أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 26 - صـ 1470

جلسة 25 من نوفمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم السعيد ذكرى، وعثمان حسين عبد الله، ومحمود عثمان درويش، وزكي الصاوي صالح.

(277)
الطعن رقم 601 لسنة 49 القضائية

(1) إثبات "طرق الإثبات". تزوير.
اصطناع عقد بيع أسفل عقد إيجار مطبوع فوق التوقيع الصحيح. واقعة تزوير يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات.
(2) خبرة. محكمة الموضوع.
تعيين خبير في الدعوى. من الرخص المخولة لقاضي الموضوع. له رفض إجابة هذا الطلب متى كان الرفض قائماً على أسباب مبررة له.
(3) حكم "تسبيب الحكم". تزوير.
إغفال الحكم الرد على مستندات المطعون عليه بالتزوير. لا يبطل الحكم طالما أن المحكمة بينت الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها.
(4) إثبات "طرق الإثبات". محكمة الموضوع. نقض "السبب المتعلق بالواقع".
استقلال محكمة الموضوع بتقدير أقوال الشهود. الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - متى كان الثابت أن الواقعة كما حصلها الحكم المطعون فيه هي أن المطعون عليهما وقعا على عقد إيجار مطبوع وتركا بياناته على بياض ثم سلماه إلى الطاعن وهو شقيقهما ليتولى تأجير حصتهما في شونة إلى الغير، غير أن الطاعن ملأ الفراغ أسفل عقد الإيجار بعقدين يتضمنان أن المطعون عليهما باعا إليه نصيبهما في الشونة المذكورة، فإن التكييف الصحيح للواقعة على هذه الصورة هو إنها تزوير لا خيانة أمانة إذ أن إنشاء العقدين المزورين اللذين كتبا أسفل عقد الإيجار المتفق عليه وفوق توقيع المطعون عليهما كمؤجرين، إنما هو تغيير للحقيقة بالاصطناع، وإذ كيف الحكم المطعون فيه الواقعة أنها تزوير وأجاز بالتالي إثباتها بكل الطرق، وأقام قضاءه على أسباب مستقلة عن أسباب محكمة أول درجة فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون والتناقض - بتأييده الحكم الابتدائي - يكون في غير محله.
2 - تعيين الخبير في الدعوى من الرخص المخولة لقاضي الموضوع، فله وحده تقدير لزوم أو عدم لزوم هذا الإجراء ولا معقب عليه في ذلك متى كان رفضه إجابة طلب تعيين الخبير قائماً على أسباب مبررة له، ولما كانت الأدلة والقرائن - التي أقام عليها الحكم المطعون فيه قضاءه بتزوير العقدين - تكفي لحمله وتسوغ رفض طلب الطاعن تعيين خبير، فإن النعي يكون على غير أساس.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتزوير عقدي البيع المطعون فيهما على أسباب سائغة تكفي لحمله، فإنه لا يبطل الحكم سكوته عن الرد على المستندات التي تمسك بها الخصم في تأييد دعواه طالما أن المحكمة قد بينت الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها.
4 - تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها هو مما تستقل به محكمة الموضوع ولا سلطان لأحد عليها في ذلك إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى غير ما يؤدي إليه مدلولها. ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أقوال شهود المطعون عليهما وأخذت بها مضافاً إليها ما ساقته من قرائن، فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن عن نفسه وبصفته ولياً على ابنته القاصرة... أقام الدعوى رقم 1237 سنة 1967 مدني الإسكندرية الابتدائية ضد المطعون عليهما وآخرين هما..... و..... طلب فيها الحكم بصحة ونفاذ العقود الصادرة منهم وتتضمن بيعهم له حصة مقدارها 9 ط و13 و1/ 11 س بالمشاع في كامل أرض وبناء العقار رقم 233 بشارع المكس بقسم مينا البصل منها 1 ط و21 و1/ 11 س نصيب المطعون عليها الأولى و3 ط و19 و7/ 11 س نصيب المطعون عليه الثاني والباقي نصيب المدعى عليهما الآخرين لقاء ثمن إجمالي قدره 900 ج دفع إلى البائعين. ادعى المطعون عليهما الأول والثاني بتزوير عقدي البيع المؤرخين 28/ 1/ 1961 المنسوب صدورهما إليهما. وبتاريخ 5/ 2/ 1968 حكمت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 10/ 7/ 1966 الصادر إلى الطاعن من..... و..... وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهما أنهما لم يتعاقدا مع الطاعن على بيع الحصة المملوكة لهما في العقار المبين بالعقدين وأن توقيعهما كان على عقد إيجار وتم ملء الفراغ فوق التوقيعين بعبارات البيع الذي لم يحصل التعاقد عليه. وبعد سماع شهود المطعون عليهما، حكمت المحكمة بتاريخ 24/ 12/ 1968 برد وبطلان عقدي البيع المؤرخين في 28/ 1/ 1961 المدعى بتزويرهما وحددت جلسة لنظر الموضوع ثم حكمت بتاريخ 25/ 2/ 1969 برفض الدعوى بالنسبة لهذين العقدين. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 373 سنة 25 ق مدني الإسكندرية، وبتاريخ 19/ 5/ 1970 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها والشق الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والتناقض، وفى بيان ذلك يقول إن دفاع المطعون عليهما جرى على أنهما وقعا على الورقة المدعى بتزويرها على بياض لكي يحرر فوق توقيعهما عقد إيجار ولكن الطاعن حرر بدلاً منه عقدي بيع، وتمسك الطاعن بأن هذه الصورة على فرض صحتها هي من صور خيانة الأمانة لا يقبل دليل عليها إلا الدليل الكتابي ولا تعتبر تزويراً لأن الورقة المطعون فيها ليست عقد إيجار إذ هي صورة مطبوعة لعقد إيجار لا تتضمن أية بيانات مكتوبة وحرر في الفراغ الموجود أسفلها عقدا البيع الصادران إليه من المطعون عليهما وهما شقيقاه لعدم وجود ورق أبيض لكتابة العقدين، غير أن محكمة أول درجة ذهبت في حكمها الصادر بتاريخ 5/ 2/ 1968 إلى أن المطعون عليهما وقعا على صورة عقد إيجار مطبوع فيكون الطاعن قد أحدث تزويراً مادياً بالإضافة والتحشير ثم عادت في حكمها الصادر بتاريخ 24/ 12/ 1968 وصورت الواقعة على أنها خيانة أمانة إلا أنها لم تتطلب الدليل الكتابي إذا كان هناك غش وانتهت إلى الحكم برد وبطلان عقدي البيع المؤرخين 28/ 1/ 1961، وإذ أيد الحكم المطعون فيه هذا القضاء فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والتناقض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الثابت أن الواقعة كما حصلها الحكم المطعون فيه أن المطعون عليهما وقعا على عقد إيجار مطبوع وتركا بياناته على بياض ثم سلماه إلى الطاعن وهو شقيقهما ليتولى تأجير حصتهما في شونة إلى الغير، غير أن الطاعن ملأ الفراغ أسفل عقد الإيجار بعقدين يتضمنان أن المطعون عليهما باعا إليه نصيبهما في الشونة المذكورة، ولما كان التكييف الصحيح للواقعة على هذه الصورة هو أنها تزوير لا خيانة أمانة إذ أن إنشاء العقدين المزورين اللذين كتبا أسفل عقد الإيجار المتفق عليه وفوق توقيع المطعون عليهما كمؤجرين إنما هو تغيير للحقيقة بالاصطناع، وإذ كيف الحكم المطعون فيه الواقعة بأنها تزوير وأجاز بالتالي إثباتها بكل الطرق، وأقام قضاءه على أسباب مستقلة عن أسباب محكمة أول درجة فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون والتناقض يكون في غير محله.
وحيث إن حاصل النعي بالشق الأول من السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب، ذلك أن الطاعن تمسك أمام محكمة الاستئناف بضرورة الالتجاء إلى الخبرة الفنية لإثبات أن التوقيع لم يكن على بياض وأن المطعون عليها الأولى بصمت بختمها فوق الكتابة بالحبر، غير أن المحكمة قررت في حكمها أنها تستبين بالعين المجردة أن كتابة عقد البيع المنسوب للمطعون عليها الأولى جاءت فوق بصمة ختمها مع أن هذا الأمر لا يتبينه إلا خبير فني، وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن تعيين الخبير في الدعوى من الرخص المخولة لقاضي الموضوع فله وحده تقدير لزوم أو عدم لزوم هذا الإجراء ولا معقب عليه في ذلك متى كان رفضه إجابة طلب تعيين الخبير قائماً على أسباب مبررة له، ولما كانت محكمة الموضوع حسبما ورد بالحكم المطعون فيه قد تبينت بالعين المجردة أن كتابة عقد البيع المنسوب للمطعون عليها الأولى جاءت فوق بصمة ختمها ولاحقة لها ومختلطة بها، إذ جاءت كلمتا "التصرف فيها" فوق الطرف العلوي لبصمة ختم المطعون عليها الأولى كما أن محرر هذا العقد لم يجد مكاناً لكتابة تاريخ 28/ 1/ 1961بالكامل فحرر 28/ 1 دون السنة وهو التاريخ الثابت بالعقد المنسوب للمطعون عليه الثاني، وقد تأيد ذلك بأقوال شهود المطعون عليهما، هذا إلى أنه من غير الطبيعي أن يحرر عقدان ببيع حصتين من عقار على عقد إيجار مطبوع دون ورقة بيضاء وإن كل هذا يقطع في أن عقدي البيع المطعون عليهما مزوران، ولما كانت هذه الأدلة والقرائن تكفي لحمل الحكم وتسوغ رفض طلب الطاعن تعيين خبير، فإن النعي بالشق الأول من السبب الثاني يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى النعي بالسبب الثالث أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب، ذلك أن الطاعن قدم للمحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف مستندات للتدليل على صحة عقدي البيع الصادرين إليه وهى إيصالات من المطعون عليه الثاني بقبض مبلغ 25 جنيهاً من ثمن الصفقة وعقد بيع مبرم بتاريخ 28/ 2/ 1954 بين المطعون عليهما ووكيل الطاعن عن ذات الصفقة وصورة حكم في الدعوى رقم 3465 سنة 1962 مستعجل الإسكندرية بتاريخ 31/ 7/ 1972 رفعها الطاعن بطرد مستأجر العين موضوع النزاع لعدم دفع الأجرة مما يدل على أن العين المذكورة كانت مؤجرة ويستبعد معه أن يحصل الطاعن من المطعون عليهما على عقد إيجار عن عين مؤجرة فعلاً، وكتاب مؤرخ 7/ 8/ 1966 بإلغاء توكيل صدر من الطاعن إلى...... شاهد المطعون عليهما الذي قرر في التحقيق أن التوكيل ألغي في سنة 1960 وخطاب مرسل من وكيل المطعون عليه الثاني بتاريخ 12/ 7/ 1967 إلى الطاعن يطالبه بريع حصته في العقار موضوع النزاع ابتداءً من 1/ 1/ 1963 حتى شهر يوليو سنة 1967 ولو كان البيع غير صحيح لما توانى المطعون عليه الثاني عن المطالبة بحقه في الريع طوال هذه السنوات، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن الرد على هذه المستندات فإنه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف بيانه في الرد على السببين الأول والثاني قد أقام قضاءه بتزوير عقدي البيع المطعون فيهما على أسباب سائغة تكفي لحمله، وكان لا يبطل الحكم سكوته عن الرد على المستندات التي تمسك بها الخصم في تأييد دعواه طالما أن المحكمة قد بينت الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها، فإن النعي بهذا السبب يكون في غير محله.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الرابع أن الحكم المطعون فيه شابه فساد في الاستدلال، ذلك أن المطعون عليهما أشهدا...... في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة وشهد بأنه اصطحب الطاعن إلى منزل أخته المطعون عليها الأولى للتوقيع على العقد باعتبار أنه عقد إيجار وأنه كان يقوم بالوساطة بينهما في حين أنه لا مبرر للوساطة بين أخ وأخته، كما أنكر هذا الشاهد أنه سبق أن اشترى بصفته وكيلاً عن الطاعن حصة المطعون عليه الثاني في العقار محل النزاع بتاريخ 28/ 2/ 1954، فقدم الطاعن العقد للمحكمة مما يهدر أقوال الشاهد المذكور، أما الشاهد الثاني...... وهو أخ غير شقيق لطرفي الخصومة فقد اشترى الحصة موضوع النزاع من المطعون عليهما وله مصلحة في رفض دعوى الطاعن، وقد أثبت هذا الشاهد بخطه على عقد إيجار أن حصة الطاعن في العقار 13 ط و8 س و8/ 11 مما يفيد اعترافه بشراء الطاعن للحصة موضوع النزاع فلا يقبل منه بعد ذلك إنكار هذه الحقيقة، هذا إلى أن توقيع المطعون عليهما على عقد الإيجار المطبوع جاء بعيداً عن كلمة المؤجر ولو كان المقصود هو توقيعهما على عقد إيجار لما جاء توقيعهما بهذا الوضع وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها هو مما تستقل به محكمة الموضوع، ولا سلطان لأحد عليها في ذلك، إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى غير ما يؤدي إليه مدلولها، وكانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أقوال شهود المطعون عليهما وأخذت بها مضافاً إليها ما ساقته من قرائن حسبما سلف البيان فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقرير الدليل وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.