مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة عشر - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1971 إلى منتصف فبراير سنة 1972) - صـ 38

(8)
جلسة 28 من نوفمبر سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد مختار العزبي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضائية رقم 509 لسنة 14 القضائية

عاملون مدنيون - مرتب "بدل طبيعة العمل" - ندب - اللجنة العليا للسد العالي وهيئة السد العالي.
استحقاق بدل طبيعة العمل للموظفين والعمال باللجنة العليا للسد العالي وهيئة السد العالي - مناطه أن يكون الموظف قائماً بالعمل فعلاً في السد العالي - ندب الموظف للعمل بجهة أخرى ندباً كاملاً يحول دون استحقاق بدل طبيعة العمل - بيان ذلك.
يبين من استقراء نص قرار اللجنة العليا للسد العالي رقم 21 لسنة 1961، الذي يقضي باستحقاق بدل طبيعة العمل للموظفين والعمال الدائمين باللجنة العليا والمعارين والمنتدبين إليها، وكذلك نص القرار الوزاري رقم 42 لسنة 1963 الذي يقضي بمنح هذا البدل لموظفي هيئة السد العالي المقيمين بصفة دائمة بأسوان، أن مناط استحقاق هذا البدل أن يكون الموظف قائماً بالعمل فعلاً في السد العالي، ولا يكفي أن يكون شاغلاً لوظيفة من وظائف اللجنة العليا أو هيئة السد العالي، بل أنه لا يهم - طبقاً لما تقضي به المادة الأولى من قرار اللجنة العليا رقم 21 لسنة 1961 - أن يكون شاغلاً لمثل هذه الوظيفة، إذ أن هذا البدل يمنح بمقتضى هذا القرار للمعارين والمنتدبين للعمل بالسد، فالعبرة في استحقاق هذا البدل ليست بالانتماء إلى اللجنة العليا للسد أو هيئة السد وإنما بالعمل فعلاً في السد، والحكمة في ذلك ظاهرة وهي أن هذا البدل أريد به أن يكون تعويضاً للعاملين في السد العالي عن الأعباء والجهود غير العادية التي يبذلونها وسط طبيعة قاسية شاقة في سبيل إنجاز هذا المشروع الحيوي الهام في المواعيد المحددة له، فلا يمكن أن ينشأ حق في هذا البدل لمن لا يتحملون هذه الأعباء.
ولئن كان ندب الموظف ندباً كاملاً من السد العالي للعمل بجهة أخرى لا يقطع صلة الموظف بوظيفته الأصلية إلا أنه يحول بينه وبين القيام فعلاً بأعباء هذه الوظيفة لأنه يقوم بأعباء الوظيفة المنتدب إليها، وطالما أن استحقاق بدل طبيعة العمل للعاملين بالسد مرتبط بمباشرة أعمال الوظيفة مباشرة فعلية، فإن المنتدبين ندباً كاملاً من السد العالي إلى جهات أخرى لا يستحقون هذا البدل على حين يستحقه المنتدبون من هذه الجهات إلى السد طبقاً لما يقضي به صريح نص قرار اللجنة العليا للسد رقم 21 لسنة 1961.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إنه ولئن كان تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة في 3 من فبراير سنة 1968 على حين صدر الحكم المطعون فيه في 4 من ديسمبر سنة 1967، إلا أن يوم 2 من فبراير سنة 1968 وهو أخر ميعاد الطعن، قد صادف عطلة رسمية - هي عطلة يوم الجمعة - ومن ثم امتد الميعاد - طبقاً للمادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الذي كان سارياً وقتذاك - إلى أول يوم عمل بعدها وهو يوم السبت الموافق 3 من فبراير سنة 1968، الذي أودع فيه تقرير الطعن قلم كتاب هذه المحكمة، ولذا يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 2684 لسنة 19 القضائية ضد وزارة السد العالي، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 16 من مايو سنة 1965، طلب فيها "الحكم بأحقيته في صرف المرتب المقرر لطبيعة العمل عن المدة من 6 من نوفمبر سنة 1962 حتى 2 من سبتمبر سنة 1963، التي انتدبته وزارة السد العالي خلالها للعمل بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بالقاهرة في المشروعات الإنتاجية المترتبة على إنشاء السد العالي مع إلزام المدعى عليها بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة" وتوجز أسانيد دعواه في أنه كان يشغل وظيفة مفتش من الدرجة الأولى بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال (الري الآن)، وفي أغسطس سنة 1960 صدر قرار وزاري بانتدابه للعمل مفتشاً للكهرباء بهيئة بناء السد العالي بأسوان، وعندما تحولت هذه الهيئة إلى وزارة تم نقله إليها، وظل يعمل بأسوان ويتقاضى مرتبة الأصلي مع البدلات المقررة حتى 5 من نوفمبر سنة 1962 حيث صدر قرار بانتدابه من وزارة السد العالي لمصلحة الميكانيكا والكهرباء بالقاهرة للعمل في المشروعات الإنتاجية المترتبة على بناء السد العالي وظل يعمل في هذه المشروعات حتى 2 من سبتمبر سنة 1963 تاريخ انتهاء خدمته بالاستقالة، وقد جرت الجهة المنتدب إليها على صرف مرتبه الأصلي دون بدل طبيعة العمل، ولما طالب بصرفه، أجابت الهيئة العامة للسد العالي بأنها لا ترى أحقيته لهذا البدل لأنه منتدب بوزارة الأشغال بالقاهرة ولا يقوم بأعمال تتعلق بالهيئة، هذا مع أنه - في رأيه - يستمد حقه في اقتضاء بدل طبيعة العمل مدة انتدابه سالفة الذكر مع قرار اللجنة العليا للسد العالي رقم 21 لسنة 1961 بتعديل المادتين 42، 43 من اللائحة الداخلية لهيئة بناء السد العالي التي كان معمولاً بها حتى 11 من مايو سنة 1963، إلى القرار الوزاري رقم 42 لسنة 1963 بتعديل لائحة نظام العاملين بالهيئة الذي عمل به من تاريخ صدوره، وقد نصت المادة 42 من اللائحة معدلة بالقرار رقم 21 لسنة 1961 على أن "يمنح الموظفون والعمال الدائمون باللجنة العليا للسد العالي بدل طبيعة عمل شهرياً علاوة على مرتباتهم أو أجورهم الأصلية تحسب على الوجه الآتي:
1 - في القاهرة: موظفو وعمال اللجنة العليا للسد العالي بالقاهرة بنسبة30% من مرتباتهم أو أجورهم.
2 - في أسوان: يمنح البدل المشار إليه بنسبة 50 % من المرتبات أو الأجور الأصلية.. إلخ.
وقد نصت المادة 12 من القرار الوزاري رقم 42 لسنة 1963 بتعديل لائحة نظام العاملين بالهيئة المعمول به من تاريخ صدوره في 12 من مايو سنة 1963 على أن "يمنح موظفو الهيئة المقيمون بصفة دائمة في أسوان بدل طبيعة عمل قدره 50% وبدل إقامة قدره 30% وذلك من المرتبات الأساسية، كما يجوز لرئيس المجلس (مجلس الإدارة) منح بدل طبيعة عمل لبعض الموظفين الذين يباشرون أعمالاً للهيئة خارج مدينة أسوان "وقد أجابت الهيئة الجهة الإدارية على الدعوى بأن مناط استحقاق بدل طبيعة العمل المقرر للعاملين بالسد العالي أن يكون عملهم لحساب وزارة السد العالي، وقد انتدب المدعي للعمل بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بالقاهرة خلال الفترة من 6 من نوفمبر سنة 1962 إلى 2 من سبتمبر سنة 1963 فانقطعت بهذا الندب صلته بالعمل بوزارة السد العالي، والحكمة من منح العاملين بالسد العالي لبدل طبيعة العمل المقرر لهم هي طبيعة المهام الجسام التي تقع على عاتقهم والتزامهم بتنفيذ برامج الأعمال في فترات زمنية محددة نظراً لأهمية المشروع على النطاقين المحلي والدولي مما يقتضي منهم بذل أقصى الجهود في دقة متناهية وسط طبيعة قاسية شاقة ومواصلتهم العمل بالليل والنهار على السواء، وقد كانت هذه الحكمة منتفية لدى المدعي خلال فترة ندبه بمصلحة الميكانيكا والكهرباء. وبجلسة 4 من ديسمبر سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري "بأحقية المدعي في بدل طبيعة عمل عن المدة من 6 من نوفمبر سنة 1962 حتى 2 من سبتمبر سنة 1963، وألزمت الوزارة المصروفات" وأقامت قضاءها على أن استحقاق بدل طبيعة عمل للعاملين بالسد العالي منوط - طبقاً لما قضى به نص المادة الأولى من قرار اللجنة العليا للسد العالي رقم 21 لسنة 1961 - بتوفير شرطين:
الأول: أن يكون الموظف شاغلاً لوظيفة من وظائف هيئة السد العالي.
الثاني: أن يكون قائماً بعمل هذه الوظيفة.
وقد تحقق الشرطان في المدعي، ولا ينفي تحقق الشرط الثاني أن المدعي كان منتدباً خلال المدة التي يطالب ببدل طبيعة العمل عنها، بمصلحة الميكانيكا والكهرباء، ذلك أن الندب مؤقت بطبيعته ولا يؤثر على استحقاق الموظف المنتدب لبدل طبيعة العمل لأن الجهة الإدارية لا تملك بإرادتها وحدها أن تحرم الموظف من بدل طبيعة العمل المقرر له بمقتضى قاعدة تنظيمية عامة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه حين قضى بأحقية المدعي في بدل طبيعة العمل المقرر للعاملين بالسد العالي بمقتضى قرار اللجنة العليا للسد رقم 21 لسنة 1961 والقرار الوزاري رقم 42 لسنة 1962، مع أن مناط استحقاق هذا البدل أن يكون عمل الموظف لحساب وزارة السد العالي وبموقع السد، وكلا الشرطين غير متوفر في المدعي، ذلك أنه كان منتدباً خلال الفترة التي يطالب ببدل طبيعة عمل عنها بمصلحة الميكانيكا والكهرباء، وقد انقطعت بهذا الندب صلته بوزارة السد العالي وانتفت بالنسبة إليه الحكمة من منح بدل طبيعة العمل للعاملين بالسد وهي طبيعة المهام الجسام التي تقع على عاتقهم وسط طبيعة قاسية وشاقة والتزامهم بتنفيذ برامج الأعمال فترات زمنية محدودة مما يقتضي منهم بذل أقصى الجهود ومواصلة العمل بالليل والنهار في دقة متناهية أما قيام المدعي بالإشراف على بعض المشروعات الإنتاجية المترتبة على بناء السد فإنه لا ينهض حجة على استحقاقه للبدل المقرر للعاملين بالسد.
ومن حيث إن المادة الأولى من قرار اللجنة العليا للسد العالي رقم 21 لسنة 1961 تنص على أن "يمنح الموظفون والعمال الدائمون باللجنة العالي للسد العالي والمعارون والمنتدبون إليها بدل طبيعة عمل شهرياً علاوة على مرتباتهم أو أجورهم الأصلية تحسب على الوجه الآتي: في القاهرة: موظفو وعمال اللجنة العليا للسد العالي بالقاهرة بنسبة 30% من مرتباتهم أو أجورهم الأصيلة، في أسوان: يمنح البدل المشار إليه بنسبة 50 % من المرتبات أو الأجور الأصيلة كما تنص المادة 12 من القرار الوزاري رقم 42 لسنة 1963 الصادر في 13 من مايو سنة 1963 على أن "يمنح موظفو الهيئة المقيمون بصفة دائمة في أسوان بدل طبيعة عمل قدره 50% وذلك من المرتبات الأساسية، ويجوز لرئيس مجلس الإدارة عند الاقتضاء زيادة هذه النسبة وإنقاصها بالنسبة لبعض الفئات، كما يجوز لرئيس المجلس منح بدل طبيعة عمل لبعض الموظفين الذين يباشرون أعمالاً للهيئة خارج مدينة أسوان".
ومن حيث إنه يبين من استقراء نص قرار اللجنة العليا للسد العالي رقم 21 لسنة 1961، الذي يقضي باستحقاق بدل طبيعة العمل للموظفين والعمال الدائمين باللجنة العليا والمعارين والمنتدبين إليها، وكذلك نص القرار الوزاري رقم 42 لسنة 1963 الذي يقضي بمنح هذا البدل لموظفي هيئة السد العالي المقيمين بصفة دائمة بأسوان، أن مناط استحقاق هذا البدل أن يكون الموظف قائماً بالعمل فعلاً في السد العالي، ولا يكفي أن يكون شاغلاً لوظيفة من وظائف اللجنة العليا أو هيئة السد العالي، بل إنه لا يهم - طبقاً لما تقضي به المادة الأولى من قرار اللجنة العليا رقم 21 لسنة 1961 - أن يكون شاغلاً لمثل هذه الوظيفة، إذ أن هذا البدل يمنح بمقتضى هذا القرار للمعارين والمنتدبين للعمل بالسد، فالعبرة في استحقاق هذا البدل ليست بالانتماء إلى اللجنة العليا لسد أو هيئة السد وإنما بالعمل فعلاً في السد، والحكمة في ذلك ظاهرة وهي أن هذا البدل أريد به أن يكون تعويضاً للعاملين في السد العالي في الأعباء والجهود غير العادية التي يبذلونها وسط طبيعة قاسية وشاقة في سبيل إنجاز هذا المشروع الحيوي الهام في المواعيد المحددة له، فلا يمكن أن ينشأ حق في هذا البدل لمن لا يتحملون هذه الأعباء.
ومن حيث إنه ولئن كان ندب الموظف ندباً كاملاً من السد العالي للعمل بجهة أخرى لا يقطع صلته الوظيفية بوظيفته الأصيلة إلا أنه يحول بينه وبين القيام فعلاً بأعباء هذه الوظيفة لأنه يقوم بأعباء الوظيفة المنتدب إليها، وطالما أن استحقاق بدل طبيعة العمل للعاملين بالسد مرتبط بمباشرة أعمال الوظيفة مباشرة فعلية، فإن المنتدبين ندباً كاملاً من السد العالي إلي جهات أخرى لا يستحقون هذا البدل على حين يستحقه المنتدبون من هذه الجهات إلى السد طبقاً لما يقضي به صريح نص قرار اللجنة العليا للسد رقم 21 لسنة 1961.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن بدل طبيعة العمل للعاملين بالسد العالي ليس منحة يتقاضاها الموظفون بالسد سواء كانوا قائمين بالعمل فيه أو كانوا منتدبين للعمل في جهات أخرى، وإنما هو مقرر - على ما سبق ومن ثم فإن من يتحملون هذه الأعباء هم الذين يستحقون البدل، أما من لا يتحملونها ولا يتعرضون لها فهم لا يستحقونه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه وقد ذهب مذهباً مخالفاً، وقضى باستحقاق المدعي بدل طبيعة العمل المقرر للعاملين بالسد العالي، في الوقت الذي كان فيه منتدباً ندباً كاملاً للعمل بمصلحة الميكانيكا والكهرباء، قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.