أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 767

جلسة 15 من إبريل سنة 1954
(115)
القضية رقم 414 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، ومحمد نجيب أحمد، وأحمد العروسي، ومحمود عياد المستشارين.
اعتمادات مصرفية. بيع. فتح اعتماد مصرفي لوفاء ثمن صفقة. طبيعة التزام البنك بالنسبة للبائع والمشتري. عدم جواز اعتبار البنك مودعاً لديه أو ضامناً للمدين. حقه في الامتناع عن الوفاء إذا كانت مستندات البائع لا تطابق تماماً مستندات فتح الاعتماد.
البنك الذي يقوم بتثبيت اعتماد مصرفي لوفاء ثمن صفقة تمت بين تاجرين لا يجوز اعتباره أميناً للطرفين إذ لا توجد لديه وديعة بالمعنى المصطلح عليه قانوناً كما لا يصح وصفه بأنه ضامن أو كفيل يتبع التزامه التزام المدين المكفول بل يعتبر التزامه في هذه الحالة التزاماً مستقلاً عن العقد القائم بين البائع والمشتري فلا يلزم بالوفاء إلا إذا كانت المستندات المقدمة إليه من البائع المفتوح لمصلحته الاعتماد مطابقة تماماً لشروط فتح الاعتماد. وإذن فمتى كان الثابت من الحكم أن البائع خالف شروط فتح الاعتماد بأن شحن البضاعة من ميناء غير الميناء المنصوص عليها في تلك الشروط، وكان الشرط الذي يحدد ميناء الشحن هو من الشروط التي يجب مراعاتها وفقاً لما جرى به العرف التجاري في هذا الخصوص فإن الحكم إذ قرر أن البنك محق في عدم صرف قيمة الاعتماد لا يكون قد أخطأ في القانون ولا خالف العرف المقرر في هذا الشأن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطاعن والمطعون عليهما الثاني والثالث والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن تتحصل في أنه في 21 من فبراير سنة 1948 أقام الطاعن على المطعون عليهم عدا الأولى دعوى لدى محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة قيدت في جدولها برقم 1225 سنة 73 ق طلب فيها الحكم بإلزام "المدعى عليهم المذكورين" بأن يدفعوا إليه متضامنين مبلغ 3375 جنيهاً إسترلينياً مع فوائده القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء والمصروفات وأتعاب المحاماة. كما طلب الحكم بإلزام المطعون عليها الأخيرة بأن تدفع إليه مبلغ خمسة وثمانين جنيهاً إسترلينياً وشلنين وخمسة بنسات - وقال في بيان دعواه إنه باع إلى المطعون عليها الأخيرة بناء على طلبها المؤرخ في 2 من ديسمبر سنة 1946، 2250 زوجاً من الأحذية بسعر 30 شلناً للزوج الواحد وتم الاتفاق بينهما على وفاء الثمن باعتماد مصرفي لدى بنك باركليز - المطعون عليه الثاني - بوساطة بنك البروفنشيال - المطعون عليه الثالث - ورفض بنك باركليز بغير حق وفاء قيمة الاعتماد بمقولة إن المستندات التي قدمها الطاعن إليه لم تكن مطابقة للشروط التي فتح بموجبها الاعتماد المصرفي وأن المبلغ الذي طلب الحكم به على المطعون عليها الأخيرة وحدها هو قيمة النولون المدفوع منه لحسابها وأثناء نظر الدعوى تدخلت فيها المطعون عليها الأولى بصحيفة أعلنتها إلى باقي الخصوم في 20 من يوليه سنة 1948 طلبت فيها الحكم لها على باقي المطعون عليهم بما عسى أن يقضى به عليهم للطاعن وذلك في حدود الدين المستحق لها قبله ومقداره 3332 جنيهاً و366 مليماً وفوائده. وفي 23 من مايو سنة 1949 حكمت المحكمة حضورياً - أولاً - برفض دعوى الطاعن قبل المطعون عليهما الثاني والثالث مع إلزام الطاعن بالمصروفات وبمبلغ 15 جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة لكل منهما - ثانياً - بقبول تدخل المطعون عليها الأولى في الدعوى وبإلزام الطاعن بأن يدفع إليها مبلغ 3332 جنيهاً و366 مليماً وفوائده بواقع 6% سنوياً ابتداء من 20 فبراير سنة 1948 حتى تمام الوفاء ومبلغ 15 جنيهاً أتعاباً للمحاماة. ثالثاً - بإلزام المطعون عليها الأخيرة، شركة دبلن - بأن تدفع إلى الطاعن مبلغ 3373 جنيهاً و612 مليماً مع فوائده بواقع 6% سنوياً ابتداء من 20 فبراير سنة 1948 حتى تمام الوفاء على أن تدفع من هذه المبالغ إلى المطعون عليها الأولى في حدود ما قضي به لهذه الأخيرة على الطاعن. خامساً - بإلزام المطعون عليها الأخيرة بباقي المصروفات وبمبلغ 15 جنيهاً مقابل أتعاب محاماة للطاعن. رفع الطاعن استئنافاً عن هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية قيد في جدولها التجاري برقم 281 سنة 5 ق وذلك بالنسبة إلى ما قضى به من رفض دعواه قبل المطعون عليهما الثاني والثالث وبالنسبة إلى ما حكم به عليه إلى المطعون عليها الأولى وطلب الحكم بقبول استئنافه شكلاً وبإلغاء الحكم المستأنف في هذا الخصوص والحكم أولاً - بإلزام المطعون عليهما الثاني والثالث بالتضامن مع المطعون عليها الأخيرة بأن يدفعا إليه مبلغ 3375 جنيهاً إسترلينياً مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء والمصروفات والأتعاب عن الدرجتين. ثانياً - برفض دعوى المطعون عليها الأولى قبله. ثالثاً - الإقرار باعتبار الحكم المزمع صدوره في خصوص ما يقضى له به على المطعون عليهم الثلاثة الآخرين كأنه صادر رأساً للمطعون عليها الأولى في حدود مبلغ 2825 جنيهاً و500 مليم كما طلب الطاعن تأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك - ورفعت المطعون عليها الأولى استئنافاً عن نفس الحكم قيد في جدول المحكمة المشار إليها برقم 230 سنة 5 ق تجاري وطلبت الحكم بقبول استئنافها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض دعوى الطاعن قبل المطعون عليهما الثاني والثالث والحكم بإلزام المطعون عليهما المذكورين بأن يدفعا إليها مبلغ 3376 جنيهاً مع فوائده القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء والمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين كما طلبت تأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك - وفي 4 من ديسمبر سنة 1949 قررت المحكمة ضم الاستئنافين أحدهما إلى الآخر - وفي 22 من مايو سنة 1951 حكمت بقولهما شكلاً وفي الموضوع برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت كل مستأنف بمصروفات استئنافه وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب محاماة لكل من المطعون عليهما الثاني والثالث، فقرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن المطعون عليها الأولى دفعت بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة إليها لعدم إعلانها بتقرير الطعن في الميعاد المنصوص عليه في المادة 431 من قانون المرافعات وذلك تأسيساً على أنها لم تعلن بهذا التقرير إلا في 25 من نوفمبر سنة 1951 في حين أن الطاعن قرر بالطعن في 8 من نوفمبر سنة 1951 وتبعاً لذلك كان آخر ميعاد يصح إعلانها بالطعن فيه هو يوم السبت 24 من نوفمبر سنة 1951 لأن اليوم السابق له كان يوم عطلة رسمية - وقد أبدت النيابة رأيها بقبول هذا الدفع.
ومن حيث إن هذا الدفع في محله: ذلك أنه يبين من الأوراق أن الطاعن قرر طعنه في 8 من نوفمبر سنة 1951 ولما توجه المحضر في 15 من نوفمبر سنة 1954 لإعلان المطعون عليها الأولى في محلها المبين في تقرير الطعن الكائن بشارع قصر النيل رقم 17 قسم عابدين أجابه بواب العمارة بأن الشركة - المطعون عليها الأولى - نقلت مقرها إلى العمارة رقم 9 بشارع عبد الخالق ثروت باشا والطاعن لم يعلن المطعون عليها المذكور في محلها الجديد إلا في 25 من نوفمبر سنة 1951 وكان يتعين عليه وفقاً لنص المادتين 431 و23 من قانون المرافعات أن يعلنها بالطعن في ميعاد لا يجاوز يوم السبت 24 من نوفمبر سنة 1951 - أما ما رد به الطاعن على هذا الدفع من أنه كان يتعين على المطعون عليها الأولى أن تخبره بتغيير محلها وإلا كان إعلانها السابق صحيحاً فلا سند له من القانون في حالة الإعلان إلى المحل الأصلي - وأما ادعاؤه بأن التقرير في محضر إعلان 15 من نوفمبر سنة 1951 بتغير محل المطعون عليها الأولى قد صدر عن غش ولا يطابق الواقع بدليل أنه أعلن في 19 من نوفمبر سنة 1951 بدعوى إفلاس رفعت عليه من المطعون عليها المذكورة وورد في صحيفة افتتاحها المعلنة في اليوم المذكور ما يفيد أن محلها كان لا يزال بالعمارة رقم 17 شارع قصر النيل - هذا الادعاء مردود بأن الطاعن أعلنها في محلها الجديد في الخامس والعشرين من نفس الشهر وسلمت ورقة الإعلان إليها في هذا المكان الجديد دون اعتراض - ولو كان صحيحاً ما يقوله الطاعن من عدم صحة ما قرره بواب العمارة رقم 17 شارع قصر النيل في 15 من نوفمبر سنة 1951 لكان لزاماً على الطاعن أن يعتبر هذا القول من البواب بمثابة امتناع عن تسلم ورقة الإعلان من شأنه اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 12 من قانون المرافعات في هذا الخصوص لا أن يعلن الشركة في مكانها الجديد بناء على قرره بواب العمارة ولما كانت المطعون عليها الأولى لم تعلن بتقرير الطعن إلا في 25 من نوفمبر سنة 1951 على ما سبق بيانه فإن هذا الإعلان يكون قد حصل بعد الميعاد القانوني المنصوص عليه في المادة 431 من قانون المرافعات مما ينبني عليه بطلانه وعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة إلى المطعون عليها المذكورة.
ومن حيث إن الطعن بالنسبة إلى المطعون عليهما الثاني والثالث بني على سبب واحد يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن قبلهما قد خالف القانون والعرف التجاري. ذلك أنه اعتبر البنك الذي يفتح لديه اعتماد مثبت مجرد آلة منفذة لشروط فتح الاعتماد في حين أن البنوك تعتبر في هذه الحالة أمينة الطرفين - المودع والمودع لصالحه الاعتماد - وعليها تنفيذ ما يقتضيه منطق العقل وما تتطلبه النزاهة وأنه لم يقم نزاع بين الطرفين في خصوص شروط فتح الاعتماد إلا على شرط واحد هو ما شرط في عقد فتح الاعتماد من أن يكون شحن الأحذية المبيعة من ميناء الإسكندرية واضطرار الطاعن لشحن الأحذية من ميناء أخرى هي ميناء بور سعيد وأن اختلاف ميناء الشحن هو اختلاف قليل الأهمية لم يكن من شأنه أن يبرر امتناع المطعون عليهما الثاني والثالث عن تنفيذ الاعتماد المثبت.
ومن حيث إنه جاء بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص: "وحيث إن الحكم المستأنف بحث موضوع الخلاف بين وجهتي
النظر وأوضح الأسباب التي ارتكن إليها في رفض الدعوى قبل المصرفين وتراه المحكمة على حق فيما استند إليه وتضيف إلى ذلك أن القواعد القانونية الثابتة في موضوع فتح الاعتمادات المصرفية المثبتة تحتم على المصرف المفتوح لديه الاعتماد أن تكون المستندات المقدمة إليه مطابقة تمام المطابقة لما ورد بشأنها في شروط فتح الاعتماد وليس له أن يتصرف من جانبه في أي خلاف ولو يسير في مطابقة هذه المستندات وإنه إن فعل ذلك يكون مسئولاً أمام فاتح الاعتماد وحيث إنه ثابت من وقائع الدعوى أن الشروط الواردة في فتح الاعتماد المثبت والمبلغ إلى عبد العزيز أفندي البنا - الطاعن - هي أن مدة هذا الاعتماد تنتهي في 31 من مارس سنة 1947 وأن يكون الدفع إليه مقابل تقديمه المستندات الدالة على شحن الأحذية من الإسكندرية وأن المستندات التي قدمها عبد العزيز أفندي البنا لبنك باركليز كانت عن شحن الأحذية من ميناء بور سعيد وأنه دفع مصاريف الشحن من عنده وضمنها الفاتورتين ولا شك في أن هذه المستندات فيها مخالفة واضحة لشروط فتح الاعتماد من حيث ميناء الشحن ودفع قيمة المصاريف وطبقاً للقواعد السابق بيانها كان المصرفان محقين في الامتناع عن الدفع دون استئذان فاتح الاعتماد وليس لهما أن يتصرفا في هذه المخالفة ولو بعد استبعاد قيمة مصاريف الشحن - وحيث إن ما يقوله المستأنفان من أن عبد العزيز أفندي البنا لجأ إلى شحن البضاعة من ميناء بور سعيد بمصاريف من طرفه لأن الشركة المشترية أخلت بالتزامها ولم تعين له سفينة ليشحن عليها من ميناء الإسكندرية حتى شهر مارس سنة 1947 وأن ميعاد الاعتماد كاد ينتهي وأنه لم يجد سفينة معدة للشحن بميناء الإسكندرية وأنه كان يسعى في سبيل الحصول على تعديل شروط فتح الاعتماد وجعل الشحن من الموانئ المصرية - كل ذلك لا شأن للمصرفين به وأمره محصور بين البائع والمشترية". وهذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون - ذلك أنه لا يصح اعتبار البنك الذي يقوم بتثبيت اعتماد مصرفي أميناً للطرفين إذ لا توجد لديه وديعة بالمعنى المصطلح عليه قانوناً كما لا يصح وصفه بأنه ضامن أو كفيل يتبع التزامه التزام المدين المكفول - المشتري في هذه الصورة - بل يعتبر التزام البنك في هذه الحالة التزاماً مستقلاً عن العقد القائم بين البائع والمشتري فلا يلزم بالوفاء إلا إذا كانت المستندات المقدمة إليه من البائع المفتوح لمصلحته الاعتماد مطابقة تماماً لشروط عقد فتح الاعتماد - ولما كان الثابت من الحكم أن الطاعن قد خالف شروط فتح الاعتماد إذ شحن البضاعة من ميناء بور سعيد في حين أن من شروط فتح الاعتماد شحنها من ميناء الإسكندرية وكان هذا الشرط من الشروط الواجب مراعاتها وفقاً لما جرى به العرف التجاري في هذا الخصوص وإلا كان المصرف محقاً في الامتناع عن صرف قيمة الاعتماد إلى البائع كما أشار إلى ذلك الحكم المطعون فيه - لما كان ذلك فإن هذا الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ولا خالف العرف المقرر في هذا الخصوص. ومن ثم يتعين رفض الطعن بالنسبة إلى باقي المطعون عليهم.