مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 711

(82)
جلسة 2 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد مجدي محمد خليل، وعويس عبد الوهاب عويس، ومحمود سامي الجوادي، ومحمد عبد الحميد مسعود - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3680 لسنة 33 القضائية

تأمينات اجتماعية - إصابة عمل - تقدير التعويض نسبة إلى العجز.
المادة (20) من القانون رقم (50) لسنة 1963 بشأن التأمين والمعاشات والمادة (3) من القانون رقم 63 لسنة 1964 بشأن التأمينات الاجتماعية.
المشرع منذ قرر حق العامل في التعويض عن إصابات العمل لا يرتب الحق في التعويض على مجرد وقوع الإصابة وإنما يجعله رهيناً بتخلف عجز عنها، وهو يغاير في مقدار التعويض بحسب نسبة العجز وآثاره ومن ثم فإن الواقعة القانونية التي يعتد بها مناطاً لاستحقاق التعويض هي ثبوت العجز المتخلف عن إصابة العمل أما الإصابة ذاتها فلا تعد وأن تكون واقعة مادية لا يرتب المشرع أثراً على حدوثها وإنما يرتب هذا الأثر على تكامل الواقعة المنشئة للالتزام التي يلزم لقيامها عنصري الإصابة والعجز معاً. وعلى ذلك فإن القانون الواجب التطبيق على الحالة محل التداعي هو القانون المعمول به وقت ثبوت العجز المتخلف عن الإصابة ووفقاً لأحكامه يكون تحديد حقوق المدعي قبل الإدارة - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 15/ 8/ 1987 أودع الأستاذ/..... المحامي بصفته وكيلاً عن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين والمعاشات قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3680 لسنة 33 ق. عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة التسويات (ب) بجلسة 24/ 6/ 1987 في الدعوى رقم 177 لسنة 32 ق المرفوعة من...... ضد الطاعن وآخرين، والقاضي بأحقية المدعي في تسوية حقوقه المالية الناشئة عن إصابته إصابة عمل في 18/ 11/ 1964 على أساس أن نسبة العجز الناتج عن هذه الإصابة 65% مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها أحقيته في معاش قيمته 65% من معاش العجز الكامل طبقاً لأحكام القانون رقم 79 لسنة 1975 بشأن التأمين الاجتماعي وذلك اعتباراً من تاريخ إصابته.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه بكامل أجزائه واعتباره كأن لم يكن وإخراج الهيئة العامة للتأمين والمعاشات من الخصومة لقيامها بصفة موضوعية بين المدعي وجهة عمله الأصلية مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وبعد إعلان تقرير الطعن قانوناً أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع مراعاة تعديل تاريخ استحقاق المطعون ضده للمعاش بنسبة 65% من معاش العجز الكامل ليصبح اعتباراً من تاريخ ثبوت العجز وليس من تاريخ وقوع الإصابة مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة فقررت بجلسة 14/ 2/ 1994 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية وحددت لنظره أمامها جلسة 26/ 3/ 1994 حيث نظرته المحكمة وجرى تداوله بالجلسات على الوجه المبين بمحاضرها حتى قررت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم فصدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 177 لسنة 32 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 5/ 11/ 1977 عاقداً الخصومة مع وزير التربية والتعليم ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين والمعاشات بصفتهما ثم اختصم من بعد محافظ الجيزة بصفته، وطلب الحكم بإلزام المدعى عليهم بأن يدفعوا له معاشاً شهرياً بمقدار 65% من معاش العجز الكامل اعتباراً من تاريخ الإصابة مع إلزامهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال شرحاً لدعواه إنه يعمل مدرساً بمدرسة النصر المشتركة بالعجوزة، وفى صباح يوم 18/ 11/ 1964 صدمته السيارة رقم 644328 التابعة للقوات المسلحة وهو في طريقه إلى مقر عمله حيث نقل إلى مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية وتضمنت الشهادة الصادرة عن المستشفى المذكور بتاريخ 20/ 4/ 1968 أنه دخل المستشفى بتاريخ 18/ 11/ 1964 واستمر ثلاثة أسابيع في غيبوبة ثم أجريت له عملية تركيب مسمار نحاس في 30/ 11/ 1964 وقد انتهت العملية فأجريت له عملية تنظيف وبنطلون جبس في 26/ 12/ 1964 وخرج من المستشفى في 7/ 1/ 1965 وتردد على المستشفى نتيجة الالتهاب الذي أصاب العملية حتى أخرج المسمار، وفى 20/ 2/ 1966 أجريت له عملية كحت العظام المسوسة وعملية تنظيف أخرى في 1/ 6/ 1966 واستقرت حالته على أساس تيبس بمفصل الركبة لوجود تلف بعضلات الفخد وعدم القدرة على حركة الركبة نتيجة التيبس المفصلي وضمور بعضلات الفخد لعدم استعمالها نتيجة التيبس، وأضاف المدعي يقول أن قائد السيارة قدم للمحاكمة الجنائية حيث قضى بحبسه ثلاثة أشهر مع الشغل وأصبح الحكم نهائياً لعدم استئنافه، وبعد إذ أشار المدعي إلى بعض أحكام القانون رقم 50 لسنة 1963 بشأن التأمين والمعاشات فيما يختص بإصابة العمل فقد خلص إلى طلب الحكم بطلباته.
وبجلسة 24/ 6/ 1987 أصدرت المحكمة حكمها السالف بيان منطوقه، وأقامت قضاءها بعد استعراض بعض أحكام القانون رقم 50 لسنة 1963 بشأن التأمين والمعاشات والقانون رقم 63 لسنة 1964 بشأن التأمين والمعاشات والقانون رقم 79 لسنة 1975 بإصدار قانون التأمين الاجتماعي - على أن المشرع حدد قيمة معاش العجز المستحق نتيجة لإصابة العمل على أساس ما يتحقق من عجز مستقر للعامل سواء بفقد جزء من جسمه بالبتر الجراحي أو غيره نتيجة لحادث أو بفقد هذا لجزء لوظيفته وقدرته على أداء عمله، وفى حالة التحقق مادياً بواسطة الجهة الطبية المختصة من ذلك وثبوته فإن المركز القانون للمصاب يتحدد وفقاً للجدول وطبقاً لنصوص القانون الذي يستمد الحق منه مباشرة في قيمة الحقوق المالية التي يستحقها وقيمة المعاش الذي يستحقه عن الإصابة، وأشارت المحكمة إلى تقاعس الجهة الإدارية ونكولها عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد نسبة العجز الناشئ عن استقرار حالة المدعي رغم تكرار تأجيل الدعوى لهذا السبب غير مرة وذلك دون مبرر سوى استهداف تعطيل الفصل فيها والحيلولة دون حصول المدعي على ما يستحقه من حقوق مالية مما قدرت معه المحكمة استهداء بالجدول رقم 2 المرافق لقانون التأمين الاجتماعي أن تتصدى بذاتها لتحديد نسبة العجز في الحالة المعروضة مقدرة إياه بـ 65% وما يترتب على ذلك من استحقاقه معاش الإصابة بنسبة 65% من معاش العجز الكامل وذلك اعتباراً من تاريخ وقوع الإصابة بصرف النظر عن تاريخ ثبوتها الذي لا يعدو أن يكون كاشفاً عن العجز بعد استقراره.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ذلك أن المطعون ضده استقرت حالته في 1/ 6/ 1966 وأقام دعواه في 5/ 11/ 1977 بعد المواعيد القانونية المقررة بالقانون رقم 50 لسنة 1963، هذا إلى أن الهيئة الطاعنة لا تختص بإحالة المذكور إلى الجهة الطبية المختصة بتقدير نسبة العجز وإنما يقع هذا الالتزام على جهة عمله، طبقاً للمادة 20 من القانون رقم 50 لسنة 1963 والمادة 3 من القانون رقم 63 لسنة 1964 اللذين وقعت الإصابة في ظلهما وهما القانونان واجبا التطبيق وليس القانون رقم 79 لسنة 1975 على ما ذهب الحكم المطعون فيه، يضاف إلى ذلك إن المستقر عليه أن معاش الإصابة يستحق من تاريخ ثبوت العجز وليس من تاريخ الإصابة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق في الدعوى مثار الطعن الماثل فإن المشرع منذ قرر حق العامل في التعويض عن إصابات العمل لا يرتب الحق في التعويض على مجرد وقوع الإصابة وإنما يجعله رهيناً بتخلف عجز عنها، وهو يغاير في مقدار التعويض بحسب نسبة العجز وآثاره، ومن ثم فإن الواقعة القانونية التي يعتد بها مناطاً لاستحقاق التعويض هي ثبوت العجز المتخلف عن إصابة العمل أما الإصابة ذاتها فلا تعدو أن تكون واقعة مادية لا يرتب المشرع أثراً على حدوثها وإنما يرتب هذا الأثر على تكامل الواقعة المنشئة للالتزام التي يلزم لقيامها توافر عنصري الإصابة والعجز معاً، وعلى ذلك فإن القانون الواجب التطبيق على الحالة محل التداعي هو القانون المعمول به وقت ثبوت العجز المتخلف عن الإصابة ووفقاً لأحكامه يكون تحديد حقوق المدعي قبل الإدارة.
ومن حيث إن البين من الأوراق إنه ولئن كانت الإصابة التي لحقت بالمطعون ضده وقعت بتاريخ 18/ 11/ 1964 إبان توجهه صباح ذلك اليوم إلى مقر عمله إلا أن الثابت كذلك أنه أجريت له عدة عمليات جراحية ظل يتردد على المستشفى للعلاج حتى استقرت حالته وثبت العجز الناشئ عن الإصابة بتاريخ 12/ 10/ 1977 على ما يبين من قرار اللجنة الطبية بالهيئة العامة للتأمين الصحي المودعة صورته بالأوراق وهو ما تسلم به الهيئة الطاعنة في مذكرة دفاعها المقدمة أمام هذه المحكمة بجلسة 17/ 12/ 1994، ترتيباً على ذلك فلا شبهة في أن قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 معدلاً بالقانون رقم 25 لسنة 1977 يكون هو الواجب التطبيق بحسبانه القانون الذي ثبت العجز في ظله.
ومن حيث إن المادة 5/ هـ من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه عرضت لبيان المقصود بإصابة العمل في تطبيق أحكامه واعتبرت "في حكم ذلك كل حادث يقع للمؤمن عليه خلال ذهابه لمباشرة عمله أو عودته منه بشرط أن يكون الذهاب أو الإياب دون توقف أو تخلف أو انحراف عن الطريق الطبيعي" وإذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده داهمته سيارة في حوالي الساعة السابعة والنصف صباح يوم 18/ 11/ 1964 بمنطقة العجوزة على مقربة من مدرسة النصر المشتركة حيث يعمل خلال فترة الذهاب إلى مقر عمله فمن ثم تكون الإصابة التي حاقت به بغير جدال إصابة عمل وهو ما لم تنازع فيه الجهة الإدارية ذاتها ويغدو تبعاً لذلك محقاً في اقتضاء المعاش أو التعويض عن العجز الناشئ عنها وفقاً للمادتين 52، 53 من القانون ذاته.
ومن حيث إن البين من الأوراق أن الجهة الإدارية تقاعست في أداء واجبها حيال المدعي ونكلت عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحالته إلى السلطة الطبية المختصة لتحديد نسبة العجز الذي أسفرت عنه إصابة المذكور رغم تأجيل نظر الدعوى لهذا السبب غير مرة أمام محكمة القضاء الإداري على ما ورد بمدونات حكمها المطعون فيه، وهو مسلك ما كان لها أن تتردى فيه لما يفترض فيها من إنها الخصم الشريف الحريص على إعطاء كل ذي حق حقه، مما حدا بالمحكمة إلى التصدي بذاتها إلى مسألة فنية ناطها القانون بالهيئة العامة للتأمين الصحي فقدرت نسبة العجز استهداء بالجدول رقم 2 المرافق لقانون التأمين الاجتماعي سابق الذكر على تقدير أن اعتبارات العدالة والحيلولة دون إنكارها تبيح لها هذا التصدي بيد أن نبل الغاية وشرف المقصد لا يستوي سنداً أو ينهض مبرراً للخروج على قواعد الاختصاص سيما وقد تعلق الأمر بمسألة طبية فنية لا محيص معها من اللجوء إلى أهل الخبرة إما بالإحالة بقرار من المحكمة إلى الجهة الطبية المختصة أو بندب خبير متخصص يقدم تقريراً فنياً فيما تندبه المحكمة لإجرائه ومن ثم تكون هي الخبير الأعلى، أما وقد تصدت لتقدير نسبة العجز فإن حكمها يكون معيباً فيما تضمنه من ذلك.
ومن حيث إنه متى كان ذلك فقد تعين القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه باعتبار إصابة المدعي إصابة عمل مع إلزام الهيئة الطاعنة بإحالة المطعون ضده إلى الهيئة العامة للتأمين الصحي لتحديد نسبة العجز الناشئ عن الإصابة توطئة لتسوية مستحقاته المالية معاشاً كانت أو تعويضاً على أساس من هذا التحديد.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون باعتبار إصابة المدعي إصابة عمل على الوجه المبين بالأسباب.