أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 2201

جلسة 2 من ديسمبر سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمد كمال عباس - نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد علي هاشم، فهمي عوض مسعد، جهدان حسين عبد الله ومحمود شوقي أحمد.

(400)
الطعن رقم 179 لسنة 43 القضائية

(1) تعويض. محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع". إيجار.
التنفيذ العيني للالتزام هو الأصل. العدول عنه إلى التعويض النقدي. رخصة لقاضي الموضوع. شرط ذلك. مثال في إيجار.
(2) حكم "ما لا يعد قصوراً". محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع غير ملزمة بتكليف الخصم بتقديم الدليل على دفاعه. حسبها إقامة قضاءها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها.
(3) نقض "السبب الجديد". إيجار "مسائل الواقع".
واقع لم يسبق طرحه صراحة أمام محكمة الموضوع. عدم جواز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض. مثال في إيجار.
1 - جرى قضاء محكمة النقض في ظل القانون المدني السابق على أن التنفيذ العيني للالتزام هو الأصل والعدول عنه إلى التعويض النقدي هو رخصة لقاضي الموضوع الأخذ بها كلما رأى في التنفيذ العيني إرهاقاً للمدين وعلى ألا يلحق ذلك بالدائن ضرراً جسيماً، ومتى كانت محكمة الموضوع قد رأت أن قيمة الإصلاحات التي أجراها الطاعن (المستأجر) في العين المؤجرة لا تتناسب مع الأجرة التي يدفعها للمطعون ضده (المؤجر) إذا أنها توازي أجرة العين المؤجرة لمدة تقرب من ثماني سنوات وانتهت إلى قسمتها بينهما فلا تثريب عليها - ولا يقدح في ذلك إيرادها - في أسبابها - تقريرات قانونية خاطئة - طالما أنها انتهت في حكمها إلى تطبيق صحيح القانون.
2 - إذا كانت الأوراق قد خلت من أن الطاعن قدم لمحكمة الموضوع الدليل على ما أثاره من أن التزام المطعون ضده بالإصلاحات كان مقابل زيادة الإيجار عن الأجرة القانونية وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتكليف الخصم بتقديم الدليل على دفاعه أو لفت نظره إلى مقتضيات هذا الدفاع وحسبما أن أقامت قضاءها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل التحدث عن دفاع لم يقدم الطاعن المستندات التي استدل بها عليه، لا يكون مشوباً بالقصور في التسبيب.
3 - من المقرر عدم التحدي أمام محكمة النقض لأول مرة بدفاع يقوم على واقع لم يسبق طرحه صراحة على محكمة الموضوع وإذ كان الطاعن قد أسس دعواه على أساس التزام المؤجر بالإصلاحات استناداً إلى البند الثالث عشر من عقد الإيجار على ما يبين من صحيفة الدعوى ومذكرة دفاعه أمام محكمة الاستئناف واستطرد إلى القول بغير ذلك يؤدي إلى إثراء المستأنف بغير سبب وإلى حرمان المستأجر حائز العقار من استرداد نفقات الصيانة بما مفاده أن ما أورده كان تأييداً لسنده في الدعوى إعمال الالتزام العقدي ودون طلب إعمال حكم قاعدتي الإثراء بلا سبب واسترداد الحائز نفقات الإصلاح على نحو صريح جازم حتى تلتزم المحكمة التصدي لبحثه بياناً لحكم القانون فيهما، فلا على المحكمة إذ اقتصرت في بحثها أساس الدعوى وركيزتها الممثلة في إعمال القوة الملزمة للعقد ويكون النعي بإغفال الحكم لدفاع جوهري على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2392 لسنة 1969 مدني الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون ضده بأن يدفع "أربعمائة جنيه" والفوائد القانونية وقال بياناً لها أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 25 - 6 - 48 استأجر من المطعون ضده الشقة المبينة بصحيفة الدعوى لقاء أجرة شهرية قدرها سبعة جنيهات ونصف خفضت إلى أربعة جنيهات ونصف اعتباراً من أول يناير سنة 1958 وفي خلال عام 1968 حدث في الشقة بعض التلفيات التي تحتاج إلى إصلاحات وإزاء امتناع المطعون ضده عن إجرائها أقام الدعوى المستعجلة رقم 4986 لسنة 1968 مستعجل الإسكندرية بطلب تمكينه من دخول شقة المطعون ضده التي تعلو شقة النزاع لإجراء الإصلاحات وقد حكمت المحكمة المستعجلة بندب خبير لمعاينة شقة النزاع وما بها من تلفيات وسببها وقيمة إصلاحها وقدم الخبير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن الإصلاحات تتكلف مبلغ أربعمائة جنيه وأنه لا بد من دخول شقة المطعون ضده لإمكان إجراء الإصلاحات وقضت المحكمة المستعجلة بطلباته وقد قام الطاعن بتنفيذ الحكم وكلفته الإصلاحات مبلغ 412.950 جنيه رفض المطعون ضده سدادها إليه فأقام الدعوى بطلباته. وبتاريخ 7 - 3 - 1970 قضت المحكمة بندب خبير لبيان الإصلاحات التي قام بها الطاعن وما إذا كانت تعد ضرورية للانتفاع بالعين وقيمة تكاليفها وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت بتاريخ 17 - 4 - 1971 بإلزام المطعون ضده أن يؤدي للطاعن مبلغ 397 جنيهاً وفوائد هذا المبلغ بواقع 4%. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 842 لسنة 27 ق الإسكندرية طالباً إلغاءه. وبتاريخ 20 - 12 - 1972 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام المطعون ضده بأن يؤدي للطاعن مبلغ مائة وخمسين جنيهاً. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت رأيها.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول والوجهين الثاني والثالث من السبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب من وجوه خمس: أولها أن الحكم أخطأ إذ أقحم على الخصومة مبدأ استحدثه القانون المدني الجديد هو التناسب بين نفقات الإصلاح وبين القيمة الإيجارية للعين المؤجرة فلم يكن هذا المبدأ مقرراً في أحكام عقد الإيجار التي انتظمها القانون المدني السابق الذي يحكم النزاع وثانياً: أخطأ الحكم بإشارته إلى نص المادة 147 من القانون المدني التي تتحدث عن نظرية الظروف الطارئة معتبراً ارتفاع الأسعار من قبيل الحوادث الاستثنائية العامة حال أن هذا الارتفاع التدريجي لم يكن وليد حادث استثنائي معين إنما هو نتيجة طبيعة لتراكمات اقتصادية كانت تنمو يوماً بعد يوم تحت سمع الناس وبصرهم حتى ألفوها وتوقعوها وبذلك يكون قد طبق نظرية الظروف الطارئة حيث لا تنطبق وغفل عن شروطها وأنزلها على عقد الإيجار بغير مقتضى من القانون. وثالثها: خطأ الحكم في تطبيقه نظرية الظروف الطارئة لما في ذلك من إخلال بتوازن المراكز القانونية لطرفي العقد على خلاف الغاية التي تغياها المشرع من هذه النظرية وهي توزيع الخسائر بين طرفي العقد إذ لم يبين الحكم الخسائر غير المتوقعة في جانب المطعون ضده. ورابعها: أن الحكم أشار في أسبابه إلى المادة 148 من القانون المدني والتي تنص على وجوب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية في حين أن حسن النية يوجب تنفيذ المتعاقد لالتزامه المتفق عليه في العقد. خامسها: أن الحكم قرر أن تحميل المطعون ضده بتكاليف الإصلاح مرهق به دون إيضاح ما إذا كان ذلك يهدد بخسارة فادحة فضلاً عن إغفاله الفائدة التي عادت عليه من الإصلاحات التي أجراها الطاعن وأنقذت العقار من الهلاك مما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن قضاء النقض قد جرى - في ظل القانون المدني السابق - على أن التنفيذ العيني للالتزام هو الأصل والعدول عنه إلى التعويض النقدي هو رخصة لقاضي الموضوع الأخذ بها كلما رأى في التنفيذ العيني إرهاقاً للمدين وعلى ألا يلحق ذلك بالدائن ضرراً جسيماً. وإذن فمتى كانت محكمة الموضوع رأت أن قيمة الإصلاحات التي أجراها الطاعن (المستأجر) في العين المؤجرة لا تتناسب مع الأجرة التي يدفعها للمطعون ضده (المؤجر) إذ أنها توازي أجرة العين المؤجرة لمدة تقرب من ثماني سنوات وانتهت إلى قسمتها بينهما فلا تثريب عليها ولا يقدح في ذلك إيرادها في أسبابها - تقريرات قانونية خاطئة. طالما أنها انتهت في حكمها إلى تطبيق صحيح القانون ويتعين بذلك رفض هذا النعي.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك في دفاعه بأنه قبل التزامه بدفع أجرة تزيد عن الأجرة القانونية مقابل التزام المؤجر بالإصلاحات وأن هذه الزيادة تكفل للمؤجر التعويض المناسب عن التزامه بالإصلاح وهو ما كان يقتضي من الحكم بحث هذا الدفاع لاستبانة فرق الأجرة وقدرها بالنسبة لتكاليف الإصلاحات.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت الأوراق قد خلت من أن الطاعن قدم لمحكمة الموضوع الدليل على ما أثاره من أن التزام المطعون ضده بالإصلاحات كان مقابل زيادة الإيجار عن الأجرة القانونية وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتكليف الخصم لتقديم الدليل على دفاعه أو لفت نظره إلى مقتضيات هذا الدفاع وحسبها أن أقامت قضاءها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل التحدث عن دفاع لم يقدم الطاعن المستندات التي استدل بها عليه، لا يكون مشوباً بالقصور في التسبيب.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أغفل تحقيق ما تمسك به من أسانيد لدعواه بأن قيام المستأجر بإجراء الترميمات الضرورية بنفسه دون إذن من القضاء يخوله حق الرجوع بقيمتها على المؤجر في حدود ما وفره عليه من نفقات تطبيقاً لنظرية الإثراء بلا سبب وما تمسك به أيضاً من حق الحائز في استرداد النفقات الضرورية التي أنفقها عملاً بالمادة 605 من القانون المدني القديم والتي تقابل المادة 980 من القانون المدني الجديد وإذ أغفل الحكم تحقيق هذا الدفاع الجوهري يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير سديد لما هو مقرر من عدم جواز التحدي أمام محكمة النقض لأول مرة بدفاع يقوم على واقع لم يسبق طرحه صراحة على محكمة الموضوع، وإذا كان الطاعن قد أسس دعواه على أساس التزام المؤجر بالإصلاحات استناداً إلى البند الثالث عشر من عقد الإيجار على ما يبين من صحيفة الدعوى ومذكرة دفاعه إلى محكمة الاستئناف واستطرد إلى أن القول بغير ذلك يؤدي إلى إثراء المستأنف بغير سبب وإلى حرمان المستأجر حائز العقار من استرداد نفقات الصيانة مما مفاده أن ما أورده كان تأييداً لسنده في الدعوى إعمال الالتزام العقدي وأن طلب إعمال حكم قاعدتي الإثراء بلا سبب واسترداد الحائز نفقات الإصلاح على نحو صريح جازم حتى تلتزم المحكمة التصدي لبحثه بياناً لحكم القانون فيهما فلا على المحكمة إذ - اقتصرت في بحثها أساس الدعوى وركيزتها الممثلة في إعمال القوة الملزمة للعقد ويكون النعي بإغفال الحكم لدفاع جوهري على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.