مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 2075

(201)
جلسة 15 من يوليه سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار نبيل أحمد سعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضويه السادة الأساتذة: محمد محمود الدكروري وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم والسيد محمد السيد الطحان، ويحيى أحمد عبد المجيد - المستشارين.

الطعن رقم 2246 لسنة 34 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - ترقية.
أثر الانقطاع على العلاوة الدورية والمدد البينية اللازمة للترقية.
لم يربط المشرع بين استحقاق العلاوة والترقية وبين مباشرة العمل فعلاً - لا يجوز الاجتهاد في استحداث شرط أداء العمل فعلاً لاستحقاق العلاوة أو الترقية عند استيفاء شروط استحقاق أي منهما طالما خلت النصوص من مثل هذا الشرط - قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة دستور الوظيفة العامة الذي يحكم علاقة الموظف بالدولة ولا يتأتى سلب حق من حقوقه أو إسقاطه أو إلزامه بواجب إلا على مقتضى نصوصه الصريحة - القول بعدم حساب مدة انقطاع العامل ضمن المدة المتطلبة للترقية واستحقاق العلاوة هو حرمانه منهما في غير الأحوال المحددة قانوناً بل هو بمثابة الجزاء التأديبي في غير موضعه وممن لا يملك توقيعه - أساس ذلك: طالما أن العلاقة الوظيفية ما زالت قائمة فلا محيص من ترتيب آثارها وإعمال مقتضاها فلا تنتزع مدد منها أو يتهاوى الحق فيها إلا أن يقضي بذلك نص صريح في القانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 11/ 6/ 1988 أودع الأستاذ/ غبريال إبراهيم غبريال المحامي، بصفته وكيلاً عن السيدة/ (.......) قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2246 لسنة 34 القضائية عليا، ضد وزير التربية والتعليم ومحافظ أسوان ومدير عام التربية والتعليم بأسوان، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 16/ 12/ 1987 في الدعوى رقم 3500 لسنة 38 ق المقامة من الطاعنة ضد المطعون ضدهم، والقاضي بقبول الدعوى شكلاً في مواجهة المدعى عليه الثاني وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعية المصروفات. وطلبت الطاعنة - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بطلباتها التي أبدتها بعريضة دعواها مع إلزام جهة الإدارة المصروفات وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقية الطاعنة في حساب مدة انقطاعها عن العمل بدون إذن الفترة من 1/ 9/ 1977 إلى 3/ 10/ 1988 ضمن مدة خدمتها وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه المحكمة وعينت لنظره أمامها جلسة 27/ 5/ 1990 وبها استمعت المحكمة إلى ما ارتأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوي الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وبها صدر، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى الأوضاع المقررة لنظره.
ومن حيث إن الحكم الطعين صدر بجلسة 16/ 12/ 1987 وبتاريخ 14/ 2/ 1988 تقدمت الطاعنة بطلب إعفائها من الرسوم القضائية إلى لجنة المساعدة القضائية، قيد برقم 53 لسنة 34 ق. عليا، وبتاريخ 13/ 4/ 1988 تقرر رفض طلبها فأقامت طعنها الماثل بإيداع تقريره، قلم كتاب المحكمة في 11/ 6/ 1988 فمن ثم يكون مقدماً في الميعاد القانوني.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن عناصر هذه المنازعة - مستقاة من أوراقها - تتحصل في أنه بتاريخ 10/ 4/ 1984 أقامت السيدة/ (.....)
الدعوى رقم 3500/ 38 أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير التربية والتعليم ومحافظ أسوان ومدير عام التربية والتعليم بأسوان وطلبت في ختام صحيفتها الحكم بأحقيتها في حساب مدة انقطاعها عن العمل من 1/ 9/ 1977 إلى 3/ 10/ 1981 إجازة خاصة بدون مرتب وحسابها ضمن مدة خدمتها، وما يترتب على ذلك من آثار. وقالت في شرحها أنها تعمل بمديرية التربية والتعليم بأسوان منذ عام 1964 وأعيرت إلى دولة الكويت اعتباراً من 1/ 9/ 1973 حتى 31/ 8/ 1977 وانقطعت عن عملها عقب انتهاء إعارتها المدة من 1/ 9/ 1977 حتى 3/ 10/ 1981 حيث تسلمت عملها في 4/ 10/ 1981 وأجابت جهة الإدارة على الدعوى بأن المذكورة أحيلت إلى التحقيق في أسباب انقطاعها في القضية رقم 323 لسنة 1981، وبناء عليه صدر قرار المديرية في 16/ 12/ 1981 بمجازاتها بخصم خمسة عشر يوماً من راتبها، وحساب المدة من 1/ 9/ 1977 حتى 3/ 10/ 1981 غياب بدون إذن لا تستحق عنها أجراً، كما لا تحسب ضمن مدة خدمتها، ولا في المدة المشترطة للترقية وعدم جواز منحها العلاوات الدورية عنها وبجلسة 16/ 12/ 1987 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها الطعين على أسباب محصلها أن المدعية من عداد العاملين بمحافظة أسوان، وطبقاً للمادتين 4 و17 من قانون الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 فإن المحافظ هو صاحب الصفة في الدعوى، ولا محل لاختصام غيره، وأن المدعية انقطعت عن عملها بدون إذن عقب انتهاء إعارتها في 31/ 8/ 1977 وكان عليها أن تتسلم عملها في 1/ 9/ 1977 أو تقدم لجهة الإدارة الأعذار التي تمنعها من ذلك، وأن مدة انقطاعها استطالت أربع سنوات كاملة، مما ينبئ عن رغبتها الأكيدة في الاستقالة، دون حاجة إلى إنذارها، وأن الثابت أن جهة الإدارة لم تطلب من النيابة الإدارية إحالتها إلى المحاكمة التأديبية خلال الشهر التالي للانقطاع، ومن ثم فإن خدمتها تعتبر منتهية قانوناً من 1/ 9/ 1977 عملاً بنص المادة 98 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وأن استلامها العمل في 4/ 10/ 1981 هو إعادة تعيين لها بالوظيفة والمرتب المستحق لها قبل الانقطاع، مما يتفق ونص المادة 23 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، ولا ينطوي ذلك على حساب مدة الانقطاع في الأقدمية ولا تستحق عنها أجراً أو علاوة دورية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم الطعين للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله إذ أن جهة الإدارة لم تنذر الطاعنة بعد انقطاعها عن العمل، ولم تعمل في شأنها قرينة الاستقالة الحكمية، واكتفت بمجازاتها بخصم خمسة عشر يوماً من راتبها وحرمانها من أجرها عن مدة الانقطاع، فتعتبر رابطة التوظف قائمة ومنتجة لآثارها، ويكون من حق الطاعنة اعتبار مدة خدمتها متصلة، فتستحق العلاوات الدورية، ويعتد بها في الترقية.
ومن حيث إن محافظ أسوان هو وحده صاحب الصفة في الخصومة للأسباب التي قام عليها الحكم الطعين، ومن ثم فيتعين القضاء بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة إلى من عداه، لعدم الصفة.
ومن حيث إن الطاعنة تستهدف بدعواها حساب مدة انقطاعها عن العمل ضمن مدة خدمتها ومنحها العلاوات المستحقة عنها والاعتداد بها في الترقية.
ومن حيث إنه يعين الإشارة بادئ الرأي - إلى أنه طبقاً لقضاء الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984، في حكمها الصادر بجلسة 2/ 3/ 1986 في الطعن رقم 395/ 27 القضائية العليا، فإن إعمال قرينة الاستقالة الحكمية في حق العامل واعتبار خدمته منتهية قانوناً من تاريخ انقطاعه عن العمل، دون صدور قرار بذلك، منوط بأن يكون تم إنذار العامل كتابة على الوجه المبين قانوناً، وبألا تكون الإجراءات التأديبية قد اتخذت ضده خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل، بحيث إذا لم يتم هذا الإنذار الكتابي أو اتخذت الإجراءات التأديبية ضد العامل خلال الشهر التالي لانقطاعه، ما جاز اعتبار خدمته منتهية قانوناً من تاريخ انقطاعه، ومقتضى ذلك ولازمه هو اعتبار رابطة التوظف قائمة منتجة لآثارها، على الوجه الذي حدده القانون وأبانت النصوص أحكامه.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ولا مجال في استفادة العامل من المزايا الوظيفية المقررة للقياس أو الاجتهاد في التفسير أمام نصوص صريحة.
ومن حيث إن المادة 36 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، المشار إليه، تنص على أنه "مع مراعاة استيفاء العامل لاشتراطات شغل الوظيفة المرقى إليها، تكون الترقية من الوظيفة التي تسبقها مباشرة في الدرجة والمجموعة النوعية التي تنتمي إليها" وتنص المادة 41 من ذات القانون على أنه "يستحق العامل العلاوة الدورية المقررة لدرجة وظيفته التي يشغلها وتستحق العلاوة في أول يوليو التالي لانقضاء سنة من تاريخ التعيين أو من تاريخ استحقاق العلاوة الدورية السابقة". وتنص المادة 74/ 1 من القانون المشار إليه على أنه "إذا انقطع العامل عن عمله يحرم من أجره مدة غيابه وذلك مع عدم الإخلال بالمسئولية التأديبية". هذا وقد عددت المادة 80 من ذات القانون الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العامل ومن بينها تأجيل موعد استحقاق العلاوة أو الحرمان من نصفها، وتأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة لا تزيد على سنتين
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق وأن قضت بأن البين من سياق النصوص المشار إليها أن المشرع لم يربط بين استحقاق العلاوة والترقية وبين مباشرة العمل فعلاً ومن ثم فلا يجوز الاجتهاد في استحداث شرط أداء العمل فعلاً لاستحقاق العلاوة أو الترقية عند استيفاء شروط استحقاق أي منهما، طالما خلت النصوص من مثل هذا الشرط، إذ يمثل قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، دستور الوظيفة العامة الذي يحكم علاقة الموظف بالدولة، ولا يتأتى سلب حق من حقوقه أو إسقاطه أو إلزامه بواجب إلا على مقتضى نصوصه الصريحة وعلى هذا يضحى القول بعدم حساب مدة انقطاع العامل ضمن المدة المتطلبة للترقية واستحقاق العلاوة، هو حرمان منهما في غير الأحوال المحددة قانوناً، بل هو بمثابة الجزاء التأديبي في غير موضعه وممن لا يملك توقيعه والأصل فيما تقدم كله أنه طالما أن العلاقة الوظيفية ما زالت قائمة فلا مفر ولا محيص من ترتيب آثارها وإعمال مقتضاها فلا تنتزع مدد منها أو يتهاوى الحق فيها إلا أن يقضي بذلك نص صريح في القانون، ومن حيث إن الثابت بالأوراق أن الطاعنة انقطعت عن عملها المدة من 1/ 9/ 1977 حتى 3/ 10/ 1981 دون أن يتم إنذارها كتابة على الوجه المحدد قانوناً أو تتخذ ضدها الإجراءات التأديبية خلال الشهر التالي لانقطاعها ومن ثم فلا مجال لإعمال قرينة الاستقالة الحكمية المنصوص عليها بالمادة 98 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة في حقها واعتبار خدمتها منتهية قانوناً بناء عليها، إنما تظل رابطة التوظف قائمة بين الطاعنة وجهة عملها منتجة لآثارها على الوجه الذي حدده القانون وأبانته نصوصه، حسبما سلف بيانه ومقتضاها ولازمها حساب مدة انقطاعها ضمن مدة خدمتها ومنحها العلاوات الدورية المستحقة عنها قانوناً، والاعتداد بها في الترقية دون استحقاق المرتب أو أي من توابعه الأخرى بحسبان أنها لم تؤد عملاً خلال تلك المدة يتوافر معه سند هذا الاستحقاق وإذ ذهب الحكم الطعين إلى خلافه فإنه يكون خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبأحقية المدعية في حساب المدة من 1/ 9/ 1977 حتى 3/ 10/ 1981 ضمن مدة خدمتها، على ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً بالنسبة إلى محافظ أسوان وفي الموضوع بأحقية المدعية في حساب المدة من أول سبتمبر سنة 77 حتى 3 من أكتوبر سنة 1981 ضمن مدة خدمتها وما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.