مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 125

(45)
جلسة 18 من يناير سنة 1975

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد ثابت عويضه، محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي المستشارين.

القضية رقم 635 لسنة 19 القضائية

شرطة - فصل بغير الطريق التأديبي - دعوى - انتهاء خصومة.
القانون رقم 38 لسنة 1974 بإعادة ضباط هيئة الشرطة الذين فصلوا بغير الطريق التأديبي - طلب الإفادة منه من اللجوء إلى القضاء للمطالبة بأكثر مما يحققه هذا القانون - عدم جواز الجمع بين وسيلتين قضائيتين مختلفتين للمطالبة بذات الحق - عدم جواز السير في أي خصومة عدا التي حددها القانون رقم 38 لسنة 1974 أساس ذلك ومثال.
إن مؤدى أحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 بإعادة ضباط هيئة الشرطة الذين فصلوا بغير الطريق التأديبي أو نقلوا إلى وظائف مدنية إلى وظائفهم بهيئة الشرطة إنه إذا ما أعلن عن رغبته في الإفادة من أحكام القانون المذكور وتقدم بطلب بذلك إلى وزارة الداخلية، فإنه يكون في الواقع من الأمر قد ارتضى تصحيح أوضاعه طبقاً للقواعد الموضوعية التي قضى بها هذا القانون، ويستتبع ذلك بالضرورة عدم جواز المطالبة بما قد يكون لصاحب الشأن في طلبات أخرى تخرج عن نطاق ما نص عليه القانون المذكور، وبهذه المثابة تصبح غير ذات موضوع كل دعوى تنطوي على المطالبة بأكثر مما يحققه القانون رقم 38 لسنة 1974 لأصحاب الشأن الذين أعلنوا عن رغبتهم في الإفادة من أحكامه. هذا ولما كان القانون المشار إليه قد حدد القواعد الإجرائية لاستخلاص الحقوق التي انطوى عليها فقد أصبح من المتعين الالتزام بها وعدم الانحراف عنها لتعلقها بالنظام العام ومن ثم فإن المجلس الأعلى للشرطة إذا ما انتهى إلى رفض طلب صاحب الشأن صراحة أو ضمناً بالمخالفة لأحكام القانون المذكور، فإن الطعن في هذا القرار ينعقد بادئ ذي بدء لمحكمة القضاء الإداري دون غيرها ومن ثم فلا يجوز تجاوزها إلى المحكمة الإدارية العليا، كما أنه لا يسوغ في منطق القانون الجمع بين وسيلتين قضائيتين مختلفتين للمطالبة بذات الحق أو بحقوق متفرعة عن أصل واحد لما قد يترتب على ذلك من تضارب في الأحكام واضطراب في سير العدالة، وبالتالي فإن الأمر يقتضي عدم جواز السير في أية خصومة قضائية عدا تلك التي حددها القانون رقم 38 لسنة 1974 بالنسبة لمن آثر الإفادة من أحكامه.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كما تقدم وكان المدعي قد أبدى رغبته في الإفادة من أحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 سالف الذكر وتقدم بطلب بذلك إلى وزارة الداخلية في الميعاد المقرر قانوناً ثم أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري طعناً في القرار الضمني الصادر من المجلس الأعلى للشرطة برفض طلبه، فإن دعواه مثار الطعن الماثل والتي كان قد أقامها قبل العمل بأحكام القانون المذكور - تكون قد انقضت لعدم جواز السير فيها. ولا حجة فيما أثاره المدعي من أن موضوع دعواه مثار هذا الطعن يتحدد في طلب إلغاء القرار الجمهوري الصادر بفصله بغير الطريق التأديبي بينما الطلب الذي تقدم به إلى وزارة الداخلية ينطوي على إعادته إلى الخدمة، وهما بهذه المثابة طلبان مختلفان لا يثور معهما فكرة الازدواج أو التكرار بين الدعوى الماثلة ودعواه التي أقامها أمام محكمة القضاء الإداري طعناً في قرار رفض طلبه الأخير لاختلاف الموضوع في كل منها، لا حجة في ذلك لأن المدعي وقد أعلن عن رغبته في الإفادة من أحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 فإن لازم ذلك، أن يعامل وفقاً للقواعد الموضوعية التي نص عليها هذا القانون دون سواها ولا يكون له بالتالي ثمة حقوق أخرى يمكن الاحتفاظ بها، لأنه لا يسوغ في منطق القانون الجمع بين مزايا نظامين مختلفين لتصحيح الأوضاع المترتبة على تصرف خاطئ، كما أن عليه أن يسلك طريق التقاضي الذي شرعه هذا القانون دون غيره لاستخلاص ما قد يكون له من الحقوق التيقررها هذا القانون الأمر الذي يستتبع بالضرورة عدم جواز المطالبة بطلبات أخرى تخرج عن نطاق القانون المشار إليه وبالتالي لا يجوز السير في الدعوى مثار الطعن، كما لا يجوز التمسك بالحكم المطعون فيه طالما أنه لم يحز قوة الشيء المقضي. وفضلاً عن هذا - فإن طلب إلغاء القرار الجمهوري المطعون فيه مثار الطعن الماثل وطلب الإعادة إلى الخدمة آنفى الذكر يهدفان في الواقع من الأمر إلى نتيجة واحدة وهي إعادة المدعي لخدمة هيئة الشرطة ابتناءً على أن قرار فصله من الخدمة بغير الطريق التأديبي صدر على غير سبب يبرره في الواقع أو القانون وهو أمر لا يسوغ معه القول بإمكان الجمع بين الدعويين في وقت واحد للمطالبة بهذا الحق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 211 لسنة 26 القضائية ضد السيد/ وزير الداخلية بصفته بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 22 من نوفمبر سنة 1971، طلب فيها الحكم.
أولاً: بإلغاء القرار الجمهوري رقم 3186 لسنة 1966 الصادر في 7 من أغسطس سنة 1966 بفصله من الخدمة بغير الطريق التأديبي وما يترتب على ذلك من آثار مالية.
ثانياً: بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يؤدي إليه مبلغ 1854 جنيهاً وما يستجد تعويضاً عن الأضرار المادية التي تتمثل في الفرق بين المرتب والمعاش، وخمسة آلاف جنيه تعويضاً عن الأضرار الأدبية التي أصابته من جراء الفصل بغير الطريق التأديبي مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. "وفي 4 من مارس سنة 1972 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة المذكورة عريضة أخرى أدخل بمقتضاها السيد رئيس الجمهورية خصماً في الدعوى ليسمع الحكم عليه بالطلبات التي تضمنتها عريضة الدعوى. ونعى المدعي على القرار المطعون فيه بالانحراف تأسيساً على أنه صدر في حق موظف مشهود له بالكفاءة والأمانة دون ثمة سبب. وردت الحكومة طالبة الحكم أصلياً:
1 - بعدم قبول طلب الإلغاء لرفعه بعد الميعاد وبغير اتباع إجراءات التظلم في الميعاد.
2 - سقوط دعوى التعويض لمضي أكثر من خمس سنوات من يوم صدور القرار. واحتياطياً: برفض الدعوى، مع إلزام المدعي في الحالين بالمصاريف، وبجلسة 28 من مارس سنة 1973 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار على نحو ما جاء بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات".
ومن حيث إن الحكومة قد طعنت في هذا الحكم وحددت طلباتها - على ما جاء بتقرير الطعن - في طلب الحكم.
أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً، بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وبغير الإجراءات التي نص عليها القانون، واحتياطياً برفضها مع إلزام المطعون ضده في الحالين المصروفات القضائية ومقابل أتعاب المحاماة. وقد استجابت دائرة فحص الطعون لطلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقضت بجلستها المعقودة في 3 من سبتمبر سنة 1973 بإجماع الآراء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضده مصروفات هذا الطلب. وبمناسبة صدور القانون رقم 38 لسنة 1974 بإعادة ضباط هيئة الشرطة الذين فصلوا بغير الطريق التأديبي أو نقلوا إلى وظائف مدنية إلى وظائفهم بهيئة الشرطة تقدمت الحكومة بمذكرة ختامية في 16 من ديسمبر سنة 1974 طلبت فيها الحكم بصفة أصلية بانتهاء الخدمة، وبصفة احتياطية بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وبغير الإجراءات التي نص عليها القانون، ومن قبيل الاحتياط الكلي برفضها مع إلزام المدعي في جميع الأحوال بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأقامت الحكومة دفعها بالنسبة لطلب الحكم بانتهاء الخصومة على أن المطعون ضده تقدم بطلب للإفادة من حكم القانون رقم 38 لسنة 1974 وعندما رفض المجلس الأعلى للشركة طلبه هذا أقام دعواه رقم 102 لسنة 29 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالتطبيق لحكم المادة الثالثة من القانون المذكور، وهو بهذا يكون قد ارتضى الطريق القانوني الذي استحدثه القانون رقم 38 لسنة 1974 المشار إليه سبيلاً إلى عودته إلى عمله، وتنازل بذلك ضمناً عن أي طريق قانوني آخر إلى ذلك الطلب، ومن قبيل ذلك نزوله عن دعواه المنظورة أمام القضاء والتي لم يفصل فيها بعد بحكم انتهائي، ذلك أن من شأن الاستمرار في نظر طلبه أمام القضاء في الوقت الذي تقدم فيه بذات الطلب إلى الجهة المستحدثة بالقانون الجديد التضارب والازدواج في نظر الطلبات المذكورة وعقب المطعون ضده على هذا الدفاع قائلاً أن الدعوى التي رفعها ضد وزارة الداخلية لعدم إعادته للخدمة إعمالاً لأحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 سالف الذكر هي دعوى مبتدأة أمام أول درجة القضاء الإداري أما الطعن الماثل فهو طعن أمام المحكمة الإدارية العليا المعتبرة ثاني درجة في القضاء الإداري ومن ثم لا يكون هناك تكرار أو ازدواج خاصة وأن الدعوى مثار الطعن المطلوب فيها هو إلغاء قرار جمهوري وصدر فيها الحكم بالإلغاء وما يترتب على ذلك من آثار ولم يصدر بإعادته إلى العمل وبالتالي لا يعني تقدمه بطلب لإعادته إلى الخدمة بالتطبيق للقانون المذكور تنازلاً عن طلب الإلغاء لأن الإلغاء خلاف العودة أو الإعادة خاصة وأنه توخى من تقدمه بطلبه هذا اتخاذ كافة السبل التي تسمح له بالعودة إلى العمل الحصول على كافة حقوقه وليس التنازل عن طلب الحكم بإلغاء القرار الجمهوري الصادر بفصله بغير الطريق التأديبي.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة الأوراق أن السيد/ وزير الداخلية تقدم في يوليه سنة 1966 بمذكرة إلى السيد رئيس الجمهورية طلب فيها الموافقة على إحالة المدعي إلى المعاش مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة وذلك للأسباب التي انطوى عليها هذه المذكرة، وبناءً على هذا إصدار السيد/ رئيس الجمهورية في 7 من أغسطس سنة 1966 القرار رقم 3186 لسنة 1966 مثار المنازعة بإحالة المدعي إلى المعاش مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة. وقد لجأ المدعي إلى محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاء هذا القرار، وصدر الحكم بإلغائه على ما سلف بيانه، وأقامت الحكومة طعنها على هذا الحكم للأسباب التي تضمنها تقرير الطعن. وأثناء نظر الطعن صدر القانون رقم 38 لسنة 1974 بإعادة ضباط هيئة الشرطة الذين فصلوا بغير الطريق التأديبي أو نقلوا إلى وظائف مدنية إلى وظائفهم بهيئة الشرطة، وتطبيقاً لهذا القانون بعث المدعي إلى السيد نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في 9 من يونيه سنة 1974 طلباً بالبريد المسجل بعلم الوصول سلم إلى وزارة الداخلية في 11 من يونيه سنة 1974 انتهى فيه المدعي إلى طلب إصدار قرار بإعادته إلى الخدمة طبقاً للقانون رقم 38 لسنة 1974 سالف الذكر. وقد انقضى الميعاد المحدد للبت في هذا الطلب دون أن يصدر المجلس الأعلى للشرطة قراراً فيه.
ومن حيث إن الثابت من استقراء أحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 آنف الذكر أن المشرع قضى في المادتين الأولى والثانية بأن يعاد إلى خدمة هيئة الشرطة - طبقاً لأحكامه - ضباط الشرطة الذين فصلوا بغير الطريق التأديبي في المدة من تاريخ العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل المادة 13 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة حتى 15 من مايو سنة 1971 إذ ثبت قيام إنهاء الخدمة بغير الطريق التأديبي على غير سبب صحيح، وكذلك ضباط الشرطة الذين نقلوا لأسباب معينة إلى خارج هيئة الشرطة خلال المدة سالفة الذكر متى تبين عدم صحة الأسباب التي قام عليها النقل أو عدم تأثيرها على وظيفة الشرطة. وشرط القانون في الفقرة الأولى من المادة الثالثة منه للإفادة من حكم المادتين الأولى والثانية أن يقدم صاحب الشأن طلباً بذلك إلى وزارة الداخلية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون. كما نظمت هذه المادة في فقرتها الأولى والثانية أمر بحث الطلبات التي يقدمها أصحاب الشأن والبت فيها، ورسمت طريق الطعن القضائي في القرارات التي تصدر برفض هذه الطلبات. فنصت الفقرة الأولى على أن يتولى المجلس الأعلى للشرطة بحث طلبات أصحاب الشأن ويبت فيها خلال الستين يوماً التالية لانتهاء مدة تقديم الطلبات بالقبول أو بالرفض، على أن يعتبر انقضاء هذه المدة بدون بت قراراً بالرفض. ثم أردفت الفقرة الثانية أن لمن رفض طلبه أن يرفع دعواه إلى محكمة القضاء الإداري خلال الستين يوماً التالية لانتهاء المدة المشار إليها في الفقرة الأولى. ثم تناولت المواد من الرابعة إلى الثامنة أمر إعادة الضباط إلى هيئة الشرطة وضوابط الإعادة، وشرطت لذلك أن يكون الضباط حتى رتبة العميد أما من كان في رتبة أو درجة أعلى أو تجاوز السن المقررة لإنهاء الخدمة أو توفى فيسوى معاشه على أسس معينة. ونصت المادة الثامنة في فقرتها الثانية على أنه لا يجوز أن يترتب على العمل بأحكام هذا القانون نقص معاش المعاد إلى الخدمة أو ورثته عما يستحقونه فعلاً في تاريخ العمل به. وأضافت المادة التاسعة في فقرتها الأولى أنه لا يترتب على تطبيق أحكام القانون صرف أية مبالغ أو فروق مالية عن أية مدد سابقة على العمل به، وأن يعفى من يفيد من أحكامه من أداء أقساط التأمين والمعاش عن مدد الخدمة الاعتبارية التي تحسب طبقاً لأحكامه أو عن فرض المرتب يحسب طبقاً لنفس الأحكام. وقد تضمنت الأعمال التحضيرية لهذا القانون أن المشرع استهدف تأكيد العدل والحق وتصحيح أوضاع ضباط الشرطة الذين لحقهم الظلم.
ومن حيث إنه يبين من الاستعراض المتقدم لأحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 وأعماله التحضيرية أن المشرع استهدف تصحيح أوضاع ضباط الشرطة الذين فصلوا من الخدمة بغير الطريق التأديبي أو نقلوا إلى وظائف مدنية دون سبب صحيح، وذلك بإعادتهم إلى أعمالهم أو بتسوية معاشاتهم على أسس معينة، روعي فيها توزيع الأعباء بينهم وبين الدولة - ابتغاء المصلحة العامة - بأن منحهم المشرع بعض الحقوق وحملهم بعض الالتزامات، فكفل لهم حق العودة إلى هيئة الشرطة أو تسوية معاشاتهم بضوابط معينة حسب الأحوال، والتزم بعدم إنقاص معاش المعاد منهم إلى الخدمة وأعفى من يفيد من أحكام القانون من أداء أقساط التأمين والمعاش عن مدد الخدمة الاعتبارية التي تحسب طبقاً لأحكامه أو فرق المرتب الذي يحسب طبقاً لنفس الأحكام، ومقابل ذلك كله حظر المشرع صرف أية مبالغ أو فروق مالية عن أية مدد سابقة على العمل بهذا القانون. وشرط المشرع للإفادة من هذه الأحكام أن يقدم صاحب الشأن طلباً بذلك إلى وزارة الداخلية خلال موعد محدد، وعهد إلى المجلس الأعلى للشرطة ببحث هذه الطلبات والبت فيها، وناط بمحكمة القضاء الإداري الفصل في قرارات المجلس الأعلى للشرطة التي تصدر صراحة أو ضمناً برفض طلب الإعادة أو تسوية المعاش. ومن حيث إن مؤدى ما تقدم أن صاحب الشأن إذا ما أعلن عن رغبته في الإفادة من أحكام القانون المذكور وتقدم بطلب بذلك إلى وزارة الداخلية، فإنه يكون في الواقع من الأمر قد ارتضى تصحيح أوضاعه طبقاً للقواعد الموضوعية التي قضى بها هذا القانون، ويستتبع ذلك بالضرورة عدم جواز المطالبة بما قد يكون لصاحب الشأن في طلبات أخرى تخرج عن نطاق ما نص عليه القانون المذكور، وبهذه المثابة تصبح غير ذات موضوع كل دعوى تنطوي على المطالبة بأكثر مما يحققه القانون رقم 38 لسنة 1974 لأصحاب الشأن الذين أعلنوا عن رغبتهم في الإفادة من أحكامه. هذا ولما كان القانون المشار إليه قد حدد القواعد الإجرائية لاستخلاص الحقوق التي انطوى عليها فقد أصبح من المتعين الالتزام بها وعدم الانحراف عنها لتعلقها بالنظام العام. ومن ثم فإن المجلس الأعلى للشرطة إذا ما انتهى إلى رفض طلب صاحب الشأن صراحة أو ضمناً بالمخالفة لأحكام القانون المذكور، فإن الطعن في هذا القرار ينعقد بادئ ذي بدء لمحكمة القضاء الإداري دون غيرها ومن ثم فلا يجوز تجاوزها إلى المحكمة الإدارية العليا، كما أنه لا يسوغ في منطق القانون الجمع بين وسيلتين قضائيتين مختلفتين للمطالبة بذات الحق أو بحقوق متفرعة عن أصل واحد لما قد يترتب على ذلك من تضارب في الأحكام واضطراب في سير العدالة، وبالتالي فإن الأمر يقتضي عدم جواز السير في أية خصومة قضائية عدا تلك التي حددها القانون رقم 38 لسنة 1974 بالنسبة لمن آثر الإفادة من أحكامه.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كما تقدم وكان المدعي قد أبدى رغبته في الإفادة من أحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 سالف الذكر وتقدم بطلب بذلك إلى وزارة الداخلية في الميعاد المقرر قانوناً ثم أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري طعناً في القرار الضمني الصادر من المجلس الأعلى للشرطة برفض طلبه، فإن دعواه مثار الطعن الماثل - والتي كان قد أقامها قبل العمل بأحكام القانون المذكور - تكون قد انقضت لعدم جواز السير فيها. ولا حجة فيما أثاره المدعي من أن موضوع دعواه مثار هذا الطعن يتحدد في طلب إلغاء القرار الجمهوري الصادر بفصله بغير الطريق التأديبي بينما الطلب الذي تقدم به إلى وزارة الداخلية ينطوي على إعادته إلى الخدمة، وهما بهذه المثابة طلبان مختلفان لا يثور معهما فكرة الازدواج أو التكرار بين الدعوى الماثلة ودعواه التي أقامها أمام محكمة القضاء الإداري طعناً في قرار رفض طلبه الأخير لاختلاف الموضوع في كل منها، لا حجة في ذلك لأن المدعي وقد أعلن عن رغبته في الإفادة من أحكام القانون رقم 38 لسنة 1974 فإن لازم ذلك، أن يعامل وفقاً للقواعد الموضوعية التي نص عليها هذا القانون دون سواها ولا يكون له بالتالي ثمة حقوق أخرى يمكن الاحتفاظ بها، لأنه لا يسوغ في منطق القانون في الجمع بين مزايا نظامين مختلفين لتصحيح الأوضاع المترتبة على تصرف خاطئ، كما أن عليه أن يسلك طريق التقاضي الذي شرعه هذا القانون دون غيره لاستخلاص ما قد يكون له من الحقوق التي قررها هذا القانون، الأمر الذي يستتبع بالضرورة عدم جواز المطالبة بطلبات أخرى تخرج عن نطاق القانون المشار إليه وبالتالي لا يجوز السير في الدعوى مثار الطعن، كما لا يجوز التمسك بالحكم المطعون فيه طالما أنه لم يحز قوة الشيء المقضي. وفضلاً عن هذا - فإن طلب إلغاء القرار الجمهوري المطعون فيه مثار الطعن الماثل وطلب الإعادة إلى الخدمة آنف الذكر يهدفان في الواقع من الأمر إلى نتيجة واحدة وهي إعادة المدعي لخدمة هيئة الشرطة ابتناءً على أن قرار فصله من الخدمة بغير الطريق التأديبي صدر على غير سبب يبرره في الواقع أو القانون وهو أمر لا يسوغ معه القول بإمكان الجمع بين الدعويين في وقت واحد للمطالبة بهذا الحق.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كذلك، وكانت الدعوى مثار الطعن الماثل لم يصدر فيها ثمة حكم نهائي. حائز لقوة الشيء المقضي، فإنه يتعين الحكم بانقضائها بعد أن أصبح الاستمرار في نظرها ممتنعاً وفقاً لحكم القانون رقم 38 لسنة 1974 سالف الذكر، مع إلزام الحكومة المصروفات وذلك طالما أن المنع من نظر الدعوى قد جاء بعد رفع الدعوى نزولاً على حكم القانون المذكور.