مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1136

(173)
جلسة 18 من إبريل سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وحسني حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم المستشارين.

الطعن لرقم 2116 لسنة 30 القضائية

( أ ) دعوى جنائية:
قيود تحريكها - الطلب - مدى جواز اعتبار الطلب قراراً إدارياً - القانون رقم 157 لسنة 1981 بإصدار قانون الضرائب على الدخل.
قيد المشرع سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية عن الجرائم الضريبية بضرورة تقديم طلب بشأنها من وزير المالية - الطلب يصدر من الجهة التي عينها القانون بقصد حمايتها سواء بصفتها مجنياً عليها أو بصفتها أمينة على مصالح الدولة العليا - الطلب قيد على اختصاص النيابة العامة - ينصرف الطلب على إلى الجريمة ذاتها فينطوي على تصريح اتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون اعتبار لمرتكبها - يتميز بأن له أثراً عينياً يتعلق في مجال المخالفات الضريبية بجرائم يصدق عليها جميعاً أنها جرائم مالية تمس ائتمان الدولة - عينية الطلب وانصرافه إلى الجريمة دون اعتبار لمرتكبها تحول دون أن يكون للطلب إثماً في إحداث مركز قانوني لمرتكب الجريمة - الطلب بهذا الشكل لا يعتبر من قبيل القرارات الإدارية بالمفهوم الاصطلاحي في القضاء الإداري - أساس ذلك: أن الطلب ينصرف للجريمة وليس من شأنه إنشاء مركز قانوني جديد للممول الذي سبق أن تحدد مركزه بارتكاب الجريمة - تطبيق.
(ب) دعوى جنائية:
انقضاء الدعوى - الصلح.
المادة (191) من قانون رقم 157 لسنة 1981 المشار إليه تنقضي الدعوى العمومية بصدد الجرائم المنصوص عليها بقانون الضرائب على الدخل بالتصالح مع الممول - التصالح هو الوجه الأخر لطلب إقامة الدعوى العمومية والمسقط لها - التصالح يأخذ طبيعة الطلب - مؤدى ذلك - أن التصالح الضريبي ليس قراراً إدارياً سواء كان موقف الإدارة ايجابياً أو سلبياً برفضه وسواء كان صريحاً أو ضمنياً - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 28 من مايو سنة 1984 أودع الأستاذ/ سعد أبو عوف المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ أحمد طاهر محمد قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 3 من إبريل سنة 1984 في الدعوى رقم 4600 القضائية بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات، وطلب الطاعن، للأسباب المبينة بتقرير الطعن، الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار مدير عام مصلحة الضرائب برفض التوقيع على مشروع الصلح مع الطاعن الذي تقدمت به لجنة التصالح بالمصلحة. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3 من نوفمبر سنة 1986 وتدوول نظره بالجلسات على النحو المبين تفصيلاً بالمحاضر حتى قررت بجلسة 16 من مارس سنة 1987 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 4 من إبريل سنة 1987، وبها نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بالمحضر وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل، على ما يبين من الأوراق، في أن الطاعن كان قد أقام بتاريخ 2/ 7/ 1983 الدعوى رقم 4600 لسنة 37 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) طالباً وقف تنفيذ القرار السلبي لمدير عام مصلحة الضرائب بالامتناع عن توقيع مشروع الصلح الذي تقدمت به لجنة التصالح وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي المشار إليه بالامتناع عن إصدار قرار التصالح مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات. وأقام المدعي دعواه على أساس أنه يمارس نشاطاً في تمليك الوحدات السكنية منذ سنة 1967 ويؤدي عن هذا النشاط الضرائب المستحقة قانوناً. وبتاريخ 22/ 12/ 1971 فوجئ بتفتيش منزله ومقر عمله بواسطة موظفي الإدارة العامة لمكافحة التهرب الضريبي وشكلت لجنة لفحص ما تم ضبطه من مستندات انتهت بتقرير رفعته إلى نيابة مكافحة التهرب الضريبي أرسلت صورة منه إلى مأمورية ضرائب الجيزة أول التي تولت إخطار المدعي به. وبتاريخ 10/ 1/ 1980 تقدم إلى مصلحة الضرائب بطلب التصالح. وبعد موافقة رئيس المصلحة على الطلب شكلت لجنة للتصالح وتم إخطار نيابة مكافحة التهرب الضريبي بتشكيلها. وباشرت اللجنة مهمتها وانتهت إلى مشروع تصالح عرض على المدعي الذي اضطر إلى الموافقة عليه رغم ما اتسم به من مغالاة كما قام بسداد مبلغ تسعة ألاف جنيه ومائة وأربعين مليماً بموجب شيكات تسلمها أحد أعضاء اللجنة. وبرفع المشروع إلى رئيس مصلحة الضرائب المفوض باعتماد الصلح طبقاً للمادة 191 من القانون رقم 157 لسنة 1981 امتنع عن التوقيع عليه دون إبداء سبب يبرر امتناعه. ونسب المدعي إلى قرار رئيس المصلحة السلبي بالامتناع عن الاعتماد مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة والإخلال بقاعدة المساواة بين الممولين: ذلك أن رئيس المصلحة المفوض من الوزير في التصالح قد وافق من حيث المبدأ على التصالح فلا يجوز له العدول عما وافق عليه في هذا الشأن. ويكون له فقط، بعد موافقته على مبدأ التصالح، الاعتراض على أساس التصالح كله أو بعضه حتى تعيد اللجنة النظر على ضوء اعتراضه. فإذا كان الامتناع عن اعتماد محضر الصلح جاء غير مستند إلى سبب معين فيكون مفاد ذلك أنه لا يوافق على مبدأ الصلح، وهو أمر لا يملكه بعد إذ وافق عليه وتعلق به حق المدعي. وإذ كان الصلح في المخالفات الضريبية طبقاً لنص المادة 191/ 2 من القانون رقم 157 لسنة 1981 أمراً جوازياً إلا أنه ليس حقاً مطلقاً. فيجب أن يقوم رفضه على أسباب سائغة، وألا يتسم بإساءة استعمال السلطة. وعلى ذلك فلا يجوز رفض الصلح كمبدأ عام يطبق في جميع الأحوال. وفي خصوصية الحالة الماثلة فإن الامتناع عن التصديق على مشروع الصلح دون إبداء أي سبب يكون متسماً بإساءة استعمال السلطة. وفضلاً عن ذلك فإن المصلحة تهدر مبدأ المساواة بين الممولين: إذ توافق على التصالح في بعض الحالات ولا توافق في حالات أخرى دون إبداء أسباب وكل ذلك مما يقوم سنداً للطلبات في الدعوى. وبجلسة 3 من إبريل سنة 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي المصروفات. وأقامت قضاءها على أن مفاد حكم الفقرة الأخيرة من المادة (10) من قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1972 أنه لكي يتسنى القول بوجود قرار إداري سلبي يتعين أن يكون ثمة التزام على جهة الإدارة مصدره في القانون أو اللائحة يلزمها بالتصرف على نحو معين فيأتي امتناعها عن هذا التصرف على خلاف مقتضى القانون ممثلاً لقرار إداري سلبي يصح الطعن عليه قضاء بالإلغاء ووقف التنفيذ.. وفي خصوصية المنازعة المعروضة فإن نص المادة 191 من قانون الضرائب على الدخل واضح الدلالة في أن المشرع قد جعل أمر إجراء الصلح لمطلق تقدير وزير المالية أو من ينيبه يقبله أو لا يقبله وفقاً لظروف كل حالة على حده وعلى ذلك فإنه إذا كانت سلطة المصلحة في إجراء الصلح سلطة تقديرية محضة، فإنها تكون كذلك بالنسبة لاعتماد الصلح لو شرع فيه. فليس ثمة إلزام على المصلحة إذا ما شرعت في الصلح أن تقبله أو تتمه. وليس في قبول الممول لمبدأ الصلح أو لشروطه التي أعدتها اللجنة ما يفرض على وزير المالية أو من ينيبه أن يقبله.. والقول بغير ذلك من شأنه إهدار الرخصة التي خولها المشرع لوزير المالية في إجراء الصلح أو عدم إجراءه. فلا يقبل القول بأن المشرع في إجراء الصلح يرتب للممول الحق في إتمام مراحله ويلزم الإدارة الموافقة عليه.
ففي ذلك تحول لسلطة الوزير أو من ينيبه في إجراء الصلح من سلطة تقديرية إلى سلطة مقيدة دون سند من القانون. وتأسيساً على ذلك لا يكون امتناع رئيس المصلحة عن إتمام التصالح قراراً إدارياً سلبياً يصح أن يكون محلاً للإلغاء ووقف التنفيذ، لأنه بهذا الامتناع لا يخالف التزاماً قانونياً عليه، وإنما يستعمل سلطة تقديرية منحها له المشرع يجريها وفقاً لما يراه محققاً للصالح العام.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه شابه مخالفة القانون والإخلال بحق الطاعن: فلم تقدم مصلحة الضرائب أية مذكرة بالرد على الدعوى إلا بالجلسة التي تقرر فيها حجز الدعوى للحكم وإذ اتضح للطاعن من اطلاعه على المذكرة أن مدير مصلحة الضرائب لم يوافق على مشروع الصلح وبذلك تكون المصلحة قد خرجت عن موقفها السلبي إلى موقف إيجابي، هو رفض مشروع الصلح، مما يقتضي تعديل الطلبات في الدعوى. فكان أن تقدم الطاعن بطلب فتح باب المرافعة لتعديل الطلبات، إلا أن المحكمة لم تلتفت إلى هذا الطلب، ولم تشر إليه في أسبابها، رغم أنه طلب مؤثر في حين استجابت المحكمة لطلب مماثل تقدم به شقيق الطاعن عن الدعوى التي أقامها بطلبات مماثلة وتم حجزها بذات الجلسة للحكم بجلسة 3/ 4/ 1984.
فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير القانون إذ أقام قضاءه على أساس أنه ليس ثمة إلزام على المصلحة إذا شرعت في الصلح أن تقبله أو ترفضه: ذلك أنه إذا ما وافقت المصلحة ووافق الممول على مبدأ الصلح وسارا في إجراءاته حتى عرض المشرع على الوزير أو من ينيبه فيكون من المتعين على المصلحة أن تبت في المشروع سواء بالقبول أو الرفض أو بالإعادة إلى لجنة التصالح لإعادة النظر فيه في ضوء ما قد يبديه الوزير أو من ينيبه فلا يجوز ترك الأمر معلقاً دون بت لأنه يترتب على البدء في إجراءات التصالح إخطار النيابة العامة لموقف السير في الدعوى الجنائية كما يترتب على الانتهاء من مشروع التصالح، وقبل اعتماده، إلزام الممول بدفع جزء من المبلغ المتصالح فيه، وهو ما تم فعلاً في الحالة الماثلة. كما جانب الحكم الصواب إذ أورد بأسبابه أن المشرع جعل أمر الصلح لمطلق تقدير وزير المالية أو من ينيبه يقبله أو لا يقبله وفقاً لظروف كل حالة: ذلك أنه ليس ثمة سلطة تقديرية مطلقة تخرج عن رقابة محكمة القضاء الإداري. وفضلاً عن ذلك فقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على ما تضمنته عريضة الدعوى من أن الوزير إذ يرفض الصلح كمبدأ عام يطبق في جميع المجالات يكون قد أهدر نص القانون الذي يجيز التصالح، وهو نص المادة 191 من قانون الضرائب على الدخل. ومن ناحية أخرى فإن رفض التصالح يخل بقاعدة المساواة بين الممولين، إذ سبق لمصلحة الضرائب أن تصالحت في حالات عديدة، تضمنت عريضة الدعوى الإشارة إلى بعضها.
ومن حيث إن البادي من الأوراق أن موظفي الإدارة العامة لمكافحة التهرب الضريبي قاموا بضبط أوراق ومستندات متعلقة بنشاط الطاعن في تمليك الوحدات السكنية. وشكلت لجنة لفحص الأوراق المضبوطة رفعت تقريراً بشأنها إلى نيابة مكافحة التهرب الضريبي. وبتاريخ 10/ 1/ 1981 تقدم الطاعن إلى مصلحة الضرائب بطلب للتصالح. وبعد موافقة السيد رئيس المصلحة على الطلب شكلت لجنة للتصالح وبتاريخ 5/ 6/ 1982 تقدم الطاعن إلى السيد/ مدير عام مكافحة التهرب بكتاب ضمنه تمام التصالح أمام اللجنة المشكلة لتحديد وعاء ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على نشاطه عن السنوات من 1967 إلى 1979، وذلك بتاريخ 28/ 3/ 1982 كما أنه تم التصالح أمام اللجنة المشكلة لتحديد قيمة التعويضات المستحقة عليه وجملتها تسعة آلاف ومائة وأربعين مليماً. ووقع بالموافقة على هذا التقرير. وأرفق الطاعن بكتابه المشار إليه سبع شيكات بالمبلغ الذكور: تستحق في تواريخ تبدأ من 1/ 7/ 1982 حتى 1/ 1/ 1983.
وقد أفادت مأمورية ضرائب الجيزة في ردها على الدعوى بأنه بعد موافقة الطاعن على مشروع التصالح تم رفع المشروع إلى السيد/ رئيس مصلحة الضرائب فلم يوافق عليه (مستند رقم 1 من حافظة إدارة قضايا الحكومة المقدمة بجلسة 28/ 2/ 1984) أمام محكمة القضاء الإداري).
ومن حيث إن قانون الضرائب على الدخل الصادر به القانون رقم 157 لسنة 1981 بعد أن عدد بالباب العاشر الجرائم الضريبية والعقوبات المحددة لكل منها، أورد قيداً على الاختصاص الأصيل في إقامة الدعوى العمومية المقررة للنيابة العامة بمقتضى حكم المادة (1) من قانون الإجراءات الجنائية: فنصت المادة 191 من قانون الضرائب على الدخل على أن تكون إحالة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلى النيابة العامة بقرار من وزير المالية ولا ترفع الدعوى العمومية عنها إلا بطلب منه. والطلب كقيد على اختصاص النيابة العامة، على ما سبق أن جرى به قضاء هذه المحكمة، يصدر من الجهة التي يعنيها القانون بقصد حمايتها سواء بصفتها مجنياً عليها أو بصفتها أمينة على مصالح الدولة العليا. وهو، أي الطلب، ينصرف إلى الجريمة ذاتها، فينطوي على تصريح باتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون اعتبار لمرتكبها (الحكم الصادر بجلسة 23/ 3/ 1968 في أن الطعن رقم 1121 لسنة 10 القضائية). كما جرى قضاء محكمة النقض على أن للطلب أثراً عينياً يتعلق، في مجال المخالفات الضريبية، بجرائم يصدق عليها جميعاً أنها جرائم مالية تمس ائتمان الدولة ولا تعلق له بأشخاص مرتكبيها (نقض جنائي. جلسة 24/ 4/ 1977. الطعن رقم 1250 لسنة 42 القضائية). وعلى ذلك فإن طلب رفع الدعوى العمومية بالنسبة للجرائم الضريبية لا يعتبر من قبيل القرارات الإدارية، إذ لا تتوافر بالنسبة له مقومات القرار الإداري على النحو الذي استقر عليه قضاء هذه المحكمة في شأن تعريف القرار الإداري، بأنه إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد أحدث مركز قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة. فعينية الطلب وانصرافه إلى الجريمة دون اعتبار لمرتكبها تحول دون أن يكون للطلب أثر في إحداث مركز قانوني لمرتكب الجريمة. فبارتكاب الأعمال المؤثمة قانوناً والتي تعتبر من الجرائم الضريبية، يكون الممول قد وضع نفسه بالفعل أو بالامتناع، في المركز القانوني الخاص على النحو الذي حدده القانون. ولا يغير من ذلك أن يكون المشرع، لاعتبارات قدرها متصلة بالجهة التي ائتمنها على المصلحة العامة، قد قيد من اختصاص النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بأن علق ذلك على طلب وزير المالية. فليس من شأن هذا الطلب أن ينشئ مركزاً قانونياً جديداً للممول بعد أن تحدد مركزه القانوني على ما سبق البيان بمدى صحة توافر أركان الجريمة الضريبية في حقه كما ينصرف الطلب إلى الجريمة ذاتها ولا تعلق له بشخص مرتكبها. فإذا كان ذلك فإن ما يسبق طلب إقامة الدعوى العمومية من إجراءات داخلية تجرى فيها جهات الاختصاص الضريبية شئونها لا يكون مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء. وإذا كان القانون قد خول وزير المالية أو من ينيبه إجراء التصالح مع الممول في الجرائم المنصوص عليها بقانون الضرائب على الدخل ونص في عجز المادة 191 من القانون المشار إليه على أنه وفي جميع الأحوال تنقضي الدعوى العمومية بالصلح فإن التصالح وهو الوجه الأخر لطلب إقامة الدعوى العمومية والمسقط لها يكون من ذات طبيعة الطلب، ولا يعتبر قراراً إدارياً بالمفهوم الاصطلاحي للقرار الإداري، سواء كان موقف الإدارة منه ايجابياً بقبوله أو سلبياً برفضه، وسواء كان هذا الرفض صراحة أو ضمناً يظهر من خلال موقف الجهة المختصة.
ومن حيث إنه عما يثيره الطاعن في خصوصية المنازعة الماثلة من أن السيد/ رئيس مصلحة الضرائب، النائب عن وزير المالية في الصلح قد وافق على إجرائه مما يكسبه حقاً في إتمامه فإنه لا يقوم على أساس صحيح من الواقع أو القانون. ذلك أنه فضلاً عن أن الأوراق لا تكشف عن وجود قرار بالتصالح قد صدر فإن تأشير رئيس مصلحة الضرائب على طلب التصالح المقدم من الطاعن بما يفيد الموافقة وتشكيل لجنة لإجراء التسوية، لا يعتبر قراراً يمكن أن يتعلق به حق الطاعن ولا يخرج عن أن يكون عملاً تمهيدياً لدراسة موقف الممول وإمكان التصالح معه وشروط ذلك، دون إلزام مقدم بقبول نتائج هذه الدراسة كاملة فمهما كانت هذه النتائج فطالما لم يتم استكمال العناصر القانونية للصلح، فلا يكون ثمة صلح قد تم، ولا يكون ثمة مركز قانوني للممول يكون محلاً للمساس به. فالتصالح لا يكون جائزاً قانوناً، على النحو المنصوص عليه بالمادة 191 من قانون الضرائب على الدخل، إلا مقابل سداد الممول مبلغاً يعادل نسبة مما لم يؤد من الضريبة، تختلف بحسب ما إذا كان التصالح سابقاً على إقامة الدعوى العمومية أو تم أثناء قيامها. ولا يغير الطلب المقدم من الممول بعرض الصلح التزامه بنتيجة التسوية التي تقترحها اللجنة المشكلة لهذا الغرض، وفي المقابل فإن قبول الطلب وتشكيل لجنة لبحثه واقتراح أسس التسوية لا يرتب التزاماً على وزير المالية أو من ينيبه بأن يتقيد بالتسوية المقدمة أو بأن يصدر القرار بالتصالح. ولا يكون رفض التسوية، سواء اقتصر الرفض على أسسها ونتيجتها أو تضمن رفضها للتصالح أصلاً مما يمكن أن يكون محلاً لدعوى الإلغاء على ما سلف البيان. فإذا كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري فإنه يكون قد صادف في قضائه صحيح حكم القانون ولا يكون ثمة وجه للنقض عليه، مما يتعين رفض الطعن مع إلزام رافعه المصروفات إعمالاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات.


[(1)] يراجع حكم محكمة النقض في الطعن رقم 1250 لسنة 42 ق الصادر بجلسة 24/ 4/ 1977.