مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى القسم الاستشاري للفتوى والتشريع
السنة الثانية عشرة (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 145

(اللجنة الأولى للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع - إدارة الفتوى والتشريع
لوزارتي الخارجية والعدل - فتوى رقم 171 في 9 من أغسطس سنة 1958)
(125)

( أ ) غزة - قطاع غزة - وضعه الدولي والدستوري - علاقته بإقليم مصر - القطاع المذكور منفصل انفصالاً تاماً عن الجمهورية العربية المتحدة من جميع النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية - أساس ذلك.
(ب) حكم - تنفيذه - الاتفاقية المبرمة بين حكومة مصر وحكومة الانتداب البريطاني على فلسطين في 12 من يناير سنة 1929 في شأن تبادل تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم البلدين - ما زالت قائمة وهي التي تحكم تنفيذ الأحكام المصرية في قطاع غزة كما تحكم أحكام محاكم هذا القطاع في إقليم مصر - لا يجوز معاملة أحكام محاكم غزة معاملة الأحكام المصرية أو السورية، كما لا يجوز لسلطات قطاع غزة معاملة الأحكام المصرية معاملة الأحكام الصادرة من محاكم القطاع - أساس ذلك.
1 - إن الأمر الذي لا شك فيه هو أن قطاع غزة منفصل انفصالاً كلياً عن دولة الجمهورية العربية المتحدة من جميع النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا يعتبر انفرادها بتعيين بعض رجال هذه السلطات الثلاث إهداراً لهذا الكيان الذاتي للقطاع من الوجهة الدولية بل هو مظهر من مظاهر حق الدولة صاحبة الإشراف في تأمين وسائلها وقواتها اللازمة لتحقيق الغاية التي تقرر من أجلها إشرافها على الدولة الأخرى.
ولعل من أوضح مظاهر انفصال قطاع غزة عن الدولة المصرية في جميع النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية ما أكدته نصوص القانون رقم 255 لسنة 1955 بإصدار القانون الأساسي للمنطقة الواقعة تحت رقابة القوات المصرية بفلسطين، إذ جاء بالباب الثاني من القانون الأساسي للقطاع أن "السلطة التنفيذية يتولاها الحاكم الإداري العام مع المجلس التنفيذي في حدود هذا القانون الأساسي". ونصت المادة العاشرة على أن "السلطة التشريعية يتولاها الحاكم الإداري العام بالاشتراك مع المجلس التشريعي، على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي". ثم نصت المادة الحادية عشرة على أن "السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا والمحاكم الأخرى وفقاً للأحكام التي ينص عليها هذا القانون الأساسي والقوانين الأخرى".
ولما كانت هذه السلطات الثلاث مستقلة ومتميزة في تكوينها وفي تشكيلها واختصاصاتها وأحكامها من السلطات المقابلة لها في الدولة المصرية فلا يمكن القول بأنها فروع لأصول لها في مصر، وإنما هي الأجهزة القائمة على إدارة الحكم في دولة ذات كيان مستقل عن كيان الدولة المصرية. ولذلك فإن السلطة التشريعية في مصر لا يجوز لها أن تباشر اختصاصها التشريعي في قطاع غزة، كما أن السلطة التنفيذية في مصر ليس من اختصاصها أن تباشر سلطاتها في هذا القطاع، وبالتالي لا يتصور مع قيام الجهاز القضائي في القطاع مستقلاً عن زميله في مصر أن يقال بأن لأي من الجهازين أن يصدر أحكاماً تنفذ مباشرة في إقليم الآخر.
2 - إن تنفيذ الأحكام المصرية في فلسطين وتنفيذ أحكام المحاكم الفلسطينية في مصر كانت تحكمه قديماً اتفاقية عقدت بتاريخ 12 من يناير سنة 1929 بين الحكومة المصرية وحكومة الانتداب البريطاني على فلسطين في ذلك الوقت، وصدر للعمل بهذه الاتفاقية في فلسطين القانون الفلسطيني رقم 16 لسنة 1929، كما صدر للعمل بها في مصر مرسوم 27 من يناير سنة 1929.
ومع قيام القضاء المصري وقضاء قطاع غزة مستقلاً كل منهما عن الآخر في تكوينه واختصاصاته والتشريعات التي يطبقها، لا يمكن القول بأن تغير الظروف في فلسطين قد جعلنا في غنى عن تطبيق أحكام الاتفاقية التي تجيز تنفيذ أحكام أي من القضائين في إقليم الدولة الأخرى، بل إن الحاجة مع استقلال القضائين وزيادة تشابك المصالح والمعاملات أصبحت تدعو أكثر من قبل إلى قيام وبقاء هذه الاتفاقية وإلى الأخذ بأحكامها.
ولما كان نص المادة 45 من القانون الأساسي لقطاع غزة رقم 255 لسنة 1955 يجري على أن "النصوص الواردة بمرسوم دستور فلسطين سنة 1922.... وكذلك القوانين الفلسطينية القائمة في هذا التاريخ (15 من مايو سنة 1948) يظل معمولاً بها فيما لا يخالف أحكام هذا القانون".
لذلك يتعين القول بأنه مع قيام القانون الفلسطيني رقم 16 لسنة 1929 ساري المفعول حتى الآن بموجب هذا النص ومع بقاء سريان حكم المرسوم المصري الصادر في 27 من يناير سنة 1929 بتنفيذ اتفاقية سنة 1929 في مصر - ومع ما وضح من انفراد قطاع غزة وتميزه عن الإقليم المصري بكيانه الخاص - ومع ما ثبت من أن تغير الظروف في فلسطين لم يكن تغييراً يجعل هذه الاتفاقية غير محققة الغرض الذي عقدت من أجله، مع اجتماع هذه الأمور كلها تكون اتفاقية 12 من يناير سنة 1929 بين الحكومة المصرية وحكومة الانتداب البريطاني على فلسطين في شأن تنفيذ أحكام كل من البلدين في إقليم البلد الآخر، لا زالت قائمة منتجة لآثارها، وهي وحدها التي تحكم تنفيذ أحكام المحاكم المصرية في قطاع غزة وتحكم تنفيذ أحكام هذا القطاع في مصر. ولا يجوز بحال أن تنفذ أحكام أي من البلدين مباشرة في إقليم البلد الآخر كما تنفذ أحكام محاكمه تماماً، استناداً إلى ما قررته المحكمة العليا في قطاع غزة في حكمها في قضية الاستئناف الحقوقي رقم 1 لسنة 1955، من أن أحكام الاتفاقية بين مصر وفلسطين قد سقطت وسقط معها ما ترتب عليها من تشريع هو القانون الفلسطيني رقم 16 لسنة 1929، تأسيساً على أن الظروف التي كانت تكتنف المعاهدة سالفة الذكر والتي دعت طرفيها إلى إبرامها قد تبدلت تبدلاً بلغ من شأنه أن شل يد أحد طرفي المعاهدة - أي حكومة فلسطين عن ممارسة السلطان مؤقتاً على إقليمها بينما بسط يد الطرف الآخر - أي حكومة مصر - مؤقتاً على جزء منه هو الذي يعرف بقطاع غزة، وعلى أن "المعاهدات الدولية تنقضي إذا تغيرت الملابسات التي دعت إلى إبرامها تغيراً من شأنه أن ينبو بها عن الاستجابة للغاية التي عقدت من أجلها".