أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 4 - صـ 1

جلسة 16 من أكتوبر سنة 1952
(1)
القضية رقم 162 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة الأستاذ عبد الحميد وشاحي المستشار وبحضور حضرات الأساتذة سليمان ثابت ومحمد نجيب أحمد وعبد العزيز سليمان وأحمد العروسي المستشارين.
عقد. تفسيره وتكييفه. تفهم نية المتعاقدين لمعرفة ما إذا كانت قد اتجهت إلى البيع بالعينة أم إلى البيع بحسب المواصفات. مسألة واقعية. استقلال قاضي الموضوع بها متى أقام قضاءه على استخلاص سليم. مثال.
إن تفهم نية العاقدين لمعرفة إن كانت قد اتجهت إلى البيع بالعينة أم إلى البيع بحسب المواصفات الواردة في التعهد هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع متى أقام قضاءه فيها على استخلاص سليم. وإذن فمتى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن من ضمن الأسباب التي أقيم عليها ما قررته المحكمة من أن الشيء الذي كان يقصده الطاعن بذاته وكان الدافع له على التعاقد هو صابون للغسيل رقم 1 زنة القطعة منه 50 جراماً، وأنه عندما قبل عطاء المطعون عليه نظر إلى نوع الصابون ورتبته وزنة كل قطعة منه أكثر مما نظر إلى العينة المقدمة من المطعون عليه، يؤيد ذلك ما يبين من كتابه بقبول العطاء من أنه اهتم بذكر هذه المواصفات دون أن يذكر شيئاً عن العينة وأنه يؤخذ من دلالة هذه الظروف أن العينة، وإن كان أشير إليها في التعهد الموقع عليه من المطعون عليه، ألا أنها لم تكن إلا مثلاً من أمثلة الصابون المطلوب وأن البيع لم يكن بيعاً بالعينة بحقيقة معناه حتى يكون المطعون عليه مسئولاً عن مطابقة الصابون المورد للعينة في كل شيء وأنه بحسبه أنه ورد صابوناً يتفق مع المواصفات الآنف ذكرها ومع المواصفات التي يشترطها القانون في مثل هذا الصابون، فإن هذا الذي قررته المحكمة هو استخلاص سليم ولا يمنع من قبوله ذكر العينة في التعهد المحرر بين الطرفين متى كانت تحتمله بقية أوراق الدعوى وظروفها وملابساتها على الصورة المبينة في الحكم ويكون ما نعاه الطاعن على هذا الحكم من الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة حكم العقد على غير أساس.


الوقائع

في يوم 29 من مايو سنة 1950 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 19 من مارس سنة 1950 في الاستئناف رقم 211 سنة 5 ق - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم الابتدائي ورفض دعوى المطعون عليه واحتياطياً إحالة الدعوى على دائرة أخرى للفصل فيها مجدداً مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وفي 31 من مايو سنة 1950 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن - وفي 15 من يونيه سنة 1950 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته - ولم يقدم المطعون عليه دفاعاً. وفي 20 من مارس سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات. وفى 2 من أكتوبر سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محامى الطاعن والنيابة العامة على ما جاء بمذكرتهما - والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر ومرافعة المحامي عن الطاعن والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه تتحصل، حسبما يستفاد منه ومن سائر الأوراق المقدمة في الطعن، في أنه رسا على المطعون عليه عطاء توريد صابون للغسيل رقم 1 للحمامات الشعبية بمجلس بلدى المحلة الكبرى، وقام المطعون عليه بتوريد كمية بلغ ثمنها 497 ج و205 م، وطلب من الطاعن دفع هذا المبلغ إليه فامتنع بحجة أن الصابون المورد يخالف العينة المقدمة مع العطاء، فرفع المطعون عليه دعوى إثبات الحالة رقم 2700 سنة 1947 محكمة المحلة الكبرى الجزئية، وقضي فيها بندب خبير كيمائي انتهى في تقريره إلى أن مواصفات الصابون المورد تتفق مع المواصفات الموضوعة للصابون رقم 1 بالقانون رقم 87 لسنة 1938 والخاص بتنظيم صناعة وتجارة الصابون وأنه مطابق إلى حد كبير للعينة المقدمة من المطعون عليه وإن كان يختلف عنها اختلافاً طفيفاً، ثم أقام المطعون عليه على الطاعن الدعوى رقم 802 كلى سنة 1948 محكمة طنطا الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بثمن الصابون الآنف بيانه، وفي 15 من فبراير سنة 1949 قضت المحكمة بإلزام الطاعن بالمبلغ المطلوب, فاستأنف هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 211 تجارى سنة 5 قضائية محكمة استئناف الإسكندرية، وقضت المحكمة في 19 من مارس سنة 1950 بتأييده بناء على الأسباب التي أقيم عليها وعلى الأسباب التي أضافتها إليها، وقرر الطاعن في الحكم المذكور بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وخالف حكم العقد - ذلك أن المحكمة قررت أن البيع الذي انعقد بين الطرفين لم يكن بيعاً بالعينة بحقيقة معناه حتى يكون المطعون عليه مسئولاً عن مطابقة الصابون المورد للعينة في كل شيء وأن المواصفات الحكومية للصابون هي التي كانت وحدها محل الاعتبار عند التعاقد مع أنه يبين من التعهد المحرر بين الطرفين في 24 من ديسمبر سنة 1946 أنه نص فيه صراحة على أن يكون الصابون المبيع مطابقاً للعينة التي قدمها المطعون عليه، وذلك بدلالة ما جاء في صدره من عبارة "حسب العينة" وما ذكر في بنده الخامس من أن قبول الصابون المورد لا يكون إلا بعد مضاهاته على العينة المقدمة وما ورد في بنده السادس من تقرير حق الطاعن في رفض الصابون إذا ظهرت فيه عيوب تجعله مخالفاً للعينة، وهي نصوص تقطع في أن العينة وحدها هي التي كانت محل الاعتبار في التعاقد، وبذلك تكون المحكمة قد مسخت العقد وفسرته بما يناقض نصوصه الصريحة.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن من ضمن الأسباب التي أقيم عليها ما قررته المحكمة من أن الشيء الذي كان يقصده الطاعن بذاته وكان الدافع له إلى التعاقد هو صابون للغسيل رقم 1 زنة القطعة منه 50 جراماً: وأنه عندما قبل عطاء المطعون عليه نظر إلى نوع الصابون ورتبته وزنة كل قطعة منه أكثر مما نظر إلى العينة المقدمة من المطعون عليه - يؤيد ذلك ما يبين من كتابه بقبول العطاء من أنه اهتم بذكر هذه المواصفات دون أن يذكر شيئاً عن العينة: وأنه يؤخذ من دلالة هذه الظروف أن العينة، وإن كان أشير إليها في التعهد الموقع عليه من المطعون عليه، إلا أنها لم تكن إلا مثلاً من أمثلة الصابون المطلوب، وأن البيع لم يكن بيعاً بالعينة بحقيقة معناه حتى يكون المطعون عليه مسئولاً عن مطابقة الصابون المورد للعينة في كل شيء، وأنه بحسبه أنه ورد صابوناً يتفق مع المواصفات الآنف ذكرها ومع المواصفات التي يشترطها القانون في مثل هذا الصابون.
ومن حيث إن هذا الذي قررته المحكمة هو استخلاص سيلم ولا يمنع من قبوله ذكر العينة في التعهد المحرر بين الطرفين متى كانت تحتمله بقية أوراق الدعوى وظروفها وملابساتها على الصورة المبينة في الحكم. ولما كان يفهم نية العاقدين لمعرفة إن كانت قد اتجهت إلى البيع بالعينة أم إلى البيع بحسب المواصفات الواردة في التعهد هو من مسائل الواقع فيكون هذا السبب مردوداً.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالتناقض في التسبيب - ذلك أن المحكمة قررت أن البيع الذي انعقد بين الطرفين لم يكن بيعاً بالعينة في حين أنها أخذت بأسباب الحكم الابتدائي وفيها لم تنكر محكمة الدرجة الأولى أن البيع المذكور كان على أساس العينة المقدمة من المطعون عليه.
ومن حيث إن هذا السبب في غير محله لما يبين من الحكم الابتدائي من أنه أقيم في أساسه على ما انتهى إليه الخبير المنتدب في دعوى إثبات الحالة من أن الصابون المورد يطابق المواصفات الحكومية الموضوعة للصابون رقم 1 وأن التوريد متفق إلى حد كبير مع العينة الأساسية المقدمة من المطعون عليه وأنه لا عبرة بما قيل من أن إدارة البلديات تجري تجارب أولية على الصابون بغمسه في الماء فإن طفا فهو جيد وإن غاص فهو ردئ لعدم ارتكاز هذه التجربة على أساس علمي - وليس في هذا القول ما يفيد أن محكمة الدرجة الأولى قد قطعت في أن البيع الذي انعقد بين الطرفين كان بالعينة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس، ومن ثم يتعين رفضه.