+أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 930

جلسة 4 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(186)
الطعن رقم 1864 لسنة 38 القضائية

( أ ) تزوير. "تزوير المحررات الرسمية".
تضارب الأوراق الرسمية الواردة على محل واحد. غير متصور.
(ب، ج) اختلاس أموال أميرية. جريمة "أركانها". قصد جنائي. موظفون عموميون.
(ب) وجود المال تحت يد الموظف العام أو من في حكمه. شرط للتجريم في حكم المادة 112 عقوبات.
(ج) الاختلاس يقتضي إضافة المختلس لما في عهدته من مال إلى ملكه.
(د، هـ) عقوبة، "عقوبة مبررة". ارتباط. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اختلاس أموال أميرية. استيلاء على مال الدولة. تزوير "تزوير الأوراق الرسمية".
(د) معاقبة المتهم بعقوبة مقررة لأي من جنايتي الاختلاس والاستيلاء المنصوص عليهما في المادتين 112، 113 عقوبات. عدم توافر مصلحته في التمسك بانطباق المادة الأخيرة دون الأولى على ما أسند إليه.
(هـ) إدانة المتهم بعقوبة جناية الاختلاس المسندة إليه باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد. إثارة المتهم عدم توافر أركان بعض جرائم التزوير والاستعمال المسندة إليه وعدم إطلاع المحكمة على الأوراق المثبتة لها. غير مجد.
(و) حكم. "حجيته".
ورود حجية الحكم على منطوقه وما يرتبط به من الأسباب التي لا يكون له قوام إلا بها.
(ز) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام الحكم إيراد شيء عن جرائم لم يدن المتهم بها.
1 - تطابق الأوراق الرسمية المثبتة لبيانات معينة بذاتها من الأمور المسلمة التي لا تحتاج في تحصيلها إلى مصدر يلتزم الحكم ببيانه، إذ لا يعقل أن يفترض تضاربها مع ورودها على محل واحد.
2 - من المقرر في القانون أنه لا يلزم لتجريم الاختلاس في حكم المادة 112 عقوبات سوى وجود المال تحت يد أي من الموظفين العموميين أو من في حكمهم ممن نصت عليهم المادة 111 عقوبات، يستوي في ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليماً مادياً أو أن يوجد بين يديه بسبب وظيفته، ويعتبر التسليم منتجاً لأثره في اختصاص الموظف إذا كان مأموراً به من رؤسائه.
3 - إن الاختلاس يقتضي بطبيعته إضافة المختلس للمال المعهود إليه إلى ملكه بنية إضاعته على مالكه.
4 - لا مصلحة للمتهم في التمسك بانطباق المادة 113 من قانون العقوبات على الواقعة المسندة إليه دون المادة 112 من ذات القانون، لكون العقوبة المقضي بها عليه مقررة في القانون لأي من جنايتي الاختلاس والاستيلاء المنصوص عليهما في المادتين 112، 113 عقوبات.
5 - إذا كان الحكم قد دان المتهم بجناية الاختلاس وجرائم التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون للاختلاس باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط، فإنه لا يجدي المتهم ما يثيره في بعض جرائم التزوير والاستعمال من عدم توافر أركانها، أو عدم اطلاع المحكمة على الأوراق المثبتة لها.
6 - لئن كان الأصل في الأحكام ألا ترد الحجية إلا على منطوقها، إلا أن هذه الحجية تمتد بالضرورة إلى ما يكون من الأسباب مكملاً للمنطوق ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قوام إلا به.
7 - متى كان الحكم لم يدن المتهم باختلاس أي من الأشياء التي أقر أصحابها باستلامها كاملة، ولا بالتزوير في الأوراق الرسمية في شأن إثباتها، ولم يكن المذكور متهماً بشيء من ذلك، فإن المحكمة لا تكون ملزمة بأن تورد شيئاً عنها، ما دام خارجاً عن جوهر تسبيبها وعناصر قضائها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في المدة ما بين 22/ 9/ 1963 و23/ 5/ 1964 بدائرة مركز بوش محافظة بني سويف: أولاً - بصفته موظفاً عمومياً "كاتب جمعية منشأة هديب الزراعية" اختلس كمية السماد المبينة القيمة بالمحضر المملوكة للهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمسلمة إليه بسبب تأدية وظيفته. ثانياً - ارتكب تزويرات في محررات رسمية هي (1) كشف السلف الشتوية رقم 32 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ودوّن أمام الرقم 9 اسم أحمد أحمد وأثبت تسلمه 40 جوال نشادر زنة 75 ك دون أن يثبت بالاستمارة رقم 9 جمعيات الخاصة بهذا الشأن والحال عدم وجود هذا الاسم إطلاقاً. (2) الاستمارة رقم 9 جمعيات رقم 554/ 35 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة على الوجه الآتي: ( أ ) قيد على العضو عبد الرحيم رياض عبد ربه أنه تسلم عدد 6 أجولة نشادر بينما أثبت بكشف السلف الشتوية رقم 32 أمام رقم 3 أنه تسلم 4 أجولة. (ب) قيد على العضو عبد الناصر عبد الجواد سيد أنه تسلم عدد 7 أجولة نشادر بينما أثبت بكشف السلف الشتوية رقم 32 أمام رقم 6 عدد 2 أجولة. (3) الاستمارتين 9 جمعيات رقمي 554/ 35 و561/ 35 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وأثبت بالأولى على العضو عبد ربه رمضان عبد ربه أنه تسلم عدد 45 جوال نشادر وبالثانية لنفس العضو أنه تسلم عدد 5 أجولة نشادر فيكون مجموع ما قيد عليه بالاستمارتين عدد 50 جوالاً بينما قيد عليه بكشف السلف الشتوية رقم 32 أمام رقم 8 عدد 40 جوالاً فيكون المجموع 45 جوالاً. (4) كشف السلف الشتوية رقم 32 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وقيد أمام الرقم 11 أن المدعو أحمد محمد قد تسلم عدد 4 أجولة نشادر وأثبته بالاستمارتين 9 جمعيات رقمي 560/ 35 و561/ 35 ثم عاد وشطب أمام اسمه بالاستمارة الأولى ومسحه بالثانية دون أن يتدارك ذلك بكشف التفريغ والحال وهمية هذا الاسم (ثالثاً) - اشترك بطريق الاتفاق والتحريض مع مجهول في تزوير الإقرار المؤرخ 19/ 12/ 1964 بأن وضع إمضاءاً مزوراً نسبها إلى من يدعى محمود صفوت تفيد مسئوليته عن توزيع كميات السماد المبينة به والحال عدم توقيعه على هذا الإقرار وقد تمت الجريمة ووقعت بناء على هذا الاتفاق والتحريض (رابعاً) - استعمل ورقتين مزورتين هما الإقرارين سالفي الذكر مع علمه بتزويرهما بأن قدمهما في تحقيق النيابة. وأحالته النيابة إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة ومحكمة جنايات بني سويف قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 40/ 1 - 2 و41 و211 و214 و32 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه برد ما اختلسه وبتغريمه خمسمائة جنيه وبعزله من وظيفته. وذلك على اعتبار أن المتهم في الزمان والمكان سالفي الذكر (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً "كاتب جمعية منشأة هديب الزراعية" اختلس كمية السماد البالغ قيمتها 238 ج و550 م والمملوكة للهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمسلمة إليه بسبب وظيفته. (ثانياً) ارتكب تزويراً في محررات رسمية هي (1) كشف السلف الشتوية رقم 32 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ودون أمام الرقم 9 اسم أحمد أحمد وأثبت تسلمه 40 جوالاً نشادر زنة 75 ك دون أن يثبته بالاستمارة 9 جمعيات الخاصة بهذا الشأن والحال عدم وجود هذا الاسم إطلاقاً (2) الاستمارة 9 جمعيات رقم 554/ 35 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة على الوجه الآتي ( أ ) قيد على العضو عبد الرحيم رياض عبد ربه أنه تسلم 6 أجولة نشادر بينما أثبت بكشف السلف الشتوية رقم 32 أمام رقم 3 أنه تسلم 4 أجولة. (ب) قيد على العضو عبد الناصر عبد الجواد أنه تسلم 7 أجولة نشادر بينما أثبت بكشف السلف الشتوية رقم 32 أمام رقم 6 عدد 2 أجولة (3) الاستمارتين 9 جمعيات رقمي 554/ 35 و561/ 35 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وأثبت بالأولى على العضو عبد ربه رمضان عبد ربه أنه تسلم 45 جوالاً نشادر وبالثانية لنفس العضو 5 أجولة نشادر فيكون مجموع ما قيد عليه بالاستمارتين 50 جوالاً بينما ما قيد عليه بكشف السلف الشتوية رقم 32 أمام رقم 8 عدد 40 جوالاً فيكون المجموع 45 جوالاً. (4) كشف السلف الشتوية رقم 32 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وقيد أمام الرقم 11 أن أحمد محمد قد تسلم 40 جوالاً نشادر وأثبته بالاستمارتين 9 جمعيات رقمي 560/ 35 و561/ 35 ثم عاد وشطب أمام اسمه بالاستمارة الأولى ومسحه بالثانية دون أن يتدارك ذلك بكشف التفريغ والحال وهمية هذا الاسم (5) الإقرار المؤرخ 19/ 4/ 1964 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وأضاف عبارات تفيد مسئولية الموقعين عليه عنها والحال عدم وجود هذه العبارات أصلاً وقت التوقيع. (ثالثاً) اشترك بطريق الاتفاق والتحريض مع مجهول في تزوير الإقرار المؤرخ 19/ 12/ 1963 بأن وضعا إمضاء مزوراً نسباها إلى محمود محمد صدقي تفيد مسئوليته عن توزيع كميات السماد المبينة به والحال عدم توقيعه على هذا الإقرار وقد تمت الجريمة ووقعت بناء على هذا الاتفاق والتحريض. (رابعاً) استعمل ورقتين مزورتين هما الإقراران سالفا الذكر مع علمه بتزويرهما بأن قدمهما في تحقيق النيابة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم الاختلاس والتزوير قد شابه القصور في التسبيب، ذلك بأنه لم يبين في منطوقه مقدار المبلغ المختلس الذي قضي برده، وقد تناقض في أسبابه في تحديد مفرداته، ولم يبين كميات الأسمدة التي أقر أصحابها باستلامها وأطرحها من نطاق الاختلاس ليحتسبها أساساً في بعض جرائم التزوير، وساءل الطاعن عن اختلاس الأسمدة المعهودة إلى مدير الجمعية، وهو لا يسأل عنها مسئوليته عن المال الذي في عهدته، وإنما تكون الواقعة - إذ صحت - استيلاء على مال للدولة ينطبق عليها نص الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات بما تتطلبه من نية التملك، وأشار إلى وجوب تطابق استمارات السلف مع كشوف التفريغ دون أن يبين المصدر الذي اعتمد عليه في ذلك، خصوصاً أن الطاعن تمسك في دفاعه بأن الكشوف لا تخرج عن كونها مسودات قابلة للتعديل، واعتمد على نتيجة تقرير الخبير المنتدب بمصلحة الطب الشرعي دون أن يورده تفصيلاً، ودان الطاعن بتزوير الإقرارين المؤرخين في 19/ 12/ 1963 و19/ 4/ 1964 استناداً إلى الدليل الفني دون أن يثبت ما يفيد اقتناعه به، ودون أن تتحرى المحكمة بنفسها دليل الإدانة بالاطلاع عليهما بنفسها، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه، وإن سكت في منطوقه عن بيان مقدار المبلغ الذي قضى على الطاعن برده في جناية الاختلاس التي دين فيها، إلا أنه بينه بأسانيده - دون تناقض - في أسبابه التي يحمل المنطوق عليها، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ منه، وهو بيان كاف لما هو مقرر في القانون من أنه وإن كان الأصل في الأحكام ألا ترد الحجية إلا على منطوقها، إلا أن هذه الحجية تمتد بالضرورة إلى ما يكون من الأسباب مكملاً للمنطوق ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قوام إلا به. ولما كان الحكم قد حدد قيمة المبالغ المختلسة استناداً إلى كشوف السلف بالمقارنة بينها وبين استمارات السماد ووهمية بعض الأشخاص الذين زعم الطاعن في هذه الأوراق الرسمية أنه صرف السماد إليهم - وهو ما لا ينازع الطاعن في إسناده بل يسلم به في طعنه، وكان لا يوجد أي تناقض بين ما حصله الحكم من ذلك في تقريراته وما انتهى إليه في أسبابه، فإن دعوى القصور والتناقض لا يكون لها من وجه ولا يعتد بها. ولما كان من المقرر في القانون - كذلك - أنه لا يلزم لتجريم الاختلاس في حكم المادة 112 من قانون العقوبات سوى وجود المال تحت يد أي من الموظفين العموميين أو من في حكمهم ممن نصت عليهم المادة 111 يستوي في ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليماً مادياً أو أن يوجد بين يديه بسبب وظيفته، ويعتبر التسليم منتجاً لأثره في اختصاص الموظف إذا كان مأموراً به من رؤسائه - كما هو الحاصل في الدعوى - وهو ما لم يقصر الحكم في استظهاره في شأن الطاعن بالنسبة إلى عهدة مدير الجمعية أيضاً علاوة على عهدته هو، وبفرض كون هذه الواقعة استيلاء على مال للدولة بغير حق طبقاً للفقرة الأولى 113 من قانون العقوبات، فلا مصلحة للطاعن في التمسك بانطباقها دون المادة 112 لكون العقوبة المقضي بها عليه مقررة في القانون لأي من جنايتي الاختلاس والاستيلاء. ولا شك في أن الاختلاس يقتضي بطبيعته إضافة المختلس للمال المعهود إليه إلى ملكه بنية إضاعته على مالكه، وهو ما أثبته الحكم ودلل على قيامه. ولم يدن الحكم الطاعن باختلاس أي من الكميات التي أقر أصحابها باستلامها كاملة، ولا بالتزوير في الأوراق الرسمية في شأن إثباتها، بل ولم يكن الطاعن متهماً بشيء من ذلك، وبالتالي فلم تكن المحكمة ملزمة بإيراده في حكمها والتدليل عليه، ما دام خارجاً عن جوهر تسبيبه، وعناصر قضائه. ولما كان الحكم قد دان الطاعن بجناية الاختلاس وجرائم التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون للاختلاس باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره في صدد بعض جرائم التزوير والاستعمال من عدم توافر أركانها، أو عدم اطلاع المحكمة على الأوراق المثبتة لها وأن ذلك يشكل بطلاناً في الإجراءات. لما كان ذلك، وكان تطابق الأوراق الرسمية المثبتة لبيانات معينة بذاتها من الأمور المسلمة التي لا تحتاج في تحصيلها إلى مصدر يلتزم الحكم ببيانه، إذ لا يعقل أن يفترض تضاربها مع ورودها على محل واحد، وكان سائر الطعن جدلاً موضوعياً لم يثره الطاعن أمام محكمة الموضوع، ولا يثار لدى محكمة النقض، فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض.