أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 12 - صـ 557

جلسة 22 من يونيه سنة 1961

برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، وأحمد زكي محمد، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.

(85)
الطعن رقم 569 لسنة 25 القضائية

نقل بحري. مسئولية الناقل. "تحديد المسئولية". "معاهدة سندات الشحن" [(1)].
يدخل في نطاق التحديد القانوني لمسئولية الناقل البحري وفقاً لمعاهدة بروكسل كل ما يقع من هلاك أو تلف نتيجة لخطأ غير عمدي أياً كانت درجته. لا يمتد نطاق هذا التحديد إلى ما يكون ناشئاً عن غش الناقل شخصياً. تحديد المسئولية في سند الشحن على وجه للتحديد القانوني. عدم التعويل على التحديد القانوني والاتفاقي للمسئولية مخالفة للقانون.
تقضي الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن (الصادر بها المرسوم بقانون المؤرخ 31/ 1/ 1944) بأنه "لا يلزم الناقل أو السفينة - في أي حال من الأحوال - بسبب الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع أو ما يتعلق بها بمبلغ يزيد على مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة أو ما يعادل هذه القيمة..." ومؤدى ذلك أنه يدخل في نطاق التحديد القانوني للمسئولية المقرر بهذا النص كل ما يقع من هلاك أو تلف نتيجة خطأ غير عمدي أياً كانت درجته. ولا يخرج عن هذا النطاق إلا ما يكون ناشئاً عن غش الناقل شخصياً إذ أن هذه الصورة هي التي يفترض أن الشارع قد استبعدها من هذا المجال. وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يعول في قضائه - على هذا التحديد القانوني لمسئولية الطاعنة وعلى ما جاء في سند الشحن من تحديد اتفاقي للمسئولية على وجه مماثل لذلك التحديد القانون فإنه يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن شركة التأمين الأهلية المصرية أقامت الدعوى رقم 34 لسنة 1952 تجاري كلي بور سعيد ضد كل من شركة توماس أندجنو بروكلينك ليمتد ومحل د. ستيدلن وأولاده بصفته الشخصية وبصفته وكيلاً عن المدعى عليها الأولى بطلب إلزامهما بأن تدفعا لهما متضامنين مبلغ 451 جنيهاً و440 مليماً - والفوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية للسداد مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المؤقت بلا كفالة، وقالت شرحاً لدعواها إن ما ملس كالباجيان استورد رسالة أقمشة من الصوف شحنت في صندوق من الخشب على الباخرة "محسود" التابعة للمدعى عليها الأولى وعند وصول الباخرة إلى ميناء بور سعيد تبين خلو الصندوق من الأقمشة، وإذ دفعت المدعية ثمن البضاعة للمستورد وقدره 451 جنيهاً و440 مليماً وحلت محله في كافة حقوقه، فقد طلبت الحكم بإلزامهما متضامنين بهذا المبلغ - وبتاريخ 14/ 4/ 1953 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) ببطلان الشرط الذي تضمنه البند الثاني عشر من سند الشحن المؤرخ 28/ 5/ 1951 الخاص بتحديد مسئولية الشركة المدعى عليها الأولى (ثانياً) بإلزام المدعى عليها الأولى بأن تدفع للمدعية مبلغ 362 جنيهاً و400 مليم والمصروفات المناسبة وخمسمائة قرش أتعاب المحاماة - استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة طالبة إلغاءه والحكم بصحة شرط تحديد المسئولية بما لا يزيد عن مبلغ مائة جنيه إسترليني أو ما يعادل 97 جنيهاً و500 مليم ورفض الدعوى فيما زاد على هذا المبلغ من إلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. كما استأنفته المطعون عليها - استئنافاً فرعياً - طالبة تعديله والحكم لها بمبلغ 451 جنيهاً و440 مليماً والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية. وبتاريخ 22/ 6/ 1955 حكمت المحكمة حضورياً (1) بقبول الاستئنافين شكلاً (2) وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من بطلان الشرط الذي تضمنه البند الثاني عشر من سند الشحن المؤرخ 28/ 5/ 1951 (3) بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض إلى جعله مبلغ 400 جنيه مصري (4) ورفض ما عدا ذلك من الطلبات مع إلزام المستأنفة بالمصاريف المناسبة عن الدرجتين وبمبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة عنهما - وقد طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى دائرة المواد المدنية والتجارية حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض الحكم ولم تحضر المطعون عليها ولم تقدم دفاعاً وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت قبول الطعن.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه وقد قضى بعدم إعمال شرط تحديد مسئوليتها بما لا يزيد عن مائة جنيه إسترليني استناداً إلى أن فقد محتويات الصندوق كان نتيجة خطأ جسيم يكون قد أهدر أحكام الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة بروكسل المبرمة في 25 أغسطس سنة 1924 بشأن توحيد بعض قواعد سندات الشحن وهي القانون الواجب التطبيق وتتضمن تحديداً قانونياً لمسئولية الناقل البحري في جميع أحوال هلاك البضاعة أو تلفها بمبلغ مائة جنيه إسترليني أو بما ما يعادل هذه القيمة من العملات الأخرى عن كل طرد أو وحدة ما لم يبين الشاحن جنسها وقيمتها في سند الشحن ومن الخطأ في القانون استثناء حالة الخطأ الجسيم من نطاق هذا التحديد.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه وقد انضمت مصر إلى معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن بمقتضى القانون رقم 18 لسنة 1940 وصدر بها مرسوم في 31 يناير سنة 1944 نص في المادة الأولى منه على أنه يعمل بها ابتداءً من 29 مايو سنة 1944 فإن ما تضمنته هذه المعاهدة من أحكام خاصة بالتحديد القانوني لمسئولية النقال البحري تكون هي القانون الواجب التطبيق على واقعة الدعوى بصرف النظر عما هو مقرر في القانون من أحكام مغايرة، ومتى كان ذلك، وكانت الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من المعاهدة قد نصت على أنه "لا يلزم الناقل أو السفينة في أي حال من الأحوال بسبب الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع أو ما يتعلق بها بمبلغ يزيد على مائة جنيه انجليزي عن كل طرد أو وحدة أو على ما يعادل هذه القيمة بنقد عملة أخرى ما لم يكن الشاحن قد بين جنس البضاعة وقيمتها قبل الشحن وكان هذا البيان قد دون في سند الشحن" وجرى قضاء هذه المحكمة على أنه يدخل في نطاق التحديد القانوني للمسئولية المقرر بهذه الفقرة كل ما يقع من هلاك أو تلف نتيجة خطأ غير عمدي أياً كانت درجة هذا الخطأ ولا يخرج عن هذا النطاق إلا ما يكون ناشئاً عن غش الناقل شخصياً إذ أن هذه الصورة هي التي يفترض أن الشارع قد استبعدها من هذا المجال، وكان سند الشحن قد تضمن حكماً مماثلاً هو ما نص عليه في البند الثاني عشر من أنه "لا يسأل أصحاب السفينة عن أي فقد أو عجز أو تلف أياً كان سببه فيما يزيد عن مبلغ مائة جنيه إسترليني عن الطرد الواحد" - فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى للمطعون عليها بالتعويض كاملاً ولم يعول على هذا التحديد القانونين والاتفاقي لمسئولية الطاعنة يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي الأسباب.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم وطبقاً للفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة سندات الشحن ولأن سند الشحن لم تدون فيه قيمة البضاعة المشحونة فإن التعويض المستحق عن فقدها يجب أن لا يتعدى مبلغ مائة جنيه إسترليني تساوي بالجنيهات المصرية مبلغ 97 ج و500 م وهو ما يتعين القضاء به للشركة المطعون عليها وتعديل الحكم المستأنف على هذا الأساس.


[(1)] يراجع نقض 11 من فبراير سنة 1961 في الطعن رقم 95 لسنة 25 ق (مجموعة المكتب الفني السنة الحادية عشرة رقم 20).