مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 647

(104)
جلسة 11 من فبراير سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعبد الفتاح السيد بسيوني وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 1278 لسنة 28 القضائية

عقد إداري - تعريفه - شروط استثنائية - مدى توفرها.
العقد الإداري هو العقد الذي تكون الإدارة طرفاً فيه ويتصل بنشاط مرفق عام من حيث تنظيمه وتسييره بغيه خدمة أغراضه وتحقيق احتياجاته بما تضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص - تطبيق: وقف نشاط الشركة العامة للبترول بسبب حرب الاستنزاف - تخويلها مجلس مدينة الغردقة باستغلال عدة مساكن مملوكة لها - قيام مجلس مدينة الغردقة بتأجير هذه المساكن للموظفين وغيرهم من الموظفين الموجودين في مدينة الغردقة - استئجار عقيد بمديرية أمن البحر الأحمر لوحدة سكنية من المساكن المذكورة وقيامه بتأجيرها إلى الشركة المصرية العامة للسياحة - طلب إخلاء العين - المنازعة في طبيعة عقد الإيجار - عدم اختصاص القضاء الإداري - أساس ذلك: عدم انطواء العقد على شروط استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس 17 من يونيو سنة 1982 أودع الأستاذ محمود محمد الطوخي المحامي نيابة عن عاطف أدهم حسين قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1278 لسنة 28 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات (بجلسة 25 من إبريل سنة 1982 في الدعوى رقم 542 لسنة 35 قضائية والقاضي بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الثاني بصفته وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وبقبولها، وبرفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وباختصاصه، وبفسخ العقد المبرم بين مجلس مدينة الغردقة والمدعى عليه الأول بشأن العين موضوع النزاع وتسليمها إلى المدعى عليه الأول، وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع وبصفة أصلية بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة أو على سبيل (الاحتياط) الكلي برفض الدعوى موضوعاً، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات عن الدرجتين. وأعلن الطعن إلى الجهة الإدارية المطعون ضدها في 11 من يوليو سنة 1982. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني في الطعن انتهت فيه، لما ارتأته من أسباب، إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات. وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 21 من فبراير سنة 1983، وبجلسة 16 من مايو سنة 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 15 من أكتوبر سنة 1983، وتم تداول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت في المحاضر إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص على ما يبين من أوراق الطعن. في أن محافظ البحر الأحمر بصفته أقام الدعوى رقم 542 لسنة 35 ق ضد كل من عاطف أدهم حسين (الطاعن) ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق بأن أودع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) في 17 من فبراير سنة 1980 طالباً فيها الحكم بصفة مستعجلة بطرد المدعى عليهما من العين المؤجرة المبينة في صحيفة الدعوى وتسليمها إلى المدعي بصفته مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي بياناً لدعواه إن محافظة البحر الأحمر قامت ببناء مساكن للعاملين بمدينة الغردقة تهيئة السكن المناسب للعاملين بالمحافظة وتيسيراً لاستمرار عمل المرافق بها وفي ديسمبر سنة 1970 استأجر العقيد عاطف أدهم حسين بمديرية أمن البحر الأحمر وحدة سكنية من المساكن المذكورة تقع بشارع العروبة بالغردقة وذلك بموجب عقد محرر بينه وبين مجلس محلي المدينة نص فيه على أن يكون استعمال المذكور للعقار كسكن خاص له ونص العقد على أنه لا يجوز للمستأجر أن يستعمل العين إلا للغرض الذي أعدت من أجله وأن يلتزم المستأجر بتسليم العين رسمياً إلى الجهات المختصة كما حذرت نصوص العقد أن يؤجر المستأجر كل أو بعض العين بأن يتنازل عن العقد للغير، وأضاف المدعي أنه في 31 من ديسمبر سنة 1977 قام المدعى عليه الأول بتأجير الوحدة السكنية المؤجرة له إلى الشركة المصرية العامة للسياحة وذلك لمدة تبدأ في أول يناير سنة 1978 وتنتهي في 30 من يونيو سنة 1978، وأن العقد موضوع الدعوى هو في حقيقته عقد إداري إذ أن هدف الإدارة من ورائه هو تحقيق مصلحة عامة بالتيسير على العاملين بالجهات النائية في الحصول على سكن تسهيلاً لاستمرار عمل المرافق العامة بها، ومما يؤكد هذه الصفة للعقد ما حواه من نصوص استثنائية، هي الطابع المميز للعقود الإدارية ومن ذلك ما نص عليه العقد من تحديد إيجار رمزي قدره جنيه واحد شهرياً يتم خصمه من الراتب. واشتراطه إخلاء المسكن عند نقل المنطقة من مقر عمله داخل المحافظة أو خارجها، وما حواه من حظر تأجير كل أو بعض المسكن للغير، وأنه وإذ كان الثابت أن المدعي الأول قد قام بتأجير العين إلى المدعى عليها الثانية فإنه يكون خالف شروط العقد، هذا فضلاً عن أنه قد أحيل المدعي إلى المعاش ومن ثم يتعين عليه إخلاء العين إعمالاً لشروط العقد، وانتهى المدعي إلى التماس الحكم له بطلباته سالفة الذكر. وتقدم المدعى عليه الأول بعدة مذكرات بدفاعه دفع فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة استناداً إلى أن العين المؤجرة هي من مساكن الشركة العامة للبترول والتي عهدت بها الشركة إلى محافظة البحر الأحمر للقيام بتأجيرها بعد أن أوقفت الشركة نشاطها وقامت بتهجير العاملين فيها بسبب حرب الاستنزاف، وإذ عادت الشركة إلى مزاولة أعمالها في المنطقة فليس للمدعي أن يرفع الدعوى باسمه، كما دفع المدعى عليه الأول بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى على قول منه بأن عقد إيجار العين موضوع المنازعة هو في حقيقته عقد مدني ليست له أية صلة بتسيير المرفق العام وإدارته واستغلاله. وأنه ليس صحيحاً أن العقد المذكور هو عقد إداري لاحتوائه على شروط استثنائية، كما طعن المدعى عليه الأول بتزوير العقد المذكور منكراً إمضائه على نسخه الثلاث والتاريخ الذي حددته النسخة المقدمة من الإدارة وهو من ديسمبر سنة 1970 واتهم جهة الإدارة بإضافة بعض البيانات الواردة في هذه النسخة، وأضاف المدعى عليه الأول بأن انهيار هذا العقد المزور يؤدي إلى انهيار الدعوى كلية ذلك أن الشروط الاستثنائية التي تدعيها الإدارة مستمدة من هذا العقد، وانتهى المدعى عليه الأول بالنسبة للموضوع إلى طلب الحكم برفضه الدعوى - وعقبت الجهة الإدارية على ما أبداه المدعى عليه الأول من دفوع ودفاع بقولها إن عقد الإيجار المبرم مع المذكور هو في حقيقته عقد إداري وأن المدعى عليه الأول قد أبرمه بصفته الوظيفية وأن العقد قد انطوى على شروط استثنائية تضفي عليه صفة العقد الإداري على النحو الذي سبق أن ذكرته جهة الإدارة في صحيفة الدعوى وأنه متى كان ذلك فإن الاختصاص بنظر الدعوى ينعقد لمحكمة القضاء الإداري دون محاكم القضاء العادي وبالتالي يكون الدفع بعدم الاختصاص الولائي على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض، كما طلبت جهة الإدارة الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على أساس أن صفة رافع الدعوى ثابتة من العقد المبرم بينه وبين المدعى عليه الأول، أما الادعاء بتزوير العقد فإن هذا الادعاء ليست له أية سمة من الجدية، ذلك أن المدعي الأول لا ينكر العلاقة الإيجارية كما أنه وافق على خصم قيمة الإيجار من مرتبه. وأضافت الجهة الإدارية أن العقد حرر أول أغسطس سنة 1970 وقام المدعى عليه الأول بالتوقيع عليه في 5 من ديسمبر سنة 1970 وبدأ سداد الإيجار إلى خزينة مجلس مدينة الغردقة بتاريخ 10 من أكتوبر سنة 1970 بدءاً من تاريخ سريان العقد في أول أغسطس سنة 1970، واعتباراً من أول يوليو سنة 1971 تم خصم الإيجار من راتبه ثم توقف الخصم عند إحالته إلى المعاش وعاد الدفع إلى خزانة المحكمة وخلصت الجهة الإدارية إلى التماس الحكم لها بطلباتها الواردة في صحيفة الدعوى. وبجلسة 25 من إبريل سنة 1982 أصدرت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) حكمها المطعون فيه وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة على أن الثابت من الأوراق أن العقد المبرم بين المدعى عليه الأول وبين الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق قد نص صراحة على أن المذكور يستأجر العين موضوع المنازعة من مجلس مدينة الغردقة، كما أن المدعى عليه الأول قام بإبلاغ هذا المجلس في 5 من يناير سنة 1978 بأنه قام بتأجير العين إلى الشركة المذكورة الأمر الذي يؤكد أن مجلس المدينة هو المؤجر وإذ طلب مجلس المدينة إلى المحافظة (إدارة الشئون القانونية) اتخاذ الإجراءات القانونية لإخلاء هذه العين فمن ثم تكون المحافظة ذات صفة في رفع الدعوى ويضحى بالتالي الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على غير أساس سليم من القانون، أما بالنسبة للدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى فقد أقامت المحكمة قضاءها في رفض هذا الدفع على أن العقد الذي استأجر به المدعى عليه الأول العين موضوع المنازعة هو عقد إداري وليس عقداً مدنياً وآية ذلك أن جهة الإدارة طرف فيه والهدف من إبرامه المساهمة في تيسير مرفق عام وأن المدعى عليه الأول استأجر بسبب نقله إلى مدينة الغردقة أي أن صفته الوظيفية، باعتباره يعمل في خدمة إلزامية، كانت هي المبرر الأساسي لاستئجار العين وقد تم التأجير له تيسيراً له في إدارة عمله في المدينة، وقد تضمن العقد شروطاً استثنى فيه من بينها حق المؤجر في فسخ العقد في حالة الإخلال بأي شرط وإخلاء السكن عند النقل من مقر العمل، داخل المحافظة أو خارجها، وقد ثبتت الصفة الإدارية للعقد في هذا النحو فإن المنازعة تكون ناشئة على عقد إداري وتدخل بالتالي في اختصاص القضاء الإداري أما عن الدفع بتزوير العقد فإنه لا وجه للقول بضرورة تحقيق هذا الدفع، ذلك أن المدعى عليه الأول يسلم بأنه استأجر العين محل المنازعة من مجلس مدينة الغردقة بمناسبة نقله إلى الغردقة، وليس في الأوراق ما يدل على أن للمجلس بعض العقارات التي يؤجرها لأفراد الناس بقصد استغلالها لأسباب لا تتصل بعملهم، هذا إلى أنه لا يتصور أن تقوم الجهة الإدارية بارتكاب جريمة جنائية وهي تزوير العقد المستند إليه في رفع الدعوى أمام القضاء أو ليس لها لأي من العاملين فيها مصلحة شخصية مباشرة في اصطناع عقد ما أو تزوير التوقيع عليه ما دام أن المصلحة التي يستحقها من رفع الدعوى أن تكون عائدة لفرد معين يتصور أن يصل منه التزوير لصالحه الخاص وإنما ستئول هذه المساحة للجهة الإدارية وأنها تحقيقاً لصالح عام، وأنه متى كان ما تقدم وكان البند السابع من العقد قد نص على أنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر العين كلياً وجزئياً كما نص على البند الثامن عشر على أن يخلى السكن عند نقل الموظف من مقر عمله داخل المحافظة أو خارجها وإذ ثبت قيام المدعى عليه الأول بتأجير العين إلى المدعى عليها الثانية مخالفاً بذلك ما نص عليه العقد والهدف منه، هذا فضلاً عن إحالة المدعي إلى المعاش عام 1977 فمن ثم فإنه يتعين الحكم بإخلاء العين منه وتسليمها إلى المدعي بصفته.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ذلك أنه نظر في تكييفه للعلاقة الإيجارية القائمة بين الطاعن والجهة المطعون ضدها إلى شروط وأحكام عقد الإيجار المقدم من تلك الجهة رغم أن هذا العقد مطعون عليه بالتزوير من جانب الطاعن الذي أنكر صراحة وجود هذا العقد بكل ما حواه من شروط وأحكام، ولقد كان حرياً بالحكم المطعون فيه والادعاء بالتزوير منتج في أصل النزاع ألا يتصدى للفصل في موضوع الدعوى، وهو إذا فعل فإنه يكون قد خالف القانون، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه اقتصر على أن للعقد المذكور صفة العقد الإداري على أساس أنه يتصل بتسيير مرفق عام وأنه تضمن شروطاً استثنائية كافية على النحو الذي أورده الحكم، ذلك أن الأصل هو خضوع العقد المشار إليه للأحكام العامة في عقد الإيجار وأحكام القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع المساكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر إلا إذا كانت العين محل العقد من المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت وغيرها من المساكن التي تشغل بسبب العمل فهذه تخرج من نظام تطبيق القانون المذكور على ما نصت عليه المادة الثانية من القانون، والثابت أن العين محل العقد ليست مملوكة للجهة المطعون ضدها وإنما مملوكة للشركة العامة للبترول، كما أن مجلس مدينة الغردقة قام بتأجير هذه العين من قبل إلى مواطنين غير عاملين في الحكومة والقطاع العام ومن ثم فإن التأجير للطاعن لم يتم بسبب صفته الوظيفية وإلا كان إبرام العقد بقصد تسيير مرفق عام، كما أن العقد لم يتضمن شروطاً استثنائية وأن الشروط الواردة فيه هي شروط مألوفة في عقود الإيجار المدنية. وبالتالي فإن العقد يكون في حقيقته عقداً مدنياً ينحسر فيه الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة، كذلك فقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وبيان ذلك أن المدعي في الدعوى هو محافظ البحر الأحمر بصفته، بينما البادي أن العلاقة الإيجارية بين الطاعن ومجلس مدينة الغردقة الذي يمثل رئيس مجلس المدينة طبقاً لقانون الحكم المحلي وبالتالي تنتفي صفة المحافظ في التداعي، هذا إلى أن المحافظ، على فرض صحة تمثيله لمجلس مدينة الغردقة، ليس مالكاً للعين المؤجرة ولا نائباً عن الشركة العامة للبترول ولا وكيلاً عنها في التقاضي، وقيام المحافظة بتأجير العين كان أمراً سائغاً في فترة تهجير المنطقة وعدم وجود الشركة، أما وقد عادت الشركة فإن الوكالة في الحيازة تنتفي بحيث يلزم لقبول الدعوى إثبات صفة المحافظ من أنابه وكالة في الإدارة أو التأجير وفي التقاضي بشأنه وهو أمر لم يقم المطعون ضده الدليل عليه رغم أنه أمر لا يفترض، وإلى ما تقدم جميعه فقد خالف الحكم المطعون فيه القانون إذ قضى بطرد الطاعن من العين المؤجرة بعد أن رفض تحقيق الادعاء بتزوير عقد الإيجار المقدم من المطعون ضده بينما الادعاء بالتزوير هو وسيلة دفاع في ذات الموضوع ومتى كان الإدعاء بالتزوير منتجاً في أصل النزاع فإنه لا يتصور إمكان الحكم في أن الدعوى قبل الفصل في أمر التزوير وهذا يمنع التسليم بصحة هذا العقد، وهو مشكوك في وجوده قانوناً، فإن قيام الطاعن بتأجير مسكنه مفروشاً إنما تم إعمالاً للرخصة المقررة له ولأمثاله من المستأجرين بالمادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك دون حاجة الحصول على موافقة المالك أو المؤجر، أما عن انتهاء العقد بالإحالة إلى المعاش استند إلى حكم البند الثاني عشر من العقد فإن انتهاء العقد طبقاً لحكم هذا البند لا يتحقق إلا في حالة واحدة هي نقل العامل خارج المحافظة وهو أمر لم يتحقق في الحالة المعروضة إذ الطاعن بقى في الخدمة إلى أن أحيل على المعاش. وقدم الطاعن عدة مذكرات بدفاعه ناقش فيها تقرير هيئة مفوضي الدولة وردد ما سبق أن ذكره تفصيلاً في تقرير الطعن وانتهى إلى التصميم على طلباته. وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاعها انتهت فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر هذه المنازعة فإن الفيصل في هذا الشأن هو بطبيعة عقد إيجار العين موضوع المنازعة، فإن كان عقداً إدارياً انعقد الاختصاص بنظر المنازعة لمحاكم مجلس الدولة، وإن كان عقداً مدنياً انحسر اختصاص هذا القضاء عن تلك المنازعة.
ومن حيث إن العقد الإداري، على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، هو العقد الذي تكون الإدارة طرفاً فيه ويتصل بنشاط مرفق عام ومن حيث تنظيمه وتسييره بغية خدمة أغراضه وتحقيق احتياجاته مراعاة لوجه المصلحة العامة، وتأخذ فيه الإدارة بأسلوب القانون العام بما تضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص، ومتى كان الثابت من الأوراق أن العين موضوع هذه المنازعة تقع ضمن عدة مساكن مملوكة للشركة العامة للبترول عهدت باستغلالها إلى مجلس مدينة الغردقة بعد وقف نشاط الشركة بسبب حرب الاستنزاف، وأن مجلس المدينة قام بتأجير هذه المساكن للموظفين وغيرهم من المواطنين الموجودين في مدينة الغردقة، وهو ما لم تدحضه جهة الإدارة، فمن ثم فإنه يتعذر القول بأن تلك المساكن قد خصصت للموظفين دون عيرهم وأن صفتهم الوظيفية كانت موضوع اعتبار عند التعاقد، هذا إلى أن العقد الذي قدمته جهة الإدارة، أي كان الرأي في مدى صحة هذا العقد، لا ينطوي على شروط استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص ويمكن أن تضفي عليه بالتالي صفة العقد الإداري، فالنص على أن يكون تحصيل الإيجار بطريق الخصم من المرتب لابد أن يكون تسهيلاً لاستئداء الإيجار من الطاعن باعتباره من العاملين في محافظة البحر الأحمر، كما أن النص على إخلاء السكن عند نقل الطاعن إلى خارج المحافظة أو داخلها لا يعد أن يكون ترديداً للحكم الوارد في المادة 7 فقرة (2) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع المساكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، هذا إلى أن النص على حق المؤجر في فسخ العقد عند إخلاله بأي شرط من شروط العقد هو حكم مألوف في عقود الإيجار المدنية يجرى إعماله ما لم ينص القانون على أحكام آمرة على خلاف ما هو منصوص في العقد، ومتى كان ما تقدم فإن عقد إيجار العين موضوع المنازعة وقد خلت نصوصه من أية أحكام استثنائية يمكن القول معها بتوافر صفة العقد الإداري فيه، على التفصيل السابق بيانه، لابد وأن يكون عقداً مدنياً ومن ثم ينأى عن الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه على غير هذا المذهب وقضى برفض الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر هذه المنازعة فإنه يكون قد جاء مخالفاً للقانون، الأمر الذي يتعين معه إلغاء هذا الحكم والقضاء بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة.
ومن حيث إن المادة 110 من قانون المرافعات تنص على أنه على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلق بالولاية......." فمن ثم يتعين إحالة هذه المنازعة إلى المحكمة المختصة بمنازعات الإيجار بمدينة الغردقة مع إبقاء الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة المختصة بمنازعات الإيجار بمدينة الغردقة وأبقت الفصل في المصروفات.