مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى القسم الاستشاري للفتوى والتشريع
السنة الثانية عشرة (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 149

(إدارة الفتوى والتشريع لوزارتي الخارجية والعدل - فتوى رقم 2 في 1 من يناير سنة 1958)
(128)

قانون دولي عام - عرف دولي - حقوق الدولة المحاربة - حقوق مصر كدولة محاربة إزاء رعايا إسرائيل الذين يمرون بموانيها أو بمطاراتها.
إن مصر وإن كانت لم تعترف حتى الآن بقيام إسرائيل كدولة في المحيط الدولي، فإنه من المسلم به أن النزاع المسلح الذي قام بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية سنة 1948 يعتبر حرباً بالمعنى الواضح للحروب في عرف القانون الدولي العام. ومن ثم يكون لمصر إذن بعد وقف القتال بمقتضى اتفاقية رودس في 28/ 2/ 1949 - أن تتخذ من الإجراءات التي استقر العرف الدولي على إجازتها للدول المتحاربة خلال فترة الهدنة، ما لا يتعارض مع نص من نصوص اتفاقية رودس أو أي اتفاقية أخرى تحد من حرية مصر في العمل خلال فترة الحرب.
ولما كان كل ما نصت عليه اتفاقية رودس هو حظر الأعمال الحربية التي تقع من القوات العسكرية الأرضية أو البحرية أو الجوية لأحد طرفي الاتفاقية على المواطنين من القوات العسكرية للطرف الآخر، وكذلك الأعمال العدوانية التي تقع من القوات الحربية لأي من الطرفين على القوات المماثلة للطرف الآخر أو على المدنيين الذين يوجدون في الأقاليم الخاضعة لإدارة هذا الطرف الآخر.
ولما كان من المستقر عليه في فقه القانون الدولي أن الحرب تعطل أو توقف على الأقل المعاهدات المتعددة الأطراف التي تربط الدول المتحاربة وغيرها، وذلك فيما بين الدول المتحاربة. ومن ثم فبفرض انضمام إسرائيل للمعاهدات وللاتفاقيات البحرية أو لمعاهدات واتفاقيات الطيران التي تنتظم مصر بين ما تنتظم من دول متعاقدة، فإن قيام حالة الحرب بين مصر وإسرائيل يجعل مصر في حل من الالتزامات التي ترتبها هذه المعاهدات وتلك الاتفاقيات من جانبها بالنسبة لإسرائيل ورعاياها. وأخذاً بهذا العرف الدولي المستقر نصت المادة 89 من معاهدة الطيران المدني الدولي الموقعة بشيكاغو في 7 من ديسمبر سنة 1944 والتي وافقت عليها مصر بالقانون رقم 15 لسنة 1947 على أنه: "في حالة الحرب لا تحد أحكام هذه المعاهدة من حرية العمل للدولة المتعاقدة سواء كانت محاربة أو محايدة... إلخ"، كما جاء في القسم الثاني من المادة الأولى للاتفاق الخاص بمرور الخطوط الجوية بمرور الخطوط الجوية الدولية المنتظمة الموقع بشيكاغو أيضاً في 7 من ديسمبر سنة 1944 والذي وافقت عليه مصر بالقانون رقم 16 سنة 1947 أن حرية الطيران بدون هبوط وحرية الهبوط لأغراض غير تجارية إنما تستعملان طبقاً لمعاهدة الطيران الدولي السابق الإشارة إليها وأنه في حالة الحرب لا تحد أحكام هذا الاتفاق من حرية الدول المتعاقدة في العمل سواء كانت محاربة أو محايدة.
وبما أن اتفاقية رودس لا تحرم مصر إلا من اتخاذ الإجراءات الحربية والأعمال العدوانية بالشروط السالف الإشارة إليها، كما أن الاتفاقات والمعاهدات البحرية ومعاهدات واتفاقات الطيران التي انضمت إليها مصر لا تغل يدها عن اتخاذ ما ترى اتخاذه من الإجراءات المعترف بها للدول المتحاربة في حالة الهدنة وفق أحكام القانون الدولي العام، فلمصر إذن الآن (في فترة الهدنة)، كل حقوق الدولة المحاربة ما عدا حق مباشرة الأعمال الحربية والأعمال العدوانية المسلحة، ومن ثم يحق لها تفتيش السفن المحايدة التي تمر بموانيها والطائرات التي تحلق فوق إقليمها وتنزل بمطاراتها كما يحق لها ضبط المهربات التي تجدها بها، ولها أيضاً وفقاً لقانون الحرب تفتيش من يوجد على هذه السفن والطائرات من رعايا الدولة المعادية واستجوابه تحقيقاً لذات الغرض الذي شرع من أجله حق تفتيش السفن والطائرات المحايدة وهو صيانة أمنها من كل اعتداء. وهي إذ تباشر هذا الحق إنما تمارس أولى حقوق الدولة المحاربة في حماية نفسها.
إلا أنه من الملاحظ أن فقه القانون الدولي قد استقر على أن ليس للدولة المحاربة أثناء الحرب عند ضبطها سفن الأعداء أو المحايدين أن تقبض على الرعايا المدنيين للدولة المعادية أو تأسرهم، وليس لها بالنسبة للمقيمين منهم داخل أراضيها أن تعتقلهم إلا أن أبوا مغادرة أراضيها رغم إنذارهم بالرحيل أو كانوا بنشاطهم ومعلوماتهم يمثلون خطراً يهدد سلامة الدولة وقواتها المحاربة إن أخلي سبيلهم، الأمر الذي يحسن معه أن تقتصر مصر فيما يتعلق بالإجراءات التي تتخذها بالنسبة للرعايا الإسرائيليين الذين يمرون على السفن أو الطائرات المحايدة بالمواني وبالمطارات المصرية على ممارسة حق تفتيشهم وتفتيش أمتعتهم واستجوابهم مع التحفظ عليهم ومراقبتهم وحراستهم حتى مغادرتهم نطاق الوطن، اللهم إلا إذا ثبت لرجال الأمن من التفتيش أو الاستجواب أن في ترك هؤلاء الرعايا الأعداء أحراراً ما يهدد السلامة العليا للبلاد ويعرض أمنها أو قواتها المسلحة للخطر. ففي هذه الحالات وبدافع حماية النفس وضرورة صيانة الدولة لوجودها وبقائها، يجوز اعتقال هؤلاء الأعداء وإنزالهم إلى الأراضي المصرية لتحقيق دواعي السلامة للوطن، على أن يكون تقدير جدية هذه الدواعي لمن يستطيع أن يقدر حساسية هذه الإجراءات في المحيط الدولي.