مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1367

(201)
جلسة 29 من يونيه سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين علي ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 1133 لسنة 30 القضائية

استيلاء - السلطة المختصة بإصدار قرار الاستيلاء.
القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين - القانون رقم 252 لسنة 1960 في شأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية العامة والاستيلاء على العقارات - مفاده المادة 17 من القانون رقم 577 لسنة 1954 أنه يجوز للوزير أو المحافظ في الحالات الطارئة أو المستعجلة أن يأمر بالاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية كما يجوز في غير ما تقدم الاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لخدمة مشروع ذي منفعة عامة - تحدد مدة الاستيلاء المؤقت في الحالتين السابقتين بحيث لا تجاوز ثلاث سنوات من تاريخ الاستيلاء الفعلي - القانون رقم 252 لسنة 1960 - المشرع حد من سلطة المحافظ في الاستيلاء على العقارات وقصرها على الاستيلاء المؤقت في الحالات الطارئة والمستعجلة - في غير هذه الحالات يصدر قرار الاستيلاء المؤقت على العقار من رئيس الجمهورية - الأثر المترتب على ذلك: سلطة المحافظ في إصدار قرارات الاستيلاء مؤقتاً على العقارات تجد حدها القانوني في قيام حالة طارئة مستعجلة تتطلب مواجهتها ضرورة الاستيلاء على عقارات بصفة مؤقتة لدرء خطر داهم أو لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية وهي أسباب مردها أصل واحد هو الحالة الطارئة أو المستعجلة التي يتعين تداركها خشية استفحال نتائج يتعذر التحكم في آثارها - يخرج عن اختصاص المحافظ الاستيلاء المؤقت على العقارات اللازمة لخدمة مشروع ذي نفع عام والذي يختص به رئيس الجمهورية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 3 من مارس سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة، نيابة عن محافظ الغربية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1133 لسنة 30 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 5 من يناير سنة 1984 في الدعوى رقم 4739 لسنة 37 ق والقاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب تقرير الطعن - للأسباب الواردة به - وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة ثم قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ارتأت فيه الحكم:
أولاً: برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
ثانياً: بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 20/ 5/ 1985 حيث قررت إصدار الحكم بجلسة 3/ 6/ 1985 وفيها قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 15/ 6/ 1985 وفي الجلسة الأخيرة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قدم في الميعاد القانوني مستوفياً أوضاعه الشكلية فمن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 17 من يوليو سنة 1983 أقام السيد/ يحيى محمود ميبر عن نفسه وبصفته وكيلاً عن أولاده محمود فهمي ومحمد صلاح الدين ومصطفى كامل ووفاء الدعوى رقم 4739 لسنة 37 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) ضد السادة محافظ الغربية ورئيس مجلس إدارة الشركة العربية لحليج الأقطان ومدير محلج الشركة بناحية الجوهرية مركز طنطا طالباً الحكم:
أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار محافظ الغربية رقم 288 لسنة 1983 الصادر بالاستيلاء على ملكه المبين بالعريضة.
ثانياً: بإلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام المدعى عليهم المصروفات والأتعاب.
وقال المدعي، شرحاً لدعواه، أنه يمتلك قطعة أرض بزمام الجوهرية مركز طنطا مبينة الحدود بعريضة الدعوى. وبطريق الضغط استأجر المدعى عليهما الثاني والثالث هذه الأرض بعقد مؤرخ 25/ 12/ 1965. ولما انتهت مدته استطاعا بوسائل الضغط والإجبار مرة ثانية الحصول على عقد إيجار آخر لمدة تنتهي في 30/ 6/ 1983. وتطبيقاً للبند الثالث من هذا العقد تم إنذار المدعى عليه الثالث بصفته بإنهائه، إلا أنه - أي المدعي - فوجئ بصدور قرار من محافظ الغربية برقم 288 في 15/ 6/ 1983 بالاستيلاء على الأرض مؤقتاً لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من 1/ 7/ 1973 لصالح الشركة العربية لحليج الأقطان (محلج طنطا) بغرض استخدامها شونة لتخزين الأقطان.
وأضاف المدعي أن هذا القرار جاء مجحفاً بحقوقه ومخالفاً للقانون ولذلك فإنه يطعن عليه للأسباب الآتية:
1 - أنه بعد استعمال أساليب الضغط لإبرام عقد إيجار عن الأرض انتهت مدته وجدت الشركة المدعى عليها أنه لا مفر من تسليم الأرض لمالكها فاستصدرت القرار المطعون فيه الذي جاء في أسبابه أنه بناء على كتاب الشركة رقم 378 المؤرخ 21/ 5/ 1983.
2 - أن صدور هذا القرار لا يحقق الصالح العام أو المنفعة العامة التي يتطلبها القانون لاستصدار مثل هذه القرارات الخطيرة المقيدة لحرية التملك.
3 - أن القرار صدر معيباً ومشوباً بإساءة استعمال السلطة.
وبعد أن تداول نظر طلب وقف التنفيذ بالجلسات أمام محكمة القضاء الإداري وقدم الخصوم مستنداتهم ومذكرات بدفاعهم أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بوقف تنفيذ قرار محافظ الغربية آنف الذكر مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه يبين من الاطلاع على القرار أنه أشار في ديباجته إلى قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 ولائحته التنفيذية وقانون نزع الملكية رقم 577 لسنة 1954 وتعديله بالقانون رقم 252 لسنة 1960 وإلى كتاب الشركة العربية لحليج الأقطان رقم 378 بتاريخ 21/ 5/ 1983 بطلب استصدار قرار استيلاء مؤقت على مساحة الأرض لصالح الشركة. ونص القرار في مادته الأولى على أن يستولى مؤقتاً لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من أول يوليو سنة 1983 ولصالح الشركة المذكورة على مساحة الأرض ملك المدعي وأولاده وذلك بغرض استخدامها لتخزين الأقطان الزهر ومخلفات الحليج.
واستطردت المحكمة أن أياً من قانون نظام الحكم المحلي أو لائحته التنفيذية لم يتضمن أي حكم يخول المحافظ اختصاصاً بالاستيلاء المؤقت على عقارات الأفراد، وإذا كان ذلك القانون قد نص على أن يعتبر المحافظ ممثلاً لرئيس الجمهورية في حدود اختصاصه بدائرة المحافظة ويتولى الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة، فإن هذا التمثيل لا يعني تفويض المحافظ أو النزول له عن اختصاصات رئيس الجمهورية التي تقررها له القوانين، وإلا يكون رئيس الجمهورية قد أسند للمحافظين جميع اختصاصاته، وهو قول فضلاً عن أن هذا النص لا يذهب إليه ولا يحتمله فإنه لا يجوز دستورياً ويتعارض مع طبيعة التفويض ويتجاوز غاية مداه. ومن ناحية أخرى فإن إشراف المحافظ على تنفيذ السياسة العامة للدولة في محافظته لا يخوله سلطة تقرير تلك السياسة أو مكنة إصدار قرارات إدارية لا يعهد إليه القانون مباشرة بحق اتخاذها. وعلى هذا فإن ذلك النص في قانون نظام الحكم المحلي لا يمكن على أي وجه أن يكون سنداً قانونياً مقبولاً ليصدر المحافظ قراراً يعهده القانون إلى رئيس الجمهورية، ومن ثم فإنه - ودون التعرض لما إذا كانت الحالة التي صدر فيها القرار المطعون فيه من بين الحالات التي يصح فيها لرئيس الجمهورية الاستيلاء مؤقتاً على العقارات - ما كان لمحافظ الغربية أن يحل محل رئيس الجمهورية في اتخاذ ذلك القرار استناداً إلى قانون نظام الحكم المحلي لأنه لا يخوله حق إصداره، لا بموجب النص المشار إلى أحكامه ولا بموجب أي نص آخر فيه.
وأضافت المحكمة أنه بالنسبة إلى القانونين رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين ورقم 252 لسنة 1960 في شأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء على العقارات اللذين استند إليهما القرار المطعون فيه، فإن المادة 17 من القانون الأول تنص على أنه يجوز للمحافظ بناء على طلب المصلحة المختصة في حالة حصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء وفي سائر الأحوال الطارئة أو المستعجلة أن يأمر بالاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية أو غيرها، كما يجوز له في غير الأحوال المتقدمة الاستيلاء على العقارات اللازمة لخدمة مشروع ذي منفعة عامة. وتنص المادة الثانية من القانون الثاني على أنه فيما عدا الحالات الطارئة والمستعجلة التي تقتضي الاستيلاء المؤقت على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم والوقاية وغيرها يكون الاستيلاء المؤقت على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة بقرار من رئيس الجمهورية. ومفاد هذين النصين وحصيلة أحكامهما أنه إلى جانب اختصاص رئيس الجمهورية بالاستيلاء المؤقت على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة فإن للمحافظ اختصاصاً بالاستيلاء المؤقت على العقارات في حالات أجمل القانون وصفها بأن تكون طارئة أو مستعجلة وساق أمثلة لها بحصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء، وكذلك عندما تكون تلك العقارات لازمة لخدمة مشروع ذي نفع عام، والمستفاد من النص أن الحالة الطارئة أو المستعجلة التي ينشط لها الاختصاص المذكور للمحافظ إنما تتمثل في حدث مفاجئ غير متوقع أو عارض غير مألوف يتصف بحد ظاهر من الخطورة والأهمية، أو في ظرف عاجل لا يحتمل التأخير ويتطلب سرعة المواجهة للحد مما يتوقع من آثاره الضارة. كما أن خدمة مشروع ذي منفعة عامة يفترض سابقة وجود مثل هذا المشروع سواء أكان قائماً أو في دور التنفيذ. وعلى هدي ذلك يتحدد مناط اختصاص المحافظ بالاستيلاء المؤقت على العقارات طبقاً للقانون.
واستطردت المحكمة أن الظاهر من الأوراق أن الحالة التي صدر في شأنها القرار المطعون فيه لا تتعلق بمشروع تقرر اعتباره من أعمال المنفعة العامة طبقاً لأحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 مما يصح معه الاستيلاء على العقارات اللازمة له وفقاً للمادتين 16 من هذا القانون، ومن القانون رقم 252 لسنة 1960، بالإضافة إلى أن الاختصاص بتقرير الاستيلاء عندئذ منوط برئيس الجمهورية عملاً بالمادة 2 المذكورة أو لمن يفوضه في ذلك وليس ما يفيد في الأوراق أن محافظ الغربية قد تحقق له هذا التفويض عند إصداره للقرار المطعون فيه. يضاف إلى ذلك، من ناحية أخرى، أن هذا القرار - بصريح مدوناته - صدر لاستخدام العقار الذي تناول الاستيلاء عليه شونة لتخزين الأقطان والزهر ومخلفات الحليج للشركة المدعى عليها. وظاهر الأمر أن هذه الحالة التي صدر لها القرار ليست طارئة ولا مستعجلة بالفهم السابق إيضاحه لأن الرغبة في تدبير مكان تخزين للشركة ليست حدثاً مفاجئاً غير متوقع ولا موقفاً عارضاً غير مألوف، كما أنها ليست ظرفاً عاجلاً لا يحتمل التأخير حيث إن الشركة كانت بالضرورة على بينة من أمرها في انتهاء مدة عقد استئجارها لأرض المدعي بحلول آخر يونيه سنة 1983 وكانت تعلم بذلك من أمد طويل، وكان عليها وقد أنذرها المؤجر مرتين عام 1978 - على ما جاء بحافظة مستنداته - برغبته في استرداد أرضه مما كان عليها أن تتوقع معه احتمال رفضه تجديد مدة إيجارها للشركة. وبهذا لا يكون رفضه لذلك الآن مفاجأة لها، وكان عليها أن تدبر أمرها وتعمل على توفير حاجتها من الأرض في مكان آخر قبل انتهاء مدة الإيجار، وأياً كان الأمر وبصرف النظر عن مدى حرص الشركة على شئونها في ضوء تقدير مختلف الاحتمالات، فإنه لا يبدو أن الحالة التي صدر بشأنها القرار المطعون فيه من الحالات الطارئة أو المستعجلة التي يجوز فيها الاستيلاء المؤقت على العقارات، كما أنه لا يبدو أن ثمة مشروع ذي منفعة عامة يتطلب خدمات تحققها له المساحة المستولى عليها، وإنما الظاهر أن القرار استولى على الأرض لمواجهة حق مالكها في استردادها بعد انتهاء مدة تأجيرها للشركة ولغل يده عن استعماله لهذا الحق.
وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أن ظاهر أوراق الدعوى يتضح منه أن القرار المطعون فيه بغير سند صحيح من القانون مما يرجح معه إلغاؤه عند نظر الطلب الموضوعي في الدعوى ومن ثم يتوفر لطلب وقف تنفيذه ركن الجدية اللازم لإجابته، ولما كان في تنفيذ هذا القرار ما يضر بالمدعي ضرراً يتعذر تداركه لما في هذا التنفيذ من حرمان له من ملكه بعد انتهاء مدة تأجيره للشركة لينتفع به على الوجه الذي يراه فمن ثم يتوفر لذلك الطلب ركن الاستعجال.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بمقولة أن المادة 26 من قانون الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 لا تجيز للمحافظ إصدار قرار بالاستيلاء المؤقت على العقارات في غير الحالات الطارئة والمستعجلة التي نصت عليها المادة 17 من القانون رقم 577 لسنة 1954 وأن مسئوليته عن تنفيذ السياسة العامة للدولة وعن المرافق بالمحافظة وعن كفاءة الإنتاج بها وحقه في اتخاذ الإجراءات اللازمة للقيام بهذه الأعباء قد قيده المشرع في نص المادة المذكورة بالحدود المقررة له في القوانين واللوائح وأن الحالة التي صدر من أجلها القرار المطعون فيه لا تدخل ضمن الحالات الطارئة والمستعجلة ومن ثم كان يتعين صدور قرار الاستيلاء من رئيس الجمهورية.. وهذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه المطعون فيه مردود من أوجه ثلاثة:
الأول: ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم من أن عبارة "في حدود القوانين واللوائح" الواردة بالمادة 26 من قانون الحكم المحلي قيدت سلطة المحافظ بالنسبة للمرافق المشار إليها وحددت اختصاصه في شأنها بما هو مقرر له فقط في القوانين واللوائح... ذلك أنه فضلاً عن أن مقتضى هذا النظر أن يصبح نص المادة المذكورة عديم الأثر والفائدة فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص لا يستقيم مع ما هو واضح وظاهر مما جرت به عبارات المادة المذكورة من أن المشرع ناط بالمحافظة كافة الاختصاصات والسلطات المقررة في القوانين واللوائح بالنسبة للمرافق الموجودة بالمحافظة سواء ما كان من هذه الاختصاصات مقرراً له في الأصل أو كان منوطاً بغيره. وبالتالي فلا يصح تفسير عبارة "في حدود القوانين واللوائح" الواردة في المادة 26 المذكورة بأنها تعني أن يكون الاختصاص مقرراً للمحافظ في القوانين واللوائح على نحو ما فهمه الحكم المطعون فيه.
الثاني: أنه حتى مع التسليم بوجهة نظر الحكم في تفسير المادة 26 من قانون نظام الحكم المحلي فإن القرار المطعون فيه صدر من سلطة مختصة بإصداره إذ استهدف مواجهة حالة ضرورة ملجئة وملحة تتمثل في مواجهة الخطر المترتب على إصرار المطعون ضده على إخلاء الشركة من الأرض موضوع الدعوى، وهو ما يؤدي إلى نتائج يتعذر تداركها أخصها تعطيل نشاط الشركة وتوقف عملها عن حلج الأقطان وتعريض كميات هائلة منها للتلف والفقد والحريق بسبب عدم وجود مكان لتخزينها أي أن القرار صدر لمواجهة حالة عاجلة لا تحتمل التأجيل أو التأخير مما يدخل في الاختصاص المخول للمحافظ بمقتضى نص المادة 17 من قانون نزع الملكية خاصة وأن الحالات التي أشارت إليها تلك المادة وردت على سبيل المثال لا الحصر.
الثالث: أن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يفتقر أيضاً إلى ركن الاستعجال إذ ليس ثمة نتائج يتعذر تداركها من جراء هذا التنفيذ.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول فإن الحكم المطعون فيه لم يورد شيئاً مما قد ساقه تقرير الطعن في هذا الخصوص فلم يتعرض من قريب أو بعيد لتفسير عبارة "في حدود القوانين واللوائح" الواردة في الفقرة الثانية من المادة 26 من نظام الحكم المحلي، بل ولم يتعرض كلية لهذه الفقرة سواء بإيراد نصها أو بتفسيرها وبيان أحكامها. وتفصيل ذلك أن المادة 26 المذكورة نصت في فقرتها الأولى عن أن يعتبر المحافظ ممثلاً لرئس الجمهورية بالمحافظة ويتولى الإشراف على تنفيذ السياسة العامة ثم نصت في فقرتها الثانية على أن "ويكون مسئولاً عن كفالة الأمن الغذائي ورفع كفاءة الإنتاج الزراعي والصناعي والنهوض به وله أن يتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك في حدود القوانين واللوائح" الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد أن أياً من قانون الحكم المحلي أو لائحته التنفيذية لم يتضمن نصاً يخول المحافظ اختصاصاً بالاستيلاء المؤقت على عقارات الأفراد عرض إلى حكم المادة 26 من القانون التي نصت على اعتبار المحافظ ممثلاً لرئيس الجمهورية بالمحافظة وعلى توليه الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة. وهذه الفقرة هي وحدها التي أشارت إليها مذكرة دفاع الشركة المدعى عليها واستندت إليها للقول بمشروعية قرار الاستيلاء وصدوره من سلطة مختصة بإصداره - أما الفقرة الثانية فلم يرد لها ذكر في الحكم خلافاً لما جاء بتقرير الطعن. وقد أوضح الحكم أن الفقرة المذكورة (أي الفقرة الأولى من المادة 26) لا تعني تفويض المحافظ أو النزول عن اختصاصات رئيس الجمهورية التي تقررها القوانين، وما ساقه الحكم تبريراً لهذا النظر جاء سليماً ومتفقاً وصحيح حكم القانون.
ومن حيث إنه من ناحية أخرى فإن نص الفقرة الثانية من المادة 26 المشار إليها ليس فيه ما يصلح سنداً لمشروعية القرار المطعون فيه.. ذلك أن السلطة المخولة للمحافظ بمقتضاه في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الأمن الغذائي ورفع كفاءة الإنتاج الزراعي والصناعي والنهوض به - وبغض النظر عما إذا كانت الحالة الماثلة تندرج في نطاق الإنتاج الزراعي أو الصناعي من عدمه - هذه السلطة لا يتصور أن تكون طليقة من كل قيد وإنما تجد حدها فيما ورد عليه النص في القوانين واللوائح النافذة والمعمول بها، فإذا كانت هذه القوانين أو اللوائح قد عهدت لسلطة ما غير المحافظ باتخاذ إجراء معين انحسر اختصاص المحافظ عنه بالضرورة وحكم اللزوم وإلا تضاربت القرارات وانعدم الانسجام بين مختلف الأجهزة الإدارية بسبب تعدد الاختصاصات وإسناد صلاحية إصدار ذات القرار لأكثر من جهة.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم يكون الوجه الأول من أوجه الطعن غير قائم على أساس سليم.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني فإن المادة 17 من القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين نصت على أنه "يجوز للمدير أو المحافظ بناء على طلب المصلحة المختصة في حالة حصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء، وفي سائر الأحوال الطارئة أو المستعجلة أن يأمر بالاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية أو غيرها، كما يجوز في غير الأحوال المتقدمة الاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لخدمة مشروع ذي منفعة عامة.." وقضت المادة 18 بأن "تحدد مدة الاستيلاء المؤقت على العقار بحيث لا تجاوز ثلاث سنوات من تاريخ الاستيلاء الفعلي..." ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 252 لسنة 1960 في شأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء على العقارات فنصت المادة الثانية منه على أنه "فيما عدا الأحوال الطارئة والمستعجلة التي تقتضي الاستيلاء المؤقت على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم والوقاية وغيرها يكون الاستيلاء المؤقت على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة بقرار من رئيس الجمهورية".
ومن حيث إن البادي من ذلك - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع حد من سلطة المحافظ في الاستيلاء على العقارات وقصرها على الاستيلاء المؤقت في الأحوال الطارئة والمستعجلة لإجراء أعمال الترميم والوقاية وما إليها، أما في غير هذه الأحوال فيصدر قرار الاستيلاء المؤقت على العقار من رئيس الجمهورية. وبناء على ذلك فإن سلطة المحافظ في إصدار قرارات الاستيلاء مؤقتاً على العقارات تجد حدها القانوني في قيام حالة طارئة مستعجلة تتطلب مواجهتها ضرورة الاستيلاء على عقارات بصفة مؤقتة لدرء خطر داهم أو لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية.... وكل هذه الأسباب يجمعها أصل واحد هو الحالة الطارئة أو المستعجلة التي يتعين المبادرة إلى مواجهتها خشية استفحال نتائجها وتعذر التحكم في آثارها.
ومن حيث إنه ولئن كان الشارع لم يبين الأحوال الطارئة والمستعجلة التي قد تقتضي من المحافظ ممارسة سلطته في الاستيلاء المؤقت على العقارات طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم 252 لسنة 1960، إلا أنه فيما أورده من أمثلة لتلك الحالات في المادة 17 من القانون رقم 577 لسنة 1954 ومنها حصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء، إنما يكون قد أفصح عن مراده في وجوب تحقق الخطر المحدق أو الظروف الطارئ في تلك الأحوال، وهو المعنى الذي عبرت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور تعليقاً على المادة 17 منه بعبارة "حالات الطوارئ المستعجلة" ومتى كانت هذه هي حدود السلطة الاستثنائية التي يمارسها المحافظ في الاستيلاء المؤقت على العقارات، فإنه يعد خارجاً عن نطاقها الاستيلاء المؤقت على العقارات اللازمة لخدمة مشروع ذي منفعة عامة مهما بلغت أهميته والحاجة إليه لتحقيق المصلحة العامة فذلك هو بعينه محل التعديل التشريعي الذي أتى به القانون رقم 252 لسنة 1960 وناطه بقرار يصدر من رئيس الجمهورية بدلاً من المحافظ الذي كان مخولاً تلك السلطة من قبل هذا التعديل.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك، وإذ كان الثابت أن القرار المطعون فيه صدر من محافظ الغربية بالاستيلاء المؤقت على قطعة الأرض المملوكة للمدعي لصالح الشركة العربية لحليج الأقطان بغرض استخدامها لتخزين الأقطان الزهر ومخلفات الحليج، فإن هذا القرار لا يظاهره القانون لصدوره في غير الأحوال الطارئة والمستعجلة التي يجوز فيها للمحافظ الاستيلاء مؤقتاً على العقارات إذ ليس ثمة حالة طارئة وقعت فجأة ولم يكن بالوسع توقعها أو حالة مستعجلة لا تحتمل الانتظار حتى تحل بالطرق والإجراءات العادية بل البادي أن الأمر على خلاف ذلك كما ذهب بحق الحكم المطعون فيه لأن الشركة كانت على وجه اليقين على بينة من أمرها في انتهاء مدة عقد استئجارها لأرض المطعون ضده بحلول آخر يونيو سنة 1983 وكانت تعلم بذلك من أمد طويل. وإذ كان ذلك فمن ثم يتحقق ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث من أوجه الطعن فإن تنفيذ القرار يمثل عدواناً على أرض المدعي واعتداء على حق الملكية الذي حرص الدستور على حمايته وصيانته، وبهذه المثابة يتوافر ركن الاستعجال في طلب وقف التنفيذ.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب فيما انتهى إليه من وقف تنفيذ قرار الاستيلاء، وبالتالي يغدو الطعن عليه في غير محله جديراً بالرفض وإلزام الطاعن المصروفات عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.