مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 1935

(187)
جلسة 12 من يونيه سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: رأفت محمد السيد يوسف وفاروق علي عبد القادر والدكتور محمد عبد السلام مخلص وعطية الله رسلان أحمد - المستشارين.

الطعن رقم 1739 لسنة 35 القضائية

هيئة الشرطة - انتهاء الخدمة - أسبابها.
المادة 67 من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971 - لوزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضابط الذي يشغل رتبة اقل من اللواء إلى الاحتياط - اشترط المشرع أن تقوم في حق الضابط أسباب جدية تتعلق بالصالح العام تؤكد وتثبت ضرورة إحالة الضابط إلى الاحتياط - يجب أن تكون حالة الضرورة جلية وثابتة ثبوتاً قاطعاً لكي تعمل جهة الإدارة سلطتها بإحالة الضابط إلى الاحتياط - مناط مشروعية إحالة الضابط إلى الاحتياط أن يكون هذا القرار لازماً وضرورياً وأنه استخدم من قبل الجهة الإدارية لمواجهة حالة واقعية أو قانونية حقيقية قامت في حق الضابط وأن محاسبته طبقاً لقواعد التأديب العادية لا تكفي لدفع ضرره على المصلحة العامة في نطاق وظيفة هيئة الشرطة - للقضاء الإداري حق الرقابة على قيام أو عدم قيام حالة الضرورة - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ السبت الموافق 15 من أبريل عام 1989 أودع الأستاذ عصمت إبراهيم المحامي نيابة عن الأستاذ أحمد منصور المحامي - تقرير طعن قيد بقلم كتاب المحكمة بصفته وكيلاً عن السيد/........ في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات - بجلسة 27/ 2/ 1989 في الدعوى رقم 180 لسنة 42 ق المقامة من الطاعن ضد وزير الداخلية بصفته والذي قضى برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن - في تقرير طعنه - بصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر بإحالته إلى الاحتياط مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضده بصفته بتاريخ / / 19.
وأحيل الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة التي قامت بتحضيره وتهيئته للمرافعة وأودعت فيه تقريراً بالرأي القانوني اقترحت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ووقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يفصل في الموضوع، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر بإحالة الطاعن إلى الاحتياط وما ترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة التي قررت بجلسة 4/ 4/ 1990 إحالة الطعن للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة - وحددت لنظره أمامها جلسة 8/ 5/ 1990 وبهذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات وملاحظات ذوي الشأن وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وتلي منطوقه وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - مستقاة من أوراق الطعن - تتحصل في أن السيد/ (.....) الضابط بمصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية أقام الدعوى رقم 180 لسنة 42 ق بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 10/ 10/ 1987 ضد وزير الداخلية بصفته، طلب في ختامها الحكم:
أولاًَ: وبصفة مستعجلة وقبل الفصل في الموضوع بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية رقم 509 لسنة 1987 فيما تضمنه من إحالته إلى الاحتياط اعتباراً من 30/ 6/ 1987 واستمرار صرف راتبه كاملاً من الإذن بتنفيذ الحكم في هذا الشق بمسودته وبدون إعلان.
ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأسس دعواه قائلاً إنه يشغل رتبة عقيد بهيئة الشرطة، وقد ورث مع أخوته - عن والدهم محلاً تجارياً أسفل العمارة التي يقيم بها بشارع البورصة رقم 10 بالإضافة إلى عدة عقارات أخرى، وكان مظهره مشرفاً وسط زملائه ورؤسائه مما أثار حسد بعضهم عليه فنسبوا إليه ادعاءات كاذبة بأنه يقوم بمزاولة الأعمال التجارية بمحل والده وقد أجرى معه تحقيق انتهى إلى مجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه على سند من القول بأن قد ثبت في حق المدعي أنه يدير محلاً لتجارة البويات بشارع البورصة رقم 10 وصالة شرائط فيديو بشارع البورصة رقم 7 - ثم عرض الأمر على وزير الداخلية الذي أشار بوقف المدعي عن العمل وصدر قرار بإيقافه عن العمل لصالح التحقيق اعتباراً من 4/ 5/ 1987 ثم فوجئ في 18/ 7/ 1987 بإعلانه بالقرار المطعون فيه المتضمن إحالته إلى الاحتياط اعتباراً من 30/ 6/ 1987 فتظلم من هذا القرار وأقام دعواه طالباً القضاء بإلغائه لصدوره بالمخالفة للقانون ولأنه صدر مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة وذلك على النحو الوارد تفصيلاً بعريضة دعواه وخلص إلى طلب الحكم له بطلباته.
وقد قدمت الجهة الإدارية حافظة مستندات ومذكرة بردها على الدعوى طلبت فيها الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
ونظرت محكمة القضاء الإداري الدعوى على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 14/ 4/ 1988 قضت بعدم قبول طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب استمرار صرف راتب المدعي كاملاً وألزمت المدعي مصروفات الشق المستعجل من الدعوى، وأمرت بإحالة الشق الموضوعي إلى هيئة مفوضي الدولة التي قامت بتحضير الشق الموضوعي وأعدت تقريراً بالرأي القانوني اقترحت فيه الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات، وبجلسة 27/ 2/ 1987 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه قد ثبت للجهة الإدارية اشتغال المدعي بالأعمال التجارية وتشغيله بعض المخبرين بالشرطة في أعمال خاصة به ولحسابه في الأعمال التجارية وعليه يكون المدعي قد سلك مسلكاً معيباً ينطوي على خروج على مقتضيات وظيفته وإخلاله بكرامتها والثقة الواجب توافرها فيه مما يدعو إلى عدم الاطمئنان إلى صلاحيته للقيام بأعباء وظيفته مما حدا بها إلى إصدار قرارها المطعون فيه بإقصائه مؤقتاً عن هذه الوظيفة ومن ثم يكون القرار الصادر في هذا الشأن قد استنبط من وقائع ثابتة ومؤدية إلى النتيجة التي خلص إليها ولم يقدم المدعي ما يفيد انحراف الجهة الإدارية أو إساءة استعمال سلطتها أو أن القرار كان موجهاً لغير الصالح العام وبالتالي يكون القرار المطعون فيه - فيما تضمنه من إحالة المدعي إلى الاحتياط - قد بني على سبب صحيح وقام على سند من القانون ويتعين لذلك القضاء برفض الدعوى.
ومن حيث إن الطعن في هذا الحكم يقوم على أنه قد صدر مخالفاً للقانون وأنه أخطأ في تطبيقه وشابه الفساد في الاستدلال للآتي:
1 - إن الحكم المطعون فيه قد بني - كما ورد بأسبابه - على القول بأنه ثبت للجهة الإدارية اشتغال المدعي بالأعمال التجارية، وهو بذلك يردد مزاعم جهة الإدارة دون أن يحقق دفاع الطاعن وما قدمه من مستندات أهمها الصورة الرسمية من الحكم الصادر بفرض الحراسة على المحل التجاري الذي تدعي الإدارة بأن الطاعن يمارس فيه الأعمال التجارية وأصبح المحل مملوكاً لأربعة عشر وريثاً والطاعن أحدهم وفي وجود حارس قضائي - ينفى بصورة رسمية أية صلة للطاعن بممارسة الأعمال التجارية في هذا المحل.
2 - إن حالة الضرورة والأسباب الجدية المتعلقة بالصالح العام والتي اشترطت المادة 67 من قانون الشرطة - توافرها لصدور قرار بإحالة الضابط إلى الاحتياط غير متوافرة في حالة الطاعن لأنه لا يعمل بالتجارة لأن المحلين موضوع المخالفة أحدهما كان مملوكاً لوالده وآل بعد وفاته إلى الورثة ومنهم الطاعن ويدار تحت إشراف حارس قضائي، والمحل الثاني مملوك لزوجته والطاعن لا يقوم بإدارته.
3 - إن الطاعن سبق أن جوزي عن هذه المخالفة خصم خمسة أيام من راتبه ولم يكتف وزير الداخلية بذلك وإنما أشار بوقف الطاعن عن العمل ثم أعقب ذلك صدور القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن المادة 67 من نظام هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971 والواردة في الفصل الثامن تحت عنوان "الإحالة إلى الاحتياط" قد نصت على أنه لوزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضابط - عدا المعينين في وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية - إلى الاحتياط وذلك.
1 - بناء على طلب الضابط أو الوزارة لأسباب صحية تقرها الهيئة الطبية المختصة.
2 - إذا ثبتت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام، ولا يسري ذلك على الضباط من رتبة لواء...... إلخ.
ومن حيث إنه يبين من هذا النص أن المشرع خول وزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضابط - الذي يشغل رتبة أقل من لواء - إلى الاحتياط واشترط لذلك أن تقدم في حق الضابط أسباب جدية تتعلق بالصالح العام تؤكد وتثبت ضرورة إحالة الضابط إلى الاحتياط ويجب أن تكون حالة الضرورة واضحة جلية وثابتة ثبوتاً قاطعاً لكي تعمل جهة الإدارة سلطتها بإحالة الضابط إلى الاحتياط وتحرمه من مواجهته بما هو منسوب إليه والتحقيق معه ومحاكمته تأديبياً وتحقيق دفاعه باعتبار ذلك من الضمانات الأساسية التي يحق له التمتع بها فمناط مشروعية قرار إحالة الضابط إلى الاحتياط أن يكون هذا القرار لازماً وضرورياً وأنه استخدم من قبل جهة الإدارة لموجهة حالة واقعية أو قانونية حقيقية قامت في حق الضابط وأن محاسبته عنها طبقاً لقواعد التأديب العادية لا تكفي لدفع ضرره على المصلحة العامة في نطاق وظيفة هيئة الشرطة، وللقضاء الإداري حق الرقابة على قيام أو عدم قيام حالة الضرورة، فإذا ثبتت جدية الأسباب وضرورة الإحالة إلى الاحتياط كان قرار الإحالة سليماً ومتفقاً وأحكام القانون وأما أن اتضح أن الأسباب لم تكن جدية أو لم تكن تمثل الأهمية التي تدعو إلى قيام حالة الضرورة التي تبرر تدخل الجهة الإدارية بإحالة الضابط إلى الاحتياط أو أن مؤاخذته تأديبياً كانت كافية دون اللجوء إلى إحالته إلى الاحتياط كان قرار الإحالة باطلاً متعين الإلغاء.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن خاصة حافظة المستندات المقدمة من هيئة قضايا الدولة لمحكمة القضاء الإداري تحت رقم 4 دوسيه أن الطاعن يشغل وظيفة عقيد بمصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية وأن أمره قد عرض على المجلس الأعلى للشرطة بجلسته المنعقدة في 28/ 6/ 1987 فقرر الموافقة على إحالة الطاعن إلى الاحتياط اعتباراً من 30/ 6/ 1987 وقد تضمن محضر جلسة المجلس الأعلى للشرطة المشار إليه الأسباب التي بني عليها القرار المطعون فيه وجاء فيها أن الإدارة العامة للتفتيش والرقابة بفحص وتقييم موقف (الطاعن) في ضوء المعلومات الإدارية في حقه تبين من الفحص ورود معلومات بأن المذكور يقوم بتشغيل أربعة جنود في محلين يمتلكهما أحدهما لشرائط الفيديو والثاني لتجارة البويات والحدايد بواقع مجندين لكل محل وأنه رفض إعادتهم للمصلحة رغم طلب المصلحة منه ذلك.... وقد أجرى تحقيق بمعرفة مفتش الداخلية لمديرية أمن الجيزة في شأن تلك المعلومات وتبين من التحقيق أن المحل الأول عبارة عن نادي فيديو ويقع بالعقار رقم 7 شارع سوق التوفيقية باسم زوجته والثاني محل لتجارة البويات والحدايد يقع في العقار رقم 10 شارع البورصة باسم والده والمحلان بدائرة قسم الأزبكية، وقد أكدت تحريات وحدة مباحث قسم شرطة الأزبكية صحة المعلومات المشار إليها، وقد سبق أن وضع الطاعن تحت الملاحظة لما عرف عنه من مزاولته الأعمال التجارية، وأن الإدارة العامة للقضاء العسكري سبق أن طلبت في عام 1980 نقل المذكور خارجها لقيامه بمزاولة الأعمال التجارية بمحل والده ولوجود خلافات مستمرة بينه وبين أهالي محافظة المنيا ووجود نزاعات بينه وبين زوجته لعلاقاته النسائية المشبوهة ونقل إلى مديرية أمن الفيوم في 2/ 9/ 1980 فأبلغ مرضه وعدل نقله إلى مصلحة السجون.
وقد طلبت مصلحة السجون نقله خارجها لما عرف عنه من الاشتغال بالأعمال التجارية وتعاطيه المواد المخدرة وتردده على مقهى مشبوه ومخالطته لبعض المشبوهين من متعاطي المخدرات.. ونقل إلى مديرية أمن الجيزة في 18/ 7/ 1984 وعدل قرار نقله إلى مصلحة الأحوال المدنية (دائرة الجيزة) في 25/ 8/ 1984.
وأن الإدارة العامة للتفتيش والرقابة قد قامت بتقييم موقفه في 4/ 2/ 1987 أثر ورود معلومات عن اشتغاله بالأعمال التجارية المتمثلة في إدارته لمحلي الفيديو والحدايد والبويات المشار إليهما، وثبت في حقه: الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي، وعرض الأمر على اللواء مساعد الوزير للأمن الاجتماعي للنظر في مجازاته لما ثبت في حقه من تحذيره وإنذاره لعدم الاستمرار في مزاولة النشاط التجاري وأن يكف عن ذلك فوراً وإلا سينظر في أمر إحالته إلى الاحتياط للصالح العام، وأنه جوزي من ذلك بخصم خمسة أيام من راتبه في 1/ 3/ 1987.
ومن حيث إنه يبين من العرض السابق لما ورد بمحضر جلسة المجلس الأعلى للشرطة بتاريخ 28/ 6/ 1987 تبريراً للقرار المطعون فيه أنه قد استند إلى الأسباب الآتية:
أولاً: وجود خلافات مستمرة بينه وبين بعض أهالي محافظة المنيا، ووجود نزاعات بينه وبين زوجته لعلاقاته النسائية المشبوهة وتعاطيه المواد المخدرة وتردده على مقهى لهذا الغرض ومخالطته فيها للمتعاطين وتجار المخدرات.
ثانياً: اشتغاله بالأعمال التجارية المتمثلة في إدارته لمحل الحدايد والبويات الكائن بشارع سوق التوفيقية رقم 7.
ثالثاً: تشغيله لأربعة بتشغيل من الجنود المجندين بمصلحة الأحوال المدنية في محلي الحدايد والبويات وشرائط الفيديو بواقع مجندين لكل محل وأنه رفض إعادتهم للمصلحة رغم طلب المصلحة منه ذلك.
ومن حيث إنه عن السبب الأول فإن كل ما ساقته جهة الإدارة في هذا الشأن لا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً ورد في طلبات لنقله إلى مديرية أمن الفيوم في عام 1980 ثم مصلحة السجون دون أن يقوم عليه أي دليل في الأوراق، كما أن هذه الأقوال قد جاءت مبهمة دون تحديد أشخاص أهالي محافظة المنيا القائم بينهم الخلاف وبين الطاعن أو ماهية هذا الخلاف وطبيعته ومدى خطورته على مركزه باعتباره عضواً بهيئة الشرطة، كما أنه على فرض وجود خلاف بينه وبين زوجته فإن ذلك يتعلق بحياته الخاصة ولم يثبت أن له أي تأثير في نطاق عمله بالشرطة.
وأما عن القول بتعاطي الطاعن للمخدرات.... وتردده على مقهى لهذا الغرض ومخالطته لرواده من التجار والمتعاطين كل تلك الأقوال قد سيقت بلا دليل أو بينة ولم تتخذ الجهة الإدارية حيالها أي إجراء في حينه ومن ثم يكون هذا السبب في مجمله لا أساس له من الصحة ولا يصلح سبباً للتذرع به في إصدار القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه عن السبب الثاني فإن الثابت من الأوراق أن محل الحدايد والبويات الكائن بشارع البورصة رقم 10 كان مملوكاً لوالد الطاعن المرحوم إبراهيم محمود مصطفى الذي استأجره بعقد إيجار مؤرخ في 21/ 4/ 1949 من الأستاذ مصطفى العسال الحماص بمبلغ 450 قرشاً شهرياً بغرض استعماله في تجارة أدوات المعمار، وقد باشر فيه تجارته إلى أن توفي في 4/ 2/ 1972 وقد ثار خلاف بين الورثة ومنهم الطاعن على ملكية هذا المحل واحد المخازن وسيارة عرض على محكمة جنوب القاهرة الدائرة الأولى مستأنف مستعجل التي قضت بجلسة 5/ 1/ 1975 بفرض الحراسة القضائية على هذا المحل على أن يودع الحارس صافي ريعه خزينة المحكمة على ذمة من يقضي له بالأحقية وقد ورد في تقرير وحدة مباحث قسم الأزبكية - الذي اعتمد عليه القرار المطعون فيه أن محل البويات والحدايد موضوع المخالفة يديره شخص يدعي...... وتساعده إحدى الفتيات وأن تردد الطاعن على المحل إنما يتم في أوقات فراغه - ولا يوجد في أوراق الطعن ما يفيد أن الطاعن كان يدير هذا المحل أو أنه كان يمارس فيه الأعمال التجارية لحسابه أو لحساب غيره، وأن تردد الطاعن على هذا المحل من آن إلى آخر وقت فراغه هو أمر طبيعي لا غبار عليه باعتبار أن هذا المحل ملكاً لوالده ثم آلت ملكيته للورثة وهو أحدهم وله نصيب فيه باعتباره وارثاً وفي تردده عليه لتفقد سير العمل فيه هو نوع من صيانة ماله ومال إخوته ولا غبار ولا حرج عليه في ذلك وكونه ضابطاً بهيئة الشرطة لا إجبار عليه في أن يتخلص من هذا المال الذي آل إليه بالميراث عن والده.
وأما عن المحل الثاني وهو محل تجارة وتأجير شرائط الفيديو الكائن بشارع سوق التوفيقية رقم 7 فقد ثبت أن هذا المحل مملوك لزوجته.... والبطاقة الضريبية باسم الزوجة ويدير هذا المحل ابنه... تساعده إحدى الفتيات التي تعمل بالمحل وذلك وفقاً لما جاء بمحضر تحريات وحدة مباحث قسم الأزبكية المشار إليه.
ولا شأن للطاعن في إدارة هذا المحل، كما أن تردده على محل مملوك لزوجته لهو من الأمور الطبيعية وأن من البديهي أن كون إحدى السيدات زوجة لعضو بهيئة الشرطة لا يمنعها بأي حال من استثمار أموالها فيما تشاء من مشروعات وأنشطة طالما أن هذه المشروعات لا تشوبها شائبة من الناحية القانونية ومن ثم فإن هذا السبب في شقيه لا يقوم على أساس سليم ولا تثريب على سلوك الطاعن فيه وليس هناك ما يؤخذ عليه فيه.
ومن حيث إنه عن السبب الثالث والأخير من الأسباب التي استند إليها القرار المطعون فيه فقد ثبت من مذكرة الإدارة العامة للتفتيش والرقابة ومن التحقيقات التي أجريت في هذا الشأن والتحريات التي استند إليها تقرير التفتيش المؤرخ 4/ 5/ 1987 أن المجندين كانوا يترددون على المحلين في أوقات غير منتظمة لتحميل البضائع داخل متجر البويات والحدايد وذلك منذ حوالي أربعة أشهر وآخر مرة شوهدوا فيها كانت في أول رمضان لتناول طعام الإفطار بنادي الفيديو، وقد ثبت من التحقيق أن اثنين من هؤلاء المجندين كانا مراسلة للطاعن أثناء عمله بمصلحة الأحوال المدنية وقد تردد أحدهما على محل الحدايد والبويات لمدة ثمانية عشر يوماً لقاء أجر يومي قدره جنيهان وفي أوقات متفرقة ونظراًَ لقلة المقابل النقدي انقطع عن التردد على المحل وأما الثاني فقد قرر في التحقيق أنه كان يحصل على خمسة جنيهات أحياناً وآخر مرة حضر فيها كان بتاريخ 28/ 4/ 1987 لتناول طعام الإفطار في أول رمضان، أما المجندان الآخران فقد أنكرا قطعياً ترددهما على المحل من الأصل.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم وما هو مستقى من أوراق التحقيق أن تردد المجندين على المحل المملوك للطاعن مع باقي الورثة لم يأخذ صفة الدوام بل في أوقات متباعدة، وتم بإرادتهم الحرة دون تأثير من الطاعن بهدف تحقيق بعض العائد المادي لهم ولم يكون من قبيل السخرة وقد ثبت من التحقيق أنه لم يتردد على المحل المذكور منذ عام 1986 سوى جنديين من المراسلة ولم يحضرا إلا مرة واحدة في أبريل عام 1987 لتناول طعام الإفطار في أول رمضان، هذا ومن ناحية أخرى فإن سماح الطاعن بتردد هؤلاء الجنود وممارسة بعض الأعمال في نقل بعض المواد داخل محل البويات لقاء مبلغ من المال وطلب المصلحة له أن يعيد هؤلاء العمال ويكف عن تشغيلهم كل ذلك يمثل خروجاً من الطاعن على مقتضى واجبات وظيفته يستأهل مساءلته تأديبياً إلا أن هذه المخالفة وهي المخالفة الوحيدة التي يمكن القول بقيامها في حق الطاعن - لا يمكن أن ترقى إلى مرتبة الأسباب الجدية التي تتعلق بالصالح العام وتثبت ضرورة إحالة الطاعن إلى الاحتياط وفقاً لحكم المادة 67 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 بل يكفي فيها توقيع الجزاء التأديبي المناسب علماً بأن الجهة الإدارية سبق أن أوقعت عليه جزاء الخصم لمدة خمسة أيام من راتبه.
ومن حيث إنه وقد تبين مما تقدم أن القرار المطعون فيه - فيما تضمنه من إحالة الطاعن إلى الاحتياط - قد صدر بالمخالفة للقانون لأن جهة الإدارة حين أصدرته لم تكن لديها العناصر اللازمة أو الأسباب الجدية التي تتعلق بالصالح العام والتي تثبت قيام حالة الضرورة التي تدعو إلى إصدار القرار المطعون فيه لأن ما استندت إليه الإدارة من أمور ثبت أن الغالب الأهم منها غير قائم في حق الطاعن وأن ما ثبت في حقه من سماحه لبعض المجندين بالتردد على محل والده لا يرقى إلى مرتبة الأسباب الجدية التي تتعلق بالصالح العام ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر مخالفاً لركن السبب وبالتالي فهو مخالف للقانون متعين الإلغاء، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف هذا المذهب وقضى برفض طلب إلغائه فإنه يكون أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 509 لسنة 1987 فيما تضمنه من إحالة الطاعن إلى الاحتياط اعتباراً من 30/ 6/ 1987 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 509 لسنة 1987 فيما تضمنه من إحالة الطاعن إلى الاحتياط اعتباراً من 30/ 6/ 1987 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.