضوع الدعوى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بلا معقب طالما كان استدلال الحكم سليماً ويؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها.
5 - من المقرر أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في يوم 10/ 9/ 1960 بناحية بندر شبرا محافظة القليوبية: أولاً - المتهم الأول: أحرز جوهراً مخدراً. "أفيوناً" بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. ثانياً - المتهمة الثانية: (1) أحرزت جوهراً مخدراً حشيشاً، بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً (2) تعدت على موظف عمومي هو الرائد محمد السباعي أحمد بالضرب فأحدثت به الإصابات المبينة بالمحضر أثناء تأدية وظيفته وبسببها. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بمواد 1 و2 و34/ 1 - 2 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق والمادة 40/ 1 من القانون المذكور للمتهمة الثانية. فقررت بذلك. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات بنها دفع الحاضر مع المتهمة الثانية ببطلان التفتيش لعدم إجرائه بمعرفة أنثى. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 3/ 1/ 1963 ببراءة كل من المتهمين مما أسند إليهما وبمصادرة المواد المخدرة المضبوطة. وقد ردت على الدفع بأنه في محله. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضدها الثانية من تهمة إحراز المخدر تأسيساً على عدم إجراء تفتيشها بمعرفة أنثى على خلاف ما يقضي به نص المادة 46/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور وفساد في الاستدلال، ذلك بأن ما قاله الحكم من أن الضابط منع المطعون ضدها الثانية عندما كانت تحاول إخفاء ما تحمله يدها اليسرى في صدرها بأن أمسك بيدها وجذبها بقوة وتمكن بذلك من استخلاص المخدر منها، لا يفيد أن ثمة تفتيشاً وقع عليها. هذا فضلاً عن أن يدها ليست من العورات التي لا يجوز لرجل الضبط مشاهدتها عند إجرائه التفتيش كما أن الحكم أعمل نص المادة 248 من قانون العقوبات على الرغم من أن وقائع الدعوى خلت من تجاوز الضابط لواجبات وظيفته وما أورده الحكم بشأن إصابات المطعون ضدها الثانية لا يتفق والتطبيق السليم لهذا النص. كما لم يعرض الحكم إلى توافر ما يشترطه النص المذكور أو الشروط العامة لحالة الدفاع الشرعي ولم يبد رأيه فيما أتته المطعون ضدها الثانية من بدء العدوان لاسترداد المخدر. هذا إلى أن قضاء الحكم بتبرئة المطعون ضده الأول جاء معيباً بالفساد في الاستدلال ذلك بأنه أسس قضاءه على ارتيابه في صحة الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات - الضابط والمخبر - على أساس أن المخبر الآخر لم يشاهد واقعة إلقاء المخدر في حين أنه سبق للحكم أن أوضح في موضع منه بأن هذا المخبر كان يسير خلف الشاهدين السابقين مما لا يستطيع معه أن يرى ما يشاهداه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام وحصل مؤدى الأدلة التي استند إليها، عرج على الدفع ببطلان تفتيش المطعون ضدها الثانية فرد عليه في قوله: "وحيث إن المادة 46/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية أوجبت تفتيش الأنثى بمعرفة أنثى يندبها مأمور الضبط القضائي وشرط ذلك أن يكون مكان التفتيش من المواضع الجسمانية التي لا يجوز لرجل الضبطية القضائية الاطلاع عليها ومشاهدتها فمتى كان المستفاد من أقوال الرائد محمد السباعي أحمد أن المتهمة الثانية (المطعون ضدها الثانية) وضعت يدها اليسرى داخل صدرها محاولة إخفاء ثلثي طربة الحشيش المضبوطة وأنه إزاء ذلك أمسك بتلك اليد وأخرجها عنوة من ذلك المكان الذي يعتبر عورة في الأنثى فإنه يكون بفعله هذا قد خالف الإذن الذي صدر له بذلك وأوجب عليه تفتيش المتهمة (بمعرفة أنثى في الأحوال التي تستلزم ذلك) وقد كان الأمر في واقعة الدعوى يحتمه منعاً لخدش الحياء العرضي للمتهمة ومن ثم يكون الدفع في محله قانوناً ويتعين القضاء ببطلانه وببطلان ما ترتب عليه وبراءة المتهمة مما أسند إليها دون التفات أيضاً إلى ما أسفرت عنه مقاومتها للضابط فقد كانت في حالة تبيح لها مقاومته طبقاً للمادة 248 من قانون العقوبات وشاهد ذلك ما أثبته الكشف الطبي المتوقع عليها بتاريخ 12/ 9/ 1960 وثبت به إصابتها بكدمات بالجفن العلوي والسفلي بالعين اليمنى والجفن السفلي للعين اليسرى وسحج بالجانب الأيمن وكدم بالظهر وسحج بالفخذ الأيسر وبالساعد اليسرى وبكدمات بأصابع اليدين وبالرقبة". وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم يتفق وصحيح القانون ذلك بأنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يندبها لذلك مأمور الضبط القضائي . وكان مراد القانون من اشتراط تفتيش أنثى بمعرفة أنثى عندما يكون مكان التفتيش من المواضع الجسمانية التي لا يجوز لرجل الضبط القضائي الاطلاع عليها ومشاهدتها هو الحفاظ على عورات المرأة التي تخدش حياءها إذا مست - وكان ما قام به الضابط على ما هو ثابت من الحكم - من إمساكه باليد اليسرى للمطعون ضدها الثانية وجذبها عنوة من صدرها إذا كانت تخفي فيه المخدر ينطوي بلا شك على مساس بصدر المرأة الذي يعتبر من العورات لديها لما تقتضيه ذلك بالضرورة من ملامسة هذا الجزء الحساس من جسمها ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول الدفع ببطلان تفتيش تلك المطعون ضدها للأسباب السائغة التي أوردها يكون قد طبق القانون تطبيقاً سليماً ويكون ما تنعاه الطاعنة في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت ترتيباً على ما تقدم أن الضابط وقد أجرى تفتيش المطعون ضدها الثانية على نحو ما سلف محدثاً بجسمها العديد من الإصابات يكون قد جاوز حدود وظيفته مما يجعل المطعون ضدها الثانية في حال تبيح لها الدفاع الشرعي عن نفسها وانتهى من ذلك إلى القضاء بتبرئتها من تهمة التعدي على الضابط. ومفاد ذلك أن الضابط تجاوز القانون بتفتيشه المطعون ضدها الثانية بحيث نشأ عن فعله إصابتها بجروح بالغة مما يبيح لها مقاومته استعمالاً لحق الدفاع الشرعي عن النفس. ولما كان القانون قد أباح في المادة 248 من قانون العقوبات مقاومة رجل الضبط القضائي إذا ما تجاوز القانون - حتى مع توافر حسن النية - إذ أخيف لسبب مقبول أن ينشأ عن فعله جروح بالغة. وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها ومدى تناسب القوة اللازمة لرد الاعتداء هي من الأمور المتعلقة بموضوع الدعوى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بلا معقب طالما كان استدلال الحكم سليماً ويؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها وكان ما أورده الحكم فيما تقدم سائغاً وكافياً لتبرير ما انتهى إليه وكان لا يشترط في القانون أن يتحدث الحكم عن كل ركن من أركان الدفاع الشرعي في عبارة مستقلة بل يكفي أن يكون ذلك مستفاداً من الظروف والملابسات طبقاً للواقعة التي أثبتها الحكم. وكان الحكم قد انتهى في تصويره للواقعة إلى الصورة التي تتوافر بها حالة الدفاع الشرعي لدى المطعون ضدها على الوجه سالف البيان فلا يقبل من الطاعنة معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة في هذا الشأن ويكون منعاها في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة المطعون ضده الأول في قوله: "وحيث إنه عن الاتهام المسند إلى المتهم الأول (المطعون ضده الأول) فإن الثابت من أقوال الشرطي السري محمد أحمد أبو مسلم المرافق للضابط والشرطي عبد النور أنه لم ير واقعة ضبط المخدر مع المتهم المذكور ورأى (هيجاناً) على المقهى بعد أن أمسك به الشرطي المذكور، كما أن الثابت من أقوال الشرطي السري عبد المحسن عقل يوسف أنه كان وقت الضبط يسير خلف الضابط والشرطي عبد النور ورغم ذلك لم يشهد برؤيته للمتهم وهو يلقي بالمخدر على النحو الذي شهد به الأولان وهذا كله من شأنه التشكيك في صحة الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات الأولين الضابط والشرطي عبد النور الأمر الذي يتعين معه براءة هذا المتهم مما أسند إليه". وكان من المقرر أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة - وكان ما أثبته الحكم فيما تقدم سائغاً وكافياً لحمل النتيجة التي خلص إليها - وكان للمحكمة وهي في هذا السبيل أن تأخذ بما ترتاح إليه من أدلة وأن تطرح ما عداه ومناقشتها في ذلك يعد جدلاً في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. ولا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.