أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 15 - صـ 154

جلسة 30 من يناير سنة 1964

برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

(28)
الطعن رقم 119 لسنة 29 القضائية

( أ ) نقل بحري. "التزامات الناقل". إثبات. "عبء الإثبات". معاهدات. "معاهدة بروكسل لسندات الشحن".
التزام الناقل ببذل الهمة الكافية لجعل السفينة صالحة للملاحة قبل السفر وعند البدء فيه. هلاك أو تلف البضاعة بسبب عدم صلاحية السفينة للسفر. وقوع عبء إثبات بذل الهمة الكافية على عاتق الناقل. يدرأ مسئوليته عن الهلاك أو التلف إثباته أنه قام ببذل تلك المهمة.
(ب) حكم. "عيوب التدليل". "الفساد في الاستدلال". " ما يعد كذلك". "نقل بحري. "التزامات الناقل".
اكتفاء الحكم في التدليل على صلاحية السفينة للملاحة عند بدء الرحلة بما استخلصه من الشهادة المقدمة من الناقل والدالة على سلامة تستيف شحنة السفينة قبل مغادرتها ميناء القيام من أنه بذل الهمة الكافية لسلامة الشحن. ثبوت بذل الناقل الهمة الكافية لسلامة الشحن لا يدل بحال على بذله الهمة لجعل السفينة صالحة للسفر لاختلاف الأمرين فساد في الاستدلال.
1 - توجب المادة الثالثة من معاهدة بروكسل لسندات الشحن الموقعة في 25 من أغسطس سنة 1924 والتي انضمت إليها مصر وصدر مرسوم بالعمل بأحكامها ابتداء من 29 من مايو سنة 1944 على الناقل أن يبذل الهمة الكافية لجعل السفينة صالحة للملاحة قبل السفر وعند البدء فيه وتجهيزها وتطقيمها على الوجه المرضي. وتنص المادة الرابعة على أنه في جميع الحالات التي ينشأ فيها الهلاك أو التلف عن عدم صلاحية السفينة للسفر يقع عبء الإثبات فيما يتعلق ببذل الهمة الكافية على عاتق الناقل. مما مفاده أن الناقل لا يستطيع الخلاص من المسئولية عن الهلاك أو التلف الذي لحق البضاعة إلا بإثبات أنه قام ببذل الهمة الكافية لجعل السفينة صالحة للملاحة قبل البدء في الرحلة.
2 - متى كان الحكم المطعون فيه قد اكتفى في التدليل على صلاحية السفينة للملاحة عند بدء الرحلة وفي إطراح دفاع الطاعنة بعدم توافر هذه الصلاحية بما استخلصه من الشهادة المقدمة من الشركة الناقلة (المطعون عليها) والدالة سلامة تستيف شحنة السفينة قبل مغادرتها ميناء القيام من أن المطعون عليها قد بذلت الهمة الكافية لسلامة الشحنة، فإن هذا الذي استخلصه الحكم ليس من شأنه أن يؤدى إلى ما رتبه عليه من اعتبار السفينة صالحة للسفر عند بدء الرحلة ومن إعفاء المطعون عليها الناقلة تبعاً لذلك من إثبات ما ألزمها القانون إثباته للخلاص من المسئولية - ذلك أن ثبوت أن المطعون عليها قد بذلت الهمة الكافية لسلامة الشحنة لا يدل بحال على أنها بذلت الهمة لجعل السفينة صالحة للسفر لاختلاف الأمرين وعدم ترتب أحدهما على الأخر ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه معيباً بفساد الاستدلال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 629 سنة 1953 تجاري كلي الإسكندرية ضد المطعون عليها وشركة رينسيون أوريانيكا للتأمين. وطلبت إلزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 437 ج و825 م وقالت في بيان دعواها أنها تعاقدت على شراء صفقة من القمح الأمريكي وشحنت الرسالة على الباخرة. (أوك هرست) ولدى وصولها إلى ميناء الإسكندرية تبين لبنك مصر الذي كان مكلفاً من قبل المدعية يتسلم الشحنة وجود تلف جزئي بها فطلب من شركة التأمين المؤمن لديها على الرسالة معاينتها وإثبات التلف وسببه كما أخطر المطعون عليها وهي وكيلة شركة الملاحة مالكة السفينة الناقلة بذلك وقد تمت معاينة الرسالة بمعرفة مندوب عن شركة التأمين وآخر عن المطعون عليها وأقرت شركة التأمين بوجود هذا التلف في تقرير قدمته أثبتت فيه أن 226 و9 أطنان من القمح المشحون قد تلف وقدرت التعويض المستحق عن هذا التلف بمبلغ 437 ج و285 م ولما كان المدعى عليهما مسئولتين بالتضامن عن هذا التلف الأولى (المطعون عليها) بصفتها وكيلة عن شركة الملاحة مالكه السفينة والثانية بوصفها مؤمناً لديها على الشحنة - وقد امتنعتا عن دفع هذا التعويض للطاعنة فقد رفعت هذه الدعوى ضدهما بطلب هذا التعويض - دفعت المطعون عليها بانتفاء مسئوليتها عن تلف القمح تأسيساً على عدم وقوع خطأ من جانبها وعلى أن التلف حدث بسبب الأحوال الجوية السيئة التي صادفت السفينة والتي تعتبر في حكم القوة القاهرة وبتاريخ 31 من مارس سنة 1957 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليها الأولى (المطعون عليها) بأن تدفع للمدعية (الطاعنة) مبلغ 394 ج و179 م وفوائده بواقع 5% سنوياً من تاريخ الحكم حتى السداد وبعدم قبول الدعوى الموجهة إلى شركة التأمين لرفعها قبل الأوان، استأنفت المطعون عليها هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 125 سنة 13 ق تجاري استئناف الإسكندرية كما استأنفته الطاعنة طالبة زيادة التعويض المحكوم لها به إلى المبلغ الذي طلبته في دعواها وجعل بدء سريان الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية وقيد استئنافها برقم 32 سنة 14 ق تجاري استئناف الإسكندرية وبتاريخ 8 من إبريل سنة 1958 حكمت المحكمة في الاستئنافين بقبولهما شكلاً وبإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنة - طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة ضمنتها طلب رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 23 من أكتوبر سنة 1962 وفيها صممت النيابة على ما ورد بمذكرتها وقررت دائرة فحص الطعون إحالته إلى هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 19 من ديسمبر سنة 1963 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الحكم بعد أن قرر أن الجو العاصف الخارج عن المألوف والمعتبر من مخاطر البحر لا ينبئ في حد ذاته بعدم إمكان مقاومته وتفادي نتائجه ولا يعفي الناقل من إثبات أنه بذل الهمة الكافية لتفادي نتائج الحادث وأن عدم تقديم شهادة صلاحية السفينة عند بدء الرحلة من شأنه تكليف الناقل إثبات اتخاذه كافة الاحتياطات لتفادي نتائج الحادث وأنه بذل الهمة الكافية لجعل السفينة صالحة للسفر قبل بدء الرحلة وأن الأضرار التي لحقت الشحنة لم تكن نتيجة لخطئه وأن شهادة التستيف الدالة على سلامة شحن السفينة قبل مغادرتها ميناء القيام لا تقوم مقام شهادة صلاحية السفينة في درء مسئولية المطعون عليها (الناقلة) بعد أن سجل الحكم هذه القواعد عاد واستدل بشهادة التستيف وحدها على صلاحية السفينة وحدها للسفر وعلى أن المطعون عليها قد بذلت الهمة الكافية لتفادي الحادث بما تنتفي معه مسئوليتها عن التلف وتقول الطاعنة إن هذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه بانتفاء مسئولية المطعون عليها ينطوي على تخاذل في التسبيب وفساد الاستدلال ذلك أن الحكم وقد قرر أن شهادة التستيف لا تقوم مقام شهادة صلاحية السفينة للسفر فإنه يكون متخاذلاً إذ اتخذ من شهادة التستيف دليلاً على تلك الصلاحية هذا إلا أن تلك الشهادة لا تفيد بحال أن السفينة وآلاتها كانت صالحة للسفر ولمقاومة العواصف والأمواج المتوقع حدوثها أثناء رحلتها الغير عادية في شمال المحيط الأطلسي ومن ثم يكون استدلال الحكم بشهادة التستيف على صلاحية السفينة استدلالاً فاسداً. ولما كانت معاهدة بروكسل لسندات الشحن التي قرر الحكم المطعون فيه أنها تحكم النزاع قد أوجبت على الناقل أن يبذل الهمة الكافية قبل السفر لجعل السفينة صالحهً للملاحة ولتجهيزها وتطقيمها على الوجه المرضي ونصت المادة الرابعة منها على أن مسئولية الناقل عن التلف لا تنتفي إلا إذا أثبت أنه بذل الهمة الكافية لتفادي الحادث وكانت الشركة المطعون عليها لم تقدم الدليل على ذلك وعلى صلاحية السفينة للسفر فإن الحكم المطعون فيه يكون بما دلل به على نفي القرينة القانونية القائمة على عدم صلاحية السفينة للسفر مشوباً بفساد الاستدلال كما أنه فيما انتهى إليه من انتفاء مسئولية المطعون عليها رغم عجزها عن نقض تلك القرينة قد خالف القانون.
وحيث إن الطاعنة تنعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ذلك أنه قرر في أسبابه أنه على فرض وجود عيب في الأنبوبة التي تسربت منها المياه إلى الشحنة فإن هذا العيب لولا أن كشفه ضغط الأمواج العالية ما كان لتكشفه يقظة الربان المعقولة مما لا مناص معه من اعتباره عيباً خفياً لا تسأل عنه المطعون عليه طبقاً لأحكام المادة الرابعة من معاهدة سندات الشحن في فقرتها الثانية ولما كان الحكم لم يبين سنده في اعتبار أن هذا العيب مما لا يمكن أن تكشفه يقظة الربان المعقولة ولم يكشف عن المصدر الذي استقى منه أن هذا العيب لم يظهر إلا بسبب ضغط الأمواج وقد خلت أوراق الدعوى مما يؤيد هذا القول فإن الحكم يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن النعي في وجهيه صحيح ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه سجل في صدر أسبابه أن الجو العاصف الذي صادفته السفينة أثناء رحلتها يدخل في عداد مخاطر البحر لخروجه عن المألوف إلا أنه لا ينبئ بذاته عن عدم إمكان مقاومته وتفادي نتائجه ويتعين لذلك على المستأنفة (المطعون عليها) تقديم الدليل على أنها بذلت الهمة الكافية لتفادي الحادث كما قرر الحكم أن شهادة صلاحية السفينة للسفر عند بدء كل رحلة تعتبر قرينة صالحة على عدم إمكان تفادي نتائج الحادث وعلى بذل الهمة الكافية لمقاومته وأن عدم تقديم هذه الشهادة من شأنه تكليف الناقل بإثبات اتخاذه كافة الاحتياطات لتفادي نتائج الحادث وبذل الهمة الكافية قبل السفر وعند البدء فيه لجعل السفينة صالحة للسفر وأن الأضرار التي لحقت بالشحنة لم تكن نتيجة لخطئه. بعد أن سجل الحكم هذه القواعد أقام قضاءه بعدم مسئولية المطعون عليها عن التلف الذي رفعت الدعوى بطلب تعويضه على قوله "إن شهادة المقدمة من المستأنفة (المطعون عليها) على سلامة تستيف شحنة السفينة قبل مغادرتها ميناء القيام وإن كانت لا تقوم مقام شهادة صلاحية السفينة في درء مسئوليتها عن الحادث إلا أن هذه الشهادة تفيد أن المستأنفة قد بذلت الهمة الكافية لسلامة الشحنة هذا فضلاً عن أن العبرة بصلاحية السفينة للسفر أن تكون كذلك عند بدء رحلتها ولا عبرة بما يصيبها بعد ذلك أثناء رحلتها مما يجعلها غير صالحة للسفر ومن ثم فلا محل لما ذهبت إليه محكمة أول درجة من القول بأن أجزاء السفينة لم تكن بالقوة والمتانة التي تستوجبها الرحلة واستنتاجها ذلك من مجرد طريقة تلف أنبوبة تصريف المياه ما دام أن هذا التلف على فرض حدوثه قد حدث أثناء الرحلة وبسبب الأمواج العالية وليس لسبب آخر ومع ذلك فإنه على فرض وجود عيب في الأنبوبة المذكورة فإن هذا العيب لولا أن كشفه ضغط هذه الأمواج العالية ما كان لتكشفه يقظة الربان المعقولة ومن ثم فلا مناص من اعتباره في هذه الحالة عيباً خفياً لا تسأل عنه طبقاً لأحكام المادة 4 من معاهدة سندات الشحن تحت ثانياً فقرة 4. وحيث يبين مما تقدم أن التلف الذي أصاب البضاعة موضوع الدعوى كان بسبب خارجي لا يد للمستأنفة فيه ولا حيلة لها في دفعة ولهذا يكون الحكم المستأنف الذي قضى بمساءلتها عن تعويض هذا التلف في غير محله ويتعين إلغاؤه". ولما كانت معاهدة بروكسل لسندات الشحن الموقعة في 25 من أغسطس سنة 1924 والتي انضمت إليها مصر وصدر مرسوم بالعمل بأحكامها ابتداء من 29 مايو سنة 1944 والتي قرر الحكم أنها تحكم العلاقة بين الطرفين - توجب في المادة الثالثة على الناقل أن يبذل الهمة الكافية لجعل السفينة صالحة للملاحة قبل السفر وعند البدء فيه وتجهيزها وتطقيمها على الوجه المرضي ونصت المادة الرابعة على أنه في جميع الحالات التي ينشأ فيها الهلاك أو التلف من عدم صلاحية السفينة للسفر يقع عبء الإثبات فيما يتعلق ببذل الهمة الكافية على عاتق الناقل مما مفاده أن الناقل لا يستطيع الخلاص من المسئولية عن الهلاك أو التلف الذي لحق البضاعة إلا بإثبات أنه قام ببذل الهمة الكافية لجعل السفينة صالحة للملاحة قبل البدء في الرحلة. وكانت الطاعنة قد أنكرت على المطعون عليها بذلك تلك الهمة واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي نتائج الحادث وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى في التدليل على صلاحية السفينة للملاحة عند بدء الرحلة وفي إطراح دفاع الطاعنة بعدم توافر هذه الصلاحية بما استخلصه من الشهادة المقدمة من المطعون عليها والدالة على سلامة تستيف شحنة السفينة قبل مغادرتها ميناء القيام من أن المطعون عليها قد بذلت الهمة الكافية لسلامة الشحنة وكان هذا الذي استخلصه الحكم ليس من شأنه أن يؤدى إلى ما رتبه عليه من اعتبار السفينة صالحة للسفر عنه بدء الرحلة ومن إعفاء المطعون عليها الناقلة تبعاً لذلك من إثبات ما ألزمها القانون إثباته للخلاص من المسئولية ذلك أن ثبوت أن المطعون عليها قد بذلت الهمة الكافية لسلامة الشحنة لا يدل بحال على أنها بذلت الهمة لجعل السفينة صالحة للسفر وذلك لاختلاف الأمرين ولعدم ترتب أحدهما على الأخر لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً في هذا الخصوص بفساد الاستدلال كذلك فإنه لما كان قد قرر أن تلف أنبوبة تصريف المياه قد حدث بسبب الأمواج العالية وليس لسبب آخر وأنه على فرض وجود عيب في هذه الأنبوبة فإن هذا العيب يعتبر عيباً خفياً لأنه ما كان لتكشفه يقظة الربان المعقولة وكان الحكم فيما قرره من ذلك قد أرسل القول دون أن يبين سنده في اعتبار أنه لم يكن لتلف الأنبوبة سبب آخر غير الأمواج العالية وفي اعتبار أن هذا التلف ما كانت لتكشفه يقظة الربان المعقولة ودون أن يفصح عن المصدر الذي استقى منه هذين الأمرين فإنه يكون أيضاً قاصر البيان في هذا الخصوص بما يستوجب نقضه وذلك دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.