مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 27

جلسة 5 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وبحضور السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(5)
القضية رقم 66 لسنة 1 القضائية

( أ ) لجان قضائية - قراراتها التي لم يطعن فيها في الميعاد - لها قوة الأحكام النهائية - امتناع العدول عنها أو إلغائها من جانبها أو من المحاكم الإدارية.
(ب) دعوى - استنفاد المحكمة لولايتها بإصدار الحكم - لا يسلب حقها في تفسيره أو تصحيح أخطائه المادية - تجاوزها حدود التفسير والتصحيح إلى التعديل - مخالف للقانون - سريان ذلك على قرارات اللجان القضائية.
1- يبين من استقراء نصوص المواد 2 و9 و10 من المرسوم بقانون رقم 160 لسنة 1952 الخاص بإنشاء وتنظيم اللجان القضائية أنه قد أسند إلى تلك اللجان سلطة فصل قضائي فيما ناط بها النظر فيه من منازعات وطلبات، وجعل لقراراتها التي لم يطعن فيها في الميعاد أمام محكمة القضاء الإداري قوة الأحكام النهائية. وبهذه المثابة تستنفد اللجنة ولايتها بإصدار قرارها، فلا تملك إلغاءه أو تعديله. فإذا كانت فعلت ذلك، أو فعلته المحكمة الإدارية التي حلت محلها، كان قرار اللجنة أو حكم المحكمة مخالفاً للقانون؛ لاستنفاد ولايتها بإصدار القرار الأول من جهة، ولإهدار قوة الشيء المحكوم فيه نهائياً إن كان قد انقضى ميعاد الطعن بالنسبة إلى القرار الأول ولم يطعن فيه، وهذا من جهة أخرى.
2- إنه وإن كانت اللجنة القضائية أو المحكمة الإدارية تستنفد ولايتها بإصدار قرارها أو حكمها، إلا أنها تملك تصحيح ما وقع في المنطوق أو في الأسباب الجوهرية التي تعتبر متممة له من أخطاء مادية بحتة، كتابية أو حسابية، بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب ذوي الشأن، كما يجوز لهؤلاء أن يطلبوا إليها تفسير ما وقع في المنطوق أو في الأسباب الجوهرية التي تعتبر مكملة له، من غموض أو إبهام، ولا يعتبر القرار أو الحكم المصحح أو المفسر معدلاً للقرار أو الحكم الذي يصححه أو يفسره، بل متمماً له، فإذا جاوزت اللجنة أو المحكمة حدود ولايتها في التصحيح أو التفسير إلى التعديل أو التغيير، كان قراراها أو حكمها مخالفاً للقانون.


إجراءات الطعن

في 5 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بجلسة 7 من مايو سنة 1955 في الدعوى رقم 3664 لسنة 2 القضائية المقامة من السيد/ سامي عزيز يوسف ضد وزارة المواصلات (مصلحة السكك الحديدية) بطلب تفسير قرار اللجنة القضائية لوزارة المواصلات الصادر في 8 من يونيه سنة 1953 في التظلم رقم 2867 لسنة 1 القضائية المرفوع منه ضد الوزارة، القاضي بأحقيته في صرف العلاوة المقررة في كادر العمال للدرجة العمالية المخصصة لوظيفة كاتب أجرية المستحقة له في أول مايو سنة 1952 على أساس أجر بدايته 200 مليم مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية. وكانت اللجنة القضائية قد أصدرت قرارها في 8 من يونيه سنة 1953 باستحقاقه لأجرة قدرها 200 مليم يومياً تزاد بمقدار 500 مليم شهرياً كل ثلاث سنوات وتسوية حالته على هذا الأساس مع ما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لقواعد الإنصاف. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضته، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات. وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المواصلات في 9 من يوليه سنة 1955 وإلى المدعي في 10 منه، ولم يتقدم أي من الطرفين بمذكرات أو ملاحظات في الميعاد المحدد في الفقرة الأولى من المادة 24 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955. وفي 9 من أكتوبر سنة 1955 أودع مفوض الدولة تقريره. وعين لنظر الطعن جلسة 15 من أكتوبر سنة 1955، وأخطر الطرفان بهذا الميعاد في 6 من أكتوبر سنة 1955. وقد سمعت المحكمة بالجلسة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الإدارية حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية الدعوى رقم 3664 لسنة 2 قضائية ذاكراً فيها أنه صدر لصالحه قرار من اللجنة القضائية لوزارة المواصلات في التظلم رقم 2867 لسنة 1 قضائية في 8 من يونيه سنة 1953 باستحقاقه لأجرة قدرها 200 مليم يومياً تزاد بمقدار 500 مليم شهرياً كل ثلاث سنوات وتسوية حالته على هذا الأساس مع ما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لقواعد الإنصاف. وكان قد أسس تظلمه على أنه حاصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، وعين بمصلحة السكك الحديدية بأجر يومي قدره 160 مليماً وأنه يستحق وضعه في الدرجة التاسعة أو ما يعادل أول مربوطها وقدره خمسة جنيهات شهرياً بالتطبيق لقواعد الإنصاف. ولم ترد المصلحة على هذا التظلم فأجابته اللجنة إلى طلبه. وقد قامت هندسة السكة تنفيذاً لهذا القرار بإجراء تسوية له على أساس منحه 200 مليم يومياً من بدء تعيينه في 14 من فبراير سنة 1950 زيدت بعد سنتين إلى 220 مليماً يومياً من أول مايو سنة 1952، وأرسلت هذه التسوية لمراقبة عموم الحسابات لمراجعتها واعتمادها. بيد أن المراقبة أعادتها لتصحيحها على أساس استحقاقه العلاوة كل ثلاث سنوات أي من أول مايو سنة 1953 وفق ما جاء بمنطوق قرار اللجنة القضائية. وقد بعثت عموم الهندسة بالتسوية للحسابات للمرة الثانية مشفوعة بكتاب أبدت فيه أنه يستحق هذه العلاوة كل سنتين طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951. غير أن مراقبة الحسابات استمسكت بمنطوق قرار اللجنة. وأقام دعواه طالباً تفسير القرار المذكور بشأن موعد استحقاقه للعلاوة، مع الحكم باستحقاقه لعلاوة دورية مقدارها 500 مليم شهرياً كل سنتين طبقاً لقرار مجلس الوزراء المشار إليه. وقد ردت الحكومة بأنه حاصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية والتحق بخدمة مصلحة السكك الحديدية بوظيفة كاتب أجرية باليومية اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1950 بأجر يومي قدره 160 مليماً، ثم منح علاوة في أول مايو سنة 1952 فأصبحت أجرته 180 مليماً، وأنها أجرت له تسوية طبقاً لمنطوق قرار اللجنة القضائية الصادر لصالحه وذلك بمنحه أجراً يومياً قدره 200 مليم من بدء دخوله الخدمة، ومنحه علاوة في أول مايو سنة 1953 بلغ بها أجره اليومي 220 مليماً. وفي 7 من مايو سنة 1955 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها المطعون فيه بأحقيته في صرف العلاوة المقررة في كادر العمال للدرجة العمالية المخصصة لوظيفة كاتب أجرية المستحقة له في أول مايو سنة 1952 على أساس أجر بدايته 200 م مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية. وبنت قضاءها في هذا على أنه حصر طلباته في أحقيته لصرف العلاوات المقررة لوظيفته وهي كاتب أجرية بالتطبيق لأحكام كادر العمال على أساس أجر بدايته 200 م من بدء التعيين وأن المؤهلين المنصفين الذين يشغلون درجات عمالية يفيدون من أحكام الإنصاف وأحكام كادر العمال الذي لم يلغ الإنصاف ولم يرد فيه ما يتعارض معها. ومن ثم يكون من حق المدعي الإفادة من قواعد العلاوات الواردة بالكادر الأخير مستمداً هذا الحق من أحكام الكادر المذكور وليس من قواعد الإنصاف التي صدر قرار اللجنة القضائية بتسوية حالته على مقتضاها.
ومن حيث إن رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم مستنداً إلى أنه لما كانت المادتان التاسعة والعاشرة من القانون رقم 160 لسنة 1952 بإنشاء وتنظيم لجان قضائية تنصان على أن القرارات الصادرة من اللجنة القضائية هي قرارات إدارية نهائية فإذا انقضى ميعاد الطعن فيها المبين في المادة 12 من قانون مجلس الدولة دون أن يقدم أي من الطرفين طعناً فيها أمام محكمة القضاء الإداري أصبح قرار اللجنة نهائياً. ولما كان القرار الصادر في التظلم المرفوع من المطعون عليه إلى اللجنة القضائية قد أصبح واجب التنفيذ طبقاً لنص المادة العاشرة آنفة الذكر، فإنه يكون قد تحدد للمطعون عليه بموجبه مركز قانوني ذاتي بصفة نهائية يوجب تسوية حالته وفقاً لمنطوقه الذي جاء واضحاً لا لبس فيه، إذ أبرز في عبارة صريحة الأجر الذي يستحقه وميعاد استحقاقه للعلاوة والقواعد التي تنظم علاقته بالحكومة. ولما كان المذكور إنما استهدف بدعواه المساس بالمركز القانوني الذاتي الذي تحدد له نهائياً بقرار اللجنة القضائية والذي أصبح من المتعين تسوية حالته على أساسه، وكان الحكم المطعون فيه قد مس هذا المركز، فإن هذا الحكم يكون قد بني على مخالفة القانون، ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 160 لسنة 1952 بإنشاء وتنظيم لجان قضائية في الوزارات للنظر في المنازعات الخاصة بموظفي الدولة معدلاً بالقانون رقم 105 لسنة 1953 إذ نص في مادته الثانية على اختصاص تلك اللجان بالنظر في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم، وفي الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو بالترقية أو بمنح العلاوات، وإذ نص في مادته التاسعة على أن تعتبر القرارات الصادرة منها قرارات إدارية نهائية، ولا يجوز رفع المنازعات والطلبات المبينة بالمادة الثانية إلى محكمة القضاء الإداري لمجلس الدولة إلا بطريق الطعن في هذه القرارات في الميعاد المبين في المادة 12 من قانون مجلس الدولة، وإذ نص في مادته العاشرة على أنه إذا انقضى ميعاد الطعن دون أن يستعمل أي من الطرفين حقه فيه أصبح قرار اللجنة واجب التنفيذ، فإذا امتنع الموظف المكلف بحكم وظيفته تنفيذ القرار عن تنفيذه سرت أحكام المادة 123 من قانون العقوبات - إن المرسوم بقانون المشار إليه يكون قد أسند إلى تلك اللجان سلطة فصل قضائي فيما ناط بها النظر فيه من منازعات وطلبات، وجعل لقراراتها التي لم يطعن فيها في الميعاد أمام محكمة القضاء الإداري قوة الأحكام النهائية. وبهذه المثابة تستنفد اللجنة ولايتها بإصدار قرارها، فلا تملك إلغاءه أو تعديله. فإذا كانت فعلت ذلك، أو فعلته المحكمة الإدارية التي حلت محلها، كان قرار اللجنة أو حكم المحكمة مخالفاً للقانون؛ لاستنفاد ولايتها بإصدار القرار الأول من جهة، ولإهدار قوة الشيء المحكوم فيه نهائياً إن كان قد انقضى ميعاد الطعن بالنسبة إلى القرار الأول ولم يطعن فيه، وهذا من جهة أخرى.
ومن حيث إنه وإن كانت اللجنة أو المحكمة تستنفد ولايتها بإصدار قرارها أو حكمها، إلا أنها تملك تصحيح ما وقع في المنطوق أو في الأسباب الجوهرية التي تعتبر متممة له من أخطاء مادية بحتة، كتابية أو حسابية، بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب ذوي الشأن، كما يجوز لهؤلاء أن يطلبوا إليها تفسير ما وقع في المنطوق أو في الأسباب الجوهرية التي تعتبر مكملة له، من غموض أو إبهام، ولا يعتبر القرار أو الحكم المصحح أو المفسر معدلاً للقرار أو الحكم الذي يصححه أو يفسره، بل متمماً له. فإذا جاوزت اللجنة أو المحكمة حدود ولايتها في التصحيح أو التفسير إلى التعديل أو التغيير، كان قرارها أو حكمها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن منطوق قرار اللجنة القضائية الصادر في 8 من يونيه سنة 1953 لم تقع فيه أخطاء مادية بحتة، كتابية أو حسابية، كما لم يشبه أي غموض أو إبهام؛ إذ جاء صريحاً في استحقاق المتظلم أجرة قدرها 200 مليم يومياً تزاد بمقدار 500 مليم شهرياً كل ثلاث سنوات وتسوية حالته على هذا الأساس مع ما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لقواعد الإنصاف. وظاهر بما لا يحتمل لبساً أو غموضاً أن اللجنة حددت المركز القانوني للمتظلم على أساس تطبيق قواعد الإنصاف على حالته، تلك التي تجعله مستحقاً للأجر اليومي المشار إليه وللعلاوة الشهرية سالفة الذكر كل ثلاث سنوات. ومهما يكن من أمر في سلامة أو عدم سلامة الحكم القانوني الذي أنزلته على حالة المتظلم، فإن قرارها قد أصبحت له قوة الأحكام النهائية إذ لم يطعن فيه في الميعاد القانوني أمام محكمة القضاء الإداري، وبهذه المثابة أصبح حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه، فلا يجوز، تحت ستار دعوى تفسير أو تصحيح أخطاء مادية، الادعاء بأن المتظلم كان يستحق العلاوة الشهرية كل سنتين بالتطبيق لقواعد كادر العمال التي كان يجب إنزالها على حالته. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بأحقيته في ذلك، قد أهدر من ناحية قوة الشيء المحكوم فيه التي اكتسبها القرار، ومن ناحية أخرى جاوز حدود الولاية في التصحيح أو التفسير إلى التغيير أو التبديل فيه، ووقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
(صدر هذا الحكم برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وبحضور السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين).