أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 2 - صـ 199

جلسة 28 من ديسمبر سنة 1950
(39)
القضية رقم 14 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
1 - نقض. طعن. سبب جديد. بيع. الدفع بعدم جواز إثبات المشتري صورية شخص البائع بالبينة لمخالفة ذلك للثابت بالعقد. وجوب التمسك به أمام محكمة الموضوع وإلا سقط الحق في التحدي به أمام محكمة النقض.
(المادة 15 من قانون إنشاء محكمة النقض).
2 - ( أ ) حكم. تسبيبه. حق الخصم في الإدلاء بجميع أوجه دفاعه. قيام الحكم على واحد منها يكفي لحمله. إطراحه باقي الأوجه. لا بطلان. (ب) نقض. طعن. سبب جديد. النعي بتعارض أوجه الدفاع تعارضاً من شأنه أن يؤدي إلى إهدارها جميعاً. وجوب التمسك به أمام محكمة الموضوع. إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لا يقبل.
(المادة 103 من قانون المرافعات - القديم - والمادة 15 من قانون إنشاء محكمة النقض).
3 - إثبات. محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير الأدلة. لها أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة متى أقامت قضاءها على أدلة سائغة تكفي لحمله. الطعن في الحكم بطريق النقض لقصوره. أوجه الطعن مبناها المجادلة في الأدلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى استناداً إلى أن الحكم أغفل بحث ما أدلت به الطاعنة من حجج وبراهين. الطعن على غير أساس.
(المادة 103 من قانون المرافعات - القديم - ).
1 - الدفع بعدم جواز إثبات المشتري صورية شخص البائع بالبينة لمخالفة ذلك للثابت بالعقد - هذا الدفع يجب التمسك به أمام محكمة الموضوع وإلا سقط الحق في التحدي به أمام محكمة النقض.
وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى برفض دعوى الطاعنة التي رفعتها تطلب فيها إبطال عقد البيع الصادر من محجورها إلى المطعون عليه وتثبيت ملكيته إلى الأطيان المبيعة قد أقام قضاءه على ما استخلصه من القرائن وشهادة الشهود من أن محجور الطاعنة لم يكن هو البائع الحقيقي للأطيان موضوع النزاع وإنما كان والده هو البائع لها، وإن تحرير العقد باسم ولده المحجور عليه باعتباره البائع لم يكن إلا وسيلة لإتمام الصفقة نظراً لتكليف الأطيان باسمه، وكانت الطاعنة لم تتمسك بعدم جواز إثبات صورية شخص البائع بالبينة - فإنه لا يقبل منها الطعن على الحكم بطريق النقض استناداً إلى أنه خالف قواعد الإثبات، ولا يجديها في هذا الصدد اعتمادها على ما قالته أمام محكمة الموضوع من أنه وقد أقر البائع بأنه تملك الأطيان المبيعة بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية فإنه لا يجوز لمن وقع على العقد المتضمن هذا الإقرار الصريح أن يأتي بشهود يشهدون على عكس هذه الواقعة.
2 - ( أ ) للخصم أن يدلي بجميع أوجه دفاعه أمام محكمة الاستئناف، سواء في صحيفة استئنافه أو في مرافعته الشفوية أو التحريرية، وللمحكمة أن تقيم قضاءها على واحد من هذه الأوجه متى كان يكفي لحمله مطرحة باقي الأوجه. (ب) النعي بأن أوجه دفاع الخصم متعارضة تعارضاً من شأنه أن يؤدي إلى إهدارها جميعاً يجب طرحه على محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيه، ومن ثم فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
وإذن فمتى كان الواقع في الدعوى هو أن الطاعنة لم تقتصر في دعواها على طلب الحكم بإبطال البيع الصادر من محجورها إلى المطعون عليه بل طلبت أيضاً تثبيت ملكيته إلى الأطيان المبيعة وأن المطعون عليه وإن كان قد ذكر في صحيفة استئنافه أن البيع قد صدر له من محجور الطاعنة وأن والد المحجور عليه ضمنه في البيع إلا أنه عدل عن هذا الدفاع وقرر أن الأطيان المبيعة لم تكن مملوكة للمحجور عليه وأن والده هو المالك لها وهو الذي باعها إليه بالعقد الابتدائي وأن العقد النهائي الذي طلبت الطاعنة إبطاله لم يصدر من المحجور عليه إلا كوسيلة لنقل التكليف، وكانت الطاعنة لم تتمسك بأن ما ورد في صحيفة استئناف المطعون عليه يعتبر إقراراً منه بأن البائع له هو محجورها فلا يجوز له العدول عنه إلى القول بأن البائع الحقيقي له هو والد المحجور عليه، وكان الحكم إذ قضى برفض دعوى الطاعنة قد أقام قضاءه على ما استخلصه من القرائن وشهادة الشهود من أن الأطيان موضوع النزاع هي في حقيقة الأمر مملوكة لوالد المحجور عليه وأنه هو الذي باعها إلى المطعون عليه بمقتضى العقد الابتدائي المقدم منه فإن الطعن على الحكم استناداً إلى أنه إذ خالف مقتضى إقرار المطعون عليه في صحيفة استئنافه وأذن له في إثبات صورية شخص البائع بالبينة قد خالف قواعد الإثبات - هذا الطعن يكون على غير أساس؛ ذلك لأنه لا تثريب على الحكم إذ هو لم يعول على الدفاع الذي استند إليه المطعون عليه في صحيفة استئنافه وفصل في الدعوى على أساس الوجه الآخر الذي تمسك به هذا الأخير.
3 - لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير الأدلة أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة متى أقامت قضاءها على أدلة سائغة تكفي لحمله.
وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى برفض دعوى الطاعنة تأسيساً على أن الأطيان موضوع النزاع كانت مملوكة إلى والد المحجور عليه وهو الذي باعها إلى المطعون عليه قد أقام قضاءه على أسباب حاصلها أنه تبين من شهادة الشهود أن والد المحجور عليه اشترى الأطيان موضوع النزاع لنفسه لا لابنه وأنه وإن كان قد كتب عقد شرائها باسم ابنه إلا أن ذلك كان بقصد إخفائها عن دائنيه وأنه وضع اليد عليها من وقت شرائها حتى تاريخ بيعها إلى المطعون عليه، وأن هذا الأخير اشترى الأطيان موضوع النزاع من والد المحجور عليه باعتباره مالكها ولما تبين أنها مكلفة باسم ابنه جاءه به بائعاً وضمنه هو في البيع، وأن المطعون عليه لم يكن سيئ النية إذ هو لم يعلم بسفه الابن لأن المالك الأصلي لم يبع الأطيان للابن إنما باعها لوالده وأن الطاعنة لم تقدم أصل العقد الذي تملك به ابنها وإنما قدمت صورة من السجلات في حين أن العقد سجل قبل سنة 1924 ولا أصل له في المحفوظات - متى كان الحكم قد أقيم على هذه الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وكانت أوجه القصور التي تنعاها عليه الطاعنة لا تخرج عن كونها مجادلة في تقدير شهادة الشهود وأوراق الدعوى بغية الوصول إلى نتيجة أخرى بمقولة إن الحكم أغفل بحث ما استندت إليه في دفاعها من حجج وبراهين فإن الطعن يكون على غير أساس.


الوقائع

في يوم 9 من فبراير سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكمي محكمة استئناف أسيوط الصادر أولهما في 10 من فبراير سنة 1948 وثانيهما في 3 من يونيه سنة 1948 في الاستئناف رقم 204 سنة 21 ق وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكمين المطعون فيهما والقضاء في موضوع الدعوى بتأييد الحكم المستأنف الصادر من محكمة أسيوط الابتدائية بتاريخ 21 من مارس سنة 1946 في القضية رقم 111 سنة 1945 كلي وإلزام المطعون عليه بمصروفات الاستئناف، واحتياطياً إحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للحكم في موضوعها من جديد وإلزام المطعون عليه في الحالتين بمصروفات الطعن ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 20 من فبراير سنة 1949 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 24 منه أودعت الطاعنة أصل ورقة إعلان الطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتها. وفي 10 من مارس سنة 1949 أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها عدم قبول أسباب الطعن ورفضها.
وفي 6 من إبريل سنة 1949 أودعت الطاعنة مذكرة بالرد.
وفي 10 من سبتمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بعدم قبول السببين الأول والثاني أو رفضهما وبرفض باقي الأسباب وإلزام الطاعنة بالمصروفات ومصادرة الكفالة.
وفي 23 من نوفمبر سنة 1950 و14 من ديسمبر سنة 1950 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إنه بني على أربعة أسباب: حاصل أولها أن الحكمين المطعون فيهما خالفا قواعد الإثبات؛ ذلك أن المحكمة قضت بحكمها التمهيدي الصادر في 10 من فبراير سنة 1948 بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما ادعاه المطعون عليه في دفاعه من صورية شخص البائع إليه في العقد المحرر في 11 من مارس سنة 1942 والمسجل في 27 من يوليه سنة 1942، ثم قضت بحكمها القطعي الصادر في 3 من يونيه سنة 1948 برفض دعوى الطاعنة بناء على ما استخلصته من القرائن وشهادة الشهود من أن محجور الطاعنة لم يكن هو البائع الحقيقي للأطيان موضوع النزاع إنما كان والده نوس متى هو البائع لها وأن تحرير العقد باسم ابنه المحجور عليه باعتباره البائع لم يكن إلا وسيلة لإتمام الصفقة نظراً لتكليف الأطيان باسمه - مع أنه قد نص صراحة في عقد البيع المذكور على أن محجور الطاعنة هو البائع لهذه الأطيان إلى المطعون عليه وأن والده لم يكن إلا ضامنه المتضامن - وبذلك تكون المحكمة قد قضت بصورية هذا العقد من ناحية ما ورد فيه من تعيين شخص البائع وخالفت الثابت به بدون دليل كتابي على الصورية التي ادعاها المطعون عليه وهو طرف في العقد بوصفه مشترياً، وذلك رغم اعتراض الطاعنة على إثبات ما يخالف العقد بغير دليل كتابي.
ومن حيث إن هذا السبب غير مقبول لما يبين من الأوراق من أن الطاعنة لم تتمسك أمام محكمة الموضوع بما جاء فيه خاصاً بعدم جواز إثبات صورية شخص البائع بالبينة، مما يترتب عليه سقوط حقها في التحدي به أمام هذه المحكمة، ولا يجديها في هذا الصدد اعتمادها على ما قالته في مذكرتها الختامية المقدمة إلى محكمة الاستئناف من "أن البند الرابع من عقد البيع صريح في أن البائع أقر بأنه تملك العقارات المبيعة بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية وأنه لا يجوز لمن وقع على العقد المتضمن هذا الإقرار الصريح أن يأتي بشهود يشهدون بعكس هذه الواقعة" إذ مفاد هذا القول هو الاعتراض على إثبات عكس ما أقر به البائع في عقد البيع من ملكيته للأطيان المبيعة لا الاعتراض على إثبات صورية ما ورد فيه من تعيين شخص البائع، وهما أمران مختلفان كل الاختلاف.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو أن المطعون عليه أقر في صحيفة استئنافه بأن البيع قد صدر قد صدر له من ذات محجور الطاعنة لا من والده نوس متى وأن هذا الوالد لم يتعاقد معه إلا بصفته ضامناً، فإذا جاء المطعون عليه بعد ذلك وعدل عن هذا الإقرار وادعى بصورية عقد البيع خلافاً لإقراره المطابق لما ورد بالعقد كانت هذه دعوى غير مقبولة منه، ومتى كانت المحكمة قد أمرت بتحقيقها بشهادة الشهود ثم بنت عليها قضاءها في الموضوع على أساس ثبوتها فإنها بذلك تكون قد خالفت مقتضى الإقرار القضائي الصادر أمامها من المطعون عليه، ويكون الحكمان المطعون فيهما قد خالفا بذلك قواعد الإثبات.
ومن حيث إنه لما كان للخصم أن يدلي بجميع أوجه دفاعه أمام محكمة الاستئناف سواء في صحيفة استئنافه أو في مرافعته الشفوية أو التحريرية، وكان للمحكمة أن تقيم قضاءها على واحد من هذه الأوجه متى كان يكفي لحمله، مطرحة باقي الأوجه، وكان النعي بأن أوجه دفاع الخصم متعارضة تعارضاً من شأنه أن يؤدي إلى إهدارها جميعاً يجب طرحه على محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيه، ومن ثم فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنة لم تقتصر في دعواها على طلب الحكم بإبطال البيع الصادر من محجورها إلى المطعون عليه بل طلبت أيضاً تثبيت ملكيته إلى الأطيان المبيعة، وأن من ضمن ما أبداه المطعون عليه من أوجه الدفاع أن هذه الأطيان لم تكن مملوكة للمحجور عليه وأن والده نوس متى هو المالك لها وهو الذي باعها إليه بالعقد الابتدائي المحرر في 24 من يناير سنة 1942 والمقدم منه إلى محكمة الاستئناف وأن العقد النهائي الذي طلبت الطاعنة إبطاله لم يصدر من المحجور عليه إلا كوسيلة لنقل التكليف - لما كان ذلك - كان على المحكمة أن تفصل في هذا الوجه من دفاع المطعون عليه لتبين حقيقة المالك والبائع للأطيان موضوع النزاع، ولما كان من ناحية أخرى يبين من مذكرة الطاعنة الختامية المقدمة إلى محكمة الاستئناف أنها لم تتمسك بأن ما ورد في صحيفة استئناف المطعون عليه يعتبر إقراراً منه بأن البائع له هو محجورها فلا يجوز له العدول عنه إلى القول بأن البائع الحقيقي له هو والد المحجور عليه، وكان يبين من الحكم القطعي أنه أقيم على ما استخلصته المحكمة من الأدلة التي أوردتها من أن الأطيان موضوع النزاع هي في حقيقة الأمر مملوكة لوالد المحجور عليه نوس متى وأنه هو الذي باعها إلى المطعون عليه - لما كان ذلك - كذلك لا تكون المحكمة، إذ هي لم تعول على الدفاع الذي استند إليه المطعون عليه في صحيفة استئنافه وفصلت في الدعوى على أساس وجه آخر تمسك به أمامها، قد خالفت القانون.
ومن حيث إن حاصل السبب الثالث هو أن الحكمين المطعون فيهما خالفا المادتين 179 و180 من قانون المرافعات (القديم) - ذلك أن المحكمة أحالت الدعوى على التحقيق لإثبات دفاع المطعون عليه فيما تضمنه من أن إجراءات توقيع الحجر على محجور الطاعنة وتعيين والده قيماً عليه واستبدال الطاعنة (والدته) به قد عملت بالتواطؤ بين المذكورين - مع أن مسائل الحجر وتعيين القوام واستبدالهم هي مما يدخل في ولاية المجالس الحسبية وقراراتها فيها تكون حجة على الكافة، ومن ثم فلا يجوز الطعن عليها بالتواطؤ أو الصورية لما في هذا الطعن من جحود لقوة الأمر المقضي المقررة لها قانوناً، وقد وقع الحكم القطعي في نفس الخطأ إذ جاء في أسبابه "فلما بلغ شفيق رشده بادر والده بالحجر عليه وعين نفسه قيماً عليه لكي يحتفظ بحق التصرف لنفسه". وفي هذا الذي قرره مساس بقوة قرار الحجر.
ومن حيث إن هذا السبب غير منتج؛ ذلك أن المحكمة لم تقم حكمها على أساس ما ورد في دفاع المطعون عليه من طعن على قراري الحجر والاستبدال بالصورية أو التواطؤ وإنما أقامته على أساس ما انتهت إليه من أن الأطيان موضوع الدعوى مملوكة لنوس متى والد المحجور عليه وأنه هو الذي باعها إلى المطعون عليه، أما العبارة المشار إليها التي جعلتها الطاعنة عماد طعنها فالواضح من سياق أسباب الحكم أن المحكمة قد استطردت إليها من قبيل التزيد الذي لم تكن في حاجة إليه والذي لا يؤثر على سلامة النتيجة التي انتهت إليها، يؤيد ذلك ما ورد في أسباب الحكم من أنه وإن كان تصرف المحجور عليه بدون إذن المجلس الحسبي باطلاً إلا أن محل هذا أن يكون التصرف قد وقع على ملك المحجور عليه، أما إذا كانت ملكيته لما تصرف فيه غير صحيحة فإن العبرة بحقيقة الواقع.
ومن حيث إن حاصل السبب الرابع هو أن الحكم القطعي مشوب بالقصور؛ ذلك أن المحكمة قد استندت فيه إلى أربعة أدلة لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها من أن نوس متى لا ابنه المحجور عليه هو المالك والبائع للأطيان موضوع النزاع، فقد استندت (أولاً) إلى ما استخلصته من شهادة الشهود من وضع يد والد محجور الطاعنة على الأطيان من وقت شرائها من مالكيها الأصليين في سنة 1917 حتى بيعها إلى المطعون عليه في سنة 1942 (وثانياً) إلى ما استنتجته من تصرفات المطعون عليه من أنه اشترى الأطيان في أول الأمر بعقد بيع ابتدائي صدر له من والد المحجور عليه في 24 من يناير سنة 1942 باعتباره مالكاً لها وأنه لما تبين أنها مكلفة باسم الابن حرر العقد النهائي باسمه باعتباره بائعاً وضمنه فيه والده (وثالثاً) إلى ما استخلصته من شهادة الشاهدين عبد الحكيم علي صالح الكامل ومحمد حسنين صالح الكامل من أن عمهما المالك الأصلي لم يبع الأطيان إلى محجور الطاعنة وإنما باعها إلى والده نوس متى (ورابعاً) إلى أن الطاعنة لم تقدم أصل العقد الذي تملك به محجورها وإنما قدمت صورة مستخرجة من السجلات لا يمكن الاعتماد عليها، وآية القصور بالنسبة إلى الدليل الأول أن المحكمة غفلت فيه عن أمرين جوهريين نبهت إليهما الطاعنة وكانا خليقين بتغيير وجه الفهم في مسألة وضع اليد أولهما أن محجورها كان قاصراً تحت ولاية أبيه حتى سنة 1935 ثم حجر عليه ابتداء من سنة 1938 وعين والده قيماً عليه فكانت للوالد بهاتين الصفتين حيازة ملك ابنه مما تلتبس معه صفة وضع اليد على الأطيان، وثانيهما أنه في المدة القصيرة بين بلوغ المحجور عليه سن الرشد وتوقيع الحجر عليه تصرف في ستة أفدنة من ملكه بعقد بيع سجل في 27 من أكتوبر سنة 1938 وهو تصرف ناف لملكية والده، أما بالنسبة إلى الدليل الثاني فإن تصرفات المطعون عليه لا تصلح دليلاً على حقيقة الواقع فيما بين الوالد وابنه، إذ قد يكون المشتري مخطئاً فيمن ظن أنه المالك الحقيقي وقد يكون العقد الثاني تصحيحاً لوضع خاطئ أو إجازة من الابن للمالك، وأما بالنسبة إلى الدليل الثالث فإن شهادة الشاهدين المشار إليهما غير منتجة لأن العقد الذي صدر من عمهما كان باسم الابن شفيق لا باسم والده، وأما بالنسبة إلى الدليل الرابع فإنه غير منتج كذلك لأن أصل العقد تغني عنه صورته إلا إذا قام النزاع على صدوره أو على مطابقة صورته لأصله وهو ما لم تتشكك فيه المحكمة.
ومن حيث إن الحكم القطعي المطعون فيه أقيم على أسباب حاصلها: أنه تبين للمحكمة من شهادة الشهود أن نوس متى والد المحجور عليه اشترى الأطيان موضوع النزاع في سنة 1917 لنفسه لا لابنه شفيق وإن كتب عقد شرائها باسم ابنه ليخفيها عن دائنيه وأنه وضع يده عليها من وقت شرائها حتى تاريخ بيعها إلى المطعون عليه، وأنه تبين لها أيضاً من شهادة الشهود ومن تصرفات المطعون عليه أنه اشترى الأطيان من والد المحجور عليه باعتباره مالكاً ولما تبين أنها مكلفة باسم ابنه شفيق جاء بهذا الابن بائعاً وضمنه هو في بيعه، الأمر الذي يؤيد أن حقيقة الملك هي للأب لا للابن، أما القول بأن المطعون عليه كان سيئ النية وأنه يعلم بسفه الابن وبعدم صلاحية الأب وأنه استغل هذا الموقف فهو قول لا يتفق مع ما هو ثابت من الوقائع سواء في أقوال الشهود أو في المستندات. فقد صدر العقد الابتدائي في 24 من يناير سنة 1942 من نوس متى باعتباره مالكاً للأطيان، وأن هذه النتيجة التي استخلصتها المحكمة من الأوراق وشهادة الشهود مؤيدة بأمرين أولهما ما شهد به الشاهدان عبد الحكيم علي صالح الكامل ومحمد حسنين صالح الكامل من أن عمهما المالك الأصلي للأطيان لم يبعها إلى شفيق نوس وإنما باعها إلى نوس نفسه، وثانيهما أن الطاعنة لم تقدم أصل العقد الذي تملك به ابنها، وإنما قدمت صورة من السجلات مع أن العقد سجل قبل سنة 1924 ولا أصل له في المحفوظات ولذا لا يمكن الاعتماد على هذه الصورة، ومن هذا كله استخلصت المحكمة أن الأطيان موضوع الدعوى كانت مملوكة إلى نوس متى وهو الذي باعها إلى المطعون عليه وأن شفيقا المحجور عليه لم يكن إلا وسيلة لإتمام الصفقة.
ومن حيث إنه لما كانت هذه الأسباب التي أقيم عليها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكانت أوجه القصور التي تنعاها عليه الطاعنة لا تخرج عن كونها مجادلة في تقدير شهادة الشهود وأوراق الدعوى بغية الوصول إلى نتيجة أخرى بمقولة أن المحكمة أغفلت بحث ما استندت إليه الطاعنة في دفاعها من حجج وبراهين، وكان لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير الأدلة أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة، متى أقامت قضاءها على أدلة سائغة تكفي لحمله، كما هو الحال في الدعوى - لما كان ذلك كذلك يكون هذا السبب مرفوضاً.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.