أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 11 - صـ 191

جلسة 25 من فبراير سنة 1960

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: الحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.

(30)
الطعن رقم 321 لسنة 25 القضائية

( أ ) حكم: "عيوب التدليل" "مخالفة الثابت بالأوراق" "ما لا يعد كذلك" "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل" "كفاية الرد الضمني".
مثال في تكييف لعلاقة مشاركة.
(ب) نقض "حالات الطعن" "الخطأ في تطبيق القانون" "ما لا يعد كذلك".
مثال لنعي بالخطأ في تطبيق القانون بمقولة إن الفصل في النزاع كان على خلاف حكم سابق بين ذات الخصوم حاز قوة الشيء المقضي.
1 - إذا كانت العلاقة بين الطرفين - الطاعن والمطعون عليه الأول - طبقاً للتكييف الذي أسبغه عليها الحكم المطعون فيه هي علاقة بين شريكين في ملكية أطيان زراعية انفرد الطاعن بتحرير عقد شرائها وأقر للمطعون عليه الأول بملكية النصف فيها، وكان الحكم المطعون فيه قد استند في هذا الصدد إلى اتفاق تضمنت عباراته الصريحة الإقرار للمطعون عليه الأول بملكية النصف في الأطيان وإلى اتفاق لاحق أوضحت مقدمته علاقة المشاركة بين الطرفين على أساس الاتفاق الأول بغير تبديل أو تعديل، كما استند أيضاً إلى كشف المحاسبة التي أجريت بين الطرفين، إذ جاء به ما يفيد أن الأطيان مناصفة بينهما، فإن ما قرره الحكم في هذا الخصوص هو استخلاص سائغ لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، ويحمل الرد الضمني على طلب الطاعن الاحتياطي المؤسس على أن المطعون عليه الأول كان مشترياً لنصيب الطاعن في الأطيان موضوع النزاع، ولا يجدي معه ما يثيره الطاعن من قيام التزامات تبادلية بينه وبين المطعون عليه الأول باعتبار أحدهما بائعاً والآخر مشترياً.
2 - إذا كان الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لأنه فصل في النزاع على خلاف ما قرره حكم سابق صدر بين ذات الخصوم وحاز قوة الشيء المقضي، وكان الثابت من الحكم الآخر أن أطيان النزاع مملوكة للطاعن والمطعون عليه مناصفة وأن تعاقب الاتفاقات بشأنها لم يقصد به إلا أن يتوصل الطاعن إلى بيع نصيبه البالغ النصف فيها تارة للمطعون عليه الأول وحده وتارة له ولآخرين، أما النصف الآخر الذي قضى الحكم المطعون فيه للمطعون عليه الأول بتثبيت ملكيته إليه فلم يتناوله الطاعن في طلباته ولم يمسه الحكم الصادر في هذه الدعوى، فإن هذا النعي يكون على غير أساس.


المحكمة

وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 28/ 9/ 1944 حرر بين الطاعن والمطعون عليه الأول اتفاق جاء به أن الطرفين يمتلكان مناصفة أطياناً زراعية مساحتها 158 فداناً بمشتملاتها اشتراها الطاعن من ورثة يوسف ندا بموجب عقد ابتدائي رفعت عنه دعوى صحة تعاقد أمام محكمة الإسكندرية المختلطة وثمانية أفدنة اشتراها الطرفان من عبد المقصود فتح الباب. وتضمن الاتفاق رضاء الطرفين على أن يشتري المطعون عليه الأول نصيب الطاعن في هذه الأطيان بواقع 28 جنيهاً للفدان، وتعهد المشتري بدفع مبلغ 1000 جنيه من الثمن في نهاية ديسمبر سنة 1944، والباقي في نهاية ديسمبر سنة 1945 عند تحرير العقد النهائي. وفي 13/ 6/ 1946 حرر اتفاق ثان بين الطرفين وآخرين، ردد به المتعاقدون واقعة ملكية الطاعن والمطعون عليه الأول للأطيان مناصفة. وجاء بهذا الاتفاق أنه بسبب مديونية المطعون عليه الأول للطاعن بمبلغ 3002 جنيه و643 مليماً طبقاً لكشف المحاسبة المحرر في 31/ 10/ 1945 والخطاب الصادر من الطرفين إلى شركة مصر للتجارة والمقاولات في 2/ 4/ 1946، ولأن المدين لم يقم بسداد شيء من دينه، فقد أحضر باقي أطراف الاتفاق ليقوموا بشراء جزء من الأطيان، ونص بالاتفاق على أن هذه الوقائع تعد جزءاً منه. وتناول الاتفاق بعدئذ مقدار الأطيان التي اختص بها كل مشتر وثمنها ومواعيد السداد. وقرر الطرفان أن هذا الاتفاق يلغي الاتفاقات السابقة. وأكدا في نهايته أن الأطيان موضوعة مملوكة لهما معاً، وأنها آلت إلى الطاعن بموجب حكم صحة ونفاذ عقد البيع الصادر من ورثة يوسف ندا، إلا أنه بناء على طلب الطاعن بالدعوى رقم 756 سنة 1947 كلي القاهرة قضى في 11/ 6/ 1951 بفسخ عقد البيع المؤرخ 13/ 6/ 1946 بالنسبة لجميع المشترين فيما عدا ورثة المرحوم محمد حافظ رجب لقيامهم بدفع الثمن أثناء رفع الدعوى والشيخ محمد محمد جمال الدين الذي أدى الثمن عند التوقيع على العقد.
فأقام المطعون عليه الأول الدعوى رقم 201 سنة 1951 كلي القاهرة مختصماً الطاعن وطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 28/ 9/ 1944 المتضمن الإقرار بملكيته لنصف الأطيان المشتركة بينه وبين الطاعن البالغ مقداره 74 فدان و12 قيراطاً و6 أسهم، وأقام الطاعن من جانبه الدعوى رقم 284 سنة 1953 مدني كلي دمنهور ضد المطعون عليه، وطلب الحكم في مواجهة المطعون عليه الثاني الأستاذ برسوم نصير بصفته حارساً على الأطيان جميعها بتثبيت ملكيته إليها فيما عدا الخمسين فداناً المباعة إلى ورثة محمد حافظ رجب والثمانية أفدنة المباعة إلى الشيخ محمد محمد جمال الدين لوفائهما بالتزاماتهما، وبتسليم باقي الأطيان إليه ومقداره 105 فداناً و21 قيراطاً و6 أسهم، واحتياطياً إلزام المطعون عليه الأول بأن يدفع له مبلغ 2167 جنيهاً و642 مليماً، وقررت محكمة دمنهور الابتدائية إحالة الدعوى إلى محكمة القاهرة الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 5357 سنة 1953 كلي القاهرة، ودفع المطعون عليه الأول تلك الدعوى بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها في القضية رقم 756 سنة 1947 مدني كلي القاهرة، وبتاريخ 21/ 11/ 1953 قضت محكمة أول درجة في الدعوى رقم 201 سنة 1951 كلي القاهرة برفضها، وفي 15/ 5/ 1954 قضت في الدعوى رقم 5357 سنة 1953 كلي القاهرة برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وبتثبيت ملكية الطاعن إلى الأطيان البالغ مساحتها 105 فداناً و21 قيراطاً و6 أسهم وتسليمها إليه، فاستأنف المطعون عليه الأول هذين الحكمين أمام محكمة استئناف القاهرة، وقيد استئنافه عن الحكم الأول برقم 352 سنة 71 ق وعن الحكم الثاني برقم 877 سنة 71 ق، وفي 10 من إبريل سنة 1955 قضت المحكمة في الاستئناف الأول بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ الإقرار المؤرخ 28/ 9/ 1944 المتضمن ملكية المطعون عليه الأول لنصف الأطيان البالغ مقداره 74 فداناً و12 قيراطاً و6 أسهم وفي الاستئناف الثاني بتعديل الحكم المستأنف وبتثبيت ملكية الطاعن إلى 31 فداناً و9 قراريط فقط بعد استبعاد الجزء المقضى به في الاستئناف الأول ومقداره 74 فداناً و12 قيراطاً و6 أسهم من المساحة البالغة 105 فداناً و21 قيراط و6 أسهم، فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1959، وتمسكت النيابة العامة بما جاء بمذكرتها التي انتهت فيها إلى طلب رفض الطعن، فقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 4 من فبراير سنة 1960، وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أسباب خمسة، يتحصل أولها في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون، إذ فصل في النزاع على خلاف ما قرره حكم آخر سبق أن صدر بين ذات الخصوم وحاز قوة الشيء المقضى به، ذلك أنه قد حكم في الدعوى رقم 756 سنة 1947 مدني كلي القاهرة بفسخ عقد البيع المؤرخ 13/ 6/ 1946 بالنسبة لبعض المتعاقدين ومنهم المطعون عليه الأول، وهذا الحكم - وقد صار انتهائياً يؤكد أن التعامل بالعقد المذكور قد حصل على جميع الأطيان ومساحتها 166 ف و13 ط و8 س باعتباره مملوكة كلها للطاعن، بينما الثابت من أسباب الحكم المطعون فيه أنه اعتبر حكم الفسخ قاصراً على نصف الأطيان، وأن المطعون عليه الأول مالك أصلاً للنصف الآخر بعقد 28/ 9/ 1944.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على ما ورد به من أن الاتفاق المؤرخ 13/ 6/ 1946 جاء معززاً للاتفاق السابق عليه المحرر في 28/ 9/ 1944 فيما تضمنه من إقرار للمطعون عليه الأول بملكيته لنصف الأطيان البالغ مساحتها 166 فداناً، فقد نص في مقدمة الاتفاق الثاني بما يؤكد عدم المساس بهذا الإقرار، وأن تعهد المطعون عليه الأول في الاتفاق المؤرخ 28/ 9/ 1944 بشراء النصف الآخر من هذه الأطيان بثمن معين يدفع على أقساط، هذا التعهد قد ألغي بما نص عليه في الاتفاق الثاني المؤرخ 13/ 6/ 1946 من شراء جزء من الأطيان بواسطة أشخاص أحضرهم المطعون عليه الأول لهذا الغرض لعدم قدرته على أداء الثمن طبقاً للاتفاق الأول، وأنه قد نص بالبند الأول من اتفاق 13/ 6/ 1946 على أن هذا الاتفاق يلغي الاتفاقات السابقة فيما عدا البيانات الواردة في مقدمته فقد نص به على أنها تعد جزءاً لا يتجزأ منه، وقد استخلصت محكمة الموضوع من هذا النص أنه لم يقصد بالإلغاء إلا الاتفاقات السابقة التي تتعارض مع الاتفاق المذكور، ورتبت على ذلك عدم سريان الإلغاء على إقرار الطاعن بملكية المطعون عليه الأول لنصف الأطيان. وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا يخالف الحكم الصادر في الدعوى رقم 756 سنة 1947 كلي القاهرة فيما انتهى إليه من فسخ عقد البيع المؤرخ 13/ 6/ 1946 بالنسبة لبعض المتعاقدين ومنهم المطعون عليه الأول، ذلك أن الثابت من الحكم المذكور أن الأطيان مملوكة للطرفين مناصفة، ولم يقصد بتعاقب الاتفاقات بشأنها إلا ليتوصل الطاعن إلى بيع نصيبه البالغ النصف فيها، تارة للمطعون عليه الأول وحده وتارة له ولآخرين، أما النصف الآخر الذي قضى الحكم المطعون فيه للمطعون عليه الأول بتثبيت ملكيته إليه، فلم يتناوله الطاعن في طلباته بدعوى الفسخ، ولم يمسه الحكم الصادر في هذه الدعوى، وعلى ذلك يكون هذا النعي على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث مخالفة الثابت بالاتفاق المحرر في 28/ 9/ 1944 المحكوم بصحته، ذلك لأن الأطيان التي حرى عليها التعاقد طبقاً للاتفاق المذكور تبلغ مساحتها 166 فداناً، فيكون نصف هذه المساحة 83 فداناً وليس 74 ف و12 ط و6 س حسبما انتهى إلى ذلك الحكم المطعون فيه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول من الطاعن، إذ لا مصلحة له فيه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالأسباب الثاني والرابع والخامس بطلان الحكم المطعون فيه تأسيساً على ما يلي أولاً - أنه إذ قضى بتثبيت ملكيته إلى 31 ف و9 ط فقط دون باقي المساحة المقضى له بها ابتدائياً وقدرها 105 ف و21 ط و6 س، وجاء قضاؤه في طلبه الأصلي بتعديل الحكم المستأنف لغير مصلحته، فإنه يكون قد لحقه البطلان إذ لم يتصد لطلبه الاحتياطي المتضمن إلزام المطعون عليه الأول بأن يدفع له مبلغ 2167 ج و642 م. ثانياً - أن اتفاق 28/ 9/ 1944 قد تضمن التزامات تبادلية وكان يتعين على المحكمة قبل أن تقضي بصحته أن تتعرض لبحث التزام المطعون عليه الأول بأداء الثمن باعتباره مشترياً. ثالثاً - أن مؤدى اتفاق 13/ 6/ 1946 أن أصبح الاتفاق السابق عليه المحرر في 28/ 9/ 1944 مفسوخاً، إلا أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت بالأوراق فقضى بصحته ونفاذه.
وحيث إن هذا النعي مردود في جميع وجوهه، ذلك أن العلاقة بين الطرفين الطاعن والمطعون عليه الأول - طبقاً للتكييف الذي أسبغه عليها الحكم المطعون فيه - هي علاقة بين شريكين في ملكية أطيان زراعية، انفرد أحدهما وهو الطاعن بتحرير عقد شرائها، وأقر الطرف الآخر وهو المطعون عليه الأول بملكية النصف فيها، وقد استند الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص إلى اتفاق 28/ 9/ 1944 بما تضمنته عبارته الصريحة من الإقرار للمطعون عليه الأول بملكيته النصف في الأطيان، وإلى اتفاق 13/ 6/ 1946 الذي أوضحت مقدمته علاقة المشاركة بين الطرفين على أساس الاتفاق الأول بغير تبديل أو تعديل، كما استند أيضاً إلى كشف المحاسبة التي أجريت بين الطرفين في 31/ 10/ 1945 إذ جاء به ما يفيد أن الأطيان مناصفة بينهما، وما قرره الحكم في هذا الخصوص هو استخلاص سائغ لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق ويحمل الرد الضمني على الطلب الاحتياطي المؤسس على أن المطعون عليه الأول كان مشترياً لنصيب الطاعن في الأطيان موضوع النزاع، ولا يجدي معه ما يثيره الطاعن من قيام التزامات تبادلية بينه وبين المطعون عليه الأول باعتبار أحدهما بائعاً والآخر مشترياً.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.