أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 2 - صـ 1026

(158)
جلسة 14 من يونيه سنة 1951
القضية رقم 138 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
تعهدات. وفاء. فسخ. وفاء أحد المتعاقدين بما تعهد بدفعه وفاء جزئياً بعد الميعاد المتفق عليه في العقد. قبول المتعاقد الآخر هذا الوفاء. ليس من شأنه أن يسقط حق هذا المتعاقد في الحبس. كل ما عسى أن يكون له من شأن أنه إذا أكمل المتعاقد الأول الوفاء بما التزم به فإنه يصلح دفعاً لدعوى المتعاقد الثاني إذا هو رفعها بطلب الفسخ لعدم وفاء المتعاقد الأول بما تعهد به على الوجه المتفق عليه.
متى كان الواقع في الدعوى هو أن المطعون عليه تعاقد مع الطاعنة على استغلال فيلم في الخارج لقاء معين - 7500 جنيه - يدفعه المطعون عليه، دفع منه وقت العقد جزءاً 1000 جنيه - وتعهد بدفع جزء آخر - 3000 جنيه - في مدى شهر من التوقيع على العقد بحيث إذا تأخر عن دفع هذا الجزء في ميعاده يصبح المبلغ الذي دفع أولاً حقاً للطاعنة بصفة تعويض ويعتبر العقد لاغياً وباقي المبلغ يدفع عند تسليم الفيلم في الخارج، وتعهدت الطاعنة بأن يتم إرسال الفيلم إلى الخارج في خلال أربعة شهور من تاريخ التعاقد - أي بعد وفاء المطعون عليه بالتزامه - وكان الثابت من أوراق الدعوى أن المطعون عليه لم يف بما تعهد به إذ لم يدفع سوى مبلغ 2000 جنيه بعد الميعاد المتفق عليه فإنه يكون للطاعنة - رغماً عن قبولها الوفاء الجزئي على غير الوجه المتفق عليه - أن تحبس التزامها بالتسليم حتى يقوم المطعون عليه بالوفاء الكامل، إذ ليس من شأن قبول الطاعنة للمبلغ الذي دفعه المطعون عليه بعد الميعاد المتفق عليه ما يسقط حقها في الحبس بل كل ما عسى أن يكون له من شأن أنه - إذا أكمل المطعون عليه المبلغ إلى 3000 جنيه - يصلح دفعاً لدعوى الطاعنة إذا هي رفعتها طالبة الفسخ لعدم وفاء الطاعن بما تعهد به على الوجه المتفق عليه. أما حقها هي في حبس التزامها بالتسليم فلا يسقطه قبولها وفاء بعض المتعهد به بعد الميعاد المتفق عليه، وإذن فمتى كان الحكمان المطعون فيهما قد انتهيا إلى فسخ العقد تأسيساً على أن الطاعنة هي التي تخلفت عن وفاء التزامها بالتسليم لأن تأخر المطعون عليه في الوفاء بما تعهد بدفعه في ميعاده لا يعتبر تقصيراً ترتب عليه آثاره لأنه وقع بقبول ورضاء الطاعنة فإنهما يكونان قد أخطأ في تطبيق القانون.


الوقائع

في يوم 11 من أغسطس سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 20 من إبريل سنة 1949 في الاستئناف رقم 185 سنة 64 ق تجاري وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 11 من أغسطس سنة 1949 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن وفي 30 منه أودعت الطاعنة أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتها. وفي 10 من سبتمبر سنة 1949 أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 13 من يناير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات. وفي 24 من مايو سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... حيث إن وقائع الدعوى كما يبين من الأوراق تتحصل في أن المطعون عليه تعاقد في 21 من فبراير سنة 1945 من شركة أفلام تلحمي (التي حلت الطاعنة محلها) على استغلال فليم سينمائي معين في سوريا ولبنان لقاء مبلغ 7500 جنيه يدفعه المطعون عليه، دفع منه وقت العقد ألف جنيه وتعهد بدفع 3000 جنيه في مدة شهر (بحيث إذا تأخر عن دفع هذا المبلغ في ميعاده أي بعد مضي شهر من التوقيع على العقد فيصبح مبلغ الألف جنيه حقاً للمؤجر بصفة تعويض ويعتبر العقد لاغياً) والباقي وقدره 3500 جنيه يدفع عند تسليم الفيلم في بيروت على أن يكون إرسال الفيلم في خلال أربعة شهور أي حتى 21 من يونيه سنة 1945 وفي 28 من مارس سنة 1945 دفع المطعون عليه 1500 جنيه كما دفع 500 جنيه في 31 من مايو سنة 1945 ثم قام الخلاف بعد ذلك بين الطاعنة والمطعون عليه، فالطاعنة تدعي أن الفيلم كان معداً للتسليم وأن المطعون عليه نكل عن الوفاء بالتزاماته فلم يدفع الـ 3000 جنيه المتفق على دفعها في مدى شهر بل فقط ألفي جنيه منها واستبهظ المبلغ وأبدى رغبته في فسخ العقد فعرضت الطاعنة بيع الفيلم على ذمته ولحسابه - أما المطعون عليه فيدعي أن الطاعنة هي التي تخلفت عن الوفاء بالتزاماتها إذ انقضى الأجل المحدد لتسليم الفيلم (يونيه سنة 1945) ولم يكن الفيلم معداً وأنه اتفق معها على التفاسخ ورد ما قبضته. فرفع المطعون عليه الدعوى طالباً فسخ العقد وإلزام الطاعنة برد ما قبضته مع التعويضات فقضت محكمة أول درجة برفض الدعوى فاستأنف المطعون عليه فقضت محكمة الاستئناف في 21 من مايو سنة 1948 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه أن الفيلم لم يكن في 21 من يونيه سنة 1945 معداً للإصدار وأن المطعون عليه اتفق مع الطاعنة على التفاسخ ورد ما دفع وذلك لأن تأخر المطعون عليه في الوفاء بما تعهد بدفعه في ميعاده لا يعد تقصيراً ترتب عليه آثاره لأنه وقع بقبول ورضا الطاعنة - وبعد انتهاء التحقيق قضت محكمة الاستئناف في 21/ 4/ 1949 بإلغاء الحكم وبفسخ العقد وإلزام الطاعنة بدفع مبلغ 3000 جنيه مع الفوائد 6% ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات - فطعنت الطاعنة في الحكمين بالنقض.
ومن حيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكمين المطعون فيهما أنهما إذ قضيا بفسخ العقد قد خالفا القانون ذلك لأنه ثابت أن المطعون عليه مقصر في الوفاء بالتزاماته التي اتفق على أن يكون الوفاء بها سابقاً على وفاء الطاعنة ومنها دفع ثلاثة آلاف جنيه في مدى شهر من التعاقد أي في تاريخ سابق للموعد المحدد لتسليم الفيلم ولكن المطعون عليه لم يف بهذا المبلغ كاملاً بل تخلف عن دفع ألف جنيه وعلى ذلك يحل للطاعنة أن تمسك عن تنفيذ التزامها بالتسليم - ولا يسوغ للمطعون عليه طلب الفسخ وهو المتخلف ولا يخول دون ذلك أن تكون الطاعنة قبلت من المطعون عليه تجزئه الوفاء - إذ هذا لا يعني قبولها عدم الوفاء بالألف جنيه الباقية قبل تسليم الفيلم مع ملاحظة أن العقد تضمن شرطاً جزائياً على تخلف المطعون عليه دون تخلف الطاعنة.
ومن حيث إنه يبين من مراجعة أوراق الدعوى أن المطعون عليه تعهد بدفع مبلغ ثلاثة آلاف جنيه في مدى شهر من التعاقد المحرر في 21 من فبراير سنة 1945 - أما تعهد من حلت الطاعنة محله فكان تسليم الفيلم في مدى أربعة شهور تنتهي في 21 من يونيه سنة 1945 - أي بعد وفاء المطعون عليه بالتزامه - وثابت من أوراق الدعوى أن المطعون عليه لم يف بما تعهد به إذ لم يدفع سوى مبلغ ألفي جنيه من المبلغ المتفق عليه منه 1500 جنيه في 28 من مارس سنة 1945 ومبلغ 500 جنيه في 31 من مايو سنة 1945، فيكون للطاعنة - رغماً عن قبولها الوفاء الجزئي على غير الوجه المتفق عليه - أن تحبس التزامها بالتسليم حتى يقوم المطعون عليه بالوفاء الكامل، إذ ليس من شأن قبول الطاعنة لمبلغ 1500 جنيه في 28 من مارس سنة 1945 ولمبلغ 500 جنيه في 31 من مايو سنة 1945 أي بعد الميعاد المتفق عليه - ما يسقط حقها في الحبس بل كل ما عسى أن يكون له من شأن أنه - إذا أكمل المطعون عليه المبلغ إلى ثلاثة آلاف جنيه - يصلح دفعاً لدعوى الطاعنة إذ هي رفعتها طالبة الفسخ لعدم وفاء الطاعن بما تعهد به على الوجه المتفق عليه... أما حقها هي في حبس التزامها بالتسليم فلا يسقط قبولها وفاء بعض المتعهد به بعد الميعاد المتفق عليه - وعلى ذلك يكون الحكمان المطعون فيهما قد أخطأ فيما انتهيا إليه من فسخ العقد بمقولة أن الطاعنة هي التي تخلفت عن وفاء التزامها بالتسليم لأن تأخر المطعون عليه في الوفاء بما تعهد بدفعه في ميعاده لا يعتبر تقصيراً تترتب عليه آثاره لأنه وقع بقبول ورضا الطاعنة.... وعلى ذلك يتعين نقض الحكم الصادر في 21 من مايو سنة 1948 فيما قضى به في هذا الخصوص وكذلك نقض الحكم الصادر في 20/ 4/ 1949 وإعادة القضية إلى محكمة استئناف لبحث ما يدعيه المطعون عليه من اتفاقه مع الطاعنة على التفاسخ ورد المبلغ إليه وهو بعض ما أحيلت من أجله الدعوى إلى التحقيق بالحكم الصادر في 21 من مايو سنة 1948.