مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 462

(64)
جلسة 31 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صلاح الدين السعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد ونصحي بولس فارس ومحمد عزيز أحمد علي وعادل عبد العزيز بسيوني - المستشارين.

الطعن رقم 583/ 642 لسنة 22 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - ندب - تأديب - تعويض - محكمة تأديبية - اختصاص.
قرار ندب أحد العاملين - النعي عليه لانطوائه على تأديب مقنع على خلاف القانون - قضاء المحكمة التأديبية بإلغاء هذا القرار لما انطوى عليه من تأديب مقنع - اعتبار القرار في حكم القرارات النهائية للسلطات التأديبية المنصوص عليها في المادة الأولى "تاسعاً" من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 والتي تختص المحاكم التأديبية بالفصل في طلب إلغائه طبقاً لأحكام المادة (15) من القانون المذكور - اختصاص المحكمة التأديبية بالفصل في طلب التعويض الذي يقدم عنه سواء قدم طلب التعويض عنه بصفة أصلية أو قدم بصفة تبعية وفقاً لأحكام المادة 15 سالفة الذكر - أساس ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 26 من يونيه سنة 1976 أودع السيد الأستاذ حنا ناروز المحامي الوكيل عن السيد الدكتور....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن قيد برقم 583 لسنة 22 القضائية - في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة بجلسة 12 من مايو سنة 1976 في الدعوى رقم 11 لسنة 10 القضائية المقامة من السيد المذكور ضد وزارة الصحة، والقاضي بإلزام الوزارة المذكورة بأن تؤدي للمدعي مبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض، مع إلزامها بمبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ خمسون ألفاً من الجنيهات على سبيل التعويض، فضلاً عن المصروفات والأتعاب. وأعلن تقرير الطعن إلى إدارة قضايا الحكومة في 28 من يوليه سنة 1976.
وفي يوم السبت الموافق 10 من يوليه سنة 1976 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد وزير الصحة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 642 لسنة 22 القضائية في ذات حكم المحكمة التأديبية سالف الذكر، وطلبت للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً، والقضاء أصلياً بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى واحتياطياً برفض الدعوى موضوعاً مع إلزام المدعي في جميع الأحوال المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 6 من سبتمبر سنة 1976.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعنين انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبولهما شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه.
وعين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من يونيه سنة 1980، وبجلسة 12 من نوفمبر سنة 1980 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 641 لسنة 22 القضائية إليهما، ثم بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1980 قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره أمامها جلسة 27 من ديسمبر سنة 1980، وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة فصل الطعن رقم 641 لسنة 22 القضائية عن الطعنين المضمومين رقمي 583 لسنة 22، 642 لسنة 22 القضائية على أن ينظر الطعنان المضمومان والطعن الأول معاً للارتباط ووحدة المستندات، وإصدار الحكم في الطعنين المضمومين بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن الدكتور....... أقام الدعوى رقم 11 لسنة 10 القضائية ضد السيد/ وزير الصحة بصحيفة أودعت سكرتارية المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة في 10 من نوفمبر سنة 1975 طلب في ختامها الحكم بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تؤدي له على سبيل التعويض مبلغ خمسون ألف من الجنيهات مع المصروفات والأتعاب. وقال شرحاً للدعوى إنه مواطن شريف وكفء، وأنه طالب في مجال عمله بالمراقبة العامة لشئون العلاج الحر بوزارة الصحة بوضع النظم الكفيلة بتصحيح أوضاع هذا العلاج، وحدث أن نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 7 من مارس سنة 1974 خبراً مؤداه أن مراقبة العلاج الحر تقوم بإعداد مشروع لتنظيم مهنة الطب في مصر وتنظيم العلاقة بين المرضى وبين العيادات والمستشفيات الخاصة، وأن المدعي قد صرح بأن المشروع يهدف في مجموعه إلى حفظ كرامة المهنة ومراعاة حقوق الجمهور في ظل النظم الاشتراكية السليمة على أساس أن العلاج حق لكل مواطن وليس أداة للاتجار، وأن المشروع سيعرض بعد إعداده على نقابة الأطباء تمهيداً لاتخاذ الخطوات اللازمة لاستصداره. إلا أن السيد وزير الصحة في ذلك الوقت ساءه نشر هذا الخبر، ونشرت له جريدة الأهرام في اليوم التالي مباشرة تصريحاً مضاداً بأن مراقبة العلاج الحر بوزارة الصحة لا اختصاص لها في هذا المجال وأن المشروع قد تم تحويله إلى نقابة الأطباء باعتبارها الجهة المختصة بوضع هذه العلاقة في إطار المصلحة العامة، ثم ألحق السيد الوزير ذلك بأن أصدر القرار رقم 1 لسنة 1974 بندب المدعي إلى وظيفة غير مسماة بالإدارة العامة لشئون المناطق طعن فيه المدعي بالإلغاء في الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية. واستطرد المدعي قائلاً إن وزارة الصحة واجهته بسلسلة من الاضطهادات وألوان التنكيل والانتقام على النحو التالي:
1 - إنها رغم مضي سنة ونصف على إقامة الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية أمام المحكمة التأديبية لم تكن قد قدمت ردها على هذه الدعوى ثم جاءت ودفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظرها على أساس أن قرار الندب لا يعتبر جزاء.
2 - وجاء في رد الوزارة على تظلم تقدم به إلى السيد وزير التظلمات أنه قد قصد بندب المدعي أن يعمل بعيداً عن الجمهور بسبب التحقيقات التي أجريت معه، وهذه التحقيقات التي تشير إليها الوزارة أجريت في 12 من يوليه سنة 1974 في حين أن قرار الندب صدر في 10 من إبريل سنة 1974 مما يعني أن الجزاء قد أعد قبل التحقيق وقد طالب المدعي بالتحقيقات في هذا التناقض وهذا التجني.
3 - وأن التحقيقات التي أجريت معه لم تكن إلا حلقة من حلقات الاضطهاد الذي تعرض له بسبب تصريحه الذي نشر بجريدة الأهرام، وقد أسفرت هذه التحقيقات عن مجازاته بتوجيه إنذارين إليه عن واقعتين تتعلق الأولى بأنه لم يحرر محضراً للدكتور.... وتتعلق الثانية بخطاب أرسله إلى مدير المرور، وقد عادت الوزارة وسحبت هذين الجزاءين بعد أن تظلم منهما إلى السيد مفوض الدولة الذي انتهى بحثه إلى بطلان هذين الجزاءين لقيامهما على وقائع غير صحيحة.
4 - أن وكيل الوزارة الدكتور...... استدعاه بتاريخ 22 من مايو سنة 1974 بمكتبه وطلب منه أمام الحاضرين عدم القيام بأي عمل من أعمال وظيفته قاصداً إهانته أمام الحاضرين والغض من كرامته، ولما طلب التحقيق في هذه الإهانة رفض سيادته كما رفض ذلك المحقق الذي كان مكلفاً فقط بإثبات إدانته فيما نسب إليه من مخالفات انتهت إلى مجازاته بعقوبتي الإنذار سالف الإشارة إليهما.
5 - أنه وضع تحت رئاسة من كان هو رئيسهم عام 1971 إبان عمله مديراً لغرفة الطوارئ مثل الدكتور....... والدكتور.......
6 - بعد تغيير الوزارة التي كان الوزير السابق عضواً بها طالب برفع الظلم عنه ولكن دون جدوى. وقام في 25 من يناير سنة 1975 بتسليم السيد وكيل الوزارة لشئون مكتب الوزير كتاباً شرح فيه ما وقع عليه من ظلم واضطهاد، كما أرسل من إدارة شئون المناطق كتاباً مماثلاً في ذات التاريخ إلى السيد وكيل الوزارة المختص ولكنه لم يتلق رداً على أي من هذين الكتابين، وفي 14 من إبريل سنة 1975 أخذت أقواله بشأنهما في التحقيق رقم 19 لسنة 1975 ولكن إجراء ما لم يتخذ في الموضوع.
7 - وتوصل إلى نظرية عالمية رائدة في الطب، وشكلت الوزارة لجنة برئاسة الدكتور..... لتقييم الجزء الأول منها، وقررت اللجنة في 17 من سبتمبر سنة 1973 أن النظرية تتطلب دراسة عميقة في مراكز علمية بها الاستعداد والأساتذة الأخصائيين ذوي الخبرة في هذا المجال وأوصت بسرعة تنفيذ ذلك لأنه يخشى على هذه النظرية من الاقتباس، ولما طالب بتنفيذ توصية اللجنة ماطلت الوزارة وأمرت بتشكيل لجنة أخرى برئاسة...... أوصت في 22 من ديسمبر سنة 1973 بعرض المقال على بعض الأساتذة الأجانب المختصين في هذا المجال ولكن الوزارة لم تتخذ أي إجراء، مما دعا المدعي إلى الاتصال - مباشرة بكبار العلماء في ألمانيا الذين أشادوا بالبحث، كما تلقى المدعي خطاباً من السفارة الأمريكية ترحب فيه بسفره إلى الولايات المتحدة في إحدى المنح التي أعطيت لوزارة الصحة لاستكمال الجزء العملي من البحث، وقدم هذه الخطابات إلى الوزارة ولكنها لم تحرك ساكناً رغم أهمية هذا البحث الذي لا يقل في أهميته عن الإنجازات التي تمنح جائزة نوبل من أجلها.
8 - كان قد اختير لكفاءته مديراً لغرفة عمليات الطوارئ في 5 من مايو سنة 1971 وقد بذل في ذلك جهوداً جبارة تسلم عنها العديد من خطابات الشكر من وزير الصحة وغيره من المسئولين بالوزارة، إلا أن ذلك لم يمنع السيد الوزير من نقله من غرفة العمليات في 5 من مايو سنة 1973 لكي يعمل مديراً لمراقبة العلاج الحر لأسباب شخصية بحت على حساب المصلحة العامة. إذ أن من أسباب هذا النقل محاباة السيد الوزير للدكتور....... وهو طبيب حديث التخرج كان يعمل معه بغرفة الطوارئ، لمجرد أنه (أي المدعي) كان قد عرض على الوزير بعض الوقائع التي تدل على مدى إخلال الطبيب المذكور بسير العمل بغرفة الطوارئ، ومن ذلك أيضاً أن الوزير اعتقد خطأ بأنه (أي المدعي) كان وراء ما طالب به السيد رئيس الوزراء من التحقيق في بعض الانحرافات التي وقعت بمؤسسة الأدوية وفيما كان قد ثار من خلاف بين هذه المؤسسة وبين غرفة الطوارئ حيث كان يعمل.
9 - أنه كان قد صدر قرار بتفرغه وعدم التصريح له بمزاولة المهنة في عيادته الخاصة منذ إبريل سنة 1968 بحجة صالح العمل مما تسبب في إلحاق خسائر مادية وأدبية به، ومع ذلك عمدت الوزارة إلى ندبه لغير وظيفة بالإدارة العامة للمناطق لمجرد أنه طالب بتنظيم العلاج الحر.
10 - سبق للإدارة العامة للمستشفيات الجامعية بجامعة عين شمس أن طلبت في 30 من يناير سنة 1972 تعيينه مديراً لمستشفى عين شمس الجامعي، ولكن الوزارة رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب.
11 - تم أخيراً ندبه للعمل بمعامل العجوزة دون تحديد أي وظيفة له لمدة ثلاثة شهور انتهت في 11 من أغسطس سنة 1975، كان من الواجب أن يعود بعدها إلى عمله الأصلي مديراً للعلاج الحر ولكنه للأسف ترك بلا وظيفة ولا عمل.
وخلص المدعي مما تقدم إلى القول بأن هذه التصرفات التي واجهها ولا تعدو أن تكون سلسلة من الإجراءات التأديبية التي وقعت عليه بلا سبب وبغير الطريق التأديبي واختتم دعواه طالباً الحكم له بمبلغ التعويض سالف الإشارة إليه.
وعقبت الحكومة على الدعوى بأن دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظرها كما طلبت رفض الدعوى موضوعاً، وبجلسة 12 من مايو سنة 1976 قضت المحكمة التأديبية برفض الدفع بعدم الاختصاص وبإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تؤدي للمدعي على سبيل التعويض مبلغ مائتي جنيه. وأقامت قضاءها فيما يتعلق برفض الدفع بعدم الاختصاص على أن المدعي يطلب التعويض في هذه الدعوى عن القرار رقم 1 لسنة 1974 بندبه من وظيفة مدير مراقبة العلاج الحر للعمل بالإدارة العامة للمناطق، وأنه لما كانت المحكمة قد قضت بذات الجلسة في الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية (موضوع الطعن رقم 641 لسنة 22 القضائية المشار إليه آنفاً) المقامة من المدعي بطلب إلغاء قرار الندب المشار إليه باختصاصها بنظر تلك الدعوى وبإلغاء القرار المذكور لما انطوى عليه من تأديب مقنع للمدعي، فمن ثم تكون مختصة بالفصل في طلب التعويض عن هذا القرار باعتباره طلباً مرتبطاً بطلب الإلغاء ومتفرعاً عنه وفقاً لما قضت به المحكمة العليا في القضية رقم 9 لسنة 2 القضائية "تنازع" بجلسة 4 من نوفمبر سنة 1972. وقالت فيما يتعلق بموضوع الدعوى إن المدعي كان يشغل وظيفة مدير غرفة عمليات الطوارئ، وقد أرسل إليه وزير الصحة الكتابين المؤرخين في 3 من مايو سنة 1972 و29 من يناير سنة 1973 يعبر له فيهما عن تقديره، وأنه استمر في عمله بغرفة الطوارئ إلى أن نقل مديراً لمراقبة العلاج الحر بالقرار رقم 175 لسنة 1973 في 16 من مايو سنة 1973، وأنه أثناء عمله بهذه المراقبة نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 7 من مارس سنة 1974 مشروعاً أعدته المراقبة المذكورة عن تحديد أسعار العلاج في العيادات والمستشفيات الخاصة، وأنه في اليوم التالي صرح الوزير في جريدة الأهرام بأن مراقبة العلاج الحر لا اختصاص بها بمثل هذا المشروع وأن الجهة الوحيدة المختصة به هي نقابة الأطباء ثم أعقب الوزير ذلك بأن أصدر القرار رقم 1 لسنة 1974 في 10 من إبريل سنة 1974 بندب المدعي للعمل بالإدارة العامة للمناطق، ثم نسبت إلى المدعي بعض المخالفات إبان عمله بمراقبة العلاج الحر حقق معه بشأنهما بمعرفة النيابة الإدارية في القضيتين رقم 225 لسنة 1973 ورقم 198 لسنة 1974 وبمعرفة الشئون القانونية بالوزارة في القضية رقم 119 لسنة 1974، وانتهى الأمر إلى توقيع عقوبتين عليه بالإنذار، إلا أن الوزارة عادت وسحبت هذين الجزاءين بناء على ما أشار به السيد مفوض الدولة في نتيجة بحثه للتظلم الذي تقدم به المدعي عنهما. واستطردت المحكمة قائلة إنه يخلص مما تقدم أن الإجراءات التأديبية التي وقعت على الطاعن والتي يصح التعويض عنها قد بدأت تتجلى في صورة واضحة بعد نشره في الصحف المشروع الذي أعدته المراقبة التي يرأسها عن تنظيم مهنة العلاج الحر وأن المحكمة لا تعتد في هذا الصدد بما أثاره المدعي من إجراءات سابقة اتخذتها الوزارة حياله كحرمانه من مزاولة مهنة الطب عام 1968 وعدم الاهتمام بالأبحاث العلمية التي قدمها وشكلت اللجان لتقييمها، لأنه فضلاً عن أن ذلك مما يدخل في السلطة التقديرية للوزارة من ناحية مدى حاجة العمل لوجود الطبيب طول الوقت وعلاقة أبحاثه بعمله ومدى تقييمها فإن المدعي لم يقدم دليلاً على تعسف الوزارة حياله في هذا الشأن وقتئذ، بل إن الثابت من الأوراق أن الوزير قرر في 23 من أكتوبر سنة 1973 إعادته إلى عمله كمدير لمراقبة العلاج الحر بعد أن كان قد تقرر نقله في 2 من أكتوبر سنة 1973 مديراً بمديرية الشئون الصحية بمحافظة قنا في 2 من أكتوبر سنة 1973 ومتى كان ذلك وكانت المحكمة قد قضت في حكمها الصادر بذات الجلسة في الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية بإلغاء القرار رقم 1 لسنة 1974 بندب المدعي للعمل بالإدارة العامة للمناطق لما انطوى عليه هذا القرار من عقوبة تأديبية مقنعة، كما تبين للمحكمة أن قرارات الجزاءات التي وقعت على المدعي بعقوبة الإنذار عن المخالفات التي نسب إليه ارتكابها إبان عمله بمراقبة العلاج الحر قد ثبت عدم مشروعيتها، فإن ركن الخطأ يكون متوافراً في جانب الوزارة. ولما كان هذا الخطأ قد أصاب المدعي بأضرار تتمثل في الآلام النفسية التي شعر بها نتيجة الإجراءات المشار إليها، فإن المحكمة تقدر التعويض المستحق للمدعي بمبلغ مائتي جنيه مراعية في ذلك أنها قضت في الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية بإلغاء قرار الندب المطعون فيه.
ومن حيث إن المدعي ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون فيما اقتصر عليه من القضاء بمبلغ مائتي جنيه فقط عن الآلام النفسية التي تحملها من جراء الإجراءات التعسفية التي اتخذتها الوزارة حياله، فضلاً عن أنه قد أضير مادياً وتكلف مصروفات وأتعاب كبيرة، وأن المحكمة قد أغفلت عناصر هامة كان يتعين عليها أخذها في الاعتبار عند تقدير التعويض. من ذلك أن الوزارة لم تقدم ملف خدمة المدعي في الدعوى إلا بعد خمس عشرة جلسة وبعد أن تم تغريمها بسبب تراخيها في تقديم هذا الملف، كما أنها قدمت هذا الملف بعد أن نزعت منه كل الأوراق التي في صالح المدعي بقصد طمس الحقيقة وتضليل العدالة والإساءة إليه على ما أوضحه المدعي تفصيلاً في مذكرته المقدمة إلى المحكمة في الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية بجلسة 24 من مارس سنة 1976. يضاف إلى ذلك أن المحكمة لم تدخل في اعتبارها ما أشار إليه المدعي من أن وكيل الوزارة الدكتور...... تعمد إهانته أمام كثيرين ولم يسند إليه أي عمل بعد أن أحيل إلى التحقيق الذي انتهى إلى توقيع جزاءات باطلة ضده عادت الوزارة وسحبتها، وأن المدعي قد طالب بالتحقيق مع وكيل الوزارة في هذه الواقعة ولكن الوزير حمى وكيل الوزارة بل وكافأه عن ذلك بأن أوفده للسفر إلى أوربا مرتين يفصل بينهما ستة شهور فقط، كما لم تعتد المحكمة بأن نقل المدعي من وظيفة مدير غرفة الطوارئ إلى مراقبة العلاج الحر بالقرار رقم 175 الصادر في 5 من مايو سنة 1973 قام على أسباب قوامها التعسف والانتقام مما حرمه من امتيازات مالية تزيد على 220 جنيهاً سنوياً عن المخصصات المالية للوظائف التي نقل إليها بعد ذلك، ولم تدخل المحكمة في اعتبارها كذلك أن الوزارة قد افترت على المدعي وتركته لما يقرب من ثلاث سنوات وحتى الآن بدون عمل ووظيفة أو مكتب كما امتنعت عن إسناد أي وظيفة إليه يمكنه فيها مباشرة أي أبحاث علمية تفيد النظرية التي توصل إليها، بل إن جميع الطلبات التي رفعت بخصوص هذه الأبحاث الرائدة التي أقرها العلماء في ألمانيا وانجلترا وأمريكا ومصر لم يبت فيها ولم يرد عليه في أي منها حتى الآن ورفضت الوزارة الاستجابة إلى ما أوصت به اللجان التي شكلت لتقييمها من ضرورة سفر المدعي إلى الخارج لاستكمال الجانب العلمي منها، ولم تدخل المحكمة في اعتبارها كذلك أن الوزارة إصراراً منها على استمرار التنكيل بالمدعي وتمسكاً بموقفها التعسفي في إهدار حقوقه أرسلت خطابين إلى السيد وزير التظلمات رقم 2227 في 5 من سبتمبر سنة 1974 ورقم 312 في 12 من سبتمبر سنة 1974 زعمت فيهما أن وزير الصحة قرر إبعاد المدعي عن وظيفته للعمل بعيداً عن الجمهور وأن ذلك الإبعاد الذي تم في 10 من إبريل سنة 1974 كان نتيجة للتحقيقات التي أجريت معه في 15 من يوليه سنة 1974، وأنه لما طلب ديوان المظالم موافاته بنتيجة هذه التحقيقات رفضت الوزارة الرد تستراً على ما تضمنه خطابيها المذكورين من تزييف للحقائق. كما أن المدعي الاشتراكي بعد فحص إحدى الشكاوى التي تقدم بها المدعي أرسل الخطابين رقم 104 سري في 24 من يوليه سنة 1975 ورقم 199 سري في 15 من نوفمبر سنة 1975 ولكن الوزارة رفضت الرد على أي منهما إمعاناً منها في طمس الحقيقة مما ترتب عليه تفويت فرصة إنصاف هذه الجهات له.
ومن حيث إن حاصل أسباب الطعن المقدم من الحكومة أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله فيما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى. ذلك لأن طلب التعويض في هذه الدعوى مقدم عن قرار لا تختص المحكمة التأديبية بالفصل في طلب إلغائه لأن قرار الندب المطعون فيه لا يعتبر جزاء تأديبياً مما ينعقد للمحكمة الاختصاص بالفصل في طلب إلغائه. كما أن المحكمة أقامت الحكم بالتعويض على أساس أن الجهة الإدارية سبق لها أن أوقعت على المدعي جزاءين مع أن ذلك مما يخرج عن اختصاصها كذلك بعد أن سحبت الوزارة هذين القرارين. كما أخطأت المحكمة حين قضت في موضوع الدعوى بإلزام الوزارة بأن تؤدي للمدعي مبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض ذلك لأن قرار الندب المطالب بالتعويض عنه صدر تحقيقاً للصالح العام ولا ينطوي على أي انحراف يمثل ركن الخطأ في جانب الوزارة بعد أن بان لها أن المدعي ارتكب عدة مخالفات جوزي بسببها وإن تكن الوزارة قد سحبت هذه الجزاءات بعد أن تبين لها عدم صحتها، يضاف إلى ذلك أن المدعي قد خالف التعليمات الصادرة من الوزارة والتي تحظر على الموظف الإدلاء بأي بيانات للصحف دون إذن سابق من الرؤساء. ومتى كان ذلك وكانت الوزارة قد قدرت من مجمل هذه الظروف أن من الصالح العام إصدار القرار رقم 1 لسنة 1974 بندب المدعي للعمل بالإدارة العامة لشئون المناطق فإنه لا يكون ثمة خطأ في جانبها موجب للتعويض خاصة وأن الحكم بالتعويض على الجهة الإدارية يستلزم أن يكون الخطأ المنسوب إليها خطأ جسيماً وهو ما لا يمكن التسليم به بالنسبة لما اتخذته الوزارة من تصرف قبل المدعي.
ومن حيث إنه لا وجه للدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر دعوى التعويض الماثلة، قولاً بأن قرار الندب المطعون فيه لا يعتبر قراراً تأديبياً مما ينعقد للمحكمة التأديبية الاختصاص بالفصل في طلب إلغائه. ذلك أن هذه المحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة اليوم برفض الطعن رقم 641 لسنة 22 القضائية المقدم من الحكومة عن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بجلسة 12 من مايو سنة 1976 في الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية المقامة من المدعي بطلب إلغاء ذلك القرار وتأييد حكم المحكمة التأديبية المشار إليه فيما قضى به من اختصاصها بنظر تلك الدعوى ومن إلغاء القرار المذكور لما انطوى عليه القرار المذكور من تأديب مقنع للمدعي على خلاف القانون، اعتباراً بأن هذا القرار والحال كذلك يأخذ حكم القرارات النهائية للسلطات التأديبية المنصوص عليها في المادة الأولى "تاسعاً" من قانون مجلس الدولة التي تختص المحاكم التأديبية بالفصل في طلب إلغائه طبقاً لأحكام المادة (15) من القانون المذكور. ومتى كان اختصاص المحكمة التأديبية بإلغاء ذلك القرار ثابتاً على هذا النحو فإنها تكون مختصة أيضاً بالفصل في طلب التعويض الذي يقدم عنه، أو عن غيره من القرارات التي تأخذ حكم القرارات النهائية للسلطات التأديبية، سواء قدم طلب التعويض عنها بصفة أصلية أو قدم بصفة تبعية وفقاً لأحكام المادة 15 سالفة الذكر.
ومن حيث إنه وإن كان الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من أحقية المدعي في التعويض عن الأضرار الأدبية التي لحقته من جراء ذلك القرار والتي تمثلت في الآلام النفسية التي تحملها بسببه على غير سند من القانون للأسباب التي أقامت عليها قضاءها والتي تقرها هذه المحكمة أخذة في اعتبارها ما عهدت إليه الجهة الإدارية بعد صدور ذلك القرار من تصيد الأخطاء للمدعي ومجازاته بعقوبة الإنذار التي عادت وقررت سحبها بناء على ما أشار به السيد مفوض الدولة في نتيجة بحثه للتظلم الذي تقدم به المدعي عن ذلك الجزاء. لئن كان ذلك إلا أنه كان على المحكمة التأديبية وهي بصدد تقدير مبلغ التعويض أن تأخذ أيضاً بعين الاعتبار ما ألحقت به الجهة الإدارية قرار الندب المذكور من إجراءات أخرى قصد بها الكيد للمدعي والنيل منه وتعتبر أيضاً بهذه المثابة من قبيل الإجراءات التأديبية المقنعة التي ساهمت في اتساع نطاق الضرر الذي حاق بالمدعي. من ذلك ما أشار إليه المدعي ودلل عليه بما ضمنه حوافظ مستنداته من أوراق، وهو ما لم تجحده الجهة الإدارية، من أن السيد وكيل الوزارة استدعاه في مكتبه وأهانه أمام الحاضرين وأن المدعي طلب التحقيق في ذلك ولكن الوزارة لم تستجب له، ومن أنه ترك بغير عمل حتى أن وكيل الوزارة قد أشار عليه بأن يكتف بالحضور في أول كل شهر لقبض مرتبه على الرغم مما تكشف عنه الأوراق من قدرة المدعي على العمل المثمر والإنتاج المتميز الذي نال من أجله شكر الوزير وغيره من المسئولين بالوزارة وتقديرهم، فضلاً عن قدرته على الابتكار والبحث العلمي مما كان محل تقدير أهل الخبرة من المصريين ومن العلماء الأجانب، الأمر الذي لا شك قد حط من معنويات المدعي وأساء إلى منزلته بين أقرانه. يضاف إلى ما تقدم ما أشار إليه المدعي من أن الوزارة ذكرت في شأنه بمكاتباتها إلى ديوان المظالم بأن ندبه من وظيفته بمراقبة العلاج الحر قصد به إبعاده عن الجمهور مما يوحي بانعدام الثقة في المدعي وعدم الاطمئنان إليه في الوظائف المتعلقة بمصالح الجمهور وهو أمر غاية في القسوة على من كان في مثل ظروف المدعي أهلاً للتقدير على ما سلف البيان، ومتى كان الأمر كذلك فإن ملاحقة المدعي بكل هذه الإجراءات التي انطوت على قصد التهوين من شأنه وإيذائه على النحو المتقدم، لا لشيء إلا لمجرد أنه صرح في جريدة الأهرام عن مشروع تنظيم العلاج الحر الذي كانت تعده المراقبة التي يرأسها مما يتعين تعويض المدعي عن نتائجه أخذاً في الاعتبار أنه أياً كان وجه الرأي في أمر تقييم سلوك المدعي حين نشر في جريدة الأهرام تصريحه سالف الذكر بالمخالفة للتعليمات التي تحظر على العاملين الإدلاء بأي تصريح للصحف قبل الحصول على إذن بذلك من الجهة الرئاسية التي يتبعونها، أياً كان الرأي في ذلك فإن التستر وراء قرار الندب بقصد إبعاد المدعي عن وظيفته بغير داع من دواعي المصلحة العامة وإنما بقصد التنكيل به والإساءة إليه وما لحق ذلك من إجراءات استهدفت تلك الغاية غير المشروعة ذاتها يقتضي تعويض المدعي عما لحقه من جراء ذلك تعويضاً تقدره هذه المحكمة بمبلغ خمسمائة جنيه أخذ في الاعتبار أن ما أشار إليه المدعي من حرمانه من العمل بعيادته الخاصة منذ عام 1968 نتيجة تعيينه في وظائف كل الوقت، ومن عدم تمكينه من السفر إلى الخارج لاستكمال الجانب العملي للبحث العلمي الذي توصل إليه، ومن نقله تعسفاً من عمله بغرفة الطوارئ إلى مراقبة العلاج الحر، إن ما أشار إليه المدعي من هذه الأمور سابق على واقعة الندب مثار النزاع في هذه الدعوى فضلاً عن أنه ليس في الأوراق ما يقطع في أن تصرف الوزارة حيالها انطوى على الانحراف بالسلطة بقصد تأديب المدعي تأديباً مقنعاً، كما أنه ليس صحيحاً ما أشار إليه المدعي من تعنت جهة الإدارة وتعمدها عدم إيداع ملف خدمته ضمن أوراق الدعوى في الوقت المناسب، وأنها لم تودع هذا الملف أخيراً إلا بعد أن نزعت منه الأوراق التي في صالحه، إذ الثابت أن الدعوى أقيمت في 10 من ديسمبر سنة 1975 وصدر الحكم فيها بجلسة 12 من مايو سنة 1976 وهي فترة معقولة تنف ما ذكره المدعي من تراخي الوزارة في إيداع ملف الخدمة لفترة مبالغ فيها، كما أن ليس في ملف الخدمة المودع بالدعوى ما يوحي بأن ثمة أوراقاً نزعت منه، ولم يقدم المدعي بياناً عما زعم أنه قد نزع من أوراق الملف المذكور.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم يتعين الحكم بتعديل الحكم المطعون فيه بإلزام وزارة الصحة بأن تؤدي إلى المدعي تعويضاً قدره خمسمائة جنيه عن الأضرار التي لحقته بسبب الإجراءات التأديبية المقنعة سالفة البيان وإلغائه فيما قضى به من إلزام الوزارة المدعى عليها بأتعاب المحاماة باعتبار أن الطعون التأديبية معفاة من الرسوم وما في حكم ذلك كأتعاب المحاماة على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بتعديل الحكم المطعون فيه بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للمدعي تعويضاً قدره خمسمائة جنيه وبإلغائه فيما قضى به من إلزام الوزارة المدعى عليها بأتعاب المحاماة.