أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 616

جلسة 17 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، وسليم راشد أبو زيد، وعلي عبد الرحمن.

(100)
الطعن رقم 192 لسنة 35 القضائية

كفالة. "محل الكفالة". بيع.
ورود الكفالة على أي التزام متى كان صحيحاً وأياً كان نوعه أو مصدره ما دام يمكن تقديره نقداً أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات. جواز كفالة شخص واحد تنفيذ الالتزامات المترتبة على عقد في ذمة عاقديه كليهما. انعقاد عقد الكفالة في هذه الحالة بين كل من المتعاقدين بوصف كل منهما دائناً للآخر بمقتضى العقد الأصلي المبرم بينهما.
الكفالة يمكن أن ترد على أي التزام متى كان صحيحاً وأياً كان نوعه أو مصدره ما دام يمكن تقديره نقداًَ أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات، وليس في أحكام الكفالة ما يمنع من أن يكفل شخص واحد تنفيذ الالتزامات المترتبة على عقد في ذمة عاقديه كليهما بأن يتعهد لكل منهما بأن يفي له بالتزام المتعاقد الآخر في حالة تخلف هذا المدين عن الوفاء به، وفي هذه الحالة ينعقد عقد الكفالة بين الكفيل وبين كل من المتعاقدين بوصف كل منهما دائناً للآخر بالالتزامات المترتبة له في ذمته بمقتضى العقد الأصلي المبرم بينهما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها الأولى أقامت على المطعون ضده الثاني والطاعن الدعوى رقم 126 سنة 1952 كلي بنها تطلب الحكم بإلزامهما الأول بصفته مديناً والثاني بصفته ضامناً بأن يدفعا لها مبلغ 895 ج و810 م وقالت شرحاً للدعوى إنه بمقتضى عقد مؤرخ 17 ديسمبر سنة 1959 اشترى المطعون ضده الثاني بضمانة الطاعن ثمار الموز الناتجة من حديقتها البالغ مساحتها تسعة أفدنة بثمن قدره 1650 ج دفع منه المشتري مبلغ 574 ج و190 م وامتنع عن سداد الباقي فأقامت هذه الدعوى عليهما بطلب باقي الثمن - دفع الطاعن والمطعون ضده الثاني بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني تأسيساً على أنه كان يجب استصدار أمر أداء بالمبلغ المطالب به كما طلب رفضها استناداً إلى أن الورقة المؤرخة 17 ديسمبر سنة 1959 التي تعتمد عليها المدعية (المطعون ضدها الأولى) ليست عقد بيع بات وإنما مجرد مشروع عدل عنه فيما بعد وقرر الطاعن أنه وقع على هذه الورقة باعتباره شاهداً لا ضامناً لأحد المتعاقدين وفي 18 ديسمبر سنة 1962 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبيت المدعية (المطعون ضدها الأولى) بكافة طرق الإثبات القانونية أنها قامت بتسليم الحديقة إلى المدعى عليه الأول (المطعون ضده الثاني) تنفيذاً للعقد المؤرخ 17/ 12/ 1959 وأجازت لمن يهمه الأمر من المدعى عليهما (الطاعن والمطعون ضده الثاني) النفي بذات الطرق. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت بتاريخ 23/ 6/ 1964 بطلبات المطعون ضدها الأولى - فاستأنف الطاعن قضاءها لدى محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 221 سنة 14 ق كما استأنفه المطعون ضده الثاني بالاستئناف رقم 268 سنة 14 ق - وفي 27 يناير سنة 1965 حكمت المحكمة (أولاً) في الاستئناف رقم 268 سنة 14 ق بسقوط الحق فيه لرفعه بعد الميعاد. (ثانياً) وفي موضوع الاستئناف رقم 221 سنة 14 ق (المرفوع من الطاعن) برفضه وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض في 20 مارس سنة 1965 وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث عن الطعن أقيم على سبب واحد حاصله مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك لدى محكمة الموضوع بأنه وقع على مشروع الاتفاق المبرم بين المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الثاني بصفته شاهداً ثم وضعت كلمة "ضامن" تحت توقيعه وأنه على فرض أن هذه الكلمة قد اقترنت بتوقيعه فإنها لا تفيد ضمانه لأحد الطرفين لخلو العقد من تعيين الشخص المضمون ومن تحديد موضوع الضمان ونطاقه وقد قضى الحكم المطعون فيه بإلزامه بأداء المبلغ المحكوم به تأسيساً على أنه وقع على العقد بصفته ضامناً لطرفيه وقال إنه ليس هناك ما يحول دون أن يكون الضمان مزدوجاً شاملاً الالتزامات التي يرتبها العقد برمتها سواء في ذمة البائع أو المشتري ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم خطأ ومخالفة القانون من الوجوه الآتية (الأول) أن المادة 133/ 1 من القانون المدني تقضي ببطلان العقد إذ لم يكن محل التزام معيناً بذاته أو بنوعه ومقداره ومن ثم يكون التزام الطاعن بالضمان على فرض قيامه قد وقع باطلاً لعدم تعيين محله إذ خلا العقد من تعيين شخص المضمون ونوع الالتزام المضمون ونطاق الضمان، ولا مصلحة للطاعن في أن يكفل طرفي العقد كليهما مع اختلاف طبيعة التزاماتهما وتباين آثارها (الوجه الثاني) أن الحكم توسع في تفسير عقد الكفالة توسعاً جره إلى اعتبار الطاعن ضامناً لطرفي العقد جميعاً ولكافة الالتزامات الناشئة عنه وبني هذا التفسير على مجرد افتراض مع أن الأصل هو أن الكفالة لا تفترض ويجب تفسيرها تفسيراً ضيقاً وأي شك فيها يفسر لمصلحة الكفيل. (الوجه الثالث) أنه لما كان المطعون ضده الثاني (المشتري) عند تحرير الاتفاق مديناً بمبلغ مائة جنيه باقي العربون المتفق عليه فإنه بفرض تفسير كلمة "ضامن" الوارد تحت توقيع الطاعن بأنها تفيد التزامه بكفالة المشتري فإن هذه الكفالة تكون قاصرة على باقي العربون فقط أما ما زاد على ذلك فإنه يخرج عن نطاقها وقد خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فنقل الكفالة من باقي العربون إلى جميع الالتزامات المترتبة في ذمة المشتري وفي ذمة البائع كما نقلها من وقت تحرير الاتفاق إلى غير وقت محدد ونقلها من شخص إلى شخص مخالفاً بذلك أحكام القانون.
وحيث إن النعي في وجهيه الأول والثاني غير سديد، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت في تقريراته أن العقد المؤرخ 17/ 12/ 1959 المختلف على تكييفه والموقع عليه من طرفيه ومن الطاعن كضامن بيعاً باتاً منجزاً ثم تنفيذه بتسلم المشتري للمبيع وترتب عليه استحقاق الثمن في ذمته وفي ذمة الطاعن بصفته ضامناً وبعد أن أثبت الحكم أن الطاعن وقع على العقد بوصفه ضامناً لا شاهداً عرض لدفاع الطاعن الخاص بعدم تحديد محل الضمان بقوله "إن التحدي بهذا الدفاع لا يجديه إذ ليس هناك ما يحول دون أن يكون الضمان مزدوجاً شاملاً الالتزامات التي يرتبها العقد برمتها سواء في ذمة البائع أو المشتري بحيث إذا تخلف أحدهما عن الوفاء بالتزامه كان هو ضامناً الوفاء به ولا يلومن إلا نفسه لأنه أورد عبارة الضمان عامة لا تخصيص فيها ومطلقة لا قيد عليها". ولما كان لمحكمة الموضوع بما لها من السلطة في تفسير العقود وتعرف حقيقة ما أراده العاقدان منها أن تحدد نطاق الكفالة على هدى ظروف الدعوى وملابساتها وما تراه متفقاً مع قصد المتعاقدين ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي حصلته منها، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من ورود عبارة الضمان في نهاية عقد البيع بصفة عامة لا تخصيص فيها ولا قيد عليها أن نية طرفي هذا العقد ونية الكفيل (الطاعن) قد انصرفتا إلى أن تكون كفالته شاملة لجميع الالتزامات المترتبة على عقد البيع سواء في ذمة المشتري أو البائعة وكان هذا الذي استخلصه الحكم سائغاً ولا خروج فيه عن المعنى الظاهر للعبارة المثبتة للكفالة ولا مخالفة فيه أيضاً للقانون ذلك لأن الكفالة يمكن أن ترد على أي التزام متى كان صحيحاً وأياً كان نوعه أو مصدره ما دام يمكن تقديره نقداً أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات وليس في أحكام الكفالة ما يمنع من أن يكفل شخص واحد تنفيذ الالتزامات المترتبة على عقد في ذمة عاقديه كليهما بأن يتعهد لكل منهما بأن يفي له بالتزام المتعاقد الآخر في حالة تخلف هذا المدين عن الوفاء به وفي هذه الحالة ينعقد عقد الكفالة بين الكفيل وبين كل من المتعاقدين بوصف كل منهما دائناً للآخر بالالتزامات المترتبة له في ذمته بمقتضى العقد الأصلي المبرم بينهما. لما كان ما تقدم وكانت محكمة الموضوع لم تبن تفسيرها لعقد الكفالة وتحديد نطاقها على افتراض كما يزعم الطاعن وإنما على ما استخلصته استخلاصاً سائغاً من نية العاقدين في هذا العقد ومن ظاهر العبارة المثبتة للكفالة والصريحة في الدلالة على رضاء الكفيل بها ولم يساور المحكمة شك في تفسيرها لعقد الكفالة حتى يكون هناك محل للقول بوجوب تفسير هذا الشك مصلحة الكفيل - الطاعن - لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع وقد انتهت إلى تحديد الالتزام المكفول على النحو الوارد في حكمها المطعون فيه والسالف بيانه فإن محل التزام الكفيل الطاعن يكون معيباً بذاته ومن ثم يكون قوله ببطلان التزامه بالضمان لعدم تعيين محله على غير أساس.
والنعي في وجهه الثالث مردود، بأنه وقد انتهت محكمة الموضوع إلى أن الطاعن قد كفل تنفيذ جميع التزامات المشتري (المطعون ضده الثاني) المترتبة على عقد البيع المبرم بينه وبين المطعون ضدها الأولى ومن بينها التزامه بدفع جميع الثمن المتفق عليه في العقد كما انتهت إلى أن العقد قد نفذ من جانب هذه البائعة وتسلم المشتري المبيع واستحق لذلك باقي الثمن في ذمته فإنه وقد تختلف عن الوفاء بهذا الباقي فإنه الطاعن يلتزم بأدائه للبائعة بوصفه كفيلاً له في التزامه بالوفاء به، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.