مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1987 - أخر فبراير سنة 1988) - صـ 679

(105)
جلسة 23 من يناير سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي وجودة محمد أبو زيد وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد المنعم رفاعي عمارة المستشارين.

الطعن رقم 3565 لسنة 29 القضائية

عقد إداري - تنفيذه - شرط الذهب - بطلانه.
وضع المشرع قاعدة تقضي ببطلان شرط الوفاء بالذهب وقرائنه وبدائله في المعاملات الداخلية والخارجية على حد سواء.
متى كان شرط الوفاء بالذهب ممنوعاً فإنه يكون باطلاً كل شرط أياً كانت صورته يمليه اعتبار يرجع إلى عدم الثقة في العملة الوطنية - مثال ذلك: شرط الدفع بعملة أجنبية.
لا يجوز إعمال هذا الشرط إلا بناء على نصوص قانونية كما هو الحال في القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 29/ 8/ 1983 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن محافظ الإسكندرية بصفته تقريراً بالطعن في الحكم المشار إليه والقاضي بإلزام محافظة الإسكندرية بأن تؤدي للمدعي بصفته مبلغاً قدره 116250 دولاراً أمريكياً والمصروفات وبوقف الفصل في طلب الفوائد القانونية لحين الفصل في الدعوى رقم 20 لسنة 1 دستورية، وطلبت الجهة الطاعنة الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات عن درجتي التقاضي، وقد أعلن الطعن قانوناً. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الجهة الطاعنة بالمصروفات. وقد عرض هذا الطعن على دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى" بجلسة 16/ 2/ 1987 وتداول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 1/ 6/ 1987 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" وحددت لنظره جلسة 20/ 6/ 1987، وفيها نظرت المحكمة الطعن وتداول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وقررت بجلسة 12/ 12/ 1987 إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما تخلص من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي بصفته أقام الدعوى رقم 795 لسنة 37 قضائية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري طالباً إلزام المدعى عليهم على وجه التضامن بدفع مبلغ قدره 116250 دولاراً أمريكياً وفوائده بواقع 21.1048% من تاريخ تسلم الهراسات الحاصل في 25/ 8/ 1981 لحين السداد والمصروفات. وقال في شرح دعواه أنه في 25/ 3/ 1981 أعلنت محافظة الإسكندرية عن مناقصة عامة لتوريد ثلاثة هراسات لرصف وترميم الطرق. واشترطت المناقصة أن تقدم العطاءات والأسعار بالنقد الحر وليس بالنقد المحلي، وأن يتم الدفع بالنقد الحر في مصر وليس في الخارج. وتقدم بعطائه في هذه المناقصة بمبلغ قدره 116250 دولاراً. وبتاريخ 7/ 6/ 1981 أخطرت محافظة الإسكندرية الشركة التي يمثلها المدعي بقبول عطائها وتم تحرير عقد توريد بين المحافظة وشركة أوراسكوم التي يمثلها المدعي، وأودعت الشركة الموردة التأمين النهائي بموجب خطاب ضمان نهائي يمثل 10% من قيمة العقد بالدولارات. وتم توريد الهراسات المتعاقد عليها وتسلمتها المحافظ في 25/ 8/ 1981. وأرسلت محافظة الإسكندرية بتاريخ 5/ 10/ 1981 كتابها إلى نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي أوضحت فيه أن الموازنة الاستثمارية لمحافظة الإسكندرية "الديوان العام" للسنة المالية 80/ 1981 قد تضمنت اعتماداً حراً قدره مائة ألف دولار، وطلبت المحافظة من البنك سداد مستحقات المورد بالدولار الأمريكي تنفيذاً للموازنة التي تم التعاقد على أساسها وفي حدودها. ولكن لم يتم سداد ثمن الهراسات بالنقد الحر حسب شروط العطاء، وطلب المدعي إلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا للشركة التي يمثلها مبلغاً قدره 116250 دولاراً وفوائده بواقع 21.1048% من تاريخ استلام الهراسات الحاصل في 25/ 8/ 1981 حتى السداد، مع إلزامهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وردت هيئة قضايا الدولة على هذه الدعوى بصفتها نائبة عن محافظ الإسكندرية بصفته، ونائب رئيس مجلس الوزراء للاقتصاد بصفته، وطلبت رفض الدعوى وإلزام المدعي بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبياناً لذلك قالت أن محافظة الإسكندرية عرضت على المدعي الشيك رقم 569332 المؤرخ 11/ 5/ 1982 بمبلغ قدره 79383.450 جنيه باسمه وهو المبلغ المستحق له والمعادل لثمن الهراسات التي تم توريدها بعد استقطاع الضرائب المستحقة عليه. إلا أنه رفض قبول الوفاء بالعملة المحلية وطلب السداد بالعملة الأجنبية، وذلك دون سند، إذ أن الشركة المدعية قامت بتعديل شروطها التي تقدمت بها للتوريد بعد أن وجدت منافسة من الشركات الأخرى، ووافقت على أن يكون السداد بالعملة المحلية. وهذا إقرار من الشركة المدعية بالواقع، لأنه لا يجوز السداد من جانب الدولة إلى شركة مصرية إلا بالعملة الوطنية حتى ولو تضمن العقد خلاف ذلك، حرصاً على صون الثقة في العملة الوطنية، وحماية لها. كما أنه إذا كان محل الالتزام نقوداً تعين أن يكون الوفاء عيناً بالنقد الرسمي بالسعر الذي تفرضه الدولة. كما طلب بنك الاستثمار القومي رفض الدعوى بالنسبة له مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وذلك استناداً إلى أنه ليس طرفاً في العلاقة بين محافظة الإسكندرية والمدعي. وبجلسة 2/ 7/ 1983 قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في مواجهة المدعى عليه الأول رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي بصفته بإلزام محافظة الإسكندرية بأن تؤدي للمدعي بصفته مبلغاً قدره 116250 دولاراً أمريكياً والمصروفات وبوقف الفصل في طلب الفوائد القانونية لحين الفصل في الدعوى رقم 20 لسنة 1 دستورية. وقد شيدت المحكمة قضاءها على أنه تم الاتفاق بين المحافظة المدعى عليها والشركة المدعية على تحديد ثمن الهراسات المتعاقد عليها بمبلغ قدره 116250 دولاراً أمريكياً، وتم تعيين هذا السعر بصفة نهائية، وأصبح ملزماً للطرفين ولا يجوز لأي منهما التحلل من التزاماته المتبادلة. وما دام المورد قد قام بالتوريد طبقاً لشروط العقد فيتعين إلزام المحافظة بأن تؤدي له المقابل بالمبلغ المتفق عليه وهو 116250 دولاراً أمريكياً.
ومن حيث إن الطعن المقام من هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن محافظة الإسكندرية يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ أن من المتفق عليه أنه إذا كان محل الالتزام نقوداً، يتعين أن يكون الوفاء به عيناً، أي بالنقود الرسمية بالسعر الذي فرضته الدولة. وأنه ليس من الضروري أن يؤدي المدين النقود من النوع المنصوص عليه في العقد بل للمدين أن يؤدي دينه بأي نقد رسمي ذي سعر قانوني بما يساوي القدر المتفق عليه. والجنيه المصري طبقاً لقوانين النقود وسيلة في التعامل، والدفع به مبرئ لذمة المدين وملزم للدائن. وقد قامت المحافظة بعرض ثمن الهراسات الموردة بما يعادل السعر المتفق عليه بالجنيه المصري إلا أنه رفض قبول الوفاء. هذا فضلاً عن أنه قد قبل مسبقاً وفاء الثمن بالعملة المحلية، ولم تتمكن المحافظة من تدبير النقد الحر اللازم لأداء هذا الثمن، وانتهى الطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بصفته بالمصروفات عن الدرجتين.
ومن حيث إنه منذ صدور القانون رقم 45 لسنة 1935 الذي ينص على أن "تبطل شروط الدفع ذهباً في العقود التي يكون الالتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية والتي تكون قد قدمت بالجنيهات المصرية أو الإسترلينية أو بنقد أجنبي آخر كان متداولاً قانوناً في مصر (الفرنك والجنيه التركي) ولا يترتب على أي أثر ولا يجرى هذا الحكم على الالتزام بالوفاء بمقتضى المعاهدات أو الاتفاقات الخاصة بالبريد أو التلغراف أو التليفون" منذ صدور هذا القانون - استقر قضاء المحاكم المصرية على بطلان شرط الذهب وقرائنه وبدائله في المعاملات الداخلية والمعاملات الخارجية على السواء. ومتى كان شرط الوفاء بالذهب ممنوعاً - فإنه يكون باطلاً كل شرط - أياً كانت صورته - أملاه اعتبار يرجع لعدم الثقة في العملة الوطنية كشروط الدفع بعملة أجنبية. ولا يجوز إعمال هذا الشرط إلا بناء على نصوص قانونية، كما هو الشأن فيما قضى به القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي حيث تنص المادة (1) من هذا القانون على أنه لكل شخص طبيعي أو معنوي من غير الجهات الحكومية والهيئات العامة ووحدات وشركات القطاع العام أن يحتفظ بكل ما يؤول إليه أو يملكه أو يحوزه من نقد أجنبي من غير عمليات التصدير السلعي والسياحة. وللأشخاص الذين أجيز لهم الاحتفاظ بالنقد الأجنبي طبقاً للفقرة السابقة الحق في القيام بأية عملية من عمليات النقد الأجنبي، بما في ذلك التحويل للداخل والخارج والتعامل داخلياً، على أن يتم التعامل عن طريق المصارف المعتمدة للتعامل في النقد الأجنبي والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل طبقاً لأحكام هذا القانون في جمهورية مصر العربية. ويحدد الوزير المختص شروط إخراج النقد الأجنبي صحيفة المغادرين، مع مراعاة عدم وضع قيود على إخراج النقد الأجنبي الثابت إدخاله للبلاد. كما تنص الفقرة الثانية من المادة 6 من هذا القانون على أنه "يجوز للوزير المختص أن يرخص بالتعامل في النقد الأجنبي لجهات أخرى غير المصاريف المعتمدة، ويحدد قرار الوزير الصادر في هذا الشأن قواعد وإجراءات هذا التعامل، ومن ثم فإنه ما زالت القاعدة العامة تقضي بعدم صحة شرط الوفاء بالعملة الأجنبية، وأن الاستثناء جواز ذلك في نطاق أحكام القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي ولائحته التنفيذية وما تقضي به القوانين الخاصة.
ومن حيث إنه لذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الجهة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي بصفته مبلغاً قدره 116250 دولاراً أمريكياً يكون قد خالف القانون، ويتعين الحكم بإلغائه، وبرفض دعوى الشركة المدعية لعدم قيامها على أساس سليم من القانون. وذلك دون حاجة لبحث ما إذا كان المدعي بصفته سبق أن وافق على أن يتم السداد بالعملة الوطنية من عدمه، لبطلان شرط الوفاء بالعملة الأجنبية، ومخالفته للقانون.
ومن حيث إنه عن مصروفات الدعوى والطعن يتعين إلزام المدعي بها عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وبإلزام المدعي بصفته بمصروفات الدعوى والطعن.