مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 683

(61)
جلسة 9 من فبراير سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 23 لسنة 8 القضائية

مؤسسة مديرية التحرير - القواعد التي تنظم شئون موظفيها وتوقيع عقوبة الفصل عليهم - هي أحكام القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء المؤسسة، وكذلك اللائحة المالية ولائحة التوظف الخاصتين بها الصادرتين بقرار من مجلس الوزراء في 2/ 3/ 1955 - صدور قرار جمهوري في 3/ 11/ 1957 بإدماج المؤسسة في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي وبإلغاء قانون إنشائها - من آثاره إلغاء اللائحة المالية للمؤسسة وتلك الخاصة بالتوظف من تاريخ صدور هذا القرار، وسريان كافة الأحكام واللوائح التي تنظم الهيئة - هذه الأحكام هي القانون رقم 643 لسنة 1955 بشأن الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي، وقرار رئيس الجمهورية الصادر في 10/ 7/ 1957 بتعديل بعض أحكامه، ثم قرار رئيس الجمهورية رقم 2270 لسنة 1960 باللائحة الداخلية للهيئة - مثال: قرار فصل أحد مهندسي مؤسسة مديرية التحرير الصادر في 1/ 12/ 1959 ومن وكيل وزارة الإصلاح الزراعي بصفته مشرفاً عاماً على المديرية بمقتضى قرار صادر من مجلس الإدارة - استناده إلى الأحكام واللوائح التي تنظم الهيئة - صدوره من مختص.
في 20 من مارس سنة 1954 صدر القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير وجاء في مادته الأولى "تنشأ مؤسسة عامة تسمى (مؤسسة مديرية التحرير) وتقوم تباعاً بتهيئة أجزاء من منطقة الصحراء الغربية حسب ما يقرره مجلس الوزراء لتكون مديرية باسم مديرية التحرير، وتتولى جميع الأعمال الخاصة بالتوسع الزراعي والصناعي والعمراني لتحقيق هذا الغرض ويكون لهذه المؤسسة شخصية اعتبارية" ونصت المادة الرابعة منه على أن يقوم بإدارة المؤسسة مجلس إدارة يشكل من اثني عشر عضواً يعينون بقرار من مجلس الوزراء. ويقوم مجلس الإدارة بجميع التصرفات اللازمة لتحقيق غرض المؤسسة دون التقيد بالنظم أو الرقابة المالية والإدارية المتبعة في المصالح الحكومية وذلك في حدود اللائحة المالية ولائحة التوظف اللتين يضعهما المجلس ويصدر بهما مرسوم. وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون (ويبين هذا المشروع أن المؤسسة يديرها مجلس إدارة مكون من اثني عشر عضواً ويبين طريق تعيينهم أو اختيارهم وكيفية اجتماعهم ومدى سلطات مجلس الإدارة وسلطات رئيس مجلس الإدارة ويحدد المشرع الوضع المالي من أن المؤسسة تدير أموالها بنفسها دون التقييد بلوائح ونظم الحكومة، مع خضوعها المباشر لمجلس الوزراء من حيث تقديم مشروع الميزانية إليه... إلخ). وواضح مما جاء في مواد هذا القانون أنه يهدف إلى البعد بالمشروع عن الأداة الحكومية قدر المستطاع إلا فيما يختص باختيارها لمن تعهد إليهم إدارة المشروع. وفي 3 من مارس سنة 1955 أصدر مجلس الوزراء قراراً باللائحة المالية ولائحة التوظف لمؤسسة مديرية التحرير وجاء في مادته الأولى "يعمل باللائحة المالية ولائحة التوظف لمؤسسة مديرية التحرير المرافقتين من تاريخ نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ولمجلس الإدارة إصدار القرارات المنفذة لأحكامها". واختص الباب السادس من لائحة التوظف بالعقوبات التأديبية فنص في المادة 30 على الجزاءات التي يجوز توقيعها على الموظفين وهي تبدأ بالإنذار، ثم بالخصم من المرتب لمدة لا تجاوز ثلاثة أيام ثم تنتهي في البند السادس بالفصل مع الحرمان من المكافأة. ونصت المادة 31 من اللائحة على أن: "للرئيس المباشر توقيع الجزاء المنصوص عليه في البند أولاً من المادة السابقة (الإنذار) كما يجوز له توقيع الجزاء المنصوص عليه في البند ثانياً (الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز ثلاثة أيام) بعد موافقة عضو مجلس الإدارة المنتدب. ويصدر بالجزاءات المنصوص عليها في باقي البنود قرار من مجلس تأديب يشكل من ثلاثة أعضاء تعينهم الجهة المنوط بها تعيين الموظف وفقاً للمادة الأولى من هذه اللائحة". وفي المادة 32: "يصدر قرار مجلس التأديب مسبباً ويبلغ إلى الموظف خلال أسبوعين من تاريخ صدوره بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول". وقالت المادة 33 من اللائحة (القرارات التأديبية نهائية). ولكن حدث في 3 من نوفمبر سنة 1957 أن صدر قرار رئيس الجمهورية بإدماج مؤسسة مديرية التحرير في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي واستندت ديباجة هذا القرار على القانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة وعلى القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير، وعلى القانون رقم 643 لسنة 1955 الخاص بالهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المعدل بالقرار رقم 613 لسنة 1957. ونص في المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية الصادر في 3/ 11/ 1957 على أن "تدمج مؤسسة مديرية التحرير في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي". ونصت المادة الثانية منه على أن "يلغى القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير ويعمل بذلك من 3/ 11/ 1957" وواضح من ذلك أن المشرع لاعتبارات قدرها ألغى القانون رقم 148 لسنة 1954 وما لحق به بكل تأكد من لائحته المالية والخاصة بالتوظيف وذلك ابتداء من 3 من نوفمبر سنة 1957، وما دامت مؤسسة مديرية التحرير قد أدمجت من هذا التاريخ في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي فإنه لا جدال أن تسري عليها كافة الأحكام واللوائح التي تنظم هيئة الاستصلاح هذه مما يتعين معه تقصي أوضاعها. ففي 30 من مارس سنة 1954 صدر القانون رقم 169 لسنة 1954 بإنشاء الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي وتشكل من السيد وزير الزراعة رئيساً ومن وزراء المالية والاقتصاد والأشغال وغيرهم أعضاء. وتختص الهيئة بتحقيق الأغراض التي نصت عليها المادة الثانية من هذا القانون وفي طليعتها حصر الأراضي البور القابلة للإصلاح ورسم السياسة العامة لاستصلاحها وزراعتها وتعميرها. ونصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من هذا القانون على أنه "ولا تخضع الهيئة في إدارة أموالها ولا في حساباتها للقوانين والتعليمات التي تجرى عليها الحكومة ولا للرقابة التي تخضع لها ميزانية الدولة" وجاء بالمادة الرابعة من هذا القانون "يكون للهيئة لائحة داخلية تصدر بقرار منها بعد موافقة مجلس الوزراء" وفي 25 من أكتوبر سنة 1955 أصدرت الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي قراراً باللائحة الداخلية للهيئة استناداً إلى القانون رقم 169 لسنة 1954 وبناء على موافقة رأي مجلس الوزراء وجاء في المادة الوحيدة من هذا القرار (يعمل باللائحة الداخلية للهيئة لاستصلاح الأراضي المرافقة لهذا القرار وذلك من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية). ونصت هذه اللائحة الداخلية على إنشاء مكتب تنفيذي للهيئة وبينت اختصاص هذا المكتب، كما نصت على وظيفة (عضو الهيئة الدائمة المنتدب) وجاء في المادة الثامنة من اللائحة (تنتدب الهيئة الدائمة أحد أعضائها ليكون عضواً منتدباً وتكون له الاختصاصات الآتية: (1)..... (2) تعيين الموظفين وفصلهم من الخدمة وترقيتهم ومنحهم العلاوات الدورية ونقلهم وكذلك ندبهم وإعارتهم من الوزارات والجهات الحكومية وغيرها. وتحديد المرتبات والأجور المستحقة لهم وذلك كله وفقاً للنظام الذي تقرره الهيئة الدائمة). ثم حدث بعد ذلك في 27 من ديسمبر سنة 1955، أن صدر القانون رقم 643 لسنة 1955 بشأن الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي. فنص في المادة الثانية منه بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية الصادر في 10 من يوليو سنة 1957 على أن (يكون للهيئة مجلس إدارة يشكل بقرار من رئيس الجمهورية، ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيين المدير العام للهيئة وبتحديد المرتبات والمكافآت التي تمنح له. ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة الثانية على أن يعين بقرار من مجلس الوزراء العضو المنتدب للإشراف على تنفيذ قرارات الهيئة وفقاً لما تبينه اللائحة الداخلية. والمادة السادسة من هذا القانون رقم 643 لسنة 1955 تنص على أنه "لا تخضع الهيئة في أنظمتها وحساباتها وإدارة أموالها وقواعد تعيين موظفيها وترقياتهم وتأديبهم وسائر شئونهم للقوانين واللوائح والتعليمات التي تجرى عليها الحكومة ولا للرقابة التي تخضع لها ميزانية الدولة.." وتحدثت المادة السابعة من هذا القانون عن اللائحة فقالت "يصدر مجلس الوزراء قراراً باللائحة الداخلية للهيئة وتتضمن النظم والقواعد التي تسير عليها في جميع شئونها وعلى الأخص في إدارة وتنظيم أعمالها وحساباتها ونظام موظفيها ويشمل قواعد تعيينهم وترقيتهم وتأديبهم والمكافآت التي تمنح لهم أو لغيرهم ممن يندبون أو يعارون إليها". وقد عدلت هذه المادة السابعة بقرار من رئيس الجمهورية صدر في 10 من يوليو سنة 1957 فأصبح نصها يجري بالآتي: (يعد مجلس الإدارة لائحة للهيئة تصدر بقرار من رئيس الجمهورية تتضمن النظم والقواعد التي تسير عليها وتنظم أعمالها وحساباتها ونظام موظفيها ويشمل قواعد تعيينهم وترقيتهم وتأديبهم والمكافآت التي تمنح لهم أو لغيرهم...) وقد صدرت هذه اللائحة التي استلزمت صدورها هذه المادة، بقرار رئيس الجمهورية رقم 2270 لسنة 1960 باللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي (ونشرت بالجريدة الرسمية في 31 من ديسمبر سنة 1960 العدد رقم 300) وجاء بالمادة الأولى منه (يعمل باللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المرافقة لهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1960) ونصت المادة الثانية من هذا القرار على أن (تلغى اللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المؤرخة في 25 من أكتوبر سنة 1955 وكل قرار يخالف أحكام اللائحة المرافقة) ومفاد هذا النص أن لائحة 25/ 10/ 1955 ظلت سارية المفعول منذ تاريخ صدورها حتى ألغاها القرار رقم 2270 الصادر في 18 من ديسمبر سنة 1960 تاريخ صدور اللائحة الجديدة والتي لا تسري أحكامها بطبيعة الحال على وقائع هذه الدعوى التي تحكمها قواعد وبنود لائحة 25 من أكتوبر سنة 1955. فالمطعون عليه عين بمديرية التحرير في إبريل سنة 1956 وصدر قرار الاستغناء عن خدماته وهو القرار المطعون فيه، صدر في أول ديسمبر سنة 1959 فلا يحكم وضعه إلا القانون رقم 643 لسنة 1955 الصادر في 27 من ديسمبر سنة 1955 واللائحة الداخلية الصادرة في 25 من أكتوبر سنة 1955 بعد صدور قرار رئيس الجمهورية في 3/ 11/ 1957 بإدماج مؤسسة مديرية التحرير في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي وإلغاء القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير ولائحتها الداخلية الصادرة في 2 من مارس سنة 1955 على النحو السالف تفصيله.


إجراءات الطعن

في 19 من نوفمبر سنة 1961 أودع السيد محامي الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 23 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي - بجلسة 20 من سبتمبر سنة 1961 في الدعوى رقم 984 لسنة 14 القضائية المقامة من المهندس حامد بسيوني والي ضد وزارة الإصلاح، ومدير عام مؤسسة مديرية التحرير والذي قضى: (بإلغاء قرار الفصل الصادر في أول ديسمبر سنة 1959 وما يترتب على ذلك من آثار، ورفض طلب التعويض، وإلزام المدعى عليها المصروفات المناسبة ومقابل الأتعاب). وطلب السيد محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون عليه مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى الخصم في 29/ 11/ 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 23/ 6/ 1962 ومنها إلى جلسة 6/ 10/ 1962 ثم إلى 27 منه وبجلسة 10 من نوفمبر سنة 1962 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 8 من ديسمبر سنة 1962 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 19 من يناير سنة 1963 وفي 12 منه قدم المطعون عليه مذكرة أخيرة صمم فيها على طلب رفض الطعن فقررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 984 لسنة 14 القضائية ضد وزارة الإصلاح الزراعي ومدير عام مؤسسة مديرية التحرير أمام محكمة القضاء الإداري - هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي - بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 23 من إبريل سنة 1960 طالباً الحكم: (1) بإلغاء القرار الصادر من مؤسسة مديرية التحرير بفصله من عمله كرئيس لأقسام الهندسة الحديثة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبصفة مستعجلة، استمرار صرف مرتب المدعي ابتداء من أول ديسمبر سنة 1959 لحين الفصل نهائياً في طلب إلغاء قرار الاستغناء عن خدماته (2) الحكم على المدعى عليهما، بصفتهما، بمبلغ قرش صاغ واحد، على سبيل التعويض المؤقت مع حفظ حقه في تعديل طلباته إلى مبلغ عشرة آلاف جنيه. (3) وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه تخرج من كلية الهندسة سنة 1942 وعين باشمهندس بمصلحة المساحة حتى يناير سنة 1950 وبلغ مرتبه فيها 24 جنيهاً شهرياً. ثم التحق بشركة كوم امبو بمرتب ستين جنيهاً لمدة سبع سنوات وأهم أعماله التي قام بها عملية التوسع الزراعي في أراضي الشركة. وكان من أثر نجاحه في هذه الشركة أن طلبته مؤسسة مديرية التحرير سنة 1956 في وظيفة رئيس أقسام الهندسة المدنية بمرتب تسعين جنيهاً شهرياً وبلغ مرتبه فيها (97 جنيهاً). وكان له فيها آثار كبيرة في مقدمتها إحياء مزرعة أربعة آلاف فدان لم يكن بها نبات من قبل فأصبح فيها سبعمائة فدان عنب على الأقل بخلاف قطيع الماشية. ثم حدث بعد ذلك أن أعفي السيد/ مجدي حسنين عضو مجلس الإدارة المنتدب للمؤسسة، من مهمته. فانتهز البعض الفرصة للإطاحة بمن أبلوا في سبيل ازدهار المؤسسة بلاء حسناً ولا جريمة لهم سوى أنهم كانوا يتقاضون مرتبات تبدو كبيرة بحكم عملهم وسبق خبرتهم وخدمتهم وكفاءتهم مع أن ملف خدمة المدعي يشهد بالجليل من خدماته وهو ملف ناصع البياض. ورغم ذلك كله فقد انتهى الأمر بفصل المدعي تأسيساً على ادعاءات من متهمين في تحقيق الوقود، فأرادوا أن يهونوا من وقع ما نسب إليهم، وإبعاد المحققين عن الوقائع الصحيحة بلفت نظرهم إلى مسائل كاذبة فقد زعم المتهمون وجود سرقات فيما يقوم به المقاولون من توريد الطوب ونجح المتهمون بذلك في زعزعة التحقيق معهم عندما أحيلوا إلى النيابة العامة. ثم قبض على كاتب بوابة المخازن بالمنطقة الشمالية ولكن النيابة العامة أفرجت عنه لأن التحقيق الإداري الذي جرى معه لم يبين العناصر والأسس التي يمكن أن يسأل عنها جنائياً. وقد لجأت الإدارة إلى تحقيق إداري محلي مع المدعي، ليس فيه من الضمانات أو الاعتبارات الشخصية ما للتحقيقات الأخرى الرسمية، بل أدخلوا الاعتبارات الشخصية والأساليب الانتقامية ممن عمل مع المدير السابق مجدي حسنين وانتهى بهم الأمر إلى فصل المدعي في أول ديسمبر سنة 1959 لا بقرار إداري يخطر به وفقاً للأصول الإدارية بل أبلغ بأمر فصله بإشارة تليفونية بالاستغناء عن خدماته، ومن ذلك يبين مدى التشفي والانتقام. واستطرد المدعي يقول إنه لكي يحاسب الموظف عن عمل من أعمال وظيفته يجب أن يدخل هذا العمل في حدود اختصاصه المباشر ولابد بعد ذلك أن تكون أركان المسئولية مستمدة من أصول ثابتة في الأوراق. فإذا تبين أن هناك شيوعاً في العمل الواحد بين عدد من الموظفين ولا ضابط في تحديد مسئولية كل منهم فلا يستساغ فصل واحد منهم على أساس أنه المسئول عن الخطأ. ولا يجوز الفصل إلا بعد تحقيق دقيق مع المسئول، وذلك من شأن مجلس التأديب ومن حق الموظف المتهم أن يستعين في محاكمته التأديبية بمن يدافع عنه من رجال القانون ويكون له حق الطعن في قرار مجلس التأديب وتلك هي بديهيات الضمانات لكل موظف. وعلى ضوء ذلك تكون مؤسسة مديرية التحرير قد تعسفت مع المدعي في حين أن موظفاً آخر بالمؤسسة صدر قرار بفصله من المؤسسة ولكن سرعان ما عدل عن قرار الفصل وعاد إلى وظيفته مكرماً. وهذا يدل على تخبط رجال مؤسسة مديرية التحرير في تصرفاتهم الإدارية. واستطرد المدعي فقال أن ما نسب إليه في التحقيق المحلي بالمؤسسة أنه: (1) مسئول عما حدث من مسروقات وقعت في توريد الطوب من المقاولين وذلك بوصفه (رئيساً لأقسام الهندسة المدنية) وبصفته (رئيساً للجان فحص المواد) ومع ذلك يقول المدعي بأنه ليس هو الموظف المختص باستلام كميات الطوب وتشوينها بالمخازن بل أنها من اختصاص موظفين مهندسين مرءوسين له. وما كان يجوز أنه توجه إليه مثل هذه الشبهة لأنه كان هو أول من أبلغ عن الجريمة وكشف عنها وهي سرقة حوالي ألفي طوبة ومع ذلك لم يتحرك التحقيق وظل بلاغه بدون أثر. والمصادفة البحتة هي التي أدت إلى اكتشاف هذه الواقعة فقد عرض إيصال استلام كمية ألفي طوبة لاعتمادها بسبب غياب المهندس المختص بالاستلام فلاحظ المدعي أن بالإيصال تزويراً واضحاً هو نسبة هذا الإيصال إلى ملاحظ لم يكن موجوداً في التاريخ الثابت بالإيصال. ولو أن للمدعي ضلعاً في مثل هذه السرقات لتستر على فاعليها وأغفل التبليغ عنها. ويؤكد المدعي أن لجنة فنية من الأخصائيين من كبار المهندسين بالإصلاح الزراعي قد أثبتت عدم وجود نقص أو سرقات ولكن هذا التقرير ضرب به عرض الحائط لأنه جاء على غير هدي المسئولين في حملتهم العاصفة بعد خروج المدير السابق مجدي حسنين. ومن ثم يكون قرار الاستغناء عن خدمته غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق. (2) مسئول عن تشغيل عمال أكثر من اللازم في حفر ترعة التحرير مما أدى إلى رفع تكاليف العملية أضعافاً وقد اختص المدعي عمال المقاول بهذه العملية في حين أنه كان يمكن الاكتفاء بعمال مؤسسة التحرير بمقولة إنهم أجدر وأقدر ليوفروا على المؤسسة تكاليف كبيرة ويدافع المدعي عن هذا الاتهام بقوله إن هذه العملية ما كان يمكن لعمال المؤسسة وحدهم أن يقوموا بأعبائها في الموعد المتفق عليه. وفضلاً عن ذلك فيوجد عقد اتفاق مع المقاول على تشغيل عمال بأعمال الهندسة المدنية ولهم الخبرة الكافية بهذه الأعمال، وليسوا كما زعموا (عمالاً زراعيين). وقد غالى المسئولون في عدد أولئك العمال فزعموا أنهم 65 ألف عامل حصلوا على أجور كبيرة لا تتفق مع ما قاموا به من أعمال. ودفاع المدعي عن ذلك أن هذه الأقوال مغالى فيها فضلاً عن أنه هو ذاته ليس له دخل بهذه المسألة لأنها من اختصاص مهندس مخصص لها، هو المهندس (عبد الرحمن زكي) فتخطيط هذه العملية والمقايسات الخاصة بها لم يصدر إلا عن إدارة الهندسة المدنية بالمؤسسة بمدينة القاهرة. والأمر في المؤسسة فوضى يفصلون بغير دليل حتى أنهم قرروا فصل الموظف (عبد الحميد الصواف) وهو كاتب بمكتب التنفيذ بالمنطقة الشمالية ثم أعيد النظر في قرار الفصل على ضوء تحقيق محلي آخر انتهى إلى إلغاء قرار الفصل الأول في ديسمبر سنة 1958 فالمسألة لا ضابط لها ولا رابط. ثم انتقلت صحيفة الدعوى إلى بحث الإجراءات والضمانات اللازم توافرها خصوصاً عند فصل الموظف فقالت: إن اللائحة التي كانت تطبق على مؤسسة التحرير قبل ضمها إلى الوزارة استمر العمل بها بعد الضم بقرار من الوزير المسئول. ولم يصدر حتى الآن لائحة خلافها. وتنص هذه اللائحة على أن توقيع عقوبة الفصل لا يكون إلا عن طريق مجلس تأديب مختص بذلك. ولا يكون الفصل عن طريق المدير. وعندما التحق المدعي بخدمة مؤسسة مديرية التحرير كانت تحميه هذه اللائحة فلا يجوز أن يعامل بقانون آخر يقلل من الضمانات التي دخل هذه الخدمة في ظلها. ولا يجوز أن تطبق عليه لائحة أخرى لم يصدر بها مرسوم بقانون وإنما جاءت من صنع يد الذين أرادوا البطش بالموظفين والانتقام من المدير السابق واستندت صحيفة الدعوى إلى القوانين رقم (91، 92) لسنة 1956 بشأن إصدار قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية، والقانون رقم (19) لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئة العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة، والقانون رقم 117 لسنة 1958، ولا يستساغ القول بأن القانون رقم 19 لسنة 1959 لا يطبق على المؤسسة (مديرية التحرير) لأن النص عام يطبق على المؤسسات والهيئات العامة ما لم تستثنى بنص خاص. فكان يتعين على مؤسسة مديرية التحرير حتى إذا كانت لائحتها الداخلية توجب الفصل أن تحيل الأوراق على النيابة الإدارية التي لها حق إحالة الموظف المذنب إلى المحاكمة التأديبية إذا ما قدرت أن الجزاء المستحق يتجاوز الخمسة عشر يوماً، فالمدعي تحصنه (1) لائحة مديرية التحرير التي التحق بخدمتها في ظلها واستمر العمل بها حتى بعد ضمها إلى الإصلاح طالما أنه لم يصدر ما ينم عن استبدالها بلائحة أخرى. (2) أحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 الصادر في 15 من يناير سنة 1959 أي بما يقرب من عام كامل قبل صدور قرار فصل المدعي. فكان يتعين إحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية أو المحكمة التأديبية عند الاقتضاء. فقرار الفصل الصادر في 1/ 12/ 1959 معيب بإساءة استعمال السلطة فضلاً عن أنه صدر بالمخالفة لأحكام القانون. وقد تظلم منه المدعي إلى السيد وزير الإصلاح في 29/ 12/ 1959. وانتهت صحيفة الدعوى إلى طلب الحكم بإلغاء قرار الفصل مع صرف مرتبه من أول ديسمبر سنة 1959 والحكم بقرش واحد على المدعى عليهما على سبيل التعويض المؤقت مع حفظ حقه في تعديله طلباته إلى مبلغ عشرة آلاف جنيه والمصروفات ومقابل الأتعاب.
ثم قدم المدعي مذكرة شارحة قال فيها أنه تقدم بتظلم آخر في 7/ 4/ 1960 وأن السيد الوزير أشر عليه ببحثه وإعادة عرضه عليه. ثم قدم مذكرة في 18/ 5/ 1960 بشأن طلب وقف تنفيذ قرار الفصل وبصرف مرتبه ثم في 29/ 10/ 1960 قدم مذكرة أخرى طلب فيها (1) وقف تنفيذ قرار الفصل. (2) ضم تقرير اللجنة الفنية برياسة المهندس عبد الواحد أحمد مدير إدارة الرأي بالإصلاح وكذلك تقرير اللجنة الأخرى برياسة المهندس محمود الديب مدير إدارة المباني بالإصلاح لأن كلاً من التقريرين أثبت عدم وجود فاقد يذكر في الطوب. (3) ضم محاضر الفحص التي عملت بمعرفة إدارة المخازن الخاصة بكمية 32 ألف طوبة ثم بكمية 18 ألف طوبة لأن محاضر الفحص أثبتت أنها سليمة وليس فيها ما يدل على وجود تزوير أو تبديل. (4) ضم تقرير الدكتور أحمد العريان عن فحص عينات الطوب بمعامل كلية الهندسة. وقال المدعي أن مؤسسة مديرية التحرير قد أغفلت في مذكرة دفاعها الكثير من الحقائق بقصد تبرير قرار الاستغناء عن خدماته. وكل التهم المنسوبة إليه يمكن وصفها بأنها مخالفات مالية من شأنها أن تتبع في تحقيقها والمحاكمة عنها إجراءات خاصة.
وفي 15 من يونيه سنة 1960 قدمت مديرية التحرير - إدارة الشئون القانونية والتحقيقات - مذكرة بدفاعها قالت فيها إنه في النصف الثاني من عام 1959 أجري تحقيق إداري تولته إدارة الشئون القانونية بها شمل مسائل مختلفة منها: حفر ترعة التحرير وتوريد الطوب والرمل. وقد ضمت هذه التحقيقات جميعها للتحقيق رقم 311 لسنة 1959 وبعد إنهاء التحقيق وقبل صدور القرار المطعون فيه، شكلت لجان مختلفة منها لجنة برياسة الدكتور أحمد السمني مدير عام مديرية التحرير وأستاذ الري بكلية الهندسة بجامعة القاهرة سابقاً. ولجنة أخرى برياسة المهندس علي العزبي نائب مدير عام المديرية لفحص النتائج الفنية التي انتهى إليها المحققون كما سمح للمدعي بالرد على ما ورد في التقرير خاص بترعة التحرير وقدم المدعي دفاعه عن ذلك. وقد انتقل المحقق لتحقيق دفاع المدعي المدون بتقريره فكشف أنه يحتوي على بيانات تخالف الحقيقة بل أنه ارتكب في سبيل إخفاء ما وقع منه من مخالفات كشطاً وتغييراً في مستندات رسمية. وانتهى التحقيق بصدور قرار بالاستغناء عن خدماته وهو جزاء يسير بالنسبة للتهم الثابتة ضده في التحقيق رقم 311 لسنة 1959 - فالمدعي مسئول من المخالفات الآتية:
أولاً: في توريد الطوب للمنطقة الشمالية بمديرية التحرير. المدعي كان يشغل وظيفة كبير المهندسين المدنيين بهذه المنطقة، وكان يشترك في لجان الفحص الخاصة بمواد البناء وكان يوقع على محاضر الفحص بصفته عضواً فنياً دون أن يحمل نفسه مشقة الفحص الفعلي على الطبيعة. وقد ساعد هذا الإهمال موظفي المخازن على التلاعب كما ساعد المورد، الأمر الذي تحملت بسببه المديرية ثمن مواد لم تورد. هذا بخلاف مواد أخرى كالرمل والزلط فقد ثبت التلاعب في توريدهما. وفضلاً عن ذلك فإن هنالك تقصيراً فنياً آخر هو:
( أ ) ثبت أن جزءاً من الطوب المورد مخالف للمواصفات من حيث الحجم وصغر الطوب يؤدي إلى زيادة عدده. (ب) عدم إجراء الفحص على الخامة ذاتها من الناحية الفنية.
2 - مسئوليته عن حفر جزء عن ترعة التحرير بالمنطقة الشمالية. كانت مديرية التحرير قد أتمت قبل نوفمبر سنة 1958 شق جزء من الترعة الرئيسية بلغ طوله حوالي (كيلو متر وثلث) استخدمت فيه عمالها وآلاتها. فلما أن تولى المدعي منصبه قامت المنطقة الشمالية في نوفمبر سنة 1958 بتكملة الحفر لمسافة (كيلو آخر وخمسة وستين متراً حتى الكيلو 2.369) بذات المواصفات الأولى. ولكن المدعي استعان بعماله من خارج المنطقة. علاوة على العمال المعينين لديه ( أ ) 250 عاملاً من المقاول يومياً لمدة 8 شهور (ب) 150 عاملاً من عمال المحاجر من المنطقة الجنوبية وبناء على ذلك بلغ عدد عمال المقاول 65 ألف عامل في 8 شهور وهي مدة إنهاء الحفر أي مبلغ 12 ألف جنيه بخلاف أجر عمال المديرية الذين طلبهم المدعي من المنطقة الجنوبية تمهيداً لشق هذا الجزء من الترعة. ورغبة في إيضاح العمل الذي يقوم به العمال في شق ترعة التحرير تقول المذكرة ما يأتي: ( أ ) الآلات التابعة لمديرية التحرير تقوم بالحفر حتى منسوب خمسة أمتار وهذه الآلات ذاتها تتولى تشكيل الجسور (ب) يقوم العمال بخلخلة التربة بعد منسوب خمسة أمتار لوجود طبقة صلبة تبلغ في المتوسط حوالي متر ونصف أما رفع الأتربة نتيجة لهذه الخلخلة فإنها تتم بواسطة الآلات التابعة للمديرية. (جـ) أجمع المهندسون الفنيون أن مجموع الأمتار المكعبة المطلوب من العمال تفكيكها أو خلخلتها تبلغ حوالي 35 ألف متر مكعب وأن العامل في المتوسط يقوم بخلخلة ثلاثة أمتار مكعبة في اليوم طالما أن رفع الأتربة يتم بواسطة الآلات. وقد ثبت أن المدعي قبل أن يقدم على هذا العمل لم يضع برنامجاً له يحدد فيه الطريقة والمدة والمبلغ اللازم، وعدد العمال. وقد اعترف المدعي بذلك الأمر الذي يدل على منتهى الفوضى والجهل بأبسط المبادئ الهندسية مما لا يصح أن يصدر من مهندس صغير في الوظيفة في حين أن المدعي يشغل وظيفة كبيرة بالمديرية ويتقاضى حوالي مائة جنيه شهرياً. وفضلاً عن هذا الاستهتار الذي وقع فيه المدعي في حفر هذا الجزء من ترعة التحرير والذي تسبب في خسارة فادحة لاستعانة المدعي بعمال المقاول، فإنه عندما قدم دفاعه في تقريره المؤرخ أول نوفمبر سنة 1959 ارتكب تزويراً في محاضر يومية العمال بأن أضاف وكشط في أصل الكشوف لكي يوهم بصحة دفاعه وأن عمال المقاول كانت تعمل في جهة أخرى خلاف ترعة التحرير. وكان المدعي قد أنكر أن بدء الحفر في ترعة التحرير في نوفمبر سنة 1958 ولكن التحقيق أثبت أن استخدام عمال المقاول كان في نوفمبر سنة 1958 ثم قالت إدارة الشئون القانونية والتحقيقات لمديرية التحرير أن المدعي قد ثبت عدم صلاحيته للبقاء في الوظيفة وهذا أمر تنفرد به الإدارة طالما أن أسباب الاستغناء لها أصل ثابت في الأوراق وقد سمعت أقوال المدعي في التحقيق. ثم تكلمت المذكرة عن التقصير والإهمال في مواد البناء والاستهتار والتبذير والإسراف في عملية حفر جزء من ترعة التحرير فضلاً عن التزوير والتلاعب في أوراق رسمية. ثم ردت المذكرة على ما جاء بصحيفة الدعوى خاصاً باللائحة الواجبة التطبيق. فقالت إن المدعي يقرر أن لائحة المؤسسة المنفذة للقانون رقم 148 لسنة 1954 هي الواجبة التطبيق. في حين أن هناك قراراً جمهورياً صدر في 3/ 11/ 1957 يقضي بإلغاء ذلك القانون وبإدماج مديرية التحرير في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي لوزارة الإصلاح الزراعي. وتؤكد مذكرة دفاع مديرية التحرير أن اللائحة المطبقة حالياً على مديرية التحرير هي ذات اللائحة المطبقة على الهيئة الدائمة - وقالت المديرية أنه مرفق صورتها - ثم استطردت قائلة أن القانون العام يبيح للسيد وكيل الوزارة المسئول الاستغناء عن خدمات الموظفين إذا ثبت له أن في وجودهم إضراراً بالصالح العام. ثم تعرضت المذكرة للقانون رقم 19 لسنة 1959 الصادر في 15 يناير سنة 1959 والذي نص في مادته الأولى على حق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق فيما يتكشف لها من مخالفات، فالجهة الإدارية هي أقدر على تفهم مدى صلاحية موظفيها وتصرفها هذا يكون في حدود المصلحة العامة بشرط ألا يكون تصرفها معيباً بإساءة استعمال السلطة. وقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 على سريان أحكام بعض المواد من القانون رقم 117 لسنة 1958 على المؤسسات العامة والشركات وهو ذاته لم يحرم الجهة الإدارية حق الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق. وجعل اختصاص النيابة الإدارية معقوداً في حالات معينة أوردها القانون على سبيل الحصر وهي: (1) إجراء الرقابة (2) فحص الشكاوى التي تحال من الرؤساء المختصين أو من أية جهة رسمية عن مخالفة القانون أو الإهمال في أداء واجبات الوظيفة (3) إجراء التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية التي يكشف عنها إجراء الرقابة وفيما يحال إليها من الجهات الإدارية المختصة وفيما يتلقاه من شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها (4) تتولى النيابة الإدارية مباشرة الدعوى التأديبية أمام المحاكم التأديبية بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة. من ذلك يخلص أن اختصاص النيابة الإدارية مقصور على ما يحال عليها من الرؤساء المختصين، وهو ما لم يحدث في شأن المدعي كما أن النص على تولي النيابة الإدارية مباشرة الدعوى التأديبية أمام المحاكم التأديبية مقصود به توحيد مجالس التأديب السابقة رغبة في سرعة الفصل ولكنه لا يعني حرمان الجهة الإدارية من حقها السابق المقرر في لوائحها إلا فيما يتعلق بالتحقيقات التي تتولاها النيابة الإدارية ابتداء وإلا لنص المشرع على ذلك صراحة. فإذا كان المشرع قد خول الجهة الإدارية حق إجراء التحقيق فكيف تتصرف بعد ذلك في نتيجة وهل تعيد عرضه على النيابة الإدارية. وعلى ذلك فإن حق جهة الإدارة في اتخاذ ما تراه من إجراءات تأديبية بالنسبة للتحقيق قد تولته ولم يرد في القانون رقم 117 لسنة 1958 والقانون رقم 19 لسنة 1959 نص بمنح جهة الإدارة هذا الحق وتأسيساً على ذلك يكون ما ارتأته مديرية التحرير بالنسبة للمدعي هو إجراء سليم مما يتعين معه إهدار ما أثاره المدعي في هذا الصدد وعدم الاعتداد به. والقانون ينص على حق جهة الإدارة في فصل الموظف بغير الطريق التأديبي فإن كان موظفاً خاضعاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 فصل بقرار من رئيس الجمهورية وإن كان موظفاً بإحدى المؤسسات العامة كان للمصلحة العليا فيها حق الفصل وهذه السلطة في مديرية التحرير منوطة بوكيلي وزارة الإصلاح الزراعي باعتباره مشرفاً عاماً على مديرية التحرير بموجب قرار مجلس إدارتها وخلصت المذكرة إلى طلب رفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات. وقد أرفقت المديرية بمذكرتها التحقيق رقم 311 لسنة 1959 الذي قامت به إدارة الشئون القانونية والتحقيقات. وتناول التلاعب في الوقود، وفي توريد السبلة، وفي توريد الرمل ثم التلاعب في توريد الطوب وفي حفر ترعة التحرير. وقد جاء به عن التلاعب في توريد ألفي طوبة أن التزوير في الإيصال ظهر من مذكرة مقدمة من المهندس (حامد والي) المدعي وتتضمن أن هذه الكمية لم تورد وأن ما نسب إلى المدعي من أنه كان يوقع على محاضر فحص الطوب دون معاينة إطلاقاً ولم يحصر كمياته ولم يطابق مواصفاته وأنه لم يعتبر محضر الفحص ذا قيمة إطلاقاً وقد جوزي عن ذلك بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه وإنذاره بالفصل. وأما عن ترعة التحرير فقد نسب إليه بأنه لم يقم بأية دراسة فنية لعملية الحفر وأنه لم يستخدم عمال المديرية وبذلك يكون قد تسبب في صرف مبلغ يزيد على 12 ألف جنيه لمقاول توريد الأنفار، ثم انتهى المحقق إلى القول بأنه (لذلك اقترح الاستغناء عن خدماته). وقد قدم السيد المفوض تقريره في الدعوى استعرض فيه كافة وقائعها وخلصت إلى طلب الحكم: (1) بصرف مرتب المدعي بصفة مستعجلة (2) بإلغاء القرار الصادر بفصله من الخدمة في أول ديسمبر سنة 1959. (3) بتعويض مؤقت قدره قرش واحد مع ما يترتب على ذلك من أثار وإلزام المدعى عليهما المصروفات.
وبجلسة 20 من سبتمبر سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري - هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي - (بإلغاء قرار الفصل الصادر في أول ديسمبر سنة 1959 وما يترتب على ذلك من آثار، ورفض طلب التعويض وإلزام المدعى عليهما المصروفات المناسبة ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل الأتعاب.) وأقامت المحكمة قضاءها هذا، وبحق، على أن القرار الصادر من السيد وكيل وزارة الإصلاح الزراعي. وهو المشرف العام على مديرية التحرير بمقتضى قرار صادر من مجلس إدارتها، بالاستغناء عن خدمات المطعون عليه، يكون قد صدر ممن يملك إصداره خلافاً لما ذهب إليه المدعي في دفاعه وظاهره في ذلك السيد مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري في تقريره. أما عن موضوع التحقيق فقد قال الحكم المطعون فيه أن قرار الاستغناء عن خدمات المدعي قد بني على: (1) توريد الطوب بالمنطقة الشمالية لمديرية التحرير. (2) حفر جزء من ترعة التحرير بالمنطقة الشمالية على النحو السالف الإشارة إليه في وقائع الدعوى. ولئن كان التحقيق قد تناول خمس مسائل هي (1) التلاعب في الوقود، (2) التلاعب في توريد السبلة (3) التلاعب في توريد الرمل (4) التلاعب في توريد الطوب (5) التلاعب في حفر ترعة التحرير، إلا أن جهة الإدارة وجهاز التحقيق لم ينسب للمدعي من هذه البنود سوى أمر التلاعب في توريد الطوب وفي حفر الجزء الثاني من ترعة التحرير. ولم يرد في طلب قرار الاستغناء عن خدماته من أسباب الفصل سوى اتهام التلاعب في حفر ترعة التحرير. وبعد أن فند الحكم المطعون فيه كافة الادعاءات المنسوبة إلى المطعون عليه في ضوء ما استشهدت به المحكمة من واقع محاضر التحقيق خلصت إلى القول بأن "التهم الموجهة إلى المدعي غير مستساغة استساغة كاملة عما ورد في الأوراق، وأن هذه الأوراق لتشهد بأن التهم غير قائمة على أساس سليم وأن الأدلة المذكورة في صفحات التحقيق تدحض تلك التهم. لأن المدعي قام بتنفيذ أوامر مدير التنفيذ، ولم يعمل من تلقاء نفسه وأنه وإن كان قد حدث تلاعب من جانب المقاول (علي بدوي الزقم) في توريد الطوب بمعاونة أمين المخازن وموظفيه، وتلاعب (علي المغربي) الموظف بمكتب مدير التنفيذ، فمرد ذلك إلى أوامر مدير التنفيذ بتشوين الطوب خارج المخازن، والسماح بالتوريد بعد مواعيد العمل الرسمية وكل ذلك بأمر المدير مما سهل التلاعب في التوريد كما سبق ذكره بالتحقيق (ص 26) وأنه لا وجه للوم المدعي في هذا الشأن لأنه هو الذي قام أولاً ومن تلقاء نفسه بالتبليغ عن التلاعب في الطوب ثم أنه قام بواجبه في فحص الطوب وغير ذلك من الإجراءات فأما عن التهمة الثانية الخاصة بحفر ترعة التحرير، فإن محكمة القضاء الإداري انتهت أيضاً إلى أنها غير مستساغة من الأوراق لأن المنطقة التي هو مسئول عنها كانت صلبة وبها صخور كثيرة ولم يستطع إتمام العملية بها إلا بعد الاستعانة بالمتفجرات وكان ذلك كله بناء على أمر من السيد المدير العام وبمناقصة قانونية وفضلاً عن ذلك فإن تشغيل عمال المقاول كان بناء على عقد حرره المدير العام للمديرية مع المقاول (إبراهيم دراز) وكان ذلك بناء على تقرير من اللجنة وافق عليه المدير العام. وأن البرنامج الخاص، بالحفر وإتمامه قبل يوليه سنة 1959 قدم بناء على تقرير اللجنة التي يرأسها مدير التنفيذ وأنه وإن كانت قد حدثت زيادة في الحفر فمرجع ذلك إلى اختلاف طبيعة الأرض عن الحفر السابق للترعة من الفم إلى الكيلو (1) واحد وثلث، ومن ثم تكون هذه التهمة أيضاً غير ثابتة في حق المدعي ويترتب على ذلك الحكم بإلغاء قرار الاستغناء عن خدمات المدعي ذلك القرار الصادر في أول ديسمبر سنة 1959 وما يترتب على ذلك من آثار. أما عن طلب التعويض فقد رأت محكمة القضاء الإداري أن في إجابة المدعي إلى طلب عودته إلى العمل بوظيفته التي كان عليها جبراً لكل تعويض فلا محل إذن لمثل هذا الطلب، وتأسيساً على ذلك يتعين الحكم بإلغاء القرار الصادر في أول ديسمبر سنة 1959 وما يترتب على ذلك من آثار ورفض طلب التعويض مع إلزام المدعى عليهما المصروفات المناسبة.
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم أصالة على مناقشة بعض الأسباب الموضوعية التي استند إليها الحكم المطعون فيه تدليلاً من جانب المحكمة على أن فصل المطعون عليه لم يقم على سبب صحيح يبرره. وفي ذلك يقول تقرير الطعن أن التحقيق الذي قامت به إدارة التحقيقات بمديرية التحرير قد قام على أساس سليم وبإجراءات سليمة، كما أن النتيجة التي انتهى إليها التحقيق هي سائغة. وقد توافر لجهة الإدارة الاقتناع بعدم صلاحية المطعون عليه لشغل وظيفته ومعلوم أن تقرير صلاحية الموظف متروك أمره لجهة الإدارة ولها أن تستند في هذا التقدير إلى الوقائع الثابتة في التحقيق أو إلى نتيجة التجربة العملية لكيفية مباشرة هذا الموظف لاختصاصاته أثناء مدة خدمته. وما دام اقتناع الإدارة كان لوجه المصلحة العامة فإن قرارها في هذا الشأن يكون قد قام على سببه ومن ثم يكون حصيناً من الإلغاء. وانتهى تقرير طعن الحكومة إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون عليه مع إلزامه المصروفات.
ومن حيث إن يبين من الاطلاع على الملف رقم (104/ 5) الخاص بالمهندس حامد بسيوني والي بمديرية التحرير أنه في 6 من إبريل سنة 1956 أصدر الصاغ محمد مجدي حسنين عضو مجلس الإدارة المنتدب لمؤسسة مديرية التحرير أمر المستخدمين رقم (23) بالموافقة على تعيين المطعون عليه والحاصل على بكالوريوس الهندسة سنة 1942 بوظيفة مهندس بقسم الري والتسوية بمديرية التحرير من تاريخ استلامه العمل في 19 من إبريل سنة 1956 بمرتب شهري قدره خمسة وسبعون جنيهاً علاوة على مبلغ (15) جنيهاً شهرياً بدل تنفيذ. وثابت بالملف أيضاً أنه في 3 من ديسمبر سنة 1959 أرسل السيد مراقب المستخدمين بالإدارة العامة لمديرية التحرير كتاباً مسجلاً إلى المطعون عليه بوصفه مدير أقسام الهندسة المدنية بالمنطقة الشمالية هذا نصه: (بناء على التحقيق رقم 311 لسنة 1959 وموافقة السيد المستشار الجمهوري، واعتماد السيد الدكتور أحمد السمني المدير العام والسيد وكيل وزارة الإصلاح الزراعي قد تقرر الاستغناء عن خدماتكم، وذلك كنتيجة للتحقيق في تلاعب توريد عمال حفر ترعة التحرير بالمنطقة الشمالية، ولما هو مبين من أسباب التحقيق. والله أكبر والعزة للعرب. (توقيع مراقب المستخدمين). وفي 29 من ديسمبر سنة 1959 تظلم المطعون عليه من قرار فصله إلى السيد وزير الإصلاح الزراعي لأن قرار الاستغناء عن خدماته فضلاً عن أنه معيب شكلاً فإنه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق. وفي 23 من إبريل سنة 1960 أقام المطعون عليه الدعوى وطلب الحكم بإلغاء قرار فصله وبصرف مرتبه وبإلزام المدعى عليهما بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
ومن حيث إنه يتعين للفصل فيما أثاره المطعون عليه من أن قرار الاستغناء عن خدماته الصادر في أول ديسمبر سنة 1959 معيب بعدم اختصاص الجهة التي أصدرته وأنه صدر ممن لا يملك إصداره، تقضى القواعد القانونية والأصول المرعية التي تحكم الموظفين والمستخدمين والعمال بمؤسسة مديرية التحرير منذ إنشائها ثم في مختلف المراحل التي مرت بها لحين صدور القرار المطعون فيه. ففي 20 من مارس سنة 1954 صدر القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير وجاء في مادته الأولى "تنشأ مؤسسة عامة تسمى (مؤسسة مديرية التحرير) وتقوم تباعاً بتهيئة أجزاء من منطقة الصحراء الغربية حسب ما يقرره مجلس الوزراء لتكون مديرية باسم مديرية التحرير، وتتولى جميع الأعمال الخاصة بالتوسع الزراعي والصناعي والعمراني لتحقيق هذا الغرض ويكون لهذه المؤسسة شخصية اعتبارية". ونصت المادة الرابعة منه على أن يقوم بإدارة المؤسسة مجلس إدارة يشكل من اثني عشر عضواً يعينون بقرار من مجلس الوزراء. ويقوم مجلس الإدارة بجميع التصرفات اللازمة لتحقيق غرض المؤسسة دون التقيد بالنظم أو الرقابة المالية والإدارية المتبعة في المصالح الحكومية وذلك في حدود اللائحة المالية ولائحة التوظف اللتين يضعهما المجلس ويصدر بهما مرسوم. وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون: (ويبين هذا المشروع أن المؤسسة يديرها مجلس إدارة مكون من اثني عشر عضواً ويبين طريق تعيينهم أو اختيارهم وكيفية اجتماعهم ومدى سلطات مجلس الإدارة وسلطات رئيس مجلس الإدارة ويحدد المشروع الوضع المالي من أن المؤسسة تدير أموالها بنفسها دون التقيد بلوائح ونظم الحكومة، مع خضوعها المباشر لمجلس الوزراء من حيث تقديم مشروع الميزانية إليه... إلخ. وواضح مما جاء في مواد هذا القانون أنه يهدف إلى البعد بالمشروع عن الأداة الحكومية قدر المستطاع إلا فيما يختص باختيارها لمن تعهد إليهم إدارة المشروع). وفي 2 من مارس سنة 1955 أصدر مجلس الوزراء قراراً باللائحة المالية ولائحة التوظيف لمؤسسة مديرية التحرير وجاء في مادته الأولى (يعمل باللائحة المالية ولائحة التوظف لمؤسسة مديرية التحرير المرافقتين من تاريخ نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ولمجلس الإدارة إصدار القرارات المنفذة لأحكامها). واختص الباب السادس من لائحة التوظف بالعقوبات التأديبية فنص في المادة 30 على الجزاءات التي يجوز توقيعها على الموظفين وهي تبدأ بالإنذار، ثم بالخصم من المرتب لمدة لا تجاوز ثلاثة أيام ثم تنتهي في البند السادس بالفصل مع الحرمان من المكافأة. ونصت المادة 31 من اللائحة على أن: "للرئيس المباشر توقيع الجزاء المنصوص عليه في البند أولاً من المادة السابقة (الإنذار) كما يجوز له توقيع الجزاء المنصوص عليه في البند ثانياً (الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز ثلاثة أيام) بعد موافقة عضو مجلس الإدارة المنتدب. ويصدر بالجزاءات المنصوص عليها في باقي البنود قرار من مجلس تأديب يشكل من ثلاثة أعضاء تعينهم الجهة المنوط بها تعيين الموظف وفقاً للمادة الأولى من هذه اللائحة" وفي المادة (32): "يصدر قرار مجلس التأديب مسبباً ويبلغ إلى الموظف خلال أسبوعين من تاريخ صدوره بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول". وقالت المادة 33 من اللائحة (القرارات التأديبية نهائية). ولكن حدث في 3 من نوفمبر سنة 1957 أن صدر قرار رئيس الجمهورية باندماج مؤسسة مديرية التحرير في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي واستندت ديباجة هذا القرار على القانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة وعلى القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير، وعلى القانون رقم 643 لسنة 1955 الخاص بالهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المعدل بالقرار رقم 613 لسنة 1957. ونص في المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية الصادر في 3/ 11/ 1957 على أن "تدمج مؤسسة مديرية التحرير في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي". ونصت المادة الثانية منه على أن (يلغى القانون رقم (148) لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير ويعمل بذلك من 3/ 11/ 1957) وواضح من ذلك أن المشرع لاعتبارات قدرها ألغى القانون رقم (148) لسنة 1954 وما لحق به بكل تأكيد من لائحتيه المالية والخاصة بالتوظف وذلك ابتداء من 3 نوفمبر سنة 1957 وما دامت مؤسسة مديرية التحرير قد أدمجت من هذا التاريخ في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي فإنه لا جدال أن تسري عليها كافة الأحكام واللوائح التي تنظم هيئة الاستصلاح هذه مما يتعين معه تقصي أوضاعها، ففي 30 من مارس سنة 1954 صدر القانون رقم 169 لسنة 1954 بإنشاء الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي وتشكل من السيد وزير الزراعة رئيساً ومن وزراء المالية والاقتصاد والأشغال وغيرهم أعضاء. وتختص الهيئة بتحقيق الأغراض التي نصت عليها المادة الثانية من هذا القانون وفي طليعتها حصر الأراضي البور القابلة للإصلاح ورسم السياسة العامة لاستصلاحها وزراعتها وتعميرها. ونصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من هذا القانون على أنه (ولا تخضع الهيئة في إدارة أموالها ولا في حساباتها للقوانين والتعليمات التي تجرى عليها الحكومة ولا الرقابة التي تخضع لها ميزانية الدولة) وجاء بالمادة الرابعة من هذا القانون (يكون للهيئة لائحة داخلية تصدر بقرار منها بعد موافقة مجلس الوزراء) وفي 25 من أكتوبر سنة 1955 أصدرت الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي قراراً باللائحة الداخلية للهيئة استناداً إلى القانون رقم 169 لسنة 1954 وبناء على موافقة رأي مجلس الوزراء وجاء في المادة الوحيدة من هذا القرار (يعمل باللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المرافقة لهذا القرار وذلك من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. ونصت هذه اللائحة الداخلية على إنشاء مكتب تنفيذي للهيئة وبينت اختصاص هذا المكتب، كما نصت على وظيفة (عضو الهيئة الدائمة المنتدب) وجاء في المادة الثامنة من اللائحة (تنتدب الهيئة الدائمة أحد أعضائها ليكون، عضواً منتدباً وتكون له الاختصاصات الآتية: (1)..... (2) تعيين الموظفين وفصلهم من الخدمة وترقيتهم ومنحهم العلاوات الدورية ونقلهم وكذلك ندبهم وإعارتهم من الوزارات والجهات الحكومية وغيرها. وتحديد المرتبات والأجور المستحقة لهم وذلك كله وفقاً للنظام الذي تقرره الهيئة الدائمة). ثم حدث بعد ذلك في 27 من ديسمبر سنة 1955، أن صدر القانون رقم 643 لسنة 1955 بشأن الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي. فنص في المادة الثانية منه بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية الصادر في 10 من يوليو سنة 1957 على أن (يكون للهيئة مجلس إدارة يشكل بقرار من رئيس الجمهورية، ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيين المدير العام للهيئة وبتحديد المرتبات والمكافآت التي تمنح له. ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة الثانية على أن يعين بقرار من مجلس الوزراء العضو المنتدب للإشراف على تنفيذ قرارات الهيئة وفقاً لما تبينه اللائحة الداخلية. والمادة السادسة من هذا القانون رقم 643 لسنة 1955 تنص على أنه (لا تخضع الهيئة في أنظمتها وحساباتها وإدارة أموالها وقواعد تعيين موظفيها وترقياتهم وتأديبهم وسائر شئونهم للقوانين واللوائح والتعليمات التي تجرى عليها الحكومة ولا للرقابة التي تخضع لها ميزانية الدولة)... وتحدثت المادة السابعة من هذا القانون عن اللائحة فقالت (يصدر مجلس الوزراء قرار باللائحة الداخلية للهيئة وتتضمن النظم والقواعد التي تسير عليها في جميع شئونها وعلى الأخص في إدارة وتنظيم أعمالها وحساباتها ونظام موظفيها ويشمل قواعد تعيينهم وترقيتهم وتأديبهم والمكافآت التي تمنح لهم أو لغيرهم ممن يندبون أو يعارون إليها). وقد عدلت هذه المادة السابعة بقرار من رئيس الجمهورية صدر في 10 من يوليو سنة 1957 فأصبح نصها يجري بالآتي: (يعد مجلس الإدارة لائحة للهيئة تصدر بقرار من رئيس الجمهورية تتضمن النظم والقواعد التي تسير عليها وتنظم أعمالها وحساباتها ونظام موظفيها ويشمل قواعد تعيينهم وترقيتهم وتأديبهم والمكافآت التي تمنح لهم أو لغيرهم..) وقد صدرت هذه اللائحة التي استلزمت صدورها هذه المادة، صدرت بقرار رئيس الجمهورية رقم 2270 لسنة 1960 باللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي (ونشرت بالجريدة الرسمية في 31 من ديسمبر سنة 1960 العدد رقم 300) وجاء بالمادة الأولى منه (يعمل باللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المرافقة لهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1960 ونصت المادة الثانية من هذا القرار على أن (تلغى اللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1955 وكل قرار يخالف أحكام اللائحة المرافقة) ومفاد هذا النص أن لائحة 25/ 10/ 1955 ظلت سارية المفعول منذ تاريخ صدورها حتى ألغاها القرار رقم (2270) الصادر في 18 من ديسمبر سنة 1960 بصدور اللائحة الجديدة والتي لا تسري أحكامها بطبيعة الحال على وقائع هذه الدعوى التي تحكمها قواعد وبنود لائحة 25 من أكتوبر سنة 1955، فالمطعون عليه عين بمديرية التحرير في إبريل سنة 1956 وصدر قرار الاستغناء عن خدماته وهو القرار المطعون فيه، صدر في أول ديسمبر سنة 1959 فلا يحكم وضعه إلا القانون رقم 643 لسنة 1955 الصادر في 27 من ديسمبر سنة 1955 واللائحة الداخلية الصادرة في 25 من أكتوبر سنة 1955 بعد صدور قرار رئيس الجمهورية في 3/ 11/ 1957 بإدماج مؤسسة مديرية التحرير في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي وإلغاء القانون رقم 148 لسنة 1954 بإنشاء مؤسسة مديرية التحرير ولائحتها الداخلية الصادرة في 2 من مارس سنة 1955 على النحو السالف تفصيله. وتأسيساً على ذلك يكون قرار الاستغناء الصادر في أول ديسمبر سنة 1959 قد صدر ممن يملك إصداره ولا وجه للتحدي بأحكام القانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة فقد جاءت المادة الثانية منه صريحة في أن (يعمل بأحكام القوانين والمراسيم بقوانين الصادرة بإنشاء مؤسسات عامة وتنظيمها فيما لا يتعارض مع أحكام القانون المرافق ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية إلغاء المؤسسات القائمة أو إدماجها أو تعديل نظمها وفقاً لأحكام القانون المرافق) ونصت المادة السابعة من قانون المؤسسات العامة على أن مجلس إدارة المؤسسة هو السلطة العليا المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها ووضع السياسة العامة التي تسير عليها وله أن يتخذ ما يراه لازماً من القرارات..... وذلك وفقاً لأحكام هذا القانون وفي الحدود التي بينها قرار رئيس الجمهورية الصادر بإنشاء المؤسسة. ويختص مجلس الإدارة بوضع اللوائح المتعلقة بتعيين موظفي المؤسسة وعمالها وترقياتهم ونقلهم وفصلهم وتحديد مرتباتهم... في حدود قرار رئيس الجمهورية الصادر بإنشاء المؤسسة). وجاء في المادة 13 من هذا القانون "تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة)".
ومن حيث إنه عن موضوع التحقيق رقم 311 لسنة 1959 والذي كان سبباً لإصدار القرار المطعون عليه فمن المقرر أن الإدارة إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقيق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها ذلك القرار. وقد سلف ذكر نص القرار المطعون فيه والصادر بالاستغناء عن خدمات المدعي اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1959 وثابت أنه قد بني على جانب من الأسباب الواردة بمذكرة التحقيق الإداري المشار إليه. وسبب الاستغناء هو نتيجة التحقيق في تلاعب توريد عمال حفر الشق الثاني من ترعة التحرير. ويتحصل ما نسب إلى المطعون عليه في أنه استعان في عملية الحفر بعدد من العمال يزيد على العدد المقرر بالقياس إلى ما سبق للمديرية حفره من هذه الترعة قبل قيام هذا الموظف بالعمل فيها. وقد ترتب على ذلك تحميل خزانة مديرية التحرير مبلغاً من المال يقرب من 12 ألف جنيه صرف إلى مقاول توريد الأنفار. كما أن المطعون عليه لم يضع برنامج لتحديد طريقة العمل ومدته وعدد العمال اللازم لأداء المهمة الفنية في أقصر وقت. وفي موضوع توريد الطوب أخذوا على المدعي أنه كان يوقع على محاضر الفحص دون أن يكلف نفسه عناء قيامه بمعاينتها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد تناول أسباب الفصل المشار إليها في قرار الاستغناء سبباً سببا وقام بتنفيذ كل منها من واقع محاضر التحقيق وأقوال الشهود وقرارات اللجان الفنية التي شكلت للبحث عن الحقيقة الفنية في كل من تلك المخالفات المنسوبة إلى المطعون عليه فالثابت من أوراق التحقيق أن عمال أقسام الهندسة هم 294 عامل موزعون على الأقسام المختلفة التي يشرف عليها المطعون عليه، وهي أقسام المساحة والري والكراكات والطرق والإنشاءات وهذا العدد يتكون من قياسين من قسم المساحة والملاحظين والسائقين والميكانيكيين والزياتين بقسمي الطرق والكراكات والبنائين وعمالهم بقسم الري، فإذا استنزل عدد هؤلاء العمال من الرقم 294 يبقى فقط 75 عاملاً من عمال الحفر في أعمال التطهيرات وحفر ترعة التحرير والطرق وقد ثبت كل ذلك في محضر التحقيق وفي محضر اللجنة الفنية المكونة من السيد مدير التنفيذ وغيره من مهندسي المنطقة لوضع برنامج حفر ترعة التحرير وكان لابد من إتمام الحفر قبل شهر يوليه سنة 1959 حتى تغذي مياه الفيضان المساحة المستصلحة وقدرها حوالي ألفي فدان لابد وأن تغمرها المياه في ذلك التاريخ. واللجنة المذكورة قد قدرت أن عدد عمال أقسام الهندسة المدنية غير كاف لحفر ترعة التحرير بتربتها الصلبة الصخرية ومن أجل ذلك طلبت اللجنة كتابة في محضرها ضرورة الاستعانة بعمال غير عمال المنطقة يقوم بتوريدهم أحد مقاولي الأنفار وقد عرض هذا المحضر على السيد المدير العام فوافق على إبرام العقد مع مقاول الأنفار (إبراهيم دراز). فالمطعون عليه أشرف على تنفيذ بنود العقد المبرم واضطر إلى استعمال المتفجرات بعد موافقة السيد المدير العام فلا تثريب عليه في شيء من ذلك. لأن اللجنة الفنية هي التي وضعت برنامج الحفر واقتضت العملية جهداً جباراً ولولا إقدام المدعي لما أمكن الانتهاء من هذه المهمة الفنية في يوليه سنة 1959، ولما غمرت مياه الفيضان مساحة الألفي فدان مستصلحة ولضاع الموسم الزراعي كله على مديرية التحرير: وتأسيساً على ذلك انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن أسباب قرار الفصل لم تستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول الأوراق والتحقيقات الإدارية بل هي لا تؤدي إلى مساءلة المدعي بشأنها سواء فيما يتعلق بحفر الجزء الثاني من ترعة التحرير أو بموضوع التلاعب في توريد الطوب. والثابت من استقراء الأوراق ومحاضر التحقيق أن الحكم المطعون فيه قد استخلص النتيجة التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً صحيحاً. ومن ثم يكون قد أصاب الحق في قضائه بإلغاء قرار الفصل وما يترتب على ذلك من آثار - فيما عدا ما جاء بأسبابه من صرف مرتب المطعون عليه من تاريخ فصله - وذلك للأسباب المفصلة التي استند إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة ولا ترى محلاً لترديدها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الطاعنة بالمصروفات.