مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 129

(17)
جلسة 16 من ديسمبر سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد مجدي محمد خليل، وعويس عبد الوهاب عويس، وعبد المنعم أحمد عبد الرحمن حسين، ومحمود سامي الجوادي - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2303 لسنة 36 القضائية

عاملون مدنيون - علاوات - عدم الربط بين استحقاق العلاوة والترقية وبين مباشرة العمل.
المواد 36، 41، 74، 80 من قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978.
إن المشرع لم يربط بين استحقاق العلاوة والترقية وبين مباشرة العمل فعلاً، ومن ثم فلا يجوز الاجتهاد في استحداث شرط أداء العمل فعلاً لاستحقاق أي منهما متى تحقق مناط هذا الاستحقاق طالما أن النصوص جاءت خلواً من استلزام مثل هذا الشرط - ترتيباً على ذلك فإنه لا مسوغ لسلب حق من حقوق العامل أو إسقاطه أو إلزامه بواجب إلا على مقتضى نص صريح، ويغدو القول بعدم حساب مدة انقطاع العامل ضمن المدة المتطلبة للترقية واستحقاق العلاوة مفضياً إلى الحرمان منها في غير الأحوال المحددة قانوناً بل هو بمثابة جزاء تأديبي في غير موضعه وممن لا يملك توقيعه، الأصل إنه طالما أن العلاقة الوظيفية قائمة لم تنفصم عراها فلا محيص من ترتيب أثارها وإعمال مقتضاها فلا تنتزع مدد منها أو يتهاوى الحق فيها إلا أن يقضي بذلك نص صريح في القانون. تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 23/ 5/ 1990 أودع الأستاذ/..... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2303 لسنة 36 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة التسويات ( أ ) بجلسة 26/ 3/ 1990 في الدعوى رقم 6291 لسنة 41 ق المرفوعة من/.... ضد وزير التعليم ومحافظ القاهرة ومدير عام إدارة مصر القديمة التعليمية بصفتهم، والقاضي بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب التي أبداها بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار السلبي بامتناع إدارة مصر القديمة التعليمية عن حساب مدة انقطاعه عن العمل من 24/ 11/ 1979 حتى عودته في 1/ 2/ 1983 ضمن مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات عن درجتي التقاضي.
وبعد إعلان تقرير الطعن قانوناً أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن رأت فيه الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي في حساب المدة من 24/ 11/ 1979 إلى 1/ 2/ 1983 ضمن مدة خدمته وما يترتب علي ذلك من آثار في استحقاق الترقيات والعلاوات الدورية وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة حيث قررت بجلسة 14/ 2/ 1994 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية وحددت لنظره أمامها جلسة 26/ 3/ 1994، وبهذه الجلسة نظر الطعن وجرى تداوله بالجلسات على الوجه المبين بمحاضرها حتى قررت المحكمة بجلسة 4/ 11/ 1995 إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم فصدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما يستفاد من الأوراق تجمل في أن المدعي/..... أقام الدعوى رقم 6291 لسنة 41 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير التعليم ومحافظ القاهرة ومدير عام إدارة مصر القديمة التعليمية بصفتهم وذلك بعريضة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 13/ 9/ 1987 وطلب في ختامها الحكم بإلغاء القرار السلبي المتمثل في امتناع الإدارة التعليمية المذكورة عن حساب مدة انقطاعه عن العمل من 24/ 11/ 1979 حتى تاريخ عودته في 1/ 2/ 1983 ضمن مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار، وقال شرحاً لدعواه أنه التحق بالعمل بوزارة التربية والتعليم مدرساً للرياضيات بعد حصوله على بكالوريوس العلوم عام 1975 وتسلم عمله في 1/ 12/ 1976 بعد قضاء مدة التجنيد، وفي 24/ 11/ 1979 انقطع عن العمل حتى تاريخ عودته في 1/ 2/ 1983 حيث تم التحقيق معه وأحيل إلى المحاكمة التأديبية في الدعوى رقم 338 لسنة 24 ق وقضت المحكمة بجلسة 1/ 8/ 1983 بمجازاته بخصم شهرين من أجره وأضاف المدعي يقول إنه فوجئ برفض الإدارة التعليمية حساب مدة انقطاعه عن العمل ضمن مدة خدمته رغم موافقة الشئون القانونية على ذلك مما اعتبره المدعي ازدواجاً في توقيع العقوبة عن فعل واحد ومن ثم أقام دعواه ابتغاء الحكم بطلباته المتقدمة البيان.
وفي معرض الدفاع أجابت الجهة الإدارية على الدعوى فذهبت إلى أنها قامت بإسقاط مدة انقطاع المدعي عن العمل من مدة خدمته نزولاً على ما ورد بكتاب دوري الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 35 لسنة 1981 من أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة انتهت إلى أن مدة الانقطاع عن العمل لا تحسب ضمن مدة الخدمة.
وبجلسة 26/ 3/ 1990 أصدرت المحكمة حكمها السالف إيراد منطوقه وأشارت في مدوناته إلى أن صاحب الصفة في الاختصام في الدعوى الماثلة هو محافظ القاهرة دون سواه بحسبانه يمثل المحافظة والأجهزة التابعة لها وفقاً لقانون الإدارة المحلية ومن ثم يكون اختصام المدعى عليهما الأول والثالث اختصاماً لغير ذي صفة ثم عرضت المحكمة لتكييف الطلبات فأفصحت عن أن حقيقتها هي طلب ضم مدة الانقطاع عن العمل ضمن مدة الخدمة وبهذه المثابة تكون الدعوى من قبيل دعاوى التسويات التي لا تتقيد بالمواعيد والإجراءات المقررة في شأن دعوى الإلغاء، وبعد إذ أشارت إلى حكم المادة 98 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 أضافت قولها إن المدعي انقطع عن العمل اعتباراً من 24/ 11/ 1979 حتى 1/ 2/ 1983 ولم يقدم عذراً تقبله الجهة الإدارية خلال المدة التي حددتها المادة المذكورة ومن ثم تعتبر مدة خدمته منتهية بقوة القانون، أما عن تسلمه العمل في 1/ 2/ 1983 فإن ذلك يعتبر إعادة تعيين بعد أن انتهت مدة خدمته دون توقف على صدور قرار بهذا الإنهاء لأن مثل هذا القرار لا يعدو أن يكون تنفيذاً لحكم القانون، ثم ذهبت المحكمة إلى أن المستقر عليه قانوناً أنه لا يترتب للعامل خلال مدة الانقطاع التي لا تحسب أجازة على النحو المقرر بقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة أي حق من الحقوق المستمدة من الوظيفة سواءً كانت ترقية أو علاوة إذ أنه يؤد عملاً ولم يرخص له خلالها بأجازة من أي نوع مما قرره المشرع.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال إذ التفتت المحكمة عن سابقة مجازاة المدعي بخصم شهرين من أجره بحكم المحكمة التأديبية الصادر في الدعوى رقم 338 لسنة 24 ق عن واقعة انقطاعه عن العمل واعتبر الحكم المطعون فيه المدعي منتهية خدمته بالاستقالة الحكمية بالمخالفة لحكم القانون الذي لا يجوز المجازاة عن الفعل مرتين، وكذلك أغفل الحكم نص الفقرة الأخيرة من المادة 98 من نظام العاملين المدنيين بالدولة والقاضي بعدم جواز اعتبار العامل مستقيلاً إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي للانقطاع عن العمل وهو ما حدث فعلاً بالنسبة إلى المدعي الذي أحيل إلى المحكمة التأديبية وقضت بمجازاته على ما سلف البيان.
ومن حيث إن محافظ القاهرة هو وحده صاحب الصفة في الخصومة للأسباب التي قام عليها الحكم المطعون فيه ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول الطعن شكلاً وبالنسبة إلى من عداه لانتفاء الصفة.
ومن حيث إن الطاعن يستهدف بدعواه حسبما قرر بصحيفة الطعن حساب مدة انقطاعه عن العمل من 24/ 11/ 1979 إلى 31/ 1/ 1983 ضمن مدة خدمته وما يترتب على ذلك من آثار أخصها منحه العلاوات المستحقة عنها والاعتداد بها في الترقية.
ومن حيث إنه يتعين الإشارة بادئ ذي بدء إلى أنه طبقاً لقضاء الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 في حكمها الصادر بجلسة 2 من مارس 1986 في الطعن رقم 395 لسنة 27 ق. ع فإن إعمال قرينة الاستقالة الحكمية في حق العامل واعتبار خدمته منتهية قانوناً من تاريخ انقطاعه عن العمل دون صدور قرار بذلك منوط بأن يكون قد تم إنذار العامل كتابة على الوجه المبين قانوناً وبألا تكون الإجراءات التأديبية قد اتخذت ضده خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل، بحيث إذا لم يتم هذا الإنذار الكتابي أو اتخذت الإجراءات التأديبية ضد العامل خلال الشهر التالي لانقطاعه ما جاز اعتبار خدمته منتهية قانوناً من تاريخ انقطاعه ومقتضى ذلك ولازمه هو اعتبار رابطة التوظف قائمة منتجة لأثارها على الوجه الذي حدده القانون وأبانت النصوص أحكامه.
ومن حيث إن من المقرر أن علاقة العامل بالحكومة علاقة تنظيمية مردها إلى القوانين واللوائح ولا مجال في الاستفادة من المزايا الوظيفية المقررة لقياس أو اجتهاد في التفسير إزاء صراحة النصوص.
ومن حيث إن البين من سياق أحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة وعلى الأخص المواد 36، 41، 74، 80 منه إن المشرع لم يربط بين استحقاق العلاوة والترقية وبين مباشرة العمل فعلاً، ومن ثم فلا يجوز الاجتهاد في استحداث شرط أداء العمل فعلاً لاستحقاق أي منهما متى تحقق مناط هذا الاستحقاق طالما أن النصوص جاءت خلواً من استلزام مثل هذا الشرط - ترتيباً على ذلك فإنه لا مساغ لسلب حق من حقوق العامل أو إسقاطه أو إلزامه بواجب إلا على مقتضى نص صريح، ويغدو القول بعدم حساب مدة انقطاع العامل ضمن المدة المتطلبة للترقية واستحقاق العلاوة مفضياً إلى الحرمان منهما في غير الأحوال المحددة قانوناً بل هو بمثابة جزاء تأديبي في غير موضعه وممن لا يملك توقيعه، والأصل إنه طالما أن العلاقة الوظيفية قائمة لم تنفصم عراها فلا محيص من ترتيب آثارها وإعمال مقتضاها فلا تنتزع مدد منها أو يتهاوى الحق فيها إلا أن يقضي بذلك نص صريح في القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن انقطع عن العمل في المدة من 24/ 11/ 1979 حتى 31/ 1/ 1983 دون أن يتم إنذاره كتابة على الوجه المحدد قانوناً وبادرت جهة الإدارة بإحالة أمره إلى تحقيق إداري أجرته الشئون القانونية وسمعت فيه أقوال ناظر المدرسة التي يعمل بها وسكرتير هذه المدرسة وقد أسفر التحقيق عن إحالته إلى النيابة الإدارية التي أحالته بدورها إلى المحاكمة التأديبية حيث جوزي بخصم شهرين من أجره بعد إذ استبان للمحكمة أنه عاد وتسلم عمله في 1/ 2/ 1983 لعد انقطاع بدأ من 24/ 11/ 1979 ومن ثم فلا مجال والحالة هذه لإعمال قرينة الاستقالة الحكمية المنصوص عليها في المادة 98 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة في حقه واعتبار خدمته منتهية قانوناً بناءً عليها بل تظل رابطة التوظف قائمة بينه وبين جهة عمله منتجة لآثارها على الوجه الذي حدده القانون وأبانت عنه نصوصه ومقتضى ذلك ولازمه حساب مدة انقطاعه ضمن مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف ما تقدم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبأحقية المدعي في حساب المدة من 24/ 11/ 1979 إلى 31/ 1/ 1983 ضمن مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي في حساب المدة من 24/ 11/ 1979 حتى 31/ 1/ 1983 ضمن مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.