مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 738

(97)
جلسة 23 من مارس سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

القضية رقم 316 لسنة 12 القضائية

موظف "تعيين". فترة الاختبار - شرط حسن السمعة - فقد شرط حسن السمعة خلال فترة الاختبار - لا يكفي لقيامه مجرد الشائعات. خلو الأوراق من أي دلائل أو تحريات أو شبهات قوية تقوم سنداً كافياً لتأكيد الشائعات - من شأنه أن يعيب القرار الصادر بإنهاء خدمة صاحب الشأن استناداً لتخلف هذا الشرط.
لما كانت ثمة شائعات تمس سلوك المدعية وسمعتها، وهي - إن صحت - تفقدها الكثير مما تحرص عليه كل فتاة، من وجوب التحلي بالسيرة الحميدة والسمعة الحسنة لا في الوسط الوظيفي فحسب بل في حياتها العامة، ومن ثم فإنه متى اتخذت الهيئة الطاعنة من فقدان المدعية لشرط حسن السمعة سبباً لإنهاء خدمتها خلال فترة الاختبار فكان عليها أن تتحرى حقيقة الأمر وتجري من التحريات ما يؤكد اقتناعها حول سلوك المدعية. أما وقد خلت الأوراق من أية دلائل أو تحريات أو شبهات قوية تقوم سنداً كافياً لتأكيد الشائعات التي تناثرت حول تصرفات المدعية وسلوكها فإن القرار المطعون فيه يكون فاقداً ركن السبب مما يبطله. ولا وجه للتحدي بأنه قد أشير في التقريرين السريين اللذين وضعا عن المدعية إلى أن "لها بعض التصرفات التي تؤخذ عليها" إذ أنه لا يوجد في الأوراق ما يفيد صفة هذه التصرفات وطبيعتها ومدى انعكاسها على عملها أو فقدها حسن السمعة والسيرة الحميدة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما ما يبين من أوراق الطعن في أن المدعية، السيدة/ ناهد محمود هاشم أقامت الدعوى رقم 41 لسنة 11 القضائية ضد السيد رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس بصحيفة أودعتها سكرتارية المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية في 21 من نوفمبر سنة 1963 طلبت فيها الحكم، بصفة أصلية، بإلغاء القرار الصادر في 30 من يونيه سنة 1963 بفصلها من وظيفتها اعتباراً من أول يوليه سنة 1963 مع ما يترتب على ذلك من آثار.. وبصفة احتياطية بإلزام الهيئة بأن تدفع لها قرشاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت عن الأضرار التي تخلفت عن قرار الفصل وإلزام الهيئة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وقالت - شرحاً لدعواها إنها عينت بالهيئة المدعى عليها بوظيفة كاتبة على الآلة الكاتبة بماهية قدرها خمسة وعشرون جنيهاً في الشهر ابتداء من 2 من يونيه سنة 1962.. وكانت خلال فترة عملها محل ثناء الجميع الذين امتدحوا سلوكها واستقامتها.. وظلت تؤدي عملها إلى أن فوجئت في 30 من يونيه سنة 1963 بتبليغها بقرار فصلها من الخدمة اعتباراً من أول يوليه سنة 1963.. ولما بحثت الأمر علمت أن ثمة شائعات مختلفة مصدرها السيد/ يوسف محمد يوسف رئيس قسم التحركات بالهيئة ومروجها السيد/ محمود خيري عبد الهادي الموظف بها بقصد الإساءة إلى سمعتها لرفضها الزواج من شخص قدمه إليها وإيثارها عليه شخصاً آخر. فتظلمت في 10 من يوليه سنة 1963.... وقامت الهيئة ببحث تظلمها حيث سمعت أقوالها في 25 من أغسطس سنة 1963.... وظلت تترقب البت في تظلمها إلى أن تلقت كتاباً مؤرخاً في 25 من سبتمبر سنة 1963 مرفقاً به شيك بمبلغ 545 مليم و9 جنيهات، سداداً لرصيد حسابها، مما اعتبرته إيذاناً برفض طلبها... واستطردت المدعية تقول إنها لم تواجه بأي مأخذ يمس عملها أو سلوكها أو ينقص من صلاحيتها لوظيفتها... كما أنه لا حجة في القول بأنها كانت معينة تحت الاختبار لأنها خدمت ثلاثة عشر شهراً ومدة الاختبار تقل عن ذلك مما يترتب عليه اعتبار أنها قد اجتازتها بنجاح وأصبح حكمها حكم أي موظف مثبت في وظيفته.
ردت الهيئة على الدعوة بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد المواعيد المقررة قانوناً. وبالنسبة للموضوع قالت إن سمعة المدعية - أثناء فترة الاختبار ومدتها ستة أشهر على الأقل وثلاث سنوات على الأكثر - لاكتها الألسنة وقامت الشائعات فعلاً بسوء سلوكها وثبت ذلك مما ردده السيد المستشار القانوني للهيئة - من أنه يستخلص أن المدعية منحرفة انحرافاً لا يجعلها جديرة بشرف خدمة الهيئة وذلك بعد أن سمع أقوالها... وأنه لذلك، وتطبيقاً للمواد 9، 13 من لائحة موظفي الهيئة، يحق للهيئة فصلها.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الدعوى اقترحت فيه الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً برفض الطلبين، الأصلي والاحتياطي، وإلزام المدعية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... واستندت في ذلك إلى الأسباب التي ذكرتها الهيئة في ردها على الدعوى وأضافت إليها أن تقدير صلاحية الموظف للبقاء في وظيفته من الأمور المتروكة لتقدير جهة الإدارة التي لا يحدها أي قيد في هذا الشأن سوى عيب الانحراف الذي لا دليل عليه.
عقبت المدعية على تقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرة قالت فيها بالنسبة للموضوع إنه كان يتعين سلوك الطريق التأديبي لمحاكمتها عما نسب إليها من خروج على مقتضى الواجب الوظيفي وحتى مع التسليم بجواز الفصل بدون محاكمة تأديبية فإنه كان يتعين على الهيئة أن تجري تحقيقاً في الموضوع تسمع فيه دفاعها... وردت على الأسباب التي ذكرتها الهيئة بأن قولها في هذا الشأن جاء مرسلاً ولم يقم عليه دليل.
وبجلسة 28 من نوفمبر سنة 1965 قضت المحكمة الإدارية:-
أولاً: بعدم قبول طلب المدعية إلغاء القرار المطعون فيه لتقديمه بعد الميعاد.
ثانياً: بإلزام الهيئة المدعى عليها بأن تؤدي إلى المدعية تعويضاً مؤقتاً قدره قرش صاغ واحد والمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وأقامت المحكمة قضاءها بالتعويض المؤقت على أن التقريرين المقدمين عن المدعية، سواء التقرير السري عن عام 1963 أو تقرير فترة الاختبار، لا يكشف أيهما عن عدم صلاحية المدعية للبقاء في العمل فالثابت منهما أنها ملمة بعملها إلماماً قليلاً بمعنى أنها لا تحتاج إلى تدريب وأن أداءها للعمل مقبول وتنجز كمية متوسطة من العمل وأنها في صدد تعاونها مع الرؤساء تقوم بما هو مطلوب منها وأنها تعد نفسها بطريقة مرضية وتعمل يومها دون كلل ونادراً ما تتأخر عن مواعيد العمل وسلوكها عادي وهي صفات لا تجعل من يتصف بها غير صالح للوظيفة... وأن ما جاء بالتقريرين المذكورين - من أن للمدعية تصرفات خارجية تؤخذ عليها - فلا يوجد بالأوراق ثمة ما يشير إلى هذه التصرفات وطبيعتها ومقوماتها ومدى انعكاسها على عمل المدعية، والتي على هديها يمكن التقرير بأنها نوع من الانطباعات الضارة بالوظيفة العامة والتي تسيء إليها.. وأنه لا يغير من ذلك ما جاء بمذكرة السيد المستشار القانوني - من أن الوقائع التي سردها السيد/ يوسف محمد يوسف تقطع بانحرافها وسوء سلوكها - لأن هذه المذكرة لم تفصح عن حقيقة هذه الوقائع وأساسها كما أن استخلاص الانحراف لم يكن نتيجة تحقيق أو شكاوى أو تحريات الجهات المختصة رغم أهميتها وخطورتها وتعلقها بسمعة إحدى الموظفات سلوكاً وخلقاً.. وانتهت المحكمة إلى أنه، تأسيساً على ذلك، يكون القرار المطعون فيه غير قائم على سبب يبرره، وهو ما يكون ركن الخطأ في مسئولية الجهة الإدارية، هذا الخطأ الذي أصاب المدعية بضرر يتمثل في خدش سمعتها وحرمانها من عملها مما يرتب التعويض لها.
وبصحيفة أودعت سكرتارية هذه المحكمة في 20 من يناير سنة 1966 طعنت الهيئة في الحكم المذكور طالبة القضاء بقبول طعنها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضدها مع إلزامها بالمصروفات وأتعاب المحاماة.. وبنت طعنها على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله. وقالت في بيان ذلك إن التقديرين السريين المنوه عنهما تضمنا ما مفاده سوء سلوكها وقد تأيد ذلك بما جاء بمذكرة السيد المستشار القانوني وأنه لا يغير من ذلك ما جاء بالتقريرين المذكورين - من أن سلوكها عادي - لأن السلوك العادي هو السلوك القريب من السيء وقد أقرت الهيئة بسوء سلوكها كما شاع عنها، الأمر الذي ينعكس على عملها وآية ذلك ما سجله هذان التقريران - من أن معرفتها بالعمل معرفة قليلة وأداءها مقبول - فليست هذه درجة الكفاية المطلوبة في الموظف العادي.. وأن لجهة الإدارة تقدير صلاحية الموظف للقيام بأعباء الوظيفة طالما كان التقدير بعيداً عن التعسف.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة بالمصروفات.. واستندت في ذلك إلى ما استند إليه الحكم المطعون فيه.
وقدمت الحكومة مذكرة صممت فيها على الطلبات الواردة بصحيفة الطعن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق في قضائه بإلزام الهيئة المدعى عليها بأن تؤدي للمدعية تعويضاً مؤقتاًَ قدره قرش صاغ واحد... وذلك للأسباب التي استند إليها ذلك الحكم والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها أن القرار المطعون فيه صدر خلال فترة الاختبار تأسيساً على ما قام لدى الهيئة الطاعنة من عدم صلاحية المدعية لما تردد حول سلوكها من شائعات ولما كانت هذه الشائعات تمس سلوك المدعية وسمعتها، وهي - إن صحت - تفقدها الكثير مما تحرص عليه كل فتاة، من وجوب التحلي بالسيرة الحميدة والسمعة الحسنة لا في الوسط الوظيفي فحسب بل في حياتها العامة، ومن ثم فإنه متى اتخذت الهيئة الطاعنة من فقدان المدعية لشرط حسن السمعة سبباً لإنهاء خدمتها خلال فترة الاختبار فكان عليها أن تتحرى حقيقة الأمر وتجري من التحريات ما يؤكد اقتناعها حول سوء سلوك المدعية. أما وقد خلت الأوراق من أية دلائل أو تحريات أو شبهات قوية تقوم سنداً كافياً لتأكيد الشائعات التي تناثرت حول تصرفات المدعية وسلوكها فإن القرار المطعون فيه يكون فاقداً ركن السبب مما يبطله.. ولا وجه للتحدي بأنه قد أشير في التقريرين السريين اللذين وضعا عن المدعية إلى أن "لها بعض التصرفات التي تؤخذ عليها" إذ أنه لا يوجد في الأوراق ما يفيد منه هذه التصرفات وطبيعتها ومدى انعكاسها على عملها أو فقدها حسن السمعة والسيرة الحميدة...
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون حقيقياً بالرفض مع إلزام الهيئة الطاعنة بالمصروفات..

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام
الهيئة الطاعنة بالمصروفات.