مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 1186

(104)
جلسة 24 من فبراير سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيرة - المستشارين.

الطعن رقم 1674 لسنة 32 القضائية

جنسية - التجنس (جواز سفر) (سلطة تقديرية).
المادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية - منح الجنسية عن طريق التجنس هو أمر جوازي لوزير الداخلية على نحو يخوله سلطة تقديرية في منحها متى توافرت الشروط المقررة أو في منعها رغم توافر هذه الشروط وفقاً لما يراه محققاً للمصلحة العامة - هذه الرخصة تعد امتداداً لما درج عليه المشرع المصري من إفساح التقدير لجهة الإدارة في مجال التجنس رغبة منه في الحفاظ على تشكيل المواطنين بالدولة - سلطة وزير الداخلية التقديرية يحدها عدم التعسف فيها أو الانحراف بها عن غايتها في تحقيق المصلحة العامة - مراقبة القضاء الإداري لركن السبب في القرار الإداري - تطبيق لقرار برفض التجنس.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 12 من إبريل سنة 1986 أودع الأستاذ محمد محمود الأزهري المحامي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن موقع من الأستاذ أحمد الخواجة المحامي بوصفه وكيلاً عنه، وقيد هذا الطعن بجدول هذه المحكمة تحت رقم 1674 لسنة 32 القضائية، ضد السيد وزير الداخلية بصفته، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 11 من فبراير سنة 1986 في الدعوى رقم 2005 لسنة 38 القضائية المقامة من الطاعن على المطعون ضده، والقاضي برفض الدعوى وبإلزام الطاعن بالمصروفات، وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار السلبي برفض منحه الجنسية المصرية وبإلزام المطعون ضده بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن تقرير الطعن قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وبإلزام الطاعن بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن جلسة 21 من ديسمبر سنة 1987 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، وجرى تداوله بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر، حتى قررت الدائرة بجلسة 17 من إبريل سنة 1989 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره جلسة 27 من مايو سنة 1989، وتم تداوله بالجلسات على الوجه الثابت بالمحاضر حتى قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 3/ 2/ 1990 ثم مد أجل النطق به لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قدم خلال الميعاد القانوني مستوفياً أوضاعه المقررة فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 18 من يناير سنة 1984 رفع الطاعن الدعوى رقم 2005 لسنة 38 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة ضد السيد وزير الداخلية بصفته وطلب الحكم بأحقيته في اكتساب جنسية جمهورية مصر العربية مع إلزام وزارة الداخلية بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة.
وذكر شرحاً لدعواه أنه ولد في سوريا، وعاش حياته لتحقيق الوحدة العربية، وتخرج في كلية حقوق دمشق، وقيد في نقابة المحامين بدمشق، وظل يناضل من أجل هذا الأمل، واضطهد من التيار الانفصالي المسيطر على سوريا، ولجأ إلى مصر في أول نوفمبر سنة 1968 عن طريق السلطات المصرية باعتباره عضواً في التنظيم المصري (الطليعة العربية) وزاول المحاماة بإذن من نقابة المحامين في مصر، وقيد بأمر من السلطات المصرية في جدول المحامين تحت رقم 20516 في 30 من أغسطس سنة 1973، وامتزجت روحه بمصر التي يكن لها كل الولاء، وتوافرت فيه شروط المادة 4 من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية حيث تجيز بقرار من وزير الداخلية منح الجنسية لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر عشر سنوات متتالية على الأقل سابقة على تقديم طلب التجنس متى كان بالغاً سن الرشد وحسن السير والسلوك ومحمود السمعة وملماً باللغة العربية وله وسيلة مشروعة للكسب وقد لجأ إلى وزارة الداخلية لمنحه شهادة بالجنسية المصرية إلا أنها سوفت دون سند من القانون وعدل الطاعن طلباته بعريضة مودعة في 21 من سبتمبر سنة 1985 إلى الحكم بإلغاء القرار السلبي برفض طلبه الجنسية المصرية وما يترتب على ذلك من آثار أخصها أحقيته في التمتع بهذه الجنسية مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة، لأن هذا القرار صدر دون مسوغ قانوني ومشوباً بالتعسف في استعمال السلطة رغم توافر الشروط المنصوص عليها في المادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 وطلبت هيئة قضايا الدولة الحكم برفض الدعوى مع إلزام الطاعن بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة لأن المستفاد من نص المادة الرابعة المشار إليها أن المشرع جعل الأمر جوازياً للحكومة في منح الجنسية المصرية إذا توافرت الشروط المقررة، أي أنه أطلق سلطتها التقديرية في المنح أو المنع ما دام تصرفها غير مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة، ولذا استقرت المحكمة الإدارية العليا على أن منح الجنسية المصرية عن طريق التجنس أمر جوازي للحكومة وفقاً لما تراه محققاً للمصلحة العامة، وقد دأب المشرع المصري على ذلك لإكساب مواد الجنسية مرونة تتفق ومدى احتياج الدولة التي اقتضت ظروفها في الوقت الحالي إفساح المجال للهجرة مع غلق التجنس بجنسيتها حتى تخفف العبء عن كاهلها تحقيقاً للصالح العام، والثابت أن الجهة الإدارية استعملت الحق المخول لها تحقيقاً لهذا الصالح برفض منح الجنسية للطاعن تمشياً مع السياسة العامة للدولة، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً في الدعوى ارتأت فيه الحكم بقبولها شكلاً وبرفضها موضوعاً وبإلزام الطاعن بالمصروفات، وقضت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في جلسة 11 من فبراير سنة 1986 بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وبإلزام الطاعن المصروفات، وأشارت في معرض قبول الدعوى شكلاً إلى أنها تتعلق بالقرار السلبي من وزير الداخلية برفض منح الجنسية المصرية للطاعن، وأقامت قضاءها برفض الدعوى على أن البند خامساً من المادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 أجاز لوزير الداخلية منح الجنسية المصرية لأن التجنس يخضع للتقدير المطلق من جانب الدولة دون التزام بمجرد توافر الشروط المقررة، وقد استقرت المحكمة الإدارية العليا على أن منح الجنسية عن طريق التجنس أمر جوازي للحكومة وفقاً لما تراه محققاً للمصلحة العامة، والثابت من الأوراق أن عدم منح الجنسية للطاعن يرجع إلى سياسة الدولة في وقف منح الجنسية حالياً نظراً للزيادة المطردة في عدد سكانها ومن ثم فإنه لا تثريب على جهة الإدارة في عدم استجابتها بناء على هذه الأسباب لطلب الطاعن منحه الجنسية، ويكون قرارها خالياً من إساءة استعمال السلطة مما يجعل طلب إلغائه حرياً بالرفض.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية: أولاً: جعل لوزارة الداخلية في صدد منح الجنسية عن طريق التجنس سلطة تقديرية واسعة لا تخضع لرقابة القضاء في حين أن قراراتها تطبيقاً لقانون الجنسية لا تعتبر من الأعمال المتعلقة بالسياسة العليا للدولة وإنما تعتبر أعمالاً إدارية تخضع لهذه الرقابة بما يبعدها عن دائرة أعمال السيادة. ثانياً: التفت عما استند إليه الطاعن من حكم المادة الخامسة من القانون رقم 26 لسنة 1975 التي تجيز منح الجنسية المصرية لمن أدى خدمات جليلة مثل الطاعن الذي ضحى بمستقبله وحياته وأسرته في سبيل مصر والوحدة العربية كما هو واضح من ملفه بالشئون العربية في رئاسة الجمهورية وهو الملف الذي التفتت المحكمة المطعون في حكمها عن طلبه أيضاً. ثالثاً: جاء القرار المطعون فيه مشوباً بالتعسف في استعمال السلطة لأن الطاعن ناضل حتى قامت الوحدة وظل يدافع عنها وتعاون مع قادة مصر وطلبت منه السلطات السياسية المصرية الحضور لمصر وصرفت له جوازاً مصرياً وقيدته بنقابة المحامين توطئة لمنحه الجنسية المصرية ونتيجة ذلك سحبت السلطات السورية الجنسية السورية منه وطلبت من نقابة المحامين بدمشق فصله منها، كما رفض الاستجابة لما طلبه وفد المخابرات السورية سنة 1973 من تقدمه بتقرير مفصل عن أسرار تعاونه مع مصر نظير عودته إلى سوريا، وقد أقام في مصر منذ أول نوفمبر سنة 1968 كمواطن مصري، ووافقت مباحث أمن الدولة وإدارة الجنسية على منحه الجنسية المصرية وأعيد طلبه إلى السيد وزير الداخلية ليأذن في ذلك، هذا ولا ينال انضمامه إلى مواطني مصر من اقتصادها بظروفها الحالية وقد قدم الطاعن مذكرة في 16 مارس سنة 1989 جاء فيها أن وزارة الداخلية أصدرت قرارات بمنح الجنسية المصرية لعديد من الأجانب والعرب من بينهم سوريون يتماثلون معه في الظروف مما يؤكد أنها تكيل بكيلين، وأن أحقيته في الجنسية المصرية لا تمثل طلباً مستقلاً بل هي أثر مترتب على طلبه إلغاء القرار برفض منحه الجنسية المصرية، كما قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة في 19 من ديسمبر سنة 1989 بأن التجنس منحة من الدولة وليست حقاً للأجنبي لمجرد توافر الشروط مهما استطالت الإقامة بالبلاد أو وجدت خدمات جليلة.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق ومنها ملف الطاعن تحت رقم 23/ 56/ 12496 بمصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية أن الطاعن سوري الجنسية ومن مواليد دمشق في 31 من ديسمبر سنة 1939، ودخل مصر في أول نوفمبر سنة 1968، وتزوج من مصرية وأنجب منها أولاداً في مصر، ومنح إقامة حتى 15 من مارس سنة 1972، وسرى عليه إعفاء الرعايا السوريين من قيود الإقامة، وبعد إلغاء هذا الإعفاء منح إقامة ثلاثية في 6 من أغسطس سنة 1981، وقيد بنقابة المحامين تحت رقم 20516 في 30 من أغسطس سنة 1973، وصرف له جواز السفر المصري رقم 9797 في 17 من مارس سنة 1966 بصورة له وبمهنة محام وباسم محمد سعيد شكري ثم جواز السفر المصري رقم 30819 في 9 من يوليو سنة 1969 بصورة له وبمهنة تاجر وباسمه، وكذا جواز السفر المصري رقم 34745 في 24 من سبتمبر سنة 1981 بصورة له وبمهنة محام وباسمه، وبناءً على طلب منه للحصول على الجنسية المصرية أرسلت إليه مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية كتاباً مؤرخاً 8 من فبراير سنة 1982 بإحضار جوازات سفره ومستندات إقامته للتحقق من توافر شرط الإقامة المتطلب قانوناً، ثم أرسلت كتاباً مؤرخاً 26 من مارس سنة 1983 إلى إدارة مباحث أمن الدولة بأن شرط الإقامة متوفر في حقه إلا أن المبدأ الجاري هو وقف منح الجنسية المصرية لأي أجنبي ما لم يرد السيد وزير الداخلية السير في إجراءات منحها، كما قدم طلباً مؤرخاً 22 من يونيه سنة 1983 إلى السيد وزير الداخلية لمنحه الجنسية المصرية استناداً إلى أنه وصل مصر في أول نوفمبر سنة 1968 وأقام فيها إقامة دائمة ومستمرة ويخشى إلغاء قيده بنقابة المحامين في مصر إذا لم يستكمل شرط الجنسية، وأحال السيد مدير مكتب الوزير طلب الطاعن بالكتاب رقم 18/ 5733 ش في 3 من يوليه سنة 1983 إلى السيد مدير عام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية للنظر، فرد بكتاب مؤرخ 18 من يوليه سنة 1983 بأنه يتوافر في الطاعن ركن الإقامة المتطلب قانوناً ومدتها عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم طلب التجنس والمبدأ الجاري حالياً هو وقف منح الجنسية المصرية لأي أجنبي إلا إذا رأى السيد وزير الداخلية السير في إجراءات منحها. وتم التأشير على هذا الكتاب بالحفظ في 10 من أكتوبر سنة 1983.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المنازعة المتعلقة بالجنسية إما أن تثار في صورة مسألة أولية أثناء نظر دعوى أصلية يتوقف الفصل فيها على البت في مسألة الجنسية، وإما أن تتخذ صورة دعوى أصلية مجردة بالجنسية حيث يكون الطلب الأصلي فيها هو الاعتراف بتمتع فرد بالجنسية مثل طلب ثبوت الجنسية المصرية على سند من إحدى المواد الأولى والثانية والثالثة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية وهي مواد حددت المصريين بحكم القانون، وإما أن تطرح في صورة طعن بالإلغاء في قرار إداري نهائي صادر بشأن الجنسية سواء كان من القرارات السلبية أو من القرارات الصريحة الصادرة عن الجهة الإدارية بالتطبيق لقانون الجنسية مثل القرار الصادر من وزير الداخلية برفض طلب الأجنبي التجنس طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، فقد نصت هذه المادة على أنه يجوز بقرار من وزير الداخلية منح الجنسية المصرية: (أولاً).... (ثانياً)... (ثالثاً).... (رابعاً) لكل أجنبي ولد في مصر.. وتوافرت فيه الشروط الآتية:
1 - أن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع.
2 - أن يكون حسن السير والسلوك محمود السمعة ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
3 - أن يكون ملماً باللغة العربية.
4 - أن يكون له وسيلة مشروعة للكسب.
(خامساً) لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر مدة عشر سنوات متتالية على الأقل سابقة على تقديم طلب التجنس متى كان بالغاً سن الرشد وتوافرت فيه الشروط المبينة في البند (رابعاً) ويؤخذ من تلك المادة إنها لم تسبغ الجنسية المصرية بحكم القانون على من توافرت فيه الشروط التي تطلبتها للتجنس كسبب للجنسية المكتسبة فلا يستمد الأجنبي حقه في الجنسية من القانون مباشرة لمجرد اجتماع شروط التجنس لديه، وبالتالي لا تعتبر منازعته بشأنه دعوى أصلية بالجنسية حتى تتحرر من الإجراءات والمواعيد الخاصة بدعوى الإلغاء، إذ تكتسب الجنسية المصرية عن طريق التجنس طبقاً لأحد بنود تلك المادة بالقرار الصادر من وزير الداخلية بمنحها، وبذا يكون القرار الصادر منه برفض منحها قراراً إدارياً بالمعنى القانوني على نحو يجعل المنازعة بشأنه من دعاوى الإلغاء فتسري عليها الإجراءات والمواعيد المقررة لهذه الدعاوى، ولا ريب في أن المحكمة تستقل على هدي ذلك بتكييف الدعوى على أساس من صادق معانيها وحقيق مراميها دون الوقوف عند ظاهر العبارات التي أفرغت فيها أو التقيد بالأوصاف التي خلعت عليها.
ومن حيث إنه ولئن طلب الطاعن في عريضة الدعوى ابتداء الحكم بأحقيته في اكتساب الجنسية المصرية مما قد يوحي بأنها دعوى أصلية بالجنسية، ثم عدل طلباته بعدئذ في الدعوى إلى الحكم بإلغاء القرار السلبي بعدم منحه الجنسية المصرية مما يعني تكييفه إياها بأنها دعوى إلغاء قرار سلبي وهو ما ناصره فيه الحكم المطعون عليه، إلا أن الطاعن أوضح في عريضة دعواه وعبر مذكراته فيها أنه أجنبي طلب التجنس على سند من توافر شروط هذا التجنس في حقه ولم تجبه وزارة الداخلية إلى طلبه، كما أن الثابت من الأوراق أن طلبه التجنس تقرر حفظه من لدن وزارة الداخلية في 10 من أكتوبر سنة 1983، مما يقطع بأن دعواه وفقاً للتكييف السديد تمثل طعناً بالإلغاء في القرار الصادر في هذا التاريخ برفض منحه الجنسية المصرية عن طريق التجنس بقرار من وزير الداخلية طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، بصرف النظر عما قام عليه أحد أوجه طعنه من احتماء بالمادة الخامسة من ذات القانون التي أجازت بقرار من رئيس الجمهورية منح الجنسية المصرية دون تقيد بالشروط المبينة في المادة الرابعة لكل أجنبي يؤدي لمصر خدمات جليلة وكذلك لرؤساء الطوائف الدينية المصرية، وإذ خلت الأوراق مما يفيد إعلان الطاعن بالقرار الصادر برفض منحه الجنسية المصرية على النحو المتقدم أو علمه يقينياً بفحواه في تاريخ معين سابق على رفعه الدعوى في 18 من يناير سنة 1984، فمن ثم تكون دعواه مقبولة شكلاً على نحو ما قضى به منطوق الحكم المطعون فيه مع الالتفات عما جاء في أسبابه من ابتناء على تكييفها بأنها طعن بالإلغاء في قرار سلبي بعدم منح الجنسية المصرية للطاعن.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الواضح من نص المادة الرابعة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، أن منح هذه الجنسية عن طريق التجنس هو أمر جوازي لوزير الداخلية على نحو يخوله سلطة تقديرية في منحها إذا توافرت الشروط المقررة أو في منعها رغم توافر هذه الشروط وفقاً لما يراه محققاً للمصلحة العامة، وهذه الرخصة تعد امتداداً لما درج عليه المشرع المصري من إفساح كامل التقدير لجهة الإدارة في مجال التجنس رغبة منه في الحفاظ على تشكيل المواطنين في الدولة بتخير المنضمين إليها حسب سياستها المرسومة دون إلزام عليها في ذلك ولو توافرت الشروط المقررة، وهو ما يصدق أيضاً على جواز منح الجنسية المصرية عن طريق التجنس بقرار من رئيس الجمهورية طبقاً للمادة الخامسة من ذات القانون، وإذا كانت السلطة التقديرية تجد حدها في عدم التعسف فيها أو الانحراف بها عن غايتها في تحقيق المصلحة العامة، فإن القرار الصادر بناء عليها برفض منح الطاعن الجنسية المصرية عن طريق التجنس طبقاً للمادة الرابعة من ذلك القانون هو قرار لم يثبت فيه تعسف أو انحراف على نقيض ما نعاه الطاعن، فلا يكفي لوصمه بذلك العيب القصدي ما يكون الطاعن قد بذله من أعمال في المجال القومي أو تجشمه من مشاق في سبيل الوحدة العربية أو حمله من ولاء لمصر أو نبذه من مغريات دونها لأنها أمور إن شفعت في إسباغ الجنسية فإنها لا تلزم بمنحها تجنساً، كما لا يفيد في هذا الصدد سبق صرف جوازات مصرية للطاعن عن بينة تامة بوضعه كأجنبي بصرف النظر عن مدى مشروعيتها طبقاً للقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر وأياً كانت الاعتبارات العامة أو الخاصة التي حدت إلى صرفها فهي اعتبارات مهما علت لا ترقى إلى مرتبة استنفاد سلطة تقديرية ثابتة إطلاقاً في مجال التجنس منحاً أو منعاً ولو توفرت للأجنبي الشروط المقررة قانوناً، وكذا لا يقدح في ذات الشأن مجرد صدور قرارات بمنح الجنسية المصرية سواء من رئيس الجمهورية أو من وزير الداخلية لأجانب من العرب أو من غيرهم ولو وجد تماثل ما يقصر عن إقامة حيف أو استواء عسف، وبالتالي فإن القرار المطعون فيه يكون قراراً مشروعاً وتكون الدعوى بطلب إلغائه جديرة بالرفض ويكون الحكم المطعون فيه سليماً فيما قضى به من رفضها، ومن ثم فإنه يتعين الحكم برفض الطعن على هذا الحكم، وإن كان من نافلة القول الإلماع إلى أن هذا لا يوصد السبيل مستقبلاً سواء أمام الطاعن في معاودة الطلب أو أمام الجهة المختصة في الاستجابة إليه وفقاً للقانون وتحقيقاً للمصلحة العامة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.